قراءة في الأطماع السياسية الجديد حول الحركة الأمازيغية بالمغرب أعلنت دار المخزن بالمغرب قبيل انتخابات شتنبر 2007 فتح مسارات جديدة في اللعبة السياسية بالمغرب، مع إعلان فؤاد علي الهمة استقالته من المهام الموكولة إليه في دواليب وزارة الداخلية، وإعلانه عزمه الترشح في تلك الانتخابات، وهي خطوة استعصى فهمها في حينها على المهتمين والمتتبعين للشأن السياسي المغربي، نظرا لكثير من الضبابية والغموض الذي رافق خطوة أحد أبرز رجالات المخزن الجديد. "" هذه الخطوة تلتها خطوة " إبعاد" التمثيلية الحركية في الحكومة لأول مرة في تاريخها، متحولة الى موقع "المعارضة"، ومعها بقيت العديد من الأسئلة عالقة وبدون أجوبة شافية، على الخطوط الجديدة لقواعد اللعبة السياسية الجديدة في المغرب، هذه الرياح التي أصبحت تؤثر في المشهد السياسي المغربي لم يسلم منها حزب الإتحاد الاشتراكي هو الآخر، الممثل في الحكومة بالرغم من النتائج الهزيلة التي حصل عليها في انتخابات شتنبر 2007. لقد سادت الفوضى المشهد السياسي والحزبي خصوصا في المغرب مع اكتساح الهمة ورفاقه في دائرة الرحامنة، وزادها تشكيله لفريق برلماني تحت اسم "الأصالة والمعاصرة" وتوجها بإنشاء "حركة لكل الديمقراطيين". هذا الإرباك السياسي لم تسلم منه الحركة الأمازيغية سواء في شقها السياسي أو المدني، إرباك بدأ يخلق اهتزازات وسط الحركة لكن معالمه لم تتضح بعد، وإن كانت هذه السطور تأمل في شيء، فإنه لن يكون سوى استشراف معالم هذا الخطر الجديد، ودعوة الى كافة مكونات حركتنا العتيدة والصامدة لليقظة وتحصين الذات والمكتسبات والتشبث بكافة مطالبنا الحقة والمشروعة. حاول المخزن بالمغرب جاهدا حصر القضية الأمازيغية، في مجال الثقافة والثراث الشعبي، وهو ما لم يكن له حتى بعد أن استطاع امتصاص شرارة "البيان الأمازيغي" عبر إحداث معهد ملكي يعني بالجانب الثقافي لدى الحركة الأمازيغية، حيث لم تمر سوى شهور، حتى خرج الى الوجود " الحزب الديمقراطي الأمازيغي المغربي" كتجربة تعلن صراحة أن للأمازيغ حقوق سياسية واقتصادية واجتماعية إلى جانب الحقوق المدنية والثقافية، وقد صاحب هذا الإعلان وضع PDAM لبرنامج سياسي مغاير للبرامج الإصلاحية، للأحزاب التقليدية والإدارية المغربية وحتى ذات النزوع القومي والإسلامي، مخططات ولقاءات قابلتها المقاربة الرسمية بالتجاهل واللامبالاة، وهو النهج الذي لم يمنح ثمارا تذكر خصوصا بعد مرور مرحلة مؤتمر مراكش واقتراب محطة استحقاقات 7 شتنبر 2007 التي قاطعها الحزب ومعه جل التنظيمات الأمازيغية المدنية، ولعل نسبة المشاركة الضعيفة في انتخابات شتنبر 2007، قد حمل المخزن في شخص وزارة الداخلية لتغير المنهج والطريقة في التعامل مع PDAM، وهو الأمر الذي سنخصه بالتناول فيما سيأتي من فقرات، بالموازاة مع هذه المبادرة تتوج استياء الحركة الأمازيغية من السياسة المركزية للدولة، في مختلف مناحي الحياة، والمتميزة بالإقصاء والتجاهل والتهميش لقضايا ومطالب أبناء الهامش، بإعلان مبادرة الحكم الذاتي بالريف من قبل فاعلين أمازيغ، وإعلان ميثاق تاينزرت للحكم الذاتي بسوس الكبير، من طرف مايزيد عن 40 هيئة مدنية وسياسية أمازيغية، وهو العدد الذي تضاعف عبر لقاءت الحركة الأمازيغية في الجنوب، هاتين المبادرتين تلتهما مبادرة مشابهة في الأطلس، وشكل تنظيمي جديد في منطقة الجنوب الشرقي عبر تنسيقية أيت غيغوش والتي قطعت أشواطا نضالية مهمة ومتميزة. وعلى مستوى الجامعة التي عرفت أحداثا خطيرة تلطخت من خلالها أيادي المخزن "الحاضرة بقوة" بدماء الطلبة محاولة خلق تشنجات وصراعات جديدة بين المكونات الطلابية، مستهدفة بشكل رئيسي الحد من الامتداد الأمازيغي للحركة الثقافية الأمازيغية داخل الجامعة، وهو الأمر الذي أدى الى تلفيق العديد من التهم الخطيرة بفاعلين رئيسيين وطاقات شابة تأمل التغيير للمغرب في صفوف MCA، وبالمقابل فتحت هذه الخطوات الطائشة للمخزن، ملف الاعتقال السياسي لدى الحركة الأمازيغية، موازاة مع ضفة أخرى تؤدي فيها الدولة دور جبر الضرر الجماعي وطي صفحة سنوات الرصاص. مبادرة أخرى خلخلت بعض توازنات المخزن في المغرب ومعه القطب العروبي السياسي، تلك المتعلقة بتأسيس تنظيمات مدنية تعنى بالصداقة مع المكون اليهودي المغربي أينما تواجد، وهو ما جعل الإسلاميين وبعض العروبيين في المغرب يخوضون بسببه معركة بالنيابة عن المخزن، ضد الأمازيغية بشكل عام، وحوروا النقاش من الصداقة الأمازيغية اليهودية إلى الصداقة الأمازيغية الإسرائيلية. من خلال ما سبق يبدو أن تأسيس حزب سياسي أمازيغي، ومبادرات الحكم الذاتي وملف الاعتقالات السياسية، والصداقة الامازيغية اليهودية، هي ملفات جديدة للحركة الأمازيغية، بعثرت جميع أوراق طاولة المخزن وأربكت سيناريوهات قواعد اللعبة القديمة. أعتبر أنه من الغباء قراءة خطوة فؤاد علي الهمة خريج البلاط، والعمود الفقري لوزارة داخلية ما بعد إدريس البصري، خطوة من أجل خدمة منطقة الرحامنة، أو المغرب بصفة عامة، أو الديمقراطية بهذا البلد، فيما أن الرجل خرج من لعب الهامش أو الظل كما يحب للكثيرين تسميته، الى اللعب في ميادين الشمس التي هي أوسع بكثير، من المرجح أن تكون مهام كبيرة وصعبة على أي كان قد أسندت إليه، ومن العبث اعتبار حركته تستهدف أحزاب دون غيرها أو حركات دون أخر، اتضحت نواياه مع الإستقطابات التي حققها في صفوف مختلف الأحزاب ولدى الحركة الإسلامية وكذا الأمازيغية، ويبدو أن ما ستكشفه الأيام القليلة القادمة سيفاجئ كثيرين داخل الحركة الأمازيغية، وغير خفي عليكم اللقاء الذي جمعه بممثلين عن العصبة الأمازيغية لحقوق الإنسان، إذ على الأمازيغ أن يفهموا أن الأمازيغية والاوراش الأمازيغية لا تهم الهمة إلا في إرباكها، فاللقاء لا يبدوا في صالح الأمازيغية بقدر ما هو لقاء لإرسال رسائل الهمة التي لها ما لها وعليها ما عليها. وأنا هنا لا أنتقص من قدر مناضلي العصبة الأمازيغية لحقوق الإنسان بقدر ما أنبههم من المنزلقات التاريخية التي لن تحسب عليهم دون أن تحسب على الحركة الأمازيغية بشتى تلاوينها، فلا يجب أن ننسى أن الخروقات التي رصدتها العصبة الأمازيغية في تقريرها السنوي لحقوق الإنسان قد باركها فؤاد عالي الهمة في أيامه السابقة بدواليب وزارة الداخلية ونسق سياستها عندما كان يزاول مهامه في ضل المنصب. شخصيا أعتبر حديث الحركيين عن الأمازيغية أكبر استهزاء بالحركة الأمازيغية ومكوناتها، إذ كيف يعقل لحزب يعتبر نفسه امتدادا للحركة الوطنية المبنية على المرجعية السلفية القومية الإسلامية، الصانعة لأسطورة " الظهير البربري"، والتي جعلت من الأمازيغ مواطنين من الدرجة الثانية في المغرب، والتي قمعت مطالب الحركة الأمازيغية لعقود مضت تحت طائلة الدعم الأجنبي والنزوات الاستعمارية، ووهم التفرقة والفتنة، كيف لإطار سياسي ساهم في بناء منظومة مغربية تربوية، اجتماعية، سياسية، ووثيقة تعتبر المغرب تابعا للمشرق وكجزء من "الوطني العربي" و "المغرب العربي" وصوت دائما على دساتير تحمل عبارات تمييزية ضد الثقافة والهوية الأمازيغية، أن ينصب نفسه بين عشية وضحاها ممثلا للأمازيغ، ومدافع عن الأمازيغية. إن الأمر الذي نال استغرابنا كثيرا هو ما أقدمت عليه الحركة الشعبية في 16 فبراير الحالي فيما يسمى بلقاء أطر الحركة الشعبية مع فعاليات الحركة الأمازيغية في اللقاء، وخصوصا تلك التي ساهمت في الإعداد للقاء وصفقت له بحرارة ومددت أياديها الى جحافل الحركة الشعبية، إنعقد اللقاء بمكناس وفق أرضية مضمرها أكثر من معلنها، وهاجمت مسارات الحركة الأمازيغية أكثر مما ساندتها، ولا بأس في أن نقف عند بعض هذه الأرضية: جاء في الديباجة أنه يجب أن " تكون الأمازيغية وإنصافها مصدر غني للمغرب، عكس الطروحات الشوفينية والتي تصر عمدا على خلق تقابل وتصارع وهمي بين الأمازيغية والعربية. والتي تعمل على ترويج مغالطات وأوهام تجعل كل دعوة لإنصاف الأمازيغية بعبعا وذريعة للمس بالإسلام وللوحدة الوطنية تارة..." رسالة واضحة ليست موجهة بكل تأكيد الى أعداء الأمازيغية بقدر ما هي موجهة الى مكونات الحركة الأمازيغية وتذكرني هذه الفقرة بمقال وزارة الداخلية في الدعوى المرفوعة ضد الحزب الديمقراطي الأمازيغي المغربي، فهل هذه أرضية أم صك للاتهام؟ كما جاء في إحدى فقرات هذه الأرضية، أن أطر الحركة الشعبية هي التي جسدت بمجموعاتها " وعيا تأسيسيا بالهوية الأمازيغية " وهذا تنكر واضح للدور الذي لعبته الفعاليات والتنظيمات الأمازيغية داخل الجامعة على مدى عقود للتأسيس لهذا الوعي، وإلا فإن مجهودات الحركة الأمازيغية كانت في سبيل التأسيس لوعي قومي عروبي! " وللذكرى والتاريخ والإنصاف، فإن الحركة الشعبية تعتبر الهيئة السياسية الوحيدة التي ينص قانونها الأساسي على مطلب دسترة الأمازيغية كلغة وطنية ورسمية" رسالة واضحة الى جانب رسالة وزارة الداخلية للحزب الديمقراطي المغربي، اعتبار الحركة الشعبية نفسها ودون غيرها وعدم الإشارة الى PDAM، ضرب في مشروعية هذا الأخير، واعتبار الحركة الممثل السياسي الوحيد للأمازيغ، والعبارة لا تحتاج الى توضيح أكثر. الإيجابي في هذا اللقاء أن جل التنظيمات وفعاليات الحركة الأمازيغية قاطعته وإن بشكل غير معلن،أما المثير للإتنباه في هذا اللقاء حضور خمسة أعضاء من المجلس الإداري للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، ثلاثة منهم ساهموا في التحضير للقاء بشكل فعال، وهو ما يرفع الستار عن توجهات سياسية للمعهد في تعييناته الأخيرة نحو تعزيز المجلس الإداري للمعهد بشخصيات مقربة من الأحزاب الحركية وأخرى نافذة وذات مسؤوليات سياسية في الحركة. إن كانت هناك دلالات لتحركات " حركة لكل الديمقراطيين" وحركة المحجوبي أحرضان في صفوف الحركة الأمازيغية فلن تكون للاستقطاب من جهة، ولأجل صياغة أوراق سياسية جديدة، وإن كان هناك من ينتظر صعود الجبل على ظهور الأمازيغ، فلن يجد إلا آثارهم في الطريق إلى الجبل، فالأمازيغ في قمم الجبال ولن ينزحوا عنها، لا لشيء لأنهم أبناء الجبل، "حنا راه طلعنا للجبل شحال هادي". وإن كان قد بقي شيء تجدر الإشارة إليه، فهو أن الحركة الأمازيغية يجب أن تعي دورها في غمار هذا المخاض السياسي الذي تغيب فيه أبسط أخلاقيات النضال، وتسود فيه الانتهازية الخسيسة، فقد حان الوقت لتحصين الذات ورص الصفوف، وتجديد الثقة بين مختلف مكونات الحركة، لانتزاع المطالب المشروعة ولأجل تفويت الفرص على من يتربص بالتراكم النضالي للشعب الأمازيغي عموما.