أصبحنا نعيش في زمن أصبح فيه القابض على الحق متخلفا مجنونا أصابه الجرب والطفح الجلدي فأصبح يتحاشاه الناس كي لا يصابوا بعدوى مرضه.كما أن رموز العلم والثقافة أصبحوا موضوع النكتة والتندر في الوقت الذي يتم فيه تمجيد رموز الفساد واعتبارهم آبطالا للأسف.والسبب في هذا راجع بالأساس إلى وجود أمية في المجتمع على جميع الأصعدة. أضف إلى ذلك تسلط الهالة الإعلامية المغشوشة والمدفوعة الأجر مسبقا من طرف لوبيات الفساد والمنظمات السرية العالمية التي تخطط لمؤامرة إنسانية خطيرة مفادها تكريس عبادة الشيطان وتهميش عبادة الله خالق البشر والكون.ومع كل هذا الحسد الإيديولوجي والمعارضة المراهقاتية: (الكلام لأجل الكلام/ أو الهدرة لأجل الحصول على التصفيقات/ جعجعة بدون طحين إعطاء الناس غبار الأوهام من منطلق الريع الحزبي/ ضجيج الجبل المزعج في مخاضه كي يلد فأرا تافها يختبئ وراء الأقنعة والمكبرات التي تعطي له حجما مزيفا)، يتجلى الجلال الإلاهي في مجتمع الطاقات الإيجابية حيث ينتعش عشاق الحق والصلاح وفق الإيقاع الأخلاقي والفعل الملتزم الذي يحترم الكرامة الانسانية.لهذا نلاحظ أن المجتمع والدين وحدة عضوية وحقيقة واحدة لا تقبل الانفصال.وبالتالي فإن دلالة الحياة وفق اتحاد هذه الثنائية المتناغمة أصبحت قوية وجميلة.فأصبح معنى المصير المستقبلي للعالم العاقل ماض إلى الأمام بثقة وحرية إرادة على هدى معطيات قبلية ضبطت الموازين بإحكام وعدل منذ الأزل. بينما في مجتمع الفراغ الروحي والكلام الفارغ و التقوقع على التفاهات والميوعة السلوكية والتفسخ الأخلاقي والاستهلاك المادي،نلاحظ تبلور تلك الطاقة السلبية التي تعشق تعكير كل صفو /تنكيد كل هدوء /استفزاز كل عفوي/توريط كل مخلص/ تعقيد كل بسيط / إفساد كل صالح /تلويث كل نظيف /تدمير كل بناء كامل ثم تمرير عدوى الشر و الذل والانبطاح الارتزاقي نحو كل الأحرار الذين لا يحملون في طياتهم عوامل القابلية للعبودية الاختيارية وتلبيس التهم الباطلة للقابضين على جمر الحق بأسنانهم، كما أننا نلاحظ أيضا أنه في مثل هذه البيئة الموبوءة،أن العلاقات قد أصبحت مخلخلة و الاستقرار متزعزعا والطمأنينة النفسية مصابة بحمى القلق والانزعاج,لمجرد أن المجتمع لم يعد تلك الكتلة المتكتلة ولم يعد بتلك الصورة الكلية التي كانت تضفي على الوجود الاجتماعي والنفسي تلك الكلية الدلالية والمعنى الوجودي,فأخذ كل شيء يتبعثر في اتجاهات متناقضة،يشتت ذلك التعلق الفطري بالفضيلة و يشرذم معه كل تركيزنا الفكري ويشوش على شاشة أهدافنا المستقبلية.ولقد جاء كل ذلك مواكبا لبعض إدعاءات في إطار الخطاب ليس له أي سند في الواقع، من قبيل الانغماس في العصرنة والتقدمية والحرية والاستقلالية،لكن العصرنة تبقى مجرد تقليد للغرب وتدجين للوعي كي يتقلص وينكمش إلى غير رجعة،وتبقى التقدمية المفترى عنها مجرد تزويق لقبح كلمة الإلحاد اللاديني، والحرية تبقى مجرد مبرر لضرب القيم الأخلاقية وفرصة لاحتكار الثروة،أما الاستقلالية فتبقى مجرد تحجر تعنتي و اندفاع شيطاني لتدمير القيم النبيلة والاستهتار بالمسؤولية وضرب عدمي في صميم كل مركزية تنظيمية للضبط المؤسساتي لإشاعة الفوضى والفتنة وتجاوز القانون .ثم العودة بالمجتمع إلى الوراء للتورط في أتون التخلف الفعلي والوصول إلى درجة الصفر للشروع من جديد. إن التدافع الحضاري هو السنة الإلاهية في هذا الكون.بحيث ينبثق عن تصادم عدة اتجاهات فكرية وخيارات ذوقية متناقضة.لهذا فالاختلاف الفكري قد أضحى ضرورة لتحريك ديناميكية الصراع ليس لأجل إهراق الدماءفقط/صراع دموي مؤسس على نية انتقامية ذات خلفية منبنية على حسد إيديولوجي قاتل. و إنما هذا الصراع ينبثق عن طاقة إيجابية تنتج لنا نور الأمل مثلما تنتجه عملية اتحاد السالب بالموجب في فيزياء الكهرباء.لأعادة مياه الاستقرار لينابيعه الأصلية وهو مانسميه في القاموس السياسي المصلحة العامة. هناك ثقافات متعددة في العالم وهي تختلف اختلافا شديدا حسب طبيعة الشعوب والمجتمعات.وكل ما جئنا إلى تأسيس معيار عام لتقييم هذه الثقافات،تنتفي عملية تفضيل ثقافة عن أخرى لأنها قضية ذوق واختيار ونوعية البيئة التي ولدتها لينسجم الناس مع قيمها حسب حاجياتهم النفسية والروحية والمادية اليومية. ولهذا فمن النادر جدا القول أن ثقافة ما هي أفضل من الأخرى إلا بالقدر الإيجابي الذي تسهم به في المجتمع وفي حالات يتم فيها التعبير عن درجة الانسانية أو اللاإنسانية. وفي هذه الأخيرة تحاول الثقافة الزائغة عن غايتها النبيلة التجرد من طابعها الانساني لترتمي في أحضان الهمجية وتتحول نحو الوجهة الحيوانية أو الآلية المتحجرة.ليعود تصورها الوجودي وبالا وخيما مضرا بالتوازن العام للمجتمع.يكفينا فخرا أن الانسان يتميز بقدرته على انتاج الثقافة وتطويرها في الزمان تاريخا والمكان جغرافيا.وهذا الابداع في مظاهر الثقافة الانسانية نابع أصلا عن هذه الجوهرة الفريدة التي ميز بها الله الانسان عن باقي المخلوقات ألا وهي العقل.وتبقى كل السلوكات الانسانية والأخلاقية الصادرة عن ثقافة معينة كيفما كان انتمائها الفكري الاديولوجي ،سلوكات مقبولة منطقا ووجدانا في إطار تراضي عام عفوي للذوق المجتمعي السليم من خلال القيام بأساليب عيش محددة من قبيل أسلوب التدبير للشأن العام والخاص،والكتابة واللباس والاحتفال والأكل والشربو الترفيه والاعتقاد.كل هذه الأساليب مهما اختلفت من مجتمع إلى آخر حتى ولو كانت وجدانية ذاتية وليست عقلية موضوعية.إلا أنها تبقى مع ذلك خاضعة لقياس المنطق الانساني و أحكام القيمة التي تعارف الناس عليها منذ القدم سواء كان ذلك في قالب ديني أو كان ذلك في إطار عادات وتقاليد وقيم كونية اتفق الناس عليها تلقائيا من خلال الانتاج الفكري والتلاقح الحضاري.وهذه السلوكات الصادرة عن ثقافة مجتمعية معينة لا بد لها و أن تتموقع داخل إطار مرجعي فكري يسميه الفلاسفة إيديولوجيا. وهذه الايديولوجيا تبقى سارية المفعول حتى تصطدم مع المصلحة العامة للمجتمع.حينذاك لا يسع لها سوى الانسحاب من الميدان.أما إذا أصرت على المكوث عنادا والاستمرار في ريادة الصدارة في تسيير اللعبة رغم فساد جوهرها وانتهاء صلاحية فكرها في المجتمع،فإنها بذلك ستكون جد مخطئة.وهي تعلم جيدا بأنها غير صالحة البتة لترسيخ المصلحة العامة.وإنها لقلة تربية ودناءة أصل وإعلان حرب، لو أنها مازالت تتعنت بوقاحتها في التواجد القسري وأصرت فرض أجندتها الغاشمة على كل الجماهير.إن انسحابها الاختياري يعني سحب بساط القوة من تحت أقدامها،لتصبح حقيقتها عارية أمام مرآة الحق فينكشف وجهها الدميم المنخور بدود المغالطات لتغليط الرأي العام. وما كان قناعها المزيف سوى مرحلة تزويقية انتهى عهدها لأن شمس الصحوة الواعية للناس قد أطلت على ماكياجها القميء فأذابته بلاهوادة,ويعملوا على تصحيح القاموس التواجدي عبر التشطيب على ما تبقى من هذه الايديولوجيا الفاسدة التي تتغذى على بقايا المخلفات الاستعمارية الملوثة التي رمى بها الاستعمار في بلادنا وعلى رؤوسنا في شكل حرب كيميائية - رمزية للأسف وأصبح الأغبياء من أبناء العملاء و أحفادهم يصفقون لها عبر السب في كل ما هو إسلامي كي يرضى عنهم أسيادهم في الغرب الذي مازال يحافظ على مصالحه الاقتصادية والثقافية في أرضنا عنوة شئنا أم أبينا.إنها لعنة مشؤومة تصر على عرقلة التوازن المعيشي والوجداني لحياة المجتمع باسم شعارات رنانة من قبيل الحريات الفردية وحقوق الانسان لكنها مختبئة في قناع نخبوي قميئ مؤسس على تفريق وحدة المجتمع بواسطة الجشع الاحتكاري وعبر تكريس الفساد في مظاهره ومحاولة إيهام الناس بالإعلام التشويشي ، بأنهم هم أصحاب الحال المستحقين لكل شيء وتسيير كل الميادين. فترى الإعلام المرتزق يسلط الضوء على قملة لأنها خطيرة تزعج شعر الفساد بينما يتم تعتيم الكاميرا على الديناصور الذي يهدم كل المحصلة الانتاجية والحضارية.يوهمون الناس بأن المرجعية الملتزمة التي ستحل محل الإيديولوجية الفاسدة التي انتهت صلاحيتها،هي مجرد خدعة تريد(- تسييس الدين-) علما ان هذه المرجعية الإسلامية المحترمة بفضل سننها الإلاهية ومقاصد شريعتها التي تحافظ على المصلحة العامة إنما تعلمنا كيف نتخلص من تقديس البشر وتمجيد أسماء الأشخاص الفانية أجسامهم وإصدار أحكام إيجابية مطلقة على الأحزاب الآيلة للبوار والقابلة لتبديل عناوينها حسب سياق الظروف المفروضة في سياق المشهد السياسي العام،أصحاب الحكمة يقبعون على قمة الحكمة لا يراهنون على المظاهر المادية وقشور الأسماء الزائلة بشكل كبير ولايهم العقلاء العميقي الرؤية سوى إيجابية الفكرة السائرة على درب الصواب الذي ينسجم مع نفسه.باستثناء أولئك أشباه المثقفين ذوي الرؤية السطحية الخبزوية.إذا كنا فعلا عقلاء نؤمن بالأفكار الناضجة والمبادئ الراشدة فإننا سنتبنى المرجعية الاسلامية ولا مجال للمقارنة لأن هذه المرجعية الناضجة الرشيدة إنما تحاول (-تديين السياسة-) وليس (-تسييس الدين-) كما يقال.وذلك كي تضع مكابح جيدة لعجلات أهواء المسؤولين و تزودها بالفرامل ذات التحكم العالي، لتجنيب حوادث الإصطدام القاتل وترميم ما تشقق وبناء ما تهدم وتخليق الحياة العامة وضبط السلوكات وفق القانون وربط المسؤولية بالمحاسبة لتكون تكليفا جادا وليس مجرد لعبة تتخللها امتيازات وصفقات شخصية.من الضروري جدا تشخيص أسباب الداء في جذوره الأصلية وسياقه العالمي المشبوه، حتى يتم معرفة هذا التضارب الأعمى في الحسد الإيديولوجي الذي يستهدف المرجعية الاسلامية حتى ولو كان ذلك ضدا على المصلحة العامة للمجتمع.حينما سنضع مسلاط الضوء على سر الداء ،حينذاك فقط سنكون واثقين من خطواتنا في مساندة كل ما هو إسلامي لأنها فعلا مرجعية بأبعاد عالمية وبطابع إصلاحي إيجابي صالح لكل زمان ومكان وشعب. حكيم السكاكي