لماذا..لماذا يجب أن نكون مستعدين للاعتقال والاضطهاد كلما كانت بحوزتنا أجندة تروم الدفاع عن المشروع الحضاري للقضية الأمازيغية؟ هذا هو السؤال الذي طرحه "الثائر الحر" لونيس معتوب على بعض رفاقه في جامعة تيزي وزو أواخر سنة 1988 وهو يستفسرهم عن سر ذلك الحقد الدفين، الذي تُكنه أنظمة شمال أفريقيا اتجاه كل ذي نسمة بالأمازيغية. وبعد انقضاء أزيد من عقدين من الزمن على طرح هذا السؤال، ليستغرب المرء كيف أن علاقة الأنظمة العروبية بالقضية الأمازيغية بقيت هي هي، مزمنة، لم تتغير. ولمن يساوره أدنى شك في هذا الأمر، فما عليه سوى استحضار بعض لقطات "فيلم الرعب" الأخير الذي بُث مباشرة يوم 14 فبراير الماضي، من قبالة ذاك الذي يشبه "البرلمان" المغربي. والحقيقة أن يوم 14 فبراير 2009 لم يكن، ولن يكون أول ولا آخر يوم تصل فيه أيادي النظام المتسخة إلى الجسد الأمازيغي، المتعود على المقاومة والصمود منذ عهد الرومان حتى أيام "العْرِبَّان"، إذ أن كل المؤشرات تؤكد صحة هذا المعطى، حيث مسلسل المضايقات والمتابعات لازال مستمرا، وأساليب الترهيب والتعذيب لاتزال سائدة، وأفعال الحُكْرة و"تّخْسار دْ الهضْرة" ستكون عنوان كتاب ألَّفه المخزن بمداد من الدم. ولتأكيد هذه المعطيات والحقائق، اختارت جريدة نوميديا أن تستضيف السيد أحمد الجطارتي، طالب باحث في كلية العلوم التقنية بطنجة، عضو التنسيقية الوطنية للحركة الثقافية الأمازيغية سابقا، وأحد ضحايا آلة القمع المخزنية ليوم السبت الأسود من الشهر الماضي بالرباط. ومع ذلك، فأحمد يؤكد أن آلام سلب الذات أقسى وأمر من آلام "الهراوات"... وفيما يلي نص الحوار الذي خص به جريدة نوميديا: يبدو أن تداعيات ملف المعتقلين السياسيين للقضية الأمازيغية لا تنذر بنهاية سريعة، إذ أن آخر فصول هذا الملف هو ما تمثل في تأجيل جلسة الاستئناف ليوم 18 فبراير 2009 إلى غاية 8 أبريل 2009 دون تقديم أي مبررات معقولة لهذا التأجيل. كيف تفسرون داخل التنسيقية الوطنية ل MCA تماطل الأجهزة المخزنية وتلكؤها فيما يخص هذه التأجيلات المستمرة لجلسة الاستئناف؟ في البداية أشكر طاقم جريدة "نوميديا" لما يبذلونه من مجهودات خدمة للإعلام الأمازيغي، وأقدر كثيرا اهتمامهم بالأمازيغية وعموم قضايا الشعب المغربي المصيرية. لابد من التذكير بأن ملف المعتقلين السياسيين للقضية الأمازيغية جزء لا يتجزأ من نضالات الحركة الثقافية الامازيغية، بل تشكل أولوية لدى عموم فرقاء الحركة الامازيغية بصفة عامة. و من المعروف عن النظام السياسي القائم في البلاد نزعته العروبية، إذ يتعامل بالإقصاء و التهميش مع كل ما هو أمازيغي، وإذا ما ألقينا نظرة سريعة على تاريخ هذا التعامل، سيتبين بجلاء هذا الإقصاء و التهميش في مختلف المجالات (تاريخ، حضارة، ثقافة، لغة...) لكنني أعتقد أن تطور الخطاب الحقوقي الكوني سيجبر النظام على تغيير سياساته الاحتوائية والاستيعابية، بل حتى الإكراهية، كما يحصل مع المعتقلين السياسيين للحركة الثقافية الامازيغية. أما فيما يخص سؤالكم، فبالنسبة لنا في التنسيقية الوطنية للحركة الثقافية الامازيغية، فالأمر ليس جديدا، لأنه إن دلَ على شيء فإنما يدل على عدم استقلالية القضاء في المغرب، و تأجيل المحاكمات يفسر بكون المخزن يعطي لنفسه الوقت الكافي من أجل إخراج جيد للمحاكمات المفبركة منذ البداية. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، وكما تعلمون فإن جميع التهم الموجهة لمعتقلينا لم يثبت ما يفيد صحتها، هذا ما جعل المحاكمات تُأجّل كل مرة، فالمخزن وجد نفسه محرجا من النطق ببراءتهم وهذا يدل على أن الاعتقال كان سياسيا بالدرجة الأولى. لقد شاركتم بقوة في الوقفة التي دعت إليها لجان الدعم والمساندة وكذا آباء وأولياء المعتقلين السياسيين للقضية الأمازيغية يوم 14 فبراير 2009 والتي وُوجهت بالقمع والعنف المفرطين من لدن القوى المخزنية، فما الرسالة التي أرادت وزارة الداخلية أن تبعثها لمناضلي الحركة الأمازيغية؟ الحركة الثقافية الامازيغية بالإضافة إلى كونها تنظيما طلابيا يساهم بجان المكونات الطلابية الأخرى في الدفاع عن المصالح المادية و المعنوية للطالب المغربي، فإنها تعانق كذلك هموم الشعب المغربي باعتبارها حركة جماهيرية وديمقراطية، ولذالك ندعم و بقوة كل الاحتجاجات التي تنظمها جميع لجان دعم المعتقلين السياسيين للقضية الامازيغية، ليس لكون المعتقلين ينتمون للحركة الثقافية الامازيغية، بل لأن ما حصل لهم، قد يحصل لكل صوت أمازيغي حر يناضل من أجل الحرية، فكان لابد لنا من أن نقول للمخزن بأن الاعتقال السياسي لن بثنينا عن موصلة النضال من أجل كل القضايا العادلة والمشروعة، وفي مقدمتها قضيتنا المصيرية، القضية الامازيغية، فكان أن تلقينا جوابا واضحا من طرف وزارة الداخلية مفاده أن الصوت الأمازيغي الحر يجب دحضه من الوجود، وبالتالي فالضريبة هي المتابعات والاستفزازات و القمع... التي هي من صميم الأنظمة الشمولية. رغم دقة وخطورة أحداث السبت الأسود بالرباط، لوحظ استخفاف المنابر الإعلامية البغيض وهي تعالج تبعات هذه الأحداث، فهل هذا يزكي الطرح القائل أن هذه المنابر ما وُجدت إلا لخدمة القضايا العروبية والشرق أوسطية؟ في الوقت الذي نجد فيه أن الإعلام أو الصحافة تشكل سلطة رابعة بالنسبة للدولة الديمقراطية، فإنها وللأسف نجدها في المغرب تخدم فقط الأغراض السياسية للحاكمين، ضدا عن القضايا الحقيقية للشعب المغربي، كان عليها أن تتعامل مع قضيتنا و قضية المعتقلين بحياد وتجرد من الإصطفاف المسبق، بل شنت علينا مجموعة من الجرائد - دون ذكر أسمائها- حملة شرسة عقب تلك الأحداث المؤسفة التي وقعت بالجامعة، فوجدنا أنفسنا محرومين حتى من حق الرَد الذي يشكل أدنى ما يمكن أن تحترمه أخلاقيات المهنة .تعلمون جيدا مآل الصحافة التي تحاول ملامسة القضايا الوطنية و أنتم أدرى بذالك، لقد أصبحت الصحافة لدينا تعيش استلابا خطيرا. يُعاب على التنسيقية الوطنية ل MCA أنها رغم عدم ثقتها بجدوى المنظمات الحقوقية المغربية في نصرة قضيتها، فإنها لم تدق بعد باب المنظمات الحقوقية الدولية، فماذا تنتظرون؟ بالرغم من الإمكانيات المحدودة ل MCAباعتبارها ليست ذيلا لأي طرف في الساحة السياسية أو في المجتمع المدني، وإنما هي حركة مستقلة عن كل الأطراف بما فيها الجمعيات الثقافية الأمازيغية، فإننا عمدنا إلى مراسلة جميع المنظمات الحقوقية المغربية منها وكذلك الدولية، وحاولنا قدر المستطاع شرح تفاصيل الحملة الخطيرة التي يشنها المخزن علينا، لكن وللأسف لم نتلقى أية استجابة، هذا إن دل على شيء فإنما يدل على التعامل الانتقائي من طرف هيئات حقوق الإنسان في المغرب. إنهم لا يتناولون القضايا بشكل شمولي، وهذا ضرب لمبدأ كونية حقوق الإنسان، وبالمناسبة، نُحيّي كل من وقف إلى جانبنا سواء داخل المغرب أو في الدياسبورا، ونجدد دعوتنا الحركة الامازيغية إلى رص صفوفها من أجل الوقوف سدا منيعا أمام مخططات المخزن. أنتم عازمون على خوض كل الأشكال التصعيدية إلى غاية الإفراج عن المعتقلين السياسيين للقضية الأمازيغية، هلا أوضحتم لنا طبيعة الخطوات التي تنوون القيام بها مستقبلا؟ نضالاتنا تعرف وتيرة تصعيدية منذ البداية، والاعتقال الذي طال مناضلينا لم يزدنا سوى قوة جديدة من أجل مواصلة النضال، و نحن عازمون على خوض أشكال نضالية جديدة وراقية سنكشف عنها في المستقبل. نحن نعتبر محمد بن عبد الكريم الخطابي قدوة لنا، وهو الذي قال: "فكر بهدوء واضرب بقوة". ما من شك أن القضية الأمازيغية تعيش في الآونة الأخيرة انتكاسة وراء أخرى، ولعل المخزن هو أكبر المستفيدين من تشتت مناضلي الحركة الأمازيغية وتشرذمهم، فما الذي تقترحونه من أجل إعادة تلك اللحمة التي افتقدناها في صفوف الحركة الأمازيغية؟ خاطئ من يعتقد بأن الحركة الامازيغية تعيش انتكاسة أو أزمة، بل كل ما في الأمر أنها تعيش مرحلة مخاض، مرحلة هي في أمس الحاجة إليها، فربما تعلمون موقع الخطاب الأمازيغي في المغرب خلال هذه الفترة، لقد أصبح الوعي بالذات الامازيغية يعرف منحىً تصاعديا و بوتيرة سريعة جدا مقارنة مع الفترات السابقة، مما أزعج النظام المخزني الذي لجأ إلى نهج سياسة الاحتواء وتشويه القضية الأمازيغية و تشتيت الصف الأمازيغي، وذلك من خلال خلق إطارات مشبوهة يوفر لها كل سبل الاستمرارية .لكن ما يجب أن نؤكده هو فشل هذه السياسة بفعل المبدئية النضالية التي يتشبث بها أغلبية مناضلي الحركة الأمازيغية. وعلينا أن نكون متفائلين و ننظر إلى المستقبل، ونحن نؤمن بأن ما يجمعنا أكثر مما يفرقنا. واختلافنا لا يمس ثوابت القضية الأمازيغية، ولا يعني أن هناك فجوة بيننا أو اختلافا جوهريا في الأهداف المرسومة، وإنما هو اختلاف في المقاربة وفي التكتيك والأولويات. نحن في الحركة الثقافية الامازيغية نحرص دائما على خلق مساحات للتواصل مع باقي مكونات الحركة الامازيغية، وبالطبع ندافع عن استقلالية إطارنا. ++ كيف تنظرون إلى الوضع العام للقضية الأمازيغية في عموم بلاد تامزغا والدياسبورا، وهل يلزمنا في نظركم آليات جديدة قصد تطوير الخطاب الأمازيغي؟ كما سبق وقلت لكم، فإن الخطاب الأمازيغي سواء في البلدان المغاربية "تامزغا" أو في عموم "الدياسبورا" أصبح يقلق الأنظمة الحاكمة في شمال إفريقيا، لأنه أصبح يتطور ويعرف دينامية ملحوظة، خصوصا مع تنامي الخطاب الهوياتي لدى العديد من الشعوب في العالم، وبالتالي ما علينا إلا أن نساهم أكثر في تطويره، وذلك من خلال تكريس مبدئية النضال، وإعطاء هذا الأخير صورته الحقيقية، و العمل على فضح الخطابات الإقصائية والإطلاقية. ++ أعلنتم في بيان مؤرخ يوم 18 فبراير بأمكناس مقاطعتكم لما سميتموه بهرجة الانتخابات الجماعية المقبلة، فهل تتوقعون أن تُسايركم عموم فعاليات الحركة الأمازيغية هذا المنحى، علماً أن هذه الانتخابات تُجرى في ظل حكومة ما فتئت تُكشّر أنيابها وتُعبّر عن حقدها اتجاه كل ما له صلة بالأمازيغية؟ إن مقاطعة الانتخابات تجسيد لرفض الدستور الممنوح الذي يؤطرها، لابد أن يتم إقرار دستور ديمقراطي شكلا ومضمونا، كي يعطى معنى حقيقيا للديمقراطية، والانتخابات المقبلة ستكرس نفس الوضع القائم. وبالتالي فنحن بالنسبة للوثيقة الدستورية، لم نرقى بعد إلى أن نكون مواطنين من خلال تنصيصه على أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية للبلاد، وبالتالي فإننا و بقوة القانون ممنوعون من التصويت وما دعوتنا لمقاطعة الانتخابات إلا شرح لتلك القاعدة القانونية، أما فيما يخص استجابة باقي مكونات الحركة الأمازيغية لدعوتنا، فإنه عليكم أن تعلموا بأن المسألة مرتبطة بوعي الإنسان بذاته لا أكثر و لا أقل.