منذ تبني ام الوزارات (وزارة الداخلية) لمشروع التقسيم الجهوي للجنة عمر عزيمان تعالت العديد من الاصوات و خاصة الريفية منها تندد بهذا التقسيم و تعتبره اجحافا و تقسيما للريف التاريخي، و ان هذا التقسيم لا يخلو من خلفيات سياسية مغرضة تكرس تهميش الريف و معاقبة اهله و اقصاء رأيهم الكلي في الموضوع باعتبارهم هم المعنيين اولا و اخيرا من هذا التقسيم قبل سلطات الرباط. ان اهم ما سجلناه في اغلبية الردود انها لا تخرج من بلاغات التنديد و التحذير و البكاء على الاطلال دون ان تصل الى مستوى بلورة اشكال الرد السياسي المناسب على تمادي الدولة في سياستها الانتقامية من اهل الشمال لا لشيء سوى انهم اسسوا يوما جمهوريتهم تحت قيادة الامير محمد بن عبد الكريم الخطابي في ظروف سياسية و دولية اخرى كان فيها المغرب كله خاضعا للاستعمارين الفرنسي و الإسباني كما انهم رفضوا فيما بعد تهميشهم و اقصائهم الممنهج في الدولة المتمخضة من اتفاقية اكاس ليبان. في مفهوم الجهة الجهة ليست فقط وحدة ترابية محددة بحدود جغرافية و بشرية، بل هي مضمون وقوانين و مواثيق و صيغ قانونية و دستورية ناهيك عن الصلاحيات المعطاة للجهة. فما هي اذن يا ترى الصلاحيات التي اعطيت للجهات في ظل دستور 2011؟ ان المشكلة ليست في الاسم فليسمينها ما شاءوا "جهوية" ، "جهوية متقدمة" او "جهوية سياسية" او حتى "الحكم ذاتي"، بل المشكلة تكمن في جوهر الصلاحيات المعطاة دستوريا للجهة. فمثلا، ان قرانا المادة 9 من مسودة قانون الجهة الجديد، فنجدها تتحدث عن طريقة انتخاب أعضاء مجالس الجهة الشيء الذي ينسجم الى حد ما مع الفصل 135 من دستور 2011. بمعنى ان مجالس الجهات تكون منتخبة، لكن ان قرانا الفصل 145 من نفس الدستور فنجده قد حدد سلفا وظائف الولاة والعمال و يجعل المجالس المنتخبة صورة لطبق الاصل للصلاحيات التي تتمتع بها الجهات في دستور ما قبل 20 فبراير. و إلا ماذا يعني أن الولاة هم الذين سيوجهون دعوات لحضور جلسة انتخاب رئيس الجهة والترشيحات توضع لدى الوالي ويحضر الوالي لجلسة الاختيار كما نصت المواد 12 و 14 من المسودة ؟ علينا اذن ان نقر بأن التقسيم الجديد يحمل دلالة سياسية مفادها أن سلطة وصايا ام الوزارات ما زالت هي هي، و لازالت حاضرة بكل ثقلها و في كل شيء، وهذا ما يتناقض كليا مع الجهات ذات المضمون الديمقراطي كما هو الشأن في العديد من الدول الديمقراطية كبلجيكا و اسبانيا و سوسيرا...الخ. ان مشروع المسودة الحالي لا يتحدث عن التدبير و الصلاحيات و لا عن علاقة سلطات الجهات بالسلطة المركزية، بل كل ما هناك هو ترقيع و تزويق و تجميل لسلطات المخزن و تجديد قبضته الامنية و الاقتصادية و السياسة على كل جهات المغرب. تساؤلات مشروعة قراءة للتجربتين الاسبانية و البلجيكية و حتى الايطالية و الالمانية نجد ان الجهات لها مؤسسات معترف بها دستوريا. فالجهات تتمتع بحكومات و بصلاحيات و برلمانات و وزراء محليين باختصاصات و صلاحيات مختلفة. فإذا توقفنا و لو قليلا عند التجربة البلجيكية مثلا فنجد ان الجهات الثلاثة للمملكة ("فلاندر" و "والونيا" و "بروكسيل") لها حكومات تدبر السياسات التعليمية بيداغوجيا و تربويا و لغويا و علميا. كما تدبر اقتصادها المحلي و تتصرف في الضرائب و الموارد المالية و في السياسات الامنية و تمثلك صلاحيات حتى في عقد صفقات تجارية و اقتصادية مع كل من تشاء من دول العالم. فهل يا ترى مشروع الجهة في المغرب يساوي واحد في المائة من صلاحيات الجهات في اسبانيا او بلجيكا؟ الحسيمة و كل الريف الكبير اكبر ضحية التقسيم المخزني ان التقسيم الحالي يؤكد لكل من له لو ذرة من التفاؤل و الثقة فيما اصطلح عليه ب "العهد الجديد" بان سياسة المخزن تجاه الريف لم تتغير. و ما التقسيم الحالي الذي يلحق اقليمالحسيمةبوجدة ما هو إلا تحصيل حاصل للسياسات التي نهجها النظام منذ الاستقلال الشكلي الى اليوم. فالحسن الثاني تعمد على تقويض كل الاسس التي بإمكانها ان تجعل من الحسيمة قطبا اقتصاديا سياسيا و اقتصاديا و سياحيا. و عمد النظام على اغلاق كل المعامل بالإقليم و على رأسها معامل تصبير السمك المسماة "صالاديرو" و التي كانت توفر فرصا هائلة للشغل لنساء و رجال المنطقة. كما تم اغلاق نادي البحر الابيض المتوسط الذي كان يستقطب سياحا من كل جهات العالم و شلت حركية مطار الشريف الادريسي و قام في نفس الان ببناء مطار العروي و تعزيز البنية التحتية بوجدة لتهميش مطار الحسيمة كليا. اما ميناء الصيد فضل كما هو عليه الى يومنا هذا و حتى توسيع رصيف للمسافرين لم يكن ابدا في مستوى طموحات اهل المنطقة. فلو اراد المخزن حقا انصاف الحسيمة و اهلها لبنى ميناءا جديدا بمواصفات الموانئ الدولية القادرة على منافسة ميناء طنجة و الناضور لكي لا اقول ميناء الدارالبيضاء. اما الفلاحة فترك اقليمالحسيمة غارق في ماضيه فلم يعرف لا اصلاح زراعي و لا معامل صناعية لتمكين الفلاحين من تسويق منتوجاتهم. فالمخزن ورط ابناء المنطقة في زراعة الحشيس دون ان يستفيدوا من تلك العشبة المحرمة قانونيا و المسموح بزراعتها ب "عين ميكة". فأهل المنطقة ضلوا يعتمدون على خضروات بركان او اكادير رغم تكاليف النقل الباهظة. اما على مستوى التوجيه، فالمخزن فرض منذ القدم على طلبة الحسيمة و الناظور التوجه نحو جامعة محمد الاول بوجدة بدل تطوان مثلا او تشييد جامعة بالمنطقة. اذن من خلال كل هذا يتضح ان الحسن الثاني وفر كل الشروط لتعيش الحسيمة على هامش المهمش، فالملك محمد السادس او لجنته المعينة المكلفة بالتقسيم الجهوي برئاسة عزيمان فلا يريدون الا تكريس هذا التهميش ليعيش الريف مهمشا و الى الابد. من الريف الكبير الى الريف الصغير. لا اتصور ان يعيش الريف بدون قرنيه (اشاون) و لا رجليه (تازة) و لا عاصمته الثقافية (تطوان) و الاقتصادية (طنجة) و نافذته المطلة على المحيط الاطلسي (العرائش و القصر الكبير). بهذا التقسيم اراد النظام تحويل الحسيمة الى "ذيل" وجدة انجاد و حدودها الغربية، بعدما كانت دائما في قلب الاحداث التي صنعت تاريخ ليس المنطقة فقط بل تاريخ المغرب الحديث. هل يريد المخزن و حاشيته ان ينسى او يتناسى ان الحسيمة و نواحيها كانت عاصمة لجمهورية الريف المغتصبة و لكل الريف الكبير من البحر النهر (من المحيط الاطلسي و الى وادي ملوية) و انه شيد على هذه الجهة التاريخية اول دستور ديمقراطي و حداثي في المغرب؟ هل المخزن و منضروه يريدون الانتقام مرة اخرى بمنتفضي 58/59 و 1984؟ و لا يريدون نسيان سياسة الاحقاد؟ هل المخزن يريد ان ينسينا و ينسي الاجيال المقبلة ان الحسيمة/اجدير كانت يوما عاصمة للريف الكبير؟ ان المخزن اصيب بالعمى و هو سائر في مصمم في الاستمرار في اخطاءة ... و ها هو يحضر اليوم لاقتراف جريمة اخرى في حق ابناء تلك المنطقة البطلة و هو يقسم بشكل متعمد و بعملية قيصرية لخريطة الريف الكبير و ذلك بإلحاق الحسيمة و الناظوربوجدة و تازةتاونات بفاس و فصل الجهة الغربية الشمالية كليا عن الريف الاوسط ، ناسيا بان اغلب هجرات الحسيمية و الناضوريه كانت في اغلبيتها المطلقة في اتجاه طنجة و تطوان بعد الخارج، و ابناء الشمال تعايشوا و تعاشروا اندمجوا ثقافيا و اجتماعيا و اقتصاديا حتى اضحى معه استحالة تقسيمهم رغم احقتد المركز. كما لا ننسى ان للريفيين مدينتين سليبتين محتلتين و الجزر المجاور لهما لم يعد يتكلم عنهما احدا. ما العمل؟ لقد حاول الريفيون تأسيس ادوات الدفاع الذاتي كالحركة من اجل الحكم الذاتي و منتدى حقوق الانسان لشمال المغرب بعض النقابات و الجمعيات و فروع الاحزاب المركزية. لكن يتضح ان الوضع الذاتي لهذه التنظيمات لا يرقى الى مستوى المواجهة، لكن بالرغم من ذلك فالصمت على هذا النوع من التقسيم جريمة. فعلى كل واحد منا ان يعبر بأضعف الايمان حتى يتقوى ايماننا جميعا نضرا لعدالة قضيتنا بالرغم اننا واعون بان الدستور الحالي لا يخول الكثير من الصلاحيات للجهه ، و مع ذلك و كما يقول ماو تسي تونغ فان رحلة الف ميل تبتدئ بالخطوة الاولى. و ان المثل الريفي يقول : "انسارس ثيغبراثين تيمزغورا .. رووخن اخزاز ماغا انزو ذاكس". بمعنى " لنحدد حدود الارض اولا و بعدها سنرى الزراعة الصالحة لها" مقترح البرلماني بودرا حذر البرلماني الحسيمى وزارة الدخلية من اندلاع انتفاضة ما في الريف في حالة ما طبق التقسيم الجهوي الجديد. فبالرغم من احترامنا لراي البرلماني بودرا، إلا اننا لا نعتقد ان الريف مهيأ اليوم لاندلاع انتفاضة جديدة. فالريف ادى مؤخرا ثمنا غاليا ابان مظاهرات حركة 20 فبراير (ستة شهداء /شهداء وكالة البنك الشعبي و كمال الحساني)، و شباب حوكموا بأحكام قاسية جدا وصلت 12 سنة سجنا نافذة و غرامات مالية خيالية و هؤلاء نسيناهم يؤدون ضريبة الاعتقال وحدهم في حين انصرف الجميع الى مواقع تواجده كانه لاشيئ وقع. ان الانتفاضة (اسي الدكتور) تتم عندما تتوفر الشروط لذلك و هذا ما لا يتوفر اليوم في الريف. فاعتقد ان معظم الناس مستاءون و بل اغلبيتهم غير مبالين بنقاش حول الجهوية كما لا يثقون في كل ما يأتي من الرباط. اعتقد لو لوح البرلماني بودرا بورقة الانسحاب الجماعي لبرلماني المنطقة (من الناضور حتى العرائش مرورا باشاون و تطوان و طنجة) لكانت خطوة تستحق الانتباه لكن هذا مجرد حلم لا يمكن ان يتحقق نظرا لمعرفتنا بطبيعة اغلبية برلمانيي المنطقة. اما ان نبدأ بالانتفاضة فاعتقد ما هي إلا مزايدات ليس إلا. لكي نثق في مقترحكم الدكتور بودرة عليكم ان تعلنوا انسحابكم (ليس برلمانيي الاصالة و المعاصرة فحسب بل برلمانيي كل الاحزاب) و بصوت واحد من برلمان المخزن او على الاقل هددوا بذلك و سترون النتائج. انذاك تكونون قد وفرتم شرطا اساسيا للمواجهة او الانتفاضة. انا اعلم ان لا قرار لكم لأنكم كلكم مرتبطون بقرارات الرباط للأسف و مع ذلك احترم ارائكم. اننا واعون ان جهة فلاندر" ببلجكا و اقليم "الباسك" باسبانيا و كذا كطالونيا اقوياء بكل أبنائها (من برجوازيين وطنيين و عمال و مثقفين....) لأنهم يضعون مصلحة منطقة فوق أي اعتبار لكن للأسف ان سياسيونا و برجوزيتنا الفاسدة لا تمتلك استقلال القرار و انهم يضعون مصلحة القصر و هكذا يضلون تبعيون الى المركز الى ان يثبت العكس. المجتمع المدني ضل المجتمع المدني في كل مجتمعات الدنيا دائما ينادي بصوت الحق و المستقل. فنحن مطالبون اليوم اكثر من أي وقت مضى ساسة و حقوقيين و نقابيين و مهاجرين و اعلاميين و فنانين) ببلورة اشكال الرد السلمي المناسب. فنعتقد ان تنظيم قافلة من العرائش ال بركان تحت شعار لا اتقسيم الريف الكبير/شمال المغرب امر شرعي و ممكن و في المتناول. كما ان تنظيم مهرجانات و ندوات و تجمعات شيء ممكن ايضا و في ذلك فليتنافس المتنافسون في اطار معارك سلمية مفتوحة لجميع ابناء و سكان المنطقة نعبر من خلالها سلميا عن رفضنا المطلق لتقسيم الريف الكبير الى ثلاثة اقسام.