يجد المختصون في التاريخ والباحثون في الآثار أن جهة تازةالحسيمة تاونات، مؤهلة إلى أن تكون رافعة للتنمية المجالية المحلية، بعد استبار الإمكانات المتوفرة لها ويرون أن الاستثمار في الموروث التراثي عبر رد الاعتبار إلى المباني والمعالم التاريخية، والتعريف بها، ثم توظيفها في قطاع السياحة سيكون ملائما للنهوض بالتنمية الثقافية في الجهة. وبدأت بوادر اهتمام وزارة الثقافة بهذه المعالم في الفترة الأخيرة، حسب ما ذكره بعض الباحثين ل"المغربية" أثناء زيارتها لبعض المعالم الأثرية، رغم محدودية الميزانية المخصصة للمباني التاريخية، إذ كانت هناك أوراش للترميم ورد الاعتبار، التي فتحت في سنتي 2012 و2013 مكنت من ترميم أسوار مدينة تازة وقصبة امسون بجرسيف، وقلعة أمركو بتاونات، غير أن هذه المساعي تبقى محدودة ومتواضعة لا تتوافق والدلالات التاريخية والأثرية، التي تحملها المباني والمعالم. تختزن جهة تازةالحسيمة تاونات، مواقع ومعالم أثرية تشكل إرثا مهما ومرجعية تاريخية وحضارية أساسية لدراسة أحداث الماضي ورصد تجلياتها على الحاضر والمستقبل، غير أن هذا التراث المادي للجهة ينقصه الاهتمام والمحافظة من أجل رد الاعتبار إليه عبر الصيانة والترميم، ثم توظيفه في السياحة والاستثمار بعد التعريف به على نحو يكشف القيمة الأثرية والتاريخية لهذه المعالم، حيث إن العديد قد يغيب عنه وجودها بالجهة، ليتكرس مع هذا الإغفال العزوف عن اكتشاف مؤهلات الجهة السياحية. ويرى الباحثون الأثريون والمختصون في التاريخ، مثل منتصر الوكيلي ومحمد العزوزي، أن الجهة حافلة بمواقع ومعالم أثرية تؤسس لموروث غني من المهم استثماره في حاضر الجهة والتخطيط لمستقبله، كشاهد مادي قوي على التنوع الأثري بجهة تازةالحسيمة تاونات. وفي زيارة ل"المغربية" ببعض المواقع والمعالم الأثرية، بالجهة رفقة باحثين متخصصين في علم الآثار، كان بالإمكان الاطلاع على الخصوصيات الأركيولوجية والتاريخية والجغرافية لهذه الجهة.
الحسيمة تعود أصول مدينة الحسيمة، حسب منتصر الوكيلي، باحث في الآثار، إلى الإنزال العسكري الإسباني يوم 8 شتنبر 1925، حيث شهدت المنطقة ولادة هذه المدينة بشكل عفوي مع استقرار الجيش، وهكذا ظهرت أولى بوادر الاستقرار المدني على ضوء التحركات العسكرية، وحمل أول تصميم توقيع المهندس العسكري خايمي كارصيا لارويل عام 1926 تحت اسم "شاطئ كيمادو وحيه" تبعه تشييد ثكنات الفرسان والمشاة والمدفعية. وأنجز "أليخاندرو فيرانت" تصميم توسعة فضاء "فيلا سانخورخو" سنة 1928، حيث ضمت 86 بناية وارتفع هذا الرقم إلى 160 بناية سنة 1934 إلى جانب منازل العمال والفقراء بالأحياء الفقيرة الناشئة، ونظرا لتألقها كعاصمة مرتقبة للريف الأوسط، فكر المراقب المدني إدموندو سيكو ببناء حي "ريفي" يستجيب لمتطلبات الثقافة الريفية والدين الإسلامي. ورغم عدم استطاعة الإدارة الإسبانية الوفاء بهذا الحلم، إلا أن المعماريين أثثوا فضاء الحسيمة بواجهات تجمع بين المعمار الأوروبي وتأثيرات العمارة العربية الإسلامية في مبان ك" ثكنة الفرسان" وفندق فلوريدو. ويضيف منتصر الوكيلي في إحدى مقالاته أنه مع مجيء الضابط إميليو بلانكو إيزاكا كمراقب عام بين سنتي 1936 و1942 أطلق العنان لأفكاره بتزويد سكان الريف بشكل معماري شبه وطني ليعطيه هوية محددة، لتشيد بعض المباني المنفردة، ومن أجمل المباني بالحسيمة مبنى "الكوليخيو الإسباني" الذي صممه "مارين دي بيرناردو" في هندسة تذكر الرائي بالعمارة الإشبيلية وقد صممه كمشروع لمقر إقامة الجنرال الأكبر بالريف. ويرى منتصر الوكيلي أنه من المفيد إجراء فهرسة شاملة لتراث الحسيمة الكولونيالي، بسبب تعرضه للاندثار أمام التطور والزحف العمراني، ومن بين المواقع الأثرية بالحسيمة، موقع "نكور" و"بادس" و"المزمة" و"أبراج القلعة".
موقع نكور على بضع كيلومترات من سوق "اثنين بوعياش"، على الطريق الوطنية الرابطة بين الحسيمة ونكور، وعلى وادي نكور، باحتساب 12.5 كلم من الساحل، و14 كلم من موقع "المزمة" الحالي، تقع تلة مرتفعة تكون آخر مضيق للوادي يطلق عليه "مدينة نكور" أو "ثاعرورت لمدينت"، ويحتل الموقع ثلاثة تلال، أولها على الشط الأيمن، "حجرة المتزوجة"، ويقع الآخران على الشط الأيسر وهما "راودينتز ثامزيانت" أو "القصر الصغير" و"تاسيديتز" (قصر السلطان)، وفق وصف منتصر الوكيلي. ارتبط تأسيس نكور بالفتوحات الإسلامية، فتحها صالح بن منصور المعروف ب(العبد الصالح) وأقطعه إياها الوليد بن عبد الملك الأموي، ولا يستبعد أن يكون "رباط نكور" أول إشعاع حضاري وثقافي إسلامي بالمنطقة قبل تأسيس "مدينة نكور" على يد سعيد بن إدريس بن صالح. وفي السياق ذاته، توجد مكتشفات تهم آثار حمام محفوظ نسبيا مع بقايا أنابيب وقساطل تؤمن مجرى المياه، وبقايا آجر وقرميد من مواد البناء المستعملة، أما الخزف والفخار فقد عثر منهما على قطع مكتملة نسبيا وقناديل زيت، وبعض الخزفيات ذات البريق المعدني. وتسببت أشغال بناء سد محمد بن عبد الكريم الخطابي على وادي نكور بضياع لأجزاء من الموقع، إذ أن الجانب الشمالي الشرقي قد شج بسبب جزء من السد، أما الجانب الشمالي الغربي فيبدو محفوظا نسبيا.
أبراج القلعة تقع أبراج القلعة بجماعة بني بوفراح على الساحل المتوسطي، وبالتحديد في قرية "الطوريس" على مصب وادي بني بوفراح غرب موقع باديس، وقد وردت بالوصف المكاني في بعض المصادر الإسبانية المتحدثة عن سقوط حجرة باديس سنة 1564، وكذا في بعض المصادر البرتغالية التي تناولت التقسيم بين إسبانيا والبرتغال لشواطئ المغرب. للمبنى تصميم شبه مربع ينسجم مع طوبوغرافية الموقع، وتتوفر الأسوار والأبراج على أساسات من الحجر، وقد شيدت الأبراج الخمسة الأسطوانية الشكل في الزوايا، وتم ملؤها من الداخل بالحجر والحصى المختلط. وقد ساد الاعتقاد عموما بأن الأبراج برتغالية التشييد، فيما عارض طاراديل هذا الطرح مستنتجا أن أبراج القلعة خرائب تعود للعصور الوسطى، إلا أن الدراسات الأخيرة والتي اعتمدت النصوص التاريخية المقارنة استنتجت أن الأمر يتعلق بحصن برتغالي.
المزمة يشير مونطالبان في خريطته إلى وجود بقايا خرائب بونية ورومانية، وهو ما يظل ممكنا، لأن الفترة الرومانية عرفتها باسم الجزر الست سيكس إنسولاس. كانت المزمة تجمعا سكانيا مهما في العصر الوسيط، ومبدئيا فقد كانت أحد موانئ نكور، توجد خرائبها في الشمال الغربي لوادي نكور، على بعد 500 متر من البحر، هذا الأخير كان في الماضي يتقدم حتى المساكن. وكانت المدينة مسورة ومحاطة بخندق، ويحتمل أن تعود هذه البقايا إلى المرحلة الأخيرة، إذ أن المدينة خربت في القرن السابع عشر، حسب ما أورده منتصر الوكيلي في مقال له بعد أبحاث أجراها في الموضوع. ولدت المدينة في القرن العاشر كميناء لنكور، كما يذكر ابن حوقل بهذا الاسم، وبما أن نكور توجد بالداخل فإن ميناءها لم يكن سوى المزمة، وفي القرن الحادي عشر سيوردها البكري كميناء لنكور، ومع الخراب النهائي لعاصمة الإمارة سوف تأخذ وضعا خاصا، وقد أوردها في القرن الثاني عشر كل من الإدريسي والأنصاري، وقد عرفت الاجتياح المرابطي ثم الموحدي، دون أن تفقد مكانتها كإحدى أهم مدائن الجهة. واستمر بنو مرين هم الآخرون في تكريسها كعاصمة للمنطقة وبناء مركز عسكري كبير بها (البادسي). وخلال القرن السادس عشر ستفقد المزمة جزءا كبيرا من أهميتها، في غمرة أزمة الريف آنذاك، واختفت نهائيا سنة 1687، عندما هوجمت من طرف الإسبان الذين فضلوا المقام بالجزيرة الكبرى للحسيمة.
موقع بادس أسست هذه المدينة خلال القرن الثامن الميلادي، وخلال القرن العاشر لعبت دورا مهما كأحد موانئ مملكة بني صالح بنكور، وقد صارت مركزا حضريا مهما قبل ظهور الدعوة الموحدية، وقام يعقوب المنصور بتحصينها بجدار إحاطة سنة 1204 كما تورد المصادر التاريخية، ومع بني مرين عرفت بادس ازدهارا تجاريا تجلى في معاملاتها مع العالم المسيحي، وانعكس على سكانها فتوسعت المدينة، وضمت أسواقا وأحياء سكنية، ومسجدا جامعا، ومصلى، وقصبة. يوردها الإدريسي في "نزهة المشتاق" سنة 1142، اقتحم الموحدون المدينة وجعلوا منها قاعدة لبناء السفن، وفي سنة 1162 كانت في أوج نشاطها، كما كانت مركزا دينيا مهما يستقطب الريف بأكمله. من بين أهم أولياء بادس، نجد سيدي الحاج الحسني الحدوسي، وآخرون يتحدث عنهم عبد الحق البادسي، الذي ترك لنا إحدى أهم سير الصلحاء في الريف. وقد كان للاستيلاء على حجرة بادس من طرف إسبانيا سنة 1508 أثر كبير على سكان المدينة وتجارتها، وقد تمكنت المقاومة المغربية من استرجاع الجزيرة سنة 1520، واستولى الإسبان من جديد على حجرة بادس سنة 1564، وفق ما جاء في مقالة منتصر الوكيلي باحث في علم الآثار. كما تدل الآثار الباقية على معالم هذه المدينة وتتجلى في سور إحاطة مبني بالطابية والحجر المصفف في بعض الأجزاء، وكذلك بقايا منازل ومطفيات لخزن المياه، وآثار المسجد، وعدد من الآبار والصهاريج.
مدينة تازة تتميز منطقة تازة بموقعها على ممر يصل الشمال بالجنوب والشرق بالغرب، حيث تتنوع التضاريس لتشكل نقطة تحول بين ملوية شبه الجافة شرقا ووادي إيناون غربا والممتد نحو الحوض الأسفل لسايس، وبين منطقة الأطلس المتوسط الشرقي الجنوبي ومقدمة الريف الشمالي، هذا التنوع المقسم بقوة الطبيعة خلق نقطة التقاء بين أمازيغ اكزنايين الريفيين وأمازيغ آيت وراين وكذا القبائل الناطقة باللسان المغربي الدارج (البرانص، غياتة، تسول). وتحتفظ تازة بأولى مظاهر الاستقرار البشري منذ العصر الحجري القديم متمثلة في مغاور كيفان بلغماري، التي درسها الباحث الفرنسي كومباردو، ورغم أن مجموعاتها لم تعد متوفرة بالمغرب، فإن الواقع صار يتطلب إنجاز مزيد من البحث الأثري، وتدل أولى المؤشرات على معطيات الحضارة الموستيرية والحضارة العتيرية والحضارة الإيبيرومورية، كما أن مجمل هجرات إنسان ما قبل التاريخ كانت تمر عبر ممر تازة. وشيدت تازة من طرف بربر زناتة وعرفت باسم مكناسة تازة ثم رباط تازة، وسورها المرابطون وبنى الموحدون بها المسجد الكبير كما أولاها بنو مرين اهتماما وشيدوا بها مدرسة، واستمر الاهتمام مع بني وطاس والأشراف السعديين والعلويين، ومن بين المعالم الأثرية لتازة المسجد الأعظم والثريا الكبرى والمنبر والسور المحصن لمدينة تازة والبستيون.
المسجد الأعظم أورد منتصر الوكيلي في بعض مقالاته، بعد أبحاث ودراسات أجراها حول معالم تازة، أن المسجد، مرتب بظهير بتاريخ 21 يوليوز 1916) ج . ر، رقم 197 في31 يوليوز1916، وبني في الفترة الموحدية بتازة، وكان عبارة عن صحن يزيد اتساعه على عمقه تحيط به زيادات من جهاته الثلاث شمالا وشرقا وغربا، وبيت للصلاة يزيد اتساعه على عمقه بأربعة أساكيب وسبعة بلاطات. وتميزت الزيادة المرينية باحتفاظ الصحن بتخطيطه الأول مع إضافة بلاط جانبي على طول الواجهتين الشرقية والغربية، ويبتدئ شمالا بالصحن ويتجه جنوبا نحو جدار القبلة الذي أقره البناة المرينيون، كما تميزت أسطوانة المحراب المريني بأناقة الزخرفة واجتهاد الصانع في رفعها على مقرنصات حولت التخطيط الأرضي المربع إلى تخطيط علوي مثمن مع ملء الفراغات بيتها بشتى أنواع الزخرفة النباتية والكتابية والزجاج الملون. هذه الزيادة تمت سنة 691 ه/ 1291 م.
الثريا الكبرى تعتبر الثريا الكبرى بتازة من أروع المنقولات البرونزية بالبحر الأبيض المتوسط، وقد أنجزت ووضعت بمكانها سنة 694 ه/ 1294م، يتكون جسمها من هيئة مخروط قاعدته إلى أسفل ذي طبقات حيث يحيط بكل طبقة جسم دائري يحمل القناديل التي يسرج بها الزيت، ويحمل المستوى الخارجي تتويجا ذا شرفات مسننة. وتتوج الثريا قبة ذات فصوص مع حشوات نباتية الزخرفة وقد ربطت القاعدة بالمخروط بواسطة صينية دائرية تحملها الكوابيل الزهرية، وتحمل كتابات مزخرفة لأبيات شعرية.
منبر المسجد يعتبر هذا المنبر من أهم الوثائق الأثرية المرينية حيث يؤرخ بالقرن السابع الهجري شأنه في ذلك شأن منبر مسجد فاس الجديد، علوه من أعلى إلى أسفل 3.27 م وعمقه من الظهر إلى فتحة المدخل 2.09 م فيما عرضه 80 سم، ويشتمل على ثماني درجات، وتشبه التضفيرات الموجودة بجوانبه تلك الموجودة في منبر مسجد فاس الجديد، كما أن النقش الكتابي الموجود به شبيه بالخط الفاسي.
سور تازة رتب السور ب (ظهير بتاريخ 21 يوليوز 1916) ج . ر، رقم 197 في 31 يوليوز 1916، صفف الحجر الذي بني به السور المحصن لتازة مع وضع لحجارة أفقية، وتشبه طريقة بنائه طريقة بناء حصن أمركو، سيما وأن تأريخه يعود إلى سنة 1135 م، يصل عرض السور إلى 1.90 مترا ويتوفر على ممر للدوريات بعرض 1.30 مترا، وفي الزاوية الجنوبية الغربية ينتصب برج أسطواني، وعلى الواجهة الجنوبية تتغير مواد البناء فنجد الطابية، كما يحرسها خندق في الصخر يعتقد مؤرخ الفن مارسيه أنه من عهد بني مرين.
"البستيون" يتميز برج تازة المعروف ب"البستيون" بتصميمه المربع الذي يصل طول ضلعه إلى ستة وعشرين مترا، ويرتفع بمقدار عشرين مترا من الناحية الخارجية للمدينة. يؤدي المدخل بالواجهة الغربية إلى ممر يبلغ طوله خمسة أمتار يصله بساحة ذات تصميم يقارب المربع، تتميز هذه الساحة بالآجر الذي بلطت به، وموقعها فوق مستودع للمياه تجتمع فيه مياه الأمطار، كما أن مستودعا ثانيا يتصل بالمستودع الأول يجمع مياه الوديان المتفجرة من الجبال المحيطة بتازة ويحمل اسم "برج الماء"، وكمجمل الأبراج والبستيونات، فقد تم بناء بستيون تازة بالطابية "التراب المدكوك" في الجدران الممتلئة، وجرى وضع الآجر في الأركان والزوايا والفتحات. ويحمل الملاط آثارا محفورة تمثل أشكال سفن أوروبية، ومما لا شك فيه أنها إضافات لاحقة على بناء البرج. وقد درس هذا البرج مؤرخو العمارة المغربية كمارسيه وطيراس وكومباردو، هذان الأخيران يعيدان بناءه إلى النصف الثاني من القرن العاشر الهجري، وتتميز عمارة البستيون بكونها تستجيب للظرف التاريخي والجغرافي الذي عرف تصدي المنصور السعدي لشتى محاولات الاختراق العثمانية، شأنها في ذلك شأن بستيونات فاس والعرائش. كما أن موقعه بالركن الجنوبي الشرقي للمدينة يمثل ردعا لأي تدخل نحو فاس عن طريق ممر تازة.
إقليم تاونات تقع تاونات في الجزء الأوسط من منطقة الاتصال بين جبال الريف شمالا ومقدمة جبال الريف جنوبا على مرتفع جزأته التعرية إلى مجموعة قمم صغيرة تشرف على عدة أودية عميقة أهمها ورغة. وأصل الكلمة (تاونات) أمازيغية من أصل مصمودي انصهرت في لسان صنهاجة وزناتة وتعني "الصعود" وهو ما يطابق تضاريس المكان، وقد اقترن ظهور تاونات بدخول الجيش الفرنسي إلى منطقة ورغة، ولعبت دورا مهما في جميع مراحل المقاومة المغربية بدءا من إعلان قبائل بني زروال شق عصا الطاعة والانضمام لحركة المقاومة الريفية إلى حركات المقاومة خلال خمسينيات القرن الماضي، وتبع تأسيس ثكنات الجيش استقطابا تجاريا لسكان الدواوير المجاورة، وأخذت أهمية أكبر مع شق الطريق إلى الحسيمة عبرها. وتعتبر تاونات متحدا لعدد من القبائل الممتزجة الأصول من أمازيغ وعرب ورد ذكرها في المصادر التاريخية وهي بني وليد، مزراوة، أسلاس، فشتالة، وبني ورياكل، بالإضافة إلى عشائر بني زروال وشراكة القادمة من الشرق عبر الجزائر سعيا وراء الاستفادة من أراضي سيدي محمد بن الحسن صاحب الضريح الشهير، ومن بين معالم تاونات قصبة أمركو وقصبة بني تاودة.
قصبة أمركو رتبت حسب ظهير بتاريخ 10 دجنبر 1930، ج رقم 951 في 16 يناير 1931، إذ شيدت القصبة خلال الفترة المرابطية أواسط القرن الثاني عشر الميلادي، واسمها مأخوذ عن المرتفع الذي بنيت عليه والمطل على هضبة ورغة والنواحي، وتقع في نواحي فاس-البالي (إقليم تاونات) باحتساب حوالي 50 كلم شمال غرب مدينة فاس، غير بعيد عن قبر الولي مولاي بوشتى الخمار. وتعد القصبة واحدة من مجموعة التحصينات الدفاعية التي بناها المرابطون (1056-1147) لمواجهة القوى الموحدية المعارضة، تتحدث المصادر عن دور مرحلي لهذه القصبة في منتصف القرن 12 م فمابين سنتي 1141-1142، كانت أمركو على رأس خط الدفاع لمواجهة الهجوم الموحدي. تمتد قصبة أمركو على طول 225 مترا وعرض 62 مترا، حيث تمتد أسوارها على خط التضاريس لمضاعفة الزوايا المحصنة التي يدافع عنها اثنا عشرة برجا مختلفة الأبعاد حسب موقع كل برج. ويختلف قطر كل منها باختلاف اتساع النقاط التي بنيت عليها ما يوفر تحكما في الدفاع عن أطراف الجدران، وبنيت بالحجر والدبش الذي يتكئ على جوانب الجبل مستفيدة من شتى الانحدارات، ما يذكر بمجموعة من القلاع الأندلسية والمغربية والمتوسطية المشابهة كقصر سحيون في سوريا. يمكن الولوج إلى داخل القصبة عبر أبواب ذوات مداخل مستقيمة، ويحتمل وجود الآثار بالجهة الغربية الخالية من الأبراج. فالباب الرئيسي لداخل القصبة يِؤدي إلى قاعة أولى مستطيلة الشكل في الشمال، ثم على القاعة الثانية المربعة الشكل في الجزء الجنوبي- الشرقي. في وسط القصبة، توجد بناية ثالثة على شكل محرز يحوم الاعتقاد بكونها خصصت لسكن قائد الحامية. ويحيط بهذا المحرز برجان إضافيان، وفي الداخل توجد آثار العديد من المطامير، أما بالنسبة لإمداد القصبة بالماء، فيبدو أن هناك جبا لتخزين المياه بُني في الجزء الجنوبي-الشرقي للساحة الوسطى الكبيرة.
قصبة بني تاودة تقع هذه الخرائب بقيادة اسلاس التابعة لإقليم تاونات على بعد 8 كيلومترات شمال قصبة أمركو، وتعني تاودة "الرعب والخوف" بالأمازيغية وربما كان ارتفاع هذا الحصن وراء تسميته، ويطلق عليها اسم "فاس البالي" ولا يعرف ما هو مرد هذه التسمية، ولو أن بعض الباحثين يعتقدون بكون الخرائب تعود للفترة المرابطية، وبأن التسمية تعود إلى تشبيه السكان الفضاء المبني بفضاء مدينة فاس عاصمة الأدارسة.
الترميمات تبقى محدودة أمام القيمة الاعتبارية للمعالم الأثرية أفاد محمد العزوزي، باحث في الآثار والتعمير، أن جهة تازةالحسيمة تاونات، تعتبر من أغنى جهات المملكة تراثيا، حيث لعب موقع الأقاليم التي تكونها دورا حاسما في استدرار التجمعات البشرية للاستقرار بها، فإقليمالحسيمة بوابة الجهة على البحر المتوسط شهد ميلاد أول إمارة بالمغرب ألأقصى ومنذ ذلك التاريخ والإنسان يستوطن هذه المناطق، الشيء الذي نتج عنه تشييد العديد من المدن والقلاع والأبراج ما زالت شاهدة على غنى هذه الديار. وأضاف أن وجود مدينة تازة على الممر الذي يحمل اسمها فقد فرض على كل عابر بين الشرق والغرب أن يمر بها، وبالتالي كانت دائما مطمع كل من يرغب في الاستيلاء على المغرب الأقصى، أما وجود مدينة جرسيف على طريق القوافل فقد حتم بناء العديد من القصبات، تارة لحماية القوافل وتارة أخرى لحماية القبائل، ومن أهمها قصبة امسون التي تم ترميمها أخيرا. وبخصوص إقليم تاونات المترامي الأطراف والذي يجمع بين جبال الريف والسهول الغربية، يفيد العزوزي أنه عرف استيطان تجمعات بشرية منذ القدم، ومن أجمل ما خلف السابقون بهذا الإقليم معلمة عسكرية غاية في الروعة بنيت بالحجر والجير ما زالت صامدة منذ عهد المرابطين والتي بدورها عرفت عملية ترميم دقيقة حصنتها من عوامل التدهور والاندثار. ويقول العزوزي إن الغنى التراثي للجهة يعد رافعة للتنمية المجالية المحلية، لهذا من المفيد جدا الاستثمار في السياحة الثقافية، من خلال رد الاعتبار إلى المباني التاريخية والمعالم الأثرية للنهوض بالتنمية الثقافية. وفي الصدد ذاته، ذكر العزوزي أن بوادر الاهتمام بهذا التراث المادي من قبل وزارة الثقافة، بدأت تظهر على أرض الواقع رغم محدودية الميزانية المخصصة من خلال أوراش الترميم ورد الاعتبار التي جرى فتحها سنتي 2012 و2013 في كل من مدينة تازة وتاونات وجرسيف، إذ مكنت هذه الأوراش ترميم أسوار مدينة تازة وقصبة امسون بجرسيف وكذا قلعة أمركو بتاونات. ويعتبر العزوزي أن نتائج هذه التدخلات من طرف الوزارة الوصية كانت مشجعة إلى أبعد الحدود، ويرجع الفضل أيضا إلى مؤسسات بعينها والمتمثلة في المفتشيات الجهوية للمباني التاريخية التي تشرف وتتابع أشغال هذه التدخلات. ويسجل العزوزي بأسف أن المفتشيات تعاني نقصا مهولا في الموارد البشرية وكذا المادية حيث لا تتوفر على ميزانية قارة للاستثمار، تمكن من تسطير برنامج استشرافي، ليبقى تدخلها رهينا بما تجود به المصالح المركزية حسب الظروف، ومن ثمة يجد العزوزي أن النهوض بهذا المجال رهين بدعم المفتشيات بالموارد الضرورية للقيام بمهامها.