تتواصل حركة الاحتجاجات في ما صار يعرف باسم الحراك الشعبي في منطقة الريف بالمملكة المغربية منذ مقتل صياد سمك سحقا داخل شاحنة لجمع النفايات بمدينة الحسيمة منذ ستة أشهر. حراك يؤكد القائمون عليه والناشطون فيه أن مطالبه اجتماعية واقتصادية وتتعلق بتنمية المنطقة، وأنهم لا يطالبون بالانفصال عن المغرب. بعد ستة أشهر من مقتل بائع السمك محسن فكري بشكل مروع طحنا داخل شاحنة لجمع النفايات في مدينة الحسيمة بشمال المغرب، بات الاحتجاجات في تلك المنطقة اليوم اسم، الحراك الشعبي بمنطقة الريف. يقول مسؤول محلي إن الأمر "سيستمر، والحراك امتد إلى كل مناطق" الريف. ويؤكد ناصر زفزافي أبرز وجوه الحراك الشعبي "لسنا انفصاليين". قال زفزافي لوكالة فرانس برس في مدينته الحسيمة (شمال) مركز الحراك الذي انطلق في نهاية تشرين الأول/أكتوبر 2016 مدفوعا بالاستياء الذي أثاره مقتل بائع سمك طحنا داخل شاحنة للقمامة، إن "مطالبنا اقتصادية واجتماعية ولم يطرح يوما إقامة دولة مستقلة". وأضاف هذا العاطل عن العمل البالغ من العمر 39 عاما والذي أصبح وجها للحراك الشعبي "بعدما فشلت في إضعافنا، أخرجت دولة المخزن (السلطة أو الدولة المركزية) هذه الورقة". وفي البهو العائلي المتواضع للعائلة وتحت صورة عبد الكريم الخطابي الذي دحر المستعمر الإسباني وأسس جمهورية الريف التي لم تدم طويلا في 1922، عقد زفزافي "مؤتمرا صحافيا" جديدا تحدث فيه باللغة الأمازيغية للريف (اللهجة الريفية) وبث مباشرة على مواقع التواصل الاجتماعي. وقال "شجعونا على الهجرة إلى أوروبا ويحاولون تأليب السكان ضدنا، ويتهموننا بتهريب المخدرات أو بأننا أدوات للجزائر. اليوم يقولون إننا نتلقى المال من الخارج. إذا كان هناك أدلة، فليخرجوها!". "أبناء البسطاء الفقراء" قال زفزافي "منذ ستة أشهر مطالبنا واضحة وشرعية في إطار القانون: بناء مستشفيات وجامعات وبنى تحتية، مكافحة لوبيات العقارات ومحاربة اللوبيات الذين يسرقون الثروة السمكية". وأضاف "نحن أبناء البسطاء الفقراء نقول لا للظلم لا للفساد. لا نطلب شيئا استثنائيا بل مجرد إعادة تأهيل منطقتنا المنكوبة بالكامل اليوم". وتتردد على لسان الرجل والشبان المحيطين به كلمات "ديكتاتورية" و"طغيان" و"قمع". ويدين هؤلاء بشكل متكرر "عسكرة" المنطقة، في إشارة أولا إلى الانتشار الكبير للشرطة، ثم للمطالبة بأن يسحب رسميا مرسوم صدر في 1958 ويقضي باعتبار الحسيمة منطقة عسكرية، بينما تؤكد الإدارة باستمرار أنه ألغي رسميا في 1959. والثقة في السلطات غائبة تماما لأنها "تحاول الإيحاء بأنها تحاور السكان" مثل أعضاء المجالس المحلية "الفاسدين الذين لم يعد لدينا أي ثقة فيهم" كما قال ناصر زفزافي، معبرا عن أسفه لأنه "لم يجر أي حوار مباشر مع الحراك الشعبي". وشهدت الحسيمة التي أقيل واليها في نهاية آذار/مارس عددا من الزيارات الوزارية في الأشهر الأخيرة مع إعلان الدولة عن تسريع مشاريع تنمية المنطقة. وقال زفزافي "لا نؤمن بشعارات هؤلاء البيادق، خصوصا الدكاكين السياسية أو الدولة، إلا بشرط أن تكون هناك ضمانات ممحضرة (مكتوبة) تتعهد فيها الدولة رسميا ببناء مصانع ومدارس (...) للريف والمنطقة". وأضاف أن "الدولة حاولت كسب الوقت، لكن الوقت في مصلحتنا". وتوقع أن تنظم "مسيرة لمليون شخص" قريبا. وتحول ذلك الغضب إلى "زلزال اجتماعي"، وفق الصحافة المحلية، في تلك المنطقة الجبلية الواقعة على ساحل المتوسط، وذات الارتباط القوي بالهوية الأمازيغية والمتميزة بماضيها الاحتجاجي. وتبدو الحياة في الحسيمةالمدينة التي يبلغ عدد سكانها 60 ألف نسمة، ببيوتها المتراصة على الجبل وبمركزها المطل على المتوسط، طبيعية رغم التواجد الكثيف للشرطة بالزيين العسكري والمدني. وتشهد المنطقة التي تعاني أصلا من عزلة طبيعية، أزمة اقتصادية كبيرة، إذ أن أموال المهاجرين لم تعد تصلها، وإنتاج القنب بات محظورا بشكل أكبر، والتهريب باتجاه الجيوب الإسبانية في انخفاض. أما صيد الأسماك، وهو مصدر الغنى للريف، فيواجه أزمة. تلك العوامل كلها تضاعف الشعور بالإقصاء وانعدام الثقة حيال الدولة في هذه المنطقة المعتادة على الاحتجاج، حيث يرفرف العلم بالألوان الأمازيغي أو علم جمهورية الريف الزائلة، التي أعلنت في العام 1922 بعد انتصار المقاومة بقيادة عبد الكريم الخطابي على الاستعمار الإسباني. "هويتنا" يقول فيصل عوصار الناشط المحلي في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، إن "علم الريف هو هويتنا، تراث منطقتنا"، مضيفا في رد على الاتهامات بالانفصال أنها "أسطوانة قديمة لتشويه سمعة الحراك". وشهدت الحسيمة مسيرات كبيرة شارك فيها الآلاف، كان آخرها في التاسع من نيسان/أبريل. وعادة ما يعلن في نهاية الأسبوع عن تجمعات تطوقها الشرطة على الفور أو تمنعها من الوصول إلى وسط المدينة. وباستثناء مسيرة طلابية في أواخر آذار/مارس تحولت إلى العنف، فإن الاحتجاجات سلمية، وترفع المطالب نفسها: عمل، طرقات، جامعات، مستشفيات، واستثمارات. ويعتبر عوصار أن "مطالبات هؤلاء الشبان محقة ومشروعة، كل الريف يدعمها"، مؤكدا أن "الحراك مستمر طالما لم يتم حل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية". من جهته، يرى ناصر زفزافي أن "هذا الحراك (...) له صدى في آذان الكثيرين بسبب الأزمة الاقتصادية، ولا سيما بين التجار والصيادين". ويضيف "لم يعد يوجد شيء هنا. لا مال ولا أعمال"، ولا خيار آخر سوى الهجرة كما يقول سكان لوكالة فرانس برس. وكان فكري (30 عاما) قتل في أواخر تشرين الأول/أكتوبر 2016 في الحسيمة (شمال) بمنطقة الريف عندما علق في مطحنة شاحنة لنقل النفايات بينما كان يحاول على ما يبدو إنقاذ بضاعة له صادرتها الشرطة، من سمك أبو سيف المحظور صيده في المغرب في تلك الفترة من السنة. وأثار ذلك موجة غضب عارمة في الحسيمة حيث خرج الآلاف في تظاهرات، فيما شهدت مدن أخرى تجمعات أصغر حجما. الدعم من الشتات دور المهاجرين محط نقاش. تقول الرباط إن جمعيات تتخذ من أوروبا مقرا، تقود الاحتجاجات. يتباهى أنصار الحراك الشعبي الذين يرفضون "أي تدخل أجنبي"، بدون تحفظ بدعم من قبل الريفيين في الشتات. وتواجه الدولة صعوبات كما يبدو في تلبية المطالب وتعنت الحراك الشعبي. وقد أقيل والي إقليمالحسيمة في نهاية آذار/مارس، والزيارات الوزارية تتوالى، وأعيد إطلاق سيل من المشاريع. وقال المسؤول المحلي نور الدين بكران "يجب المضي إلى الأمام" مؤكدا أن "الوضع عادي في المنطقة حيث تقوم المؤسسات بعملها وتستمع إلى المواطنين". وأضاف "هناك العديد من المشاريع جارية حاليا، ونبذل كل الجهود لاجتذاب المستثمرين. ستكون هناك أفكار مباشرة موجهة لصيادي الأسماك" معربا عن اعتقاده بأن "المنطقة لها مستقبل واعد". وقال أحد وجهاء المنطقة إن "السلطات تتحرك لكن ليس بشكل كاف. يجب تحقيق نتائج فورية لنزع فتيل النقمة، وتأمين عمل للناس". وأضاف "على المدى القصير، ليس هناك من حل آخر سوى الحوار" معبرا عن قلقه من محاولة الدولة "عزل هذه الحركة، وهو ما لن يؤدي سوى إلى تأجيج حركة الاحتجاج".