إن البعد الإمتدادي للحقيقة ينكمش عندما يرقص ذو المواقف المزدوجة رقصة شكية على إيقاع ديكارطي متوهم ونغمة وضعية إلحادية نشا ز، في الوقت الذي يرى فيه عشاق البرهان أنفسهم كون الإنسان وجدانا أصيلا قبل أن يكون برهانا عليلا. وتزداد ملامح اليقين المقهور لدى الإنسان المصاب بالشك المرضي في درجة التقلص لتصاب بهيستيريا الكآبة وهي بصدد صياغة خريطة الحيرة الوجودية باسم معانقة التفكير الوضعي لمناهضة الدين.و أثناء تبلور نقط التفكير الوضعي لمناهضة الدين،و أثناء تبلور نقط الضعف الإنساني ،يهرع صاحبنا ضارعا إلى الدين متوسلا بالله أن ينقذه من الحرج الذي فيه،فيصير بذلك متدينا/مسلما شاء أم أبى كون العبودية لله هي أول خطوة للإعتراف بوجوده. ومع ذلك عندما ترتفع عنه أعباء الحرج بإذن الله تراه يصطاد في بركة الحنين الفاسد للهرطقة الوضعية المناهضة لكل ماهو إسلامي فتراه للأسف سرعان ما يندفع لمغازلة المرجعية الإلحادية لاستعراض عضلاته العلموية في لبوس نرجسي مغرور..و من ضمن هؤلاء من لا يستحي بتناقضه هذا ولعل إلقاء نظرة عن نفسه في مرآة الحقيقة، ستريه كم هو شخصية مهلهلة ومجرد غبار في الهواء وريشة في مهب رياح الأهواء تتلاعب به شظايا التفكك الباطني ليصل في آخر المطاف إلى مرحلة عقيدة المجنون. لقد صدق الذين قالوا بعدما بحت حناجرهم في الشرح المستفيض: ( الله إيجيب لينا لي غا يفهمنا أوما يعطينا والو) .لأنهم بذلك لايريدون جزاءا ولاشكورا .إنما يريدون تفاهما وتواصلا رمزيا مفيدا فقط.ونحن بدورنا لا نريد من هكذا عناوين إلغاء ميزة الاختلاف بين البشر التي أنعم الله عليهم بها مصداقا لقوله تعالى: ( من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) وأيضا مصداقا لقوله عز وجل: (و لو شاء الله لجعلكم أمة واحدة) ولكن الله لم يشأ بإرادته أن نكون نسخا عولمية طبق الأصل، لأن عظمة الإنسان وعبقريته التي تميزه عن باقي الكائنات تتجلى في هذا الاختلاف ذاته. إن العيب كله لايكمن في اختلافنا في اختياراتنا لايديولوجيات وأفكار ومنهجيات أو أذواق معينة, ولكن العيب كله تكمن في عدم الانسجام بين عنصري المعتقد مقابل السلوك/ القول مقابل الفعل: هل ينسجمان في الشخص الواحد؟ هل من منطق داخلي يجمعهما تحت مظلة شخصية متماسكة تتناغم في سياقها عناصر التفاعل الإيجابي أم لا؟ أم أن سوس التناقض يعمل في تآكل وحدتها لتتحول إلى شظايا لايجمعها قاسم مشترك؟ باستثناء جثة متحركة ليس لها علم اليقين بهوية وجودها أهي حية أم ميته أم أنها في منزلة بين المنزلتين؟مع حقيقة الدين لاتلتقيان؟.من الطبيعي أن يقول مسلم أنه ذو تصور أو تنظيم إسلامي ويرى بأن الاسلام هو الحل الناجع لهموم المجتمع ومشاكل العالم لأن منطلقه هو الإخلاص لمبادئ عقيدته.لكن التخليطة العجيبة التي فاهت بها قرائح الهرطقة الحداثية المزيفة مؤخرا هو أن يقول الانسان أنني ماركسي مسلم لمجرد أن هذا المسلم النموذجي الغريب قد أعجب إبان انفلاته العاطفي في مرحلة مراهقته وهام أيما هيام بماركس ولينين .وكأن هذين الأخيرين هما روبين هود لص الفقراء الذي يسرق من الأغنياء لتحقيق العدالة الاجتماعية بطرق غير شرعية. إن صاحب الوعي الشقي المريض هو الذي يستمر في سباته ونومه بعناد حتى لايستيقظ من وهمه اللذيذ وحلمه السراب. لقد أعجب مسلمنا الوضعي أو العلماني المسلم أيما إعجاب بالفكر الوضعي المناهض للدين عند سقوطه في الغرام الأول أيام مراهقته مع فكر علموي يدعي العلمية مثل الماركسية ،فلم يستطع فكاكا منها لأنه أعجب بشق العدالة الاجتماعية من خلال النظام الإقتصادي الاشتراكي المنبثق عن المنظور الفلسفي الماركسي في مختبر الشيوعية اللينينية الستالينة التروتسكية والماوية. حيث اكتملت الاجراءات الطقوسية لعملية السجود لإلاه المادة بخشوع إلحادي عجيب تتنزل عليه شطحات الرؤية العلمية للأشياء ليحولها بعد ذلك لسلعة حداثية قابلة للتصدير كي تنتشر التقدمية في أرجاء الكون وينام قرير العين لأن بطل الكادحين قد سيطر أخيرا على جنة الأرض الدنيا. وأخذ يوزع هدايا العدل على المحرومين ليسبحوا بحمده.
كلنا تقريبا ارتكبنا نفس الخطأ أيام مراهقتنا حينما فضلنا ارتداء القبعة تقليدا للآخرين/ ن°كا شاشي أنمون ا°كرغاشي/ وكدنا نتورط في هكذا منزلق ،لكننا بحمد الله وهدايته أدركنا ذلك عبر محاولة توسيع مطالعاتنا في إطار تثقيفي موسوعي لنشدان الحقيقة الكونية ،فراجعنا رصيدنا وغربلنا ذواتنا لنتخلص من هكذا ضبابية بعد نضج شخصياتنا قبل فوات الأوان. مما حدا بنا من خلال تجربتنا المتواضعة إلى إخراج وحش الغموض من قمقمه ،و إنزال غرور النخبوية من برجها العاجي لوضع نقط السلوك على حروف العقيدة، وتفكيك طلاسم الإشكالية التي تدفع بعض الذين يقولون بانتمائهم إلى الاسلام ،بفصل دور الدين في عقلنة مدمني السياسة وتأطير الراغبين للتطوع للقيام بدور التدبير المجتمعي وأمور الناس العامة والخاصة. لربما أن أغلب الشباب الحاليين الذين يتبنون إيديولوجية حزب ما أو نقابة ما ليسوا على علم بعمقها لأنهم بكل بساطة مجرد مقلدين لم يطلعوا على مضمون تلك الايديولوجية. عكس المنخرطين القدامى ،تراهم على الأقل ،على الرغم من وعيهم الشقي المرتبك،مخلصين على الأقل لمبادئهم التي يؤمنون بها،فتراهم يطبقون مبادئ الماركسية على أنفسهم ويترجمونها إلى سلوكات إلحادية من الدرجة الأولى. ثم انفصلوا ثقافيا عن مجتمعهم وطلقوا الإسلام وشعائره التعبدية .فلا يصلي ولايصوم البتة،كما أنه يضع الخمر في ثلاجة منزله دون حياء حتى مع أولاده الذين يقتدون به. كما أنه لايسلم عليك بتحية الاسلام تكبرا وخيلاءا معتقدا بذلك أنه بصدد استكمال طقوس تطبيق مبادئ العدمية. و بالتالي فإن إشكالية تصنيف هؤلاء قد حسمت سلفا واختصروا علينا الطريق مشكورين.
ولاحاجة لنا للحذر منهم لأن اتجاههم واضح وهم ليسوا بمنافقين ولاانتهازيين .إن الخوف كله من أولئك الذين يصلون معك في المسجد ويصومون لكنهم مقابل ذلك يتعلمنون ويرفضون فكرة إدماج الدين بالسياسة ،فإذا كان غنيا يقول لك دع الدين في المسجد ودع شأن المال خارجه .أما أصحاب الفكر من هؤلاء و أسميهم أشباه مثقفين لأنهم كذلك بسبب نظرتهم الضيقة .تراهم يلحون على ضرورة استحضار حبهم الأول في مرحلة مراهقتهم والمتمثل في الايديولوجية الوضعية المناهضة للفكر الديني لصياغة الخطة الإستراتيجية التي سيسير عليها تنظيمهم وكل حياتهم. لذلك تراهم يصرون على عدم حشر الدين في الأماكن العمومية باستثناء المساجد. كي يحلو لهم المقام ليفعلوا ما يشاؤون دون حسيب ولا رقيب.
فتكون الحصيلة النهائية هي علماني مسلم ،أو متمركس متأسلم. المهم أنها تخليطة عجيبة آخر موديل تستحق منا أن نقف لها وقفة تأمل وانبهار مع كأس تحليل منعنع وجلسة عقلانية تطل من على شرفة النقد.مع سرد السيناريوهات الممكنة لتشكيل شخصية تجمع بين القط والفأر/ الثلج والنار دون أن يتأثر الأول بالثاني. ثم لنفكك بعد ذلك شفرات الهوية الممسوخة هذه قبل أن يختنق صوت الحق والحكمة من شدة صدمة المفارقات. إن مفهوم التماسك في الشخصية نابع عن روح المنطق المعقول لأنه حصيلة ذوبان رمزي لكل العناصر المشكلة للذات في بوتقة واحدة متحدة من الصعب بمكان الفصل بين مكوناتها. وهذا التلاحم الباطني هو الذي يضفي طابع المعنى على الهوية الشخصية والمصداقية لوجود الفرد. إن الثالوث الذي تتقاطع فيه جوانبه لصياغة ملامح الشخصية الإنسانية يتشكل أولا- من الشق العقلي المعرفي المتجسد في المعتقدات والتمثلات المعرفية سواءا أكانت خاطئة أم صائبة و البنيات الفطرية العميقة و التصورات الصامتة و الأفكار المنطوقة أقوالا وحكما في كلمات ونظريات.و يتشكل ثانيا- من الشق الوجداني والمتمثل في الإشعاع الروحي وأهواء النفس ونزواتها وخفة الشعورأوتثاقله وغرائز القلب وشهواته والميولات الذوقية والذكاء أو الغباء العاطفي والحوافز المعنوية والإنطباعات الذاتية التي تنبثق عن تفاعل الذات مع الواقع لتنتج في الأخير مواقف معينة تحتكم إلى معايير أخلاقية سيكولوجية وقيم ثقافية محددة. ثم تتكون ثالثا – من الشق الحسي – حركي ويتجلى ذلك في كل ماهو فيزيولوجي – فيزيائي ملموس كصوت الإنسان وبنية جسده ومشيته وملامح وجهه وبصمات أصابعه وسلوكاته الصادرة عنه ثم الأفعال التي يفعلها وكل شيء ملموس يدل على أنه شخص متميز عن الآخرين وله هوية وجود مختلفة و لن يتكرر حدوثها مع أحد آخر غيره إلا بالصدفة.حتى لو تصادف أن تكرر الشبه فإن معدل التشابه لن يتعدى نصف النسبة المئوية, وحتى لا نقول بسذاجة - كما قال ماركس - بأن التاريخ يعيد نفسه. وهنا تحضرني إشكالية الإستنساخ والتي إن قدر لها تطبيقها على الإنسان ليصير الناس نسخة متكررة واحدة وبالتالي إلغاء ميزة الإنسان في اختلاف شخصياتهم .الشيء الذي ينذر بحدوث كارثة عظمى . إن كل هذه العناصر المشكلة للشخصية الإنسانية إذا لم يكن لديها قابلية واستعدادا قبليا للتواصل المنسجم داخل الذات، بسبب تعارض أو خلل داخلها، حتما سيحدث هناك صراع وحرب يقودها جيش من التناقضات التي ستميل بكفة التوازن نحو عكس ماتتجه إليه الذات ككل. فحينذاك ستكون الذات مفخخة بألغام فجائية وقنابل موقوتة مستعدة لتفجير وحدة الذات وتماسك بناء الشخصية مما يشتت كل المكونات المتلاحمة وينفخ زمهرير القلق في دفء الطمأنينة،ليبعثر الشرنقة المتجمعة وتتناثر أجزاء المعنى لتصير بلامعنى.كون المعنى الكلي لايتأتى إلا باتحاد الأجزاء.و إذا لم تعاود محاولة لم شملها المتشرذم مجددا ليتم إسقاط عنصر بريق الوحدة على مرآة الهوية.ستبقى ملامح وجه الذات مشققة مشوهة مطموسة الهوية ولايعلم الواقف أمامها من تكون. وبالتالي نصاب بالحيرة لأننا أمام شخص غريب فقد ذاكرته، لانعرفه ولايعرفنا بل لا يعرف نفسه حتى . لأنه فقد أصله واحترقت بطاقة هويته وغرق كل أهله. إن النظرية الفيزيائية تقول أنه من المستحيل أن يتواجد شيء واحد في مكانين متباعدين في نفس اللحظة الزمنية. وسيكولوجيا،لايمكن أن نكون مالسنا عليه لأننا سنكون بذلك نخرق قانون السيكولوجية السوية وبتعقيداتنا تلك سنصاب بعقدة الإزدواجية.وسنلغي بذلك وجودنا بأيدينا،وبالتالي لن نكون لأننا نرفض ما نحن عليه.ونعاند عفوية قلوبنا بمرض التكلف المصطنع فنرهق طاقتنا الداخلية والتي يؤدي نفاذها إلى اللاتوازن.وعندما ننظر في مرآة النقد الذاتي سنجد أننا قد غدرنا بهويتنا ونحس بالندم لأننا قد رضخنا لشبح النفاق و لم نكن على ما نحن عليه في الواقع المستشعر به داخليا ونفسيا. لايمكن للأنثى أن تكون ذكرا ولا الذكر أنثى . و إلا فإننا أمام مأزق وجودي حقيقي يلغي عنصر الإنتماء إلى هوية جنسية محددة. وقضية الخنثى هذه أشبه بحيرة الذات أمام غرابة بعض المواقف وضياع المعنى والحرج الأنطولوجي.فلاهو بذكر ولا هو بأنثى .إذن إما أنه لاشيء ولاوجود له ، و إما أنه في المنزلة بين المزلتين .جوكير صالح لكل صنف وهذا من المستحيلات.نفس الأمر يمكن تطبيقه على الماركسي الذي يقول بأنه مسلم والمسلم ذو العقيدة الإسلامية التي يجمع معها عقيدة ماركسية مناقضة لها في الصميم ،بحيث يتبنى الماركسية في بعض شؤون حياته وانتماءاته الحزبية والنقابية ومقابل ذلك يترك دينه سلبيا يتيما صامتا يدور في فلك الشعائر التعبدية والمسجد فقط. هذا النموذج المتناقض من المزيج الهجين إنما يفتري على الحقيقة والمنطق لأنه يريد الجمع بين المجد الدنيوي والأخروي.بين شهرة النضال التاريخي عبر الهيستيريا الإلحادية بمعية الفوز بالجنة التي وعد بها الله ثم تجنب الاحتراق في الجحيم. ويتعاملون بذكاء خادع مع استغباء عقول البسطاء من الناس و يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين. لابد لكل عاقل من هؤلاء أن ينسحب من ميدان عقائدي محدد ويحدد وجهته العقدية الصحيحة. ليفسح المجال بذلك لعقيدة أخرى بالاستقرار بشكل متوازن، و إلا فإن العقيدة ستكون خاطئة لأنها أصيبت بخلل. وسيكون المسلم - باتخاذه الماركسية مثلا كمرجعية وضعية مناهضة للدين، يهتدي بواستطها ويسير على أثر خطواتها يستلهمها في مواقفه وانتماءاته - مستعدا ليبيع دينه بدنياه لأجل بهرج براق وخزعبلات زائفة زائلة أو الحصول على منصب ما. لأنه لم يتشبع بعقيدة الاسلام ولم يقتنع بها بعد. إن أخطر عنصر حذر منه الاسلام هو المنافق الانتهازي/ الحثالة البشرية/ سمسار الذمم الذي يتخفى كالميكروب المعدي في شتى الأقنعة ويغني بأعذب الألحان ليستقطب حبيبته المصلحة الشخصية بصوته القصديري لي ماعندو أصل أوماكايحشم.إنه مقدر عليه أن يكون في المستوى الأسفل للجحيم الجهنمي وهو يمثل علينا مسرحية إعلان إسلامه عبر ممارسة الطقوس التعبدية التي يضعها في خانة الفولكلور الشعبي للأسف في خزانة بيته قرب الكتب الصفراء. وفي نفس الوقت يرفض تطليق المنهج الوضعي/ العلماني/ الماركسي الذي ينكر وجود الله .هناك كائنات سياسية متطفلة على الاسلام والماركسية كلاهما تستغبي عقول الناس فتلبس يوم الجمعة جلبابا أبيضا وتذهب إلى الصلاة مع المسلمين بلاوضوء سمعة ورياءا. والعياذ بالله.هذا هو المرض نفسه الذي يجعل الانسان وحشا لأن مطامحه في الوصول إلى السلطة جشعة و أكبر من حجمه ويفعل المستحيل لتعبيد الطريق لتحقيق مطامحه.إذن فالمسلم في ظاهره الملحد في باطنه لايضر سوى نفسه لأنه يرهق بوصلة تصنيفنا كما يرهق نفسه في تبديد طاقة التركيز للقدرة على التماسك المنطقي داخل الذات. حتى يتحول دماغه إلى حريرة فاسدة. ويصبح كلامه كرضيع غير شرعي ميت لا جذور له و مرمي في الزبالة.ووجوده لايعدو كونه غثاءا كغثاء الفيضان ورغوة البحر التي تذوب فقاعاتها مع أخف نسيم يلامسها. و إن أضعف المنازل لمنزل الجبناء الذين يرفضون الإفصاح عن هوياتهم الأصيلة لأنهم ليسوا أبناء المجتمع الشرعيين وإنما مجرد لقطاء رمزيين وطابورا عميلا للمنظمات الامبريالية السرية سواءا كان ذلك عن علم ووعي منهم أو كان غير ذلك،إذن لا محل لهم من الإعراب في قاموس الوجود الأصيل والملتزم بمبادئه الفاضلة/ بالدارجة نقول أنهم ليسوا أولاد الناس الخيرين . إن مفاجآت المسلم الملحد العلماني هذا متعددة الأنواع ومتسارعة في إيقاعها ،لأنك حينما تراه يبغض الدين كمخدر للشعوب فيفصله عن السياسة والحياة العامة .تقول: حسنا، إنه علماني وضعي ملحد قد لبس جلباب العلمانية المستحدثة كي يواكب مستجدات التطور التاريخي. لكنه يعود من الباب الخلفي بابتسامته الصفراء ،فتجده جنبك في المسجد يصلي معك ويصوم ويرفع يديه ضارعا بالدعاء إلى الله فتقول سبحان الله مغير الأحوال. وعندما تراه في غده يخطب في المنابر السياسية يشتم الدين والمتدينين بشكل مباشر أو غير مباشر مرة بالظلاميين ومرة بالأصوليين ومرة بالارهابيين مقلدا في ذلك الغرب مؤكدا لهم انه منخرط معهم في طوفان الحداثوية المميعة وهو مجرد مقلد مسكين تورط في أقدم القدامة والتقهقر في شخصيته اللامتماسكة.لكن بعد غد سيفاجئك أنه أمام خطيب الجمعة خاشعا أمام خطبة الخطيب يهز رأسه.وتصاب بالحيرة.يا ألله من يكون هذا الشخص ؟ وحش أم بشر/ذكر أم أنثى /ثلج أم نار/ وكأن هذا الشخص يتحداك ويريد أن يبلغك رسالة مفادها أنه تخليطة عجيبة تتميز بالهلامية والغموض والمرونة و بانه قادر أن يكون معكم أينما كنتم .و أنه قادر على خرق القانون الفيزيائي،عبر جعل كتلته تتواجد في مكانين متباعدين في نفس اللحظة/أن يكون مع الحثالة يحتسي لعاب الحانات في أمريكا ثم يطوف مع المؤمنين الأطهاربالكعبة في ذات الساعة أو بأنه الساحر الذي يتحول بقدرة قادر من حمو لحرايمي السكير الجبان العميل إلى موحند الطيب المناضل الشجاع. وبأنه كذكر يستطيع تقمص دورأنثى ومن أنثى سيصير ذكرا في لمح البصر. المهم أنه نموذج فذ في لعب دور الخنثى.لا مشكلة عنده في هذا مادام أنه يلبي طلبات مصلحته الشخصية الجشعة. مايهمه في هذا هو إثارة الانتباه نحوه كي تسلط عليه الأضواء الشهروية ويحتكر كل ماهو لذيذ وجميل لنفسه فقط. وليذهب الجميع إلى الجحيم. مايهمه في هذا أيضا هو خلق مفاجأة الأزمة داخل الذات المتوازنة ليخلق فيها فوضى يدعوها أوليغارشية مبدعة تستهدف تشظية هويته وتماسك شخصيته دون أن يدري عبر اغتصاب المنطق كي يقول لنا بأنه تيس بلا قرون حتى لو طار بأجنحته،وبالتالي فإن هدفه الأقصى من وراء كل هذا هو التأكيد على إعلان طلاق باطل في محكمته الفاسدة بين الدين والسياسة ،أنه آن الأوان لإخراج الموعود الإبليسي إلى الوجود كي يعيث في الأرض فسادا بعدما يشبع نهمه في تحقيق طموح جشعه حتى الثمالة ،ويفرح لأنه هزم أعداءه الرمزيين ،وليكن بعد ذلك الطوفان. لايهمه لاعلم ولاعقل ولا تقدم ولامنطق ولا تماسك بما أن الإلاه في عقيدته الفاسدة و عقله الطفيلي القاصر غير موجود ومادامت أن كل مصالحه الضيقة قد فتحت مصراعي باب التساؤل واسعا كي يمثل مسرحية ضرب عصفورين بحجر واحد :تسجيل نفسه في تاريخ النضال التاريخي مع الطبقة الكادحة ثم الدخول مع المؤمنين لممارسة رياضة الشعائر التعبدية كي يوهم الناس . وبالتالي فهو لاشعوريا يحشر الدين ويستغله لأجل إنجاح خطته السياسية البذيئة. إن الواجب يحتم علينا معرفة من نحن؟ وماذا نفعل على هذا الكون؟ هل هناك غاية من وجودنا أم جئنا هكذا اعتباطا وصدفة؟ وماذا نريد من هكذا صراع فكري ووجودي؟و إلى مانبغي الوصول إليه في آخر المطاف؟ أي ما مصيرنا بعد الموت والفناء؟ أوليس من الغباء الاعتقاد أننا جئنا إلى هذا الوجود بشكل عشوائي وبأن الحسابات التي تحتاج للتصفية ستعلق إلى الأبد؟ إذا كان الماركسي المسلم/ العلماني المؤمن بالله يعتقد أن حياته وهويته مجرد مزحة فقط.فيخلط شعبان مع رمضان،أي يصوم شعبان عوض رمضان ويستبيح لنفسه الايمان بعقيدتين متناقضتين في نفس الوقت"الاسلام كعقيدة سماوية إلاهية و الفكر الوضعي العلموي المناهض للدين/الماركسية كعقيدة زمنية بشرية. إن الأمر لا يستحق أن يكون مزحة عابرة بل هي مسؤولية بعيدة المدى ،إذا أراد المسترسل في هكذا خطأ مأساوي أن يبقى على اتصال به مصرا وسادرا في غيه وضلاله. ويضحي بتماسك شخصيته ،فيقدم هويته الجوهرية ومعنى كينونته الأصيلة، ويقدم انتماءه الوجودي للدين الإسلامي كبش فداء على مذبح تفاهة الصراع البشري الذي يضرب في مبدأ السلام والتواصل المتسامح الذي أقره الإسلام كمبدأ راسخ. ما أسهل أن يهرب عصفور العقل من رأس الإنسان المتناقض الذي يركل منطق التماسك داخل الشخصية ،ليتركه شخصا حائرا قاب قوسين أو أدنى من عملية الانتحار أو مرحلة الجنون. إن القضية أعمق و أخطر بكثير من مجرد التعلق بالقشور المادية التي يطبخها السطحيون في قدر الجدلية التاريخية. إن سلامة العقيدة هي مسألة وجود: إما أن تكون أولاتكون. إن الإنسان في أصله وجدان محتاج للإيمان بالله أكثر منه برهان يتيح له عقله للاستدلال والبرهنة على وجود الخالق. إذن فالصراع قائم بين الإيمان والعلم . العلم منبعه العقل البشري وهو قاصر عن البرهنة عن عالم خفي غيبي كالوجدان والروح والله والملائكة والشياطين. إذن فالإيمان كوجدان مسألة رئيسية والخوض في دنيا الماديات باسم العقل والعلم تبقى مسألة ثانوية. وبالتالي فإن المسلم ليس بالضرورة أن يتبنى الفكر الوضعي/ الماركسية .لهذا عليه أن يولي الإهتمام للأصل قبل الفرع / الروح قبل العقل/ الدين قبل الدنيا/ الوجدان قبل البرهان . إن الإنسان العاقل حتى و إن كان ذكيا وغنيا معرفيا قد يصير شريرا بفعل التربية السيئة لمحيطه وفي حالة غياب الوازع الديني والنفحة الربانية التي تردع الغرائز الخامة والهمجية في البشر. إن الله تعالى قد أكد في القرآن الكريم أن الوجدان ونقاء السريرة والقلوب هو بيت القصيد من هذا الوجود فقال:{إن أكرمكم عند الله أتقاكم...}.أي من كان مستقيما في أخلاقه إنسانا في عمقه خيرا في سلوكه. ولم يقل إن الله يفضل من هو أعلمكم وأغزركم علما ولا من هو أعتاكم قوة وأقواكم سلطة.إن الأولوية القصوى هو أنه يجب أن ننتبه إلى أهمية طمأنينة البال وسكينة الروح قبل رفاهية الجسد وشبع البطون وتزيين الواجهة.لأن السعادة الحقيقة بخصوص تحقيق كل الأهداف المنشودة في هذه الحياة، هي السعادة التي نعيشها على الصعيد المجرد والمستوى اللامرئي الغيبي. إن متعة العيد الحقيقية ليس في ذلك اليوم الذي يسمى عيدا ،و إنما المتعة الحقيقية للعيد هي في انتظاره وتخيله والسيناريوهات المصاغة لتحقيق مشاريع محددة في مرحلة ماقبل العيد . إن الحياة الدنيا مزرعة قد ضمن الله فيها لمزارعيها حصص الرزق المحدودة والغلاف الزمني لآجال الأعمار المحسوبة.والتي يعجز البشر بعقله القاصر وعلمه الذي يغتر به كثيرا وتكنولوجيته ومناهجه المادية الإلحادية أن يسيطر على أسرارها فيضعها في قوالب جاهزة قابلة للقياس والملاحظة حتى يصير قادرا على التحكم بلوحة مفاتيحها في كل وقت وحين. إننا نلاحظ أن خصوصية الإسلام كدين وكفكر وكهوية وكثقافة وكانتماء حضاري يشحن بطارية الانسان بطاقة الإيمان كي يستقر عنده معدل الحيرة على مؤشر اللاقلق على هذا الكوكب. فتراه كائنا منظما مطمئنا ينظم شبكته العلائقية مع خالقه والكائنات الأ خرى بما فيها أفراد المجتمع المحيطين به بشكل يساهم في تفعيل دينامية التنوير الإيجابية البناءة لصرح الخير الذي يضا د بشكل أوطوماتيكي القطب الذي تتمركز داخله كل عناصر الظلام السلبية الهدامة لصرح الإيجابية بحجة إدمان نماذج الفاحشة والإستمتاع بارتكاب الجرائم الفضيعة ونشر شتى أنواع الشر غسيلا مجانيا مغلفا بعسل التقدمية بين قوسين لأنها تخلفية بامتياز، ومحاطة بهالة حداثة الأكاذيب لأنها فعلا تعود بالإنسان إلى عادة التطاحن الهمجي بين البشر في القرون الوسطى ،أما الديموقراطية والمساواة التي يتحدثون عنها فحدث ولاحرج لأنها لا تعني أحيانا المعنى المعكوس فلا تكون سوى امتصاص دماء المقهورين ومصادرة حقوقهم للرفع من أسهم رصيد الفئة القليلة الباغية.وكل هذا للأسف يحدث باسم القانون والشرعية الدولية في مسرحية إعلامية فاضحة.إن الشحنة الإيمانية التي يزود الإسلام بها المؤمنين تحفزهم أيما تحفيز للتشطيب على الإنبطاحية الإرتزاقية وحذف إنتهازية المنافقين من لائحة التواجد الإجتماعي ومراكز القرار والتأثير . حكيم السكاكي