مقال للتفاعل موجه إلى المناضلين والمناضلات ومختلف الفاعلين في الحراك الشعبي بالريف: يشهد الريف حركة احتجاجية جماهيرية قوية منذ أزيد من سبعة أشهرمنذ فاجعة استشهاد َمحسن فكري َوهي حركة لازالت تنتشر وتتمدد إلى مداشر و قرى لم تشهد احتجاجات حتى بعد هولوكست البنك الشعبي بالحسيمة، أي فترة بروز حركة 20 فبراير سنة 2011 ،ومن المرجح أن تستمر وتتقوى في ظل رفض النظام التعاطي بشكل جدي مع المطالب السوسيواقتصادية ومطالب حقوقية تناضل من أجلها الجماهير، ورهانه على عامل الوقت ومحاولة تسخير المنتخبين الفاقدين للشرعية في عملية بئيسة لإخماد الحراك وتسخيره كذلك للبلطجية لزرع الرعب في نفوس المحتجين. وإذا كان الحراك قد استطاع أن يستمرويكبر رغم كل محاولات تطويقه من طرف النظام ومؤسساته فإن الأسباب الأساسية التي تقف وراء هذه الإستمرارية هي وجود شروط موضوعية محفزة على الإحتجاج، الإنزال العسكري والوضع الإقصادي الإجتماعي المتردي ،التهميش ،البطالة وتراجع عائدات الجالية الريفية بالخارج ضعف الخدمات العمومية وغيابها في بعض المناطق ، التاريخ النضالي للريف وحجم التضحيات التي قدمها الريفيون والريفيات في سبيل التغيير الذي لم يتحقق بعد.. إظافة إلى إلى العوامل الذاتية الأخرى والتي تدفع بالحراك إلى الأمام والمتمثلة في جود قاعدة عريضة ومهمة من الشباب (ة) المتعلمين والثائرين على سياسات النظام والمدرك لطبيعته الإستبدادية والمصر على بناء مجتمع تسوده العدالة الإجتماعية والحرية والكرامة، هذه العوامل الموضوعية والذاتية هي سر استمرارية الحركة الإحتجاجية التي لا يمكن بأي حال من الأحوال ربطها بقدرات هذا الشخص أو ذاك ، أو إعتبارها نتاج ذكاء فرد أو مجموعة من الأفراد . ولعل من نواقص هذه الحركة عدم قدرة المناضلين الفاعلين فيها على بلورة رؤية شمولية للحركة عبر تحديد أهدافها وربط النضالات التي تخاض على مستوى مختلف المناطق ببعضها ، ووضع آليات تنظيمية موحدة لذلك . فكل الإحتجاجات التي يتم خوضها لحدود الان هي ذات طابع محلي محدود ، إن على مستوى طبيعة الأشكال النضالية بآستثناء بعض الأشكال النضالية التي تخاص من حين لآخر بمدينة الحسيمة ، ووضع مطالب اقتصادية واجتماعية تهم جماهير تلك المنطقة فقط ولم يتم لحد الآن تسجيل أي تقدم على مستوى اقتراح الآليات التنظيمية التي يمكنها أن تعطي للحركة بعدا وطنيا أو جهويا على الأقل يفرض على النظام تقديم تنازلات سياسية واقتصادية حقيقية لصالح الجماهير المنتفضة ، بل هناك من المناضلين من يحاول التغاضي عن هذه المهمة تحت ذريعة اعتبار َناصرَناطقا رسميا باسم الحراك ، ليس هناك مانع بل جميل جدا أن يكون ناصر كذلك ، لكن لا يجب التغاضي على فرز قنوات تنظيمية أو تواصلية جماهيرية بين مختلف اللجان الفاعلة بالريف ، على اعتبار أن الحركة تتعايش وسطها العديد من الإتجاهات والتيارات الفكرية والسياسية المناضلة ، والتي يعود لها الفظل في نقل الإحتجاجات إلى مختلف المناطق بالريف ، هذا رغم إختلافها مع ناصر ومناضلين آخرين حول سبل تطوير الحركة الإحتجاجية وطبيعة مطالبها. إن أعظم تقدم يمكن أن يحرزه الحراك الجماهيري بالريف وفاءً للمعتقلين والشهداء الذين ضحواوسقطوا في معركة التغيير ، بدئ ًمن شهداء المقاومة المسلحة و الإنتفاضات الشعبية في القرن الماضي وصولا إلى شهداء محرقة 20 فبراير و معتقلي انتفاضة أيث بوعياش وشهيدها ًكمال الحسانيً وبعده شهيد الكرامة ًمحسن فكريً وكذلك معتقلي أحداث إمزورن 26 مارس،هو أن تتبلور الرؤى السياسية والتنظيمية الكفيلة بالجواب عن بعض الأسئلة من قبيل: ماذا نريد؟ أي أفق نسعى إليه وبأي وسائل يمكن الوصول ؟ دون اللجوء إلى أسلوب التخوين و الكذب والتشهير والتحريض من طرف مناضلي هذا المكون على مناضلي مكون أوتيارآخر، دون ترك المجال للعفوية والأهواء الشخصية كي تتحكم في مصير الحراك، دون أن نكذب على أنفسنا ونقول بأننا نستطيع تحقيق تغييرحقيقي دون توفير أدواته التنظيمية والسياسية.وهذا الأمر يتطلب بعض الجرأة والصدق والوضوح في التعاطي مع الحراك الجماهيري بالريف الذي يحتاج الآن إلى نقاش هادئ رزين ومسؤول،يقرب بين وجهات النظرويضعها على سكة التغيير الحقيقي للوضع،أما الإختباء وراء مطالب اجتماعية مقابل تمريرخطابات سياسية محددة والتجنيد لها بشكل أو بآخر، والإصرار على عزل أي خطاب سياسي آخر معارض رغم قوته الإقتراحية والتقريرية داخل الحراك في العديد من المناطق بالريف الكبير. ذلك ستكون له آثارسلبية في الأمد القريب والمتوسط ليس على الحراك فحسب ، بل أيضا على المناضلين الذين يسعون إلى قتل الإختلاف والدينامية الفكرية والسياسية داخل الحراك الجماهيري. عودة إلى موضوع أهداف الحراك الجماهيري بالريف لاأحد يمكنه أن ينكر الطابع الإجتماعي الذي يطغى على المطالب الرفوعة على الأقل بشكلها الرسمي الحالي،لكن ذلك لاينفي حقيقة وجود قناعات سياسية لدى الفاعلين واالمؤثرين في الحراك بمختلف مناطق الريف، وهذه االقناعات تترجم في شكل شعارات ومواقف ،خطابات ولافتات وأعلام ترفع هنا وهناك،كل هذا يعكس إلى حد ما طبيعة الأهداف التي يسعى إليها كل مناضل أو فاعل وسط الحراك ، لم يتبلور في شكل اتجاهات أو تيارات فكرية وسياسية منظمة وتحمل مشاريع فكرية وتنظيمية واضحة،أجهزة النظام تترصد ذلك جيدا،وتتوجس بشكل مكشوف من تبلورهذه القناعات الفكرية والسياسية في شكل قوالب تنظيمية قد تعطي للحراك أفقا أرحب مماهو عليه الآن. ولعل الخطوات التي يقوم بها مناضلي الحراك في أروبا والتي تتجه نحو تجميع اللجان الداعمة للحراك في قنوات تنسيق موحدة تشكل خطوة مهمة ونموذجية في هذا المستوى،ولو أن هذه الصيغ التنظيمية لا تتم على أرضية سياسية أو إيديولوجية بل على أرضية مطلبية ونضالية، تفسح المجال على الأقل لمختلف القناعات الفكرية والسياسية أن تتجادل حول البرامج النضالية وآفاق الحراك بشكل ديمقراطي داخلي ومنظم دون ترك أي فرصة للنمائم والإختلافات النفسية والرغبات الذاتية الضيقة والإختلافات الإيديولوجية كي تنمو وتؤثرفي مسار ومصير الحراك ككل ، لذلك فالرهان الأساسي الملقى على عاتق المناضلين الفاعلين من داخل الحراك والساعين فعلا إلى تطويره وخلق شروط حقيقية لتغييرالأوضاع الإجتماعية الراهنة ،عبر النضال الجماهيري الواعي والمنظم هو تعزيز جسور التواصل بين لجان الحراك المحلية بمختلف المناطق التي تتواجد فيها وتدقيق التصورات حول اللجان الشعبية وطرق اشتغالها ، والتشبث بمبدئ التسيير والتقرير الديمقراطي لطبيعة المعارك التي يجب خوضها ومختلف التفاصيل المرتبطة بها (الجماهير تقرر والقيادة تنفذ ). من جهة أخرى يفترض على الشباب الثائر على النظام وسياساته التفقيرية أن يدرك بأن الوحدة الهلامية والقسرية أحيانا بين مكونات الحركات الجماهيرية ولو على أرضية المطالب الإجتماعية لا يمكن أن تنتج سوى وحدة صورية سرعان ما ستتحول إلى عائق أمام تطور الحراك ما لم يتم تنظيمها وتأطيرها بعرض وجهات النظر المتباينة وتحديد أوجه الإلتقاء و الإختلاف بينها، واعتماد معيار الكشف عن البرامج والتصورات حول الآفاق المستقبلية، بدل الإختباء وراء وحدة الحراك دون أن يكون له أي معنى تنظيمي أوسياسي . إن الحراك الجماهيري بشكله الراهن رغم تحقيقه للعديد من المكتسبات الإجتماعية والسياسية والنضالة الجزئية، وكذلك القدرة على الصمود والإستمرارية والتمدد سيكون عاجزعلى تحقيق قفزة نوعية في اتجاه الأفق الذي ستتوفر فيه شروط تقليص الفوارق الطبقية، وتتحقق فيه العدالة الإجتماعية والحرية والكرامة وتوزع فيه الثروات الطبيعية بشكل عادل ، ما لم يتم الإشتغال على بناء ميزان قوى شعبي منظم يتجاوز الحدود الجغرافية والمطلبية التي يحاول بعض المناضلين حشرالحراك فيها. وعلى المثقفين الشباب الواعي أن يدرك بأن مسافة الألف ميل تبدئ بخطوة واحدة، وتلك الخطوة الآن هو الإنتظام في اتجاهات فكرية وسياسية داخل الحراك مع الحفاظ على وحدته،والعمل على تعزيز آليات التسيير والتقريرالديمقراطي التي يفرزها الميدان،وعلى رأسها اللجان الشعبية التي يجب وضع تصور موحد وشامل حول طرق اشتغالها. إظافة إلى تعميم الجموعات العامة الجماهيرية والتي لايجب التخلي عنها بأي شكل من الأشكال وتحت أية ظروف،لأن الرهان يتوقف عليها لتتعلم الجماهير قيادة نفسها بنفسها نحو بناء مجتمع ديمقراطي يكون فيه الشعب هو صاحب السلطة والسيادة على أرضه وثروته. في الختام لا يسعنا سوى التأكيد على أن هذه القراءة المتواضعة لا تلزم إلا من يتفق مع مضامينها،ولا تستهدف التقليل من أهمية الجهود التي يبذلها المناضلين في مختلف المناطق في سبيل تحصين الحركة النضالية للجماهير الشعبية،بل تسعى إلى تطوير هذا الحراك الشعبي العارم وتعزيز هذه الجهود عبر فتح نقاش جماعي ومسؤول حول أنجع السبل لبلوغ الغايات المنشودة،وهذه الغايات لا تخرج عن إطار توفير شروط بناء الواقع البديل الذي تنتفي فيه كل مظاهر الإستغلال والتهميش والإضطهاد...!!