وقف الكثير من الفاعلين عبر مقالات وتصريحات عند حدث إغتيال المناضل الأمازيغي “عمر خالق” بجامعة قاضي عياض بمراكش يوم 27 يناير 2016 وعند الهجوم غير المسبوق على تنظيم طلابي يتمثل في الحركة الثقافية الأمازيغية كإحدى المكونات الطلابية التي تعمل من داخل منظمة إتحاد الوطني لطلبة المغرب، وما ترتب عن ذلك من نتائج، آخرها إزهاق حياة المناضل “عمر خالق” وبعدها الإعتقالات السياسية التي لحقت مناضلي التنظيم سنة 2007 بعد “إفتعال أحداث العنف من داخل الجامعة المغربية” بدء من الهجوم على الحركة الثقافية الأمازيغية بجامعة تازة لتنتقل الهجومات من “نفس التيارات السياسية الطلابية اليسارية” على هذا التنظيم إلى مواقع جامعية الأخرى وطنيا (الراشدية، أمكناس، وجدة، أكادير، مراكش…)، قلت قد يحلل البعض هذه الأحداث من منطلق ضيق منحصر داخل أحداث الجامعة، وهذه نظرة قاصرة لمثل هكذا قضية التي تتجاوز خلفياتها السياسية الجامعة المغربية. فلفك شفرات هذه الأحداث وللوقوف على خلفياتها السياسية الحقيقية، يتطلب منا نوعا من العِلمية في الطرح والتحليل، وبالخصوص ونحن نتناول قضية سياسية -الأمازيغية- وراءها خطاب علمي مفكك لإيديولوجيا السلطة والحكم بالبلاد، وذات مشروع سياسي تصحيحي بديل يحمل عمق الإشكالات الثقافية والتاريخية واللغوية والهوياتية بالمغرب وشمال إفريقيا عامة، ويكشف القناع عن كل الخطابات الإستئصالية والإستلابية التي تتبناها دولة المخزن، والتي ترتكن إليها لتقول بشرعيتها السياسية والتاريخية والدينية في الحكم. عندما تفشل الدولة في جعل كل السلطة داخل سلطتها بتعبير ميشيل فوكو، عن طريق الإحتواء وما يترتب عنه من تصدير الخطاب وتجزيئه ليتماشى وإيديولوجية السلطة وعلى مقاسها، أو عندما تفشل في خلق إطارات موازية لذات السلط الخارجة عن سلطتها، أو عندما لا تستطيع إختراق مثل هكذا خطاب علمي يحمل مشاريع سياسية بديلة مبنية على حقائق الواقع والتاريخ ويدعو إلى دولة ديمقراطية حقيقية بمفهومها الحديث، منتقدا ومصححا لديمقراطية الواجهة والتلميع، أنذاك تنتقل -الدولة- إلى إستعمال وسيلة أخرى من وسائلها الإيديولوجية الأكثر قوة ونجاعة بالنسبة لها، لتكتمل صورة المخزن الحقيقية التي تقول “المخزن لا يعرف إلا العنف الدائم” بتعبير عبد الله حمودي، فبعدما يفشل في الحصار والمنع والتضييق والقمع الذي يمكن أن يعرفه ذات الخطاب البديل وأصحابه، تلتجئ سلطته القهرية إلى الإعتقال وعندما تفشل في الإعتقالات تكون آخر وسائله هي الإختطافات المجهولة، ومن ثم الإغتيالات السياسية في صفوف معارضي سلطته الإيديولوجية وسياساتها الثقافية والإقتصادية والإجتماعية. ليس هناك قوة قد يخشاها المخزن، أكثر من قوة الخطاب الذي يثبت مواقفه بعِلمية، وبحِنكة سياسية عالية من أصحابه، فالمخزن لا يخشى إلا أمرين بتعبير أحمد المرابط، يخشى العسكر “الجيش” الذي سبق أن جربه في صدامه التاريخي مع القبائل الخارجة عن طاعته، وجربه في الإنقلابين خلال السبعينيات، كما يخشى مَن يحلل ويفكك شفرات خطابه الإيديولوجي الذي بنى عليه شرعيته في الحكم، وقد ندرج الخطاب الأمازيغي الذي حمله الشهيد “عمر خالق” في خانة هذا الأخير. فالمخزن يعي تمام الوعي بكون الحركة الثقافية الأمازيغية أصبحت هي المحرك الصمام للوعي الأمازيغي العصري، والمدرسة التي يتخرج منها مئات المناضلين إلى الشارع السياسي يحملون خطابا “ممانعا” ومعارضا لطبيعة الخطاب المخزني ذات الصلة بالأمازيغية، أضف إلى ذلك التأثير الكبير الذي لعبه ذات التنظيم الطلابي الأمازيغي وخريجها، في محطات أمازيغية كبرى في الشارع السياسي ولقاءات بوزنيقة شاهدة على “البدائل التنظيمية والسياسية” التي قدمها هذا التنظيم “حركة إيمغناس” وبعدها دوره في تنظيم مسيرة “تاوادا” التي لم يكتب لها النجاح أواخر التسعينيات وبداية الألفية الثانية. إلا أن الموقف الذي سيربك حسابات المخزن في الوقت الذي كان يحضر فيه هذا الأخير ل “إحتواء” شامل للخطاب الأمازيغي وفعالياته عندما خرج هذا التنظيم الطلابي بموقف علمي وجريء ونقيض ل”مؤسسة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية” وإعتبره معهد إحتواء مخزني يهدف إلى إعتقال الأمازيغية وحصرها داخل أسوار مؤسسة إستشارية بعيدة كل البعد عن البحث العلمي والأكاديمي المستقل. يتأكد ذلك كلما استحضرنا السياق السياسي الذي جاء فيه ما يعرف ب “خطاب أجدير 17 أكتوبر 2001” والذي تأسس على إثره معهد “لركام”، سياق كان فيه النضال الأمازيغي في أوجه من ناحية نقاش بدائل العمل المشترك. ومع مرور الوقت تأكدت صحة الموقف وعلميته بإعتراف المنسحبين السبع من المعهد أنفسهم بعد النقد الذاتي الذي قدموه لمسارهم النضالي، قائلين أن المعهد لا يخدم الأمازيغية بالشكل الذي كانوا يطمحون إليه ويريدونه. لذلك فعندما نتناول إعتقالات مناضلي الحركة الثقافية الأمازيغية بالجامعة سنة 2007 يجب أن لا ننظر إليها بعين محاصرة داخل أسوار الجامعة، ونجردها من ثقلها السياسي العام، والسياق الجامعي الخاص الذي تقدم فيه الحركة مشروعا بديلا لفلسفة النضال النقابي الذي يمكن له أن يعيد للحركة الطلابية وإطارها النقابي هيبته التنظيمية والنضالية، ومدخلا لتلعب أدوار طلائعية في التغيير السياسي المنشود، فإعتقالات 2007 خطط لها المخزن بكل “حنكة” لضرب هذا التنظيم الطلابي النوعي من داخل الجامعة، أقول النوعي من حيث القراءات السياسية التي يقدمها، لا من ناحية “المخططات الإصلاحية” التي ينزلها المخزن على التعليم “الميثاق الوطني للتربية والتكوين” والذي فتحث فيه الحركة النقاش مع الطلبة وتوضيح عواقبه ونتائجه على التحصين العلمي ودعوة الطلبة والمكونات للتصدي له وهو ما زال مشروع قانون في البرلمان، في حينه كانت المكونات الأخرى اليسارية منها والإسلاموية تنقاش مواضيع من قبيل “هل الإتحاد السوفياتي حليف تكتيكي أم إستراتيجي؟” و”القومة على منهاج النبوة، القضية الفلسطينية…”. ولا من ناحية المسار الذي إتبعته الحركة الثقافية الأمازيغية من خلال خطابها التصحيحي التوعوي في صوف الأنتيليجنسيا المغربية الذي كان يخشاه المخزن لأنه يضرب في العمق “إيديولوجيته السياسية” ويعري قناعها “الأسطوري” المبني على التزوير الفادح للتاريخ وحقائق الواقع، لذلك خطط المخزن في تحوير وتوقيف مد زخمه بإستنزاف تفكير التنظيم وإمكاناته في قضايا تنظيمية داخلية بدل إنشغالات الشارع السياسي، وبالخصوص بعدما أخذت الحركة وخريجها في الشارع خطوة غير مسبوقبة في النضال الأمازيغي من خلال النزول إلى الشارع وتوزيع مناشر تدعو لمقاطعة الإنتخابات التشريعية في سنة 2007. وهذا ما حدث بالفعل، خطط المخزن وأذياله من أجل “إفتعال أحداث العنف” وإقحام التنظيم فيها من أجل هدف واحد وأوحد، وهو ضرب هذا التنظيم الأمازيغي الوطني الموحد، مهما كانت التضحيات التي يمكن أن يؤديها الطلبة بشكل عام من داخل الجامعة، بدء من تازة والراشدية وأمكناس… كان ضحيتها أزيد من خمسة وأربعين معتقلا سياسيا كلهم ينتمون لتنظيم واحد هو MCA موزعين بين الراشدية وأمكناس ليتضح ويتأكد أن الإعتقالات كانت ممنهجة وسياسية تستهدف التنظيم بالدرجة الأولى. إعتقالات ما زال أعظوش وأسايا يدفعان ثمنها رغم برائتهما بشهادات المنتمين “لضحايا العنف الجامعي أنفسهم” أمام المحكمة، وبشهادة تحليلات ADN الطبية التي أجريت على “الضحايا”، إلى أن المخزن له رأي أخر ومخطط له سلفا. بعد قرابة تسع سنوات من الإعتقال السياسي في صفوف مناضلي القضية الأمازيغية، وهم على أبواب إطلاق سراحهما، يتجدد التخطيط في ضرب هذا الصوت الأمازيغي الحر من داخل الجامعة المغربية، لكن هذه المرة عن طريق إرتكاب جريمة سياسية أكبر من سابقتها، بإغتيال مناضل ينتمي لذات التنظيم-موقع مراكش، وقد نتساءل لماذا مراكش بالذات؟ عودة الحركة بعد غياب لسنوات عن جامعة قاضي عياض في وسط الأطلس، هذه الأخيرة التي تستقبل طلابا من مغرب هامش الهامش لم تُرضي السلطة السياسية وليس من مصلحتها توعية أبناء هذه المناطق بحقوقهم العادلة وبالأخص حقهم في الثروة المحلية التي تزخر بها والتي تستغلها شركات أجنبية أو تابعة “للهولدينغ” لا تستفيد منها الساكنة شيء رغم أنهم هم الذين قاوموا المستعمر من أجلها وضحوا بالغالي والنفيس في سبيلها، كل هذا يأتي في سياق سياسي وطني كل شيء من داخله نخره الريع بكل صنوفه، الإقتصادي، المالي، المؤسساتي… وإنتقاد الحركة في جامعة قاضي عياض لهذه السياسة البعيد كل البعد عن حقوق المواطنة الكاملة والمتساوية في الحقوق والواجبات من داخل الجامعة المغربية، والتي تمنحها الدولة لبعض الطلاب المنحذرين من الصحراء، لن يرضي الجهات العليا في الدولة التي تمنح الإمتيازات للطلبة الصحروايين ك “كعكة للتخلي عن تبني الطرح الإنفصالي”، فإعتلاء صوت MCA من داخل هذه الجامعة وجرأتها في طرح موضوع سياسي يعتبر “طابو” عند الدولة وفي قضية تحتكرها هذه الأخيرة في سرية تامة، كان له وقع آخر، رغم أن موقف الحركة الأمازيغية عامة من قضية الصحراء موقف ثابت لا تزحزحه لا المصالح ولا الإمتيازات والحسابات السياسية، موقف مبني على حقيقة تاريخية تقول لا لأي كيان سياسي عروبي وهمي فوق أرض أمازيغية. إغتيال “إزم” هو ضرب لتنظيم لا يكف عن قول “لا”، تنظيم يخوض في نقاش قضايا سياسية حقيقية في الدولة، والتي تعتبر “طابوهات المخزن السياسية” وبالأخص “طابو الريع الإقتصادي” الذي بُني عليه المخزن تاريخيا، فالمخزن في عمقه بني علي الريع والإمتيازات التي تلتئم عليها أطرافه بالقرابة العائلية والمصلحة السياسية، ضربة أخرى لتنظيم يمتلك قوة خطابية وتحليلية ويمتلك قوة جماهرية يمكن أن تقلب حسابات المخزن من داخل الجامعة وخارجها. هذا ما لم يتطرق إليه بعض الإخوة والفاعلين الأمازيغيين في مقالاتهم وتصريحاتهم حول الخلفيات السياسية وراء الإغتيال السياسي الذي طال الشهيد “عمر خالق” وعن ربط ذلك بالتنظيم الطلابي وإعتقالات مناضليه في سنة 2007 بل هناك من حاول لعب دور مفضوح يُراد منه تقديم خدمات سياسية للسلطة بجعل إغتيال “إزم” الصراع بين إمازيغن و”الصحراويين الإنفصاليين” وهذا ما ليس صحيحا، فالمخزن هو الذي يرعى “إنفصاليي الداخل” وهو الذي يقدم لهم كل الإمتيازات السياسية في التعليم والوظيفة العمومية والتنقل وفي كل المؤسسات العمومية والمواد الأولية وغيرها. اغتيال عمر خالق جريمة سياسية يتحمل فيها المخزن بكل مؤسساته وأذياله من داخل الجامعة المسؤولية الأولى، فأن يُغتال الطالب من داخل فضاء تعلمي جامعي وتحت أعين السلطة تتحمل فيه الدولة كل المسؤولية.