إن التخصص في دراسة الكوارث يستحق منا أن نخص له علما خاصا سنسميه مجازيا من عندياتنا:علم الكاريثولوجيا, خاصة إذا تعلق الأمر بكارثة رمزية معنوية تعمل على طمس هوية العقليات من منطلق عنصرين أساسين: البلادة والعناد،فتكرس منهج التناقض في الذهنيات المهووسة بالغرور المعرفي لكنها مقابل ذلك مصابة بفيروس الجهالة الميتافيزيقية وشذوذ التشيطن النخبوي وعدم القدرة على التفكير الموسوعي الصائب الذي يتجنب كل محاولة تجزيئية للحقيقة. فترى ذهنية متخلفة غارقة في تقليد الآخرين تدعي أنها تقدمية وحداثية وديموقراطية وهي ذهنية بالية متخلفة ديكتاتورية لاشخصية لها لأن البلادة والعناد العقيم قد استبدا بها فانقضت مدة صلاحيتها .لكنها مازالت تعيش أحلام مراهقتها الوردية على الرغم من أن تجاعيد الزمن القديم قد زحفت على مساحة الوجه التائه وعلت معظم سحنته وشيب التدهور قد أشعل الرأس الذي يحمل في طياته دماغا منهك القوى مرهق الطاقة. ما زالت الذهنية التقدموية المسكينة تتوهم وهم الشهرة مع نفسها في برجها العالي المترفع عن مستوى المنهج الشعبوي والرعاع السياسي وهي قاب قوسين أو أدنى من ولوج تراب المثوى الأخير وهي لم تعترف بوجود الخالق بعد ،ليستهزأ من حذا حذوها بالمؤمنين بالله ورسوله وبرسالة الاسلام التي لا يريدون منها أن تسود كل تفاصيل حياتهم .فترى الذهنية التقدموية التي ترضع من ثدي التخلف تكتفي بترك عقيدتها مجرد ديكور تافه عقيم في خزانة الفولكلور الشعبي ،أو أنهم يتهمون كل مسترسل في التدين عاشق للغيب ذائب في حب الله بأنه مجرد عضو ينتمي إلى قوى ظلامية تقليدانية محافظة ومتخلفة تسيطر الخرافة الغيبية على مجمل طريقة تفكيرهم . إن مشكلة الذهنية الوضعية المغرورة برصيدها المعرفي المتعالم أنها تخدع ذاتها بإيحاء من المزاج المريض ظنا منها أن عقلها الخارق قد أوحى لها بالحقيقة فأصبحت تقدمية أكثر من غيرها رغم قلة أنصارها. مما خول لها أن تملك معظم أسهم التحضر في مقاولة المجتمع المدني . كما أنها تتوهم أنها تملك أسرارالحل الأمثل لمشاكل الوطن والعالم. و لنفرض أنه اجتمعت كلمة العالم كله مع العلم بتفاصيله، فصار هذا العالم معادلة علمانية قابلة للقياس والملاحظة النسبية بالنسبة لهم. و أصبح لا مجال فيه للمطلق والعواطف والذوات والوجدان والروح والغيبيات، وبالتالي فإن خالق الكون عندهم اصبح في عداد الموتى ،الشيء الذي يعني إمساك الإنسان لمقاليد الحكم بقبضة من حديد لا نزاهة فيها ولا حياد.وعوضا عن قذف كل التهم التحطيمية لسمعة الدين والمتدينين وجب توجيه اللوم للعقلية التقدمية المحلية التي تدعي الالتزام والموضوعية والعقلانية و هي مجرد فئة انتفاعية من فرص الترقيات في السلم الاجتماعي والوظيفي من غير استحقاق. إن الحكماء العالميين الذين يتقنون الفكر الكلي اعتنقوا الاسلام بعدما توصلوا إلى عمق الحقيقة الكونية عبر تجاربهم العلمية المتبحرة، ويعرفون جيدا أن الذات فريسة سهلة لخداع العقل وحقائق العلم النسبية التي يتم تحصيلها عبر الحواس ، ماهي إلا خطوة ضئيلة جدا في درب الحقيقة. وما الانسان المغرور بعقله الذي منحه إياه الله سوى حشرة في المجرة وذرة غبار في الكون . إن تبعثر وحدة القوى التقدموية اليسارية مؤخرا دليل على تيهان بوصلتها لتتشتت تحت عدة مسميات،فترتفع عقيرة الاحساس بعار الفرقة بلم الشتات وما تبقى من فتات للوقوف في وجه القوى الاسلامية المحافظة. دعونا للحظة نحلل هذه المعادلة التوصيفية لذواتهم .إن كانوا فعلا هم القوى الحية ؟فهل الاسلاميون قوى ميتة؟ إذا كانوا هم المدنيون المتنورون فهل الأخيرون همجيون ظلاميون إذن؟ . و إن كانوا هم التقدميون المستقبليون العلميون فهل الأخيرون تراجعيون ماضويون تخلفيون وخرافيون؟.و إذا كانت المعادلة الاستفهامية هكذا هي كما يبدو لي،فإلى أي حد القول بأن قياسهم المعياري قد أصيب بعطب لأن القرد في نظر أمه غزال؟ خاصة و أن إعجابهم بنظرية داروين تجعل من أجدادهم قرودا بشرية.وإنه اتهام ضمني حينما يظنون الأخرين مجرد حثالة ورعاع سلبيون وخلايا ميتة في المجتمع .وحينما يلونون أنفسهم على لوحة المدح بهكذا ألوان مشرقة إنما يتهمون الاخرين بالسلبية، فينسبون إلى ذواتهم كل الصفات الإيجابية بشكل أناني صبياني يثير كثيرا من المفارقات المضحكة والتي يترجمها سلوكهم على أرض الواقع للأسف. وذلك حينما لايتطابق قولهم مع فعلهم ومبادئهم مع سلوكهم. لعمري هذه هي الفئة التي لا ترى أبعد من أنفها و لا أجمل من صوتها ،تنفخ في رماد الأنا فيرتد إليها كي يعميها عن فتح بصيرتها. إن النرجسية – أو حب الذات بشكل أناني مريض: narcissism /الميغالومانيا أو جنون الغرور megalomania/ والميثومانيا- أو جنون التخريف mythomania : هي أمراض نفسيةعميقة تنفخ في المريض التقدموي الدنيوي ريح الغرور والوهم لتجعل منه بالونا هوائيا مضحكا تتلاعب به الريح يمنة ويسرة في سماء المراهنات الخاسرة المنبنية على طريقة تفكير انتهازية تصفق على الغالب فقط ،أما المغلوب على أمره فيتم السخرية منه بشماتة على الرغم من أنه كان البارحة رفيقا للدرب فيما يخص الإطار المبدئي للقناعات النضالية . ومن هذا المنطلق الكوميدي الساخر، يكتفي بعض التقدميين الحائرين بإصدار فرقعات الريح الهوائية ليصيروا بذلك ظاهرة صوتية مضحكة لا تجد لها آذانا صاغية لدى عامة الشعب لأنها تنطق بتفاهات مريخية لا علاقة لها بالثقافة والهوية المحليتين. وكي يغطوا على نقصهم لأنهم مجرد أشباه مثقفين وذوات مهزوزة متخاذلة لا مرجعية لها ولاهوية ،مجردة مقلدة للغرب، يحاولون الركوب على كل حدث لعل يعيد لهم بعض بريق الوجه المراق على حافة الخيبة والاحباط. وفي هذا الصدد يقول عنهم حبرهم الأعظم ماركس :°إ ن الكارثة الكبرى تتمظهر حينما يقود أشباه المثقفين الشعب باسم العلم وهم أجهل الناس°...ومقابل هذا يقول الشيخ المصري أبو إسحاق الحويني: °إن علمانيينا أكلوا في الغرب فجاؤوا ليتغوطوا علينا°. هذا هو حال الذهنية التقدمية التي تتذكرنا بتلك المواقف العنصرية التي كان الاستعمار الأروبي يقذف بها كل منتم للإسلام آنذاك .وتعتبر معارضيها عقليات بدائية تخلفية، إنها الذهنية المتأخرة عن اللحاق بقطار المستجدات التاريخية بعد تحطيم جدار برلين وانقضاء زمن الحرب الباردة. إنها الذهنية التي فقدت الأدب والمنطق في تواصلها مع باقي الفصائل المجتمعية العريضة. إنها الذهنية التي فقدت بوصلتها ولم تدرك حجمها الطبيعي بعد. فتعتبر نفسها أغلبية نوعية رغم أنها أقلية كمية. إنها الذهنية المتحجرة الدوغمائية المتصفة في بعض الحالات بالبلادة والعناد والتي لا تملك الشجاعة الكافية كي تقدم النقد الذاتي وتراجع مرجعيتها الوهمية ولا تريد أن تعترف بالحقيقة فتريح نفسها وتريح معها الناس الذين تشوش عليهم. إن الحريات الفردية التي يتحدثون عنها ليست قيما ولا أفكارا و إنما هي مجرد أشياء باطلة وقشورا تافهة يراد من وراء تكريسها ،تصفية حسابات ضيقة مع أشخاص معينين للضرب في مصداقية قناعتهم المنبنية على حب الحق والخير وكراهية الشر والظلم. و خلال عملية التكريس المشبوه هذا، تتزامن عملية أخرى يقوم بها زبانية الفساد بالنيابة خدمة لبرنامج مافيوزي لأشخاص يؤمنون بالقوة المفرطة والغنى اللامشروع للحفاظ على هلوسة عشقهم للسلطة والمال بواسطة السياسة. إذن فقد آن الأوان لعالم الأفكار الملتزمة والأخلاق المحترمة المنبثقة من الدين الحنيف ليحل محل سدنة الوثنية التي تعبد الأشياء بقشورها والأشخاص بلحومها قصد تجميد رصيدها العفن من إرث الفساد في بنك المصلحة البشرية العامة. إن تقليد الغرب هو الآفة الخطيرة التي أصابت عشاق الثقافة المنفتحة في شكلها الإقصائي الاستئصالي مما يعني أنها منغلقة مستبدة في المقام الأول. وهي أقرب ماتكون من التفسخ الخلقي والانحلال القيمي المبتذل الذي يدور في فلك الدعارة ويتحدث بقاموس الصفاقة. وما الاسراف في مهرجانات مكلفة ماديا مع إشاعة الفاحشة ونشر شتى أصناف الرذيلة، وارتياد الحانات وكاباريهات الرقص الخليع و إدمان مواقع الإباحية، سوى خطوة نحو لب عالم الغرائزالحيواني المتعلق بإجراءات تسطيح عمق التفكيرالنزيه واستغباء ذكاء الشرفاء وتشييء البشر الرافض لكل أشكال الاستعباد. مع عدم استيعاب المعنى الحقيقي للانتماء إلى التحضر والحضارة الانسانية،مما يدل على أن الوهم التقدمي المتحضر الذي يعيش فيه التقدمي المزعوم مجرد سراب متخيلا نفسه داخله أنه بصدد الانتقال المرحلي من ديموقراطية خامة بالأبيض والأسود إلى ديموقراطية مزركشة يالألوان الفاقعة. وليس في الأمر من اختلاف لأنها في نهاية المطاف راكبة في مركب واحد ليس إلا ... أراد يوما فلاح يملك بقرتين أن يحتال على صديقه الذي يملك حمارين و أقنعه بأن ممارسة الديموقراطية بشكل تقدمي ضرورية جدا إذا أرادوا أن ينجحوا فعلا في حياتهم كمزارعين جيران، فاستفسر صاحب الحمارين عن معنى الديموقراطية والتقدمية.فطلب منه أن يقتسم معه الحمارين.ففعل ذلك ببراءة وسذاجة و أعطى له أحد حميره.وحينما أخبر صاحب الحمارين زوجته بذلك،فطنت إلى حيلة صاحب البقرتين فأمرت زوجها بأن يطلب منه أن يعطيه إحدى بقرتيه تطبيقا لبنود اتفاقية الديموقراطية في إطار شراكة جيران جد متقدمة للاستفادة المتبادلة،فذهب ليطلب بقرة باسم الديموقراطية والتقدمية فرفض صاحب البقرتين.وسأله صاحب الحمارين عن السبب.فقال له: °إن الديموقراطية /التقدمية تمر بمراحل تدريجية. المرحلة الأولى هي المرحلة الحمارية وبالتالي فإن المرحلة السالفة في حاجة ماسة إلى انتظار لاحقتها كي تنضج القضية الديموقراطية بعيدا عن آفة الهشاشة ولكي تؤتي بثمارهاالتقدمية الحية المتحضرة البشوشة. لهذا فإني أؤكد لك أنني سجلت بارتياح أننا لم نصل بعد إلى مرحلة الديموقراطية التقدمية البقرية، كي أسلم لك إحدى بقراتي العزيزات. فالقضية قضية جد ومسؤولية وليست قضية تسليم لعبة للأطفال بكل أريحية.°إن كثرة ادعاء التقدمية في السلوك والفكر غالبا ما يؤدي إلى التخلف عن الواقع لأن تلك التقدمية مازالت ترضع من ثدي الرجعية التخلفية.أما الممثل الحقيقي لهذه التقدمية المزعومة هو السيد الرويبضة الشبه المثقف الذي يحتاج إلى لجام كي يكبح لسانه الثرثار المدعي للباطل والمتبجح بالأوهام كثيرا. فالتقدم عنده والتحضر يتجلى في إطار التقليد للآخر الأجنبي عبر الامساك بسيجار كاسطرو الكوبي بين أصابعه وارتداء قبعة غي فارا وتبني العلمية الموضوعية في لبوسها الالحادي والديموقراطية في ردائها الاستبدادي الانتهازي وتبني المقاربة التشاركية في إشراك ذاته فقط مع ممارسة المنهج الاقصائي الاستئصالي للمخالفين له. مع الحرص على حقوق جيوبهم المثقوبة بمثقاب وضعيتهم المقهورة بداء الطموح الزائد في صياغة فردوس أرضي. إن التقدميين يستمرون في تقليدهم لتراث أوروبا القروسطوية والتي كانت فيها الكنيسة تقمع علماءها وتسيطر على مفاصل الدولة والسياسة،وكنتيجة لذلك الحيف، تمرد عليها العلماء والسياسيون البورجوازيون لوضع حد لفسادها وطغيانها باسم الدين والالاه. وفي هذا كانوا على كامل الصواب. فجاء علمانيونا الذين يتميزون بشخصيتهم الضعيفة التي وصلت درجة الصفر لأنهم مجرد مقلدين يتقنون تبعية الغرب وراحوا يتصنعون تذمرهم من قيود الدين ويمثلون مسرحية التمرد على القيم باسم الرومنتيكية romanicism التي تريد العودة بنا إلى حياة الغابة ودين الفطرة الطبيعي تمردا على قيم الحضارة و الرقابة الأخلاقية، وتحطيما للقانون التنظيمي للمجتمعات البشرية، وباسم المذهب البدائي الوحشي primitivist fauvism الذي يريد منا العودة إلى أيام العري البشري البدائي حيث كان يركض في الخلاء عاريا كما خلقه الله مثله مثل الحيون. غرضهم من كل هذا هو الاسترسال في الاستهتار اللامسؤول بالواجب في تكريس الحق ومحاربة الفساد مع اتباع أهوائهم لمراكمة الثروات وتحقيق أحلام جشعهم ومصالحهم الشخصية. متناسين خصوصية الاسلام كدين عالمي يتمتع بمصداقية لأنه لم يتعرض للتزييف من طرف رجال الدين الجشعين مثلما كان الشأن مع الكنيسة آنذاك. ولهذا السبب نجد أن التقدميين في إطارهم التخلفي المحلي يضفون الدهن الميكيافيلي على العمل السياسي كي تسير عجلة فنهم الممكن لتحقيق المستحيل. وذلك لكي يستطيع الانسان أن يصير عفريتا شيطانا بين عشية وضحاها بعدما أضحى آدميا خسيسا يبيع أمه و أباه و إخوته فيذبح كل قناعاته المبدئية والفاضلة نزولا عند رغبة المبدأ الذي يقول: ما يهمنا هو الوصول إلى الغاية والهدف لاتهم إن كانت الوسيلة ملوثة بالدماء والسلوكات المدنسة. المهم عنده هو أن يبيع شعاره التقدمي في سوق الأغبياء بأي ثمن وليكن بعد ذلك الطوفان .ليتحول بعد ذلك حسب مزاجه الزئبقي و درجة حرارة مصلحته الشخصية الملحاحة إلى عفريت خارق يخترق جدران البنوك ويسرق أرزاق العباد وخيراتهم. إن التقدمي يمنع المسلم من استعمال المساجد كوسيلة إعلامية لأنه منفصم عنها بشكل كلي كونه لا يصلي فيها وبالتالي فإنه لن يتمكن من الاستفادة هو أيضا من المساجد أكثر مما يستفيد من مقاهي النميمة والسمسرة. ومن باب التقية والنفاق ترى العلماني التقدموي يؤكد لك أنه مسلم أيضا لكنه متقدم متحضر زيادة على ذلك أي أنه مسلم رقمي خارق لأنه ينتمي بسبب تعالمه وتثاقفه إلى زمرة النخبة المنتخبة والتيار المدني التنويري الذي يؤسس الأرضية الملائمة لسياسة المدينة على حساب تهميش البادية ،كما أنه يتقن التقدم التقدمي المقدام في درب المفاجآت المبادراتية التي تدل على الدهاء الثعلبي والماوغة الشيطانية التي يتميز بها أروع نجوم كرة القدم. وبسبب عقليته الارتجالية التي لا تنضبط لضوابط مقننة، وبسبب غروره بعلمه الذي لا يعلم بأنه ليس بعلم أبدا ويجهل بأنه يدور في فلك الجهل ليس إلا، لا يرضى البتة أن يلتحق في انتمائه إلى شرائح التيار الاسلامي الذي يمارس السياسة من منطلق إسلامي أو إلى شرائح المسلمين العاديين الذين يتميزون بعقيدتهم الاسلامية وممارسة شرائعهم التعبدية ببراءة وسذاجة. فهو ليس من هذا الفصيل ولا من ذاك. إنه فوق الواقع ،مما يعني أن الحدود بين الخيال وواقعه غائبة أصلا مما يعني أنه في مأزق وجودي وحرج نفسي وحيرة قاتلة ،لهذا فهويحتاج إلى إعادة مراجعة أوراق انتماءه وهويته حتى يتسنى له تصحيح مساره التموقعي على خارطة الانتماء الاجتماعي. ولا داعي للوي ذراع الحقيقة تحت يافطة الحياد اللائكي المزعوم. إن قاموس التقدمية المغلوط ضيق لأن مهمته محصورة في وظيفة تغليطية ليس إلا. ومستعملي هذا القاموس من حلفائهم وعبر وصف ذواتهم بالصفات الايجابية ونسبها لأنفسهم فقط إنما يؤكدون بذلك غير مامرة أن المسلمين/الاسلاميين/ بني إيمان إنما هو تيار- انطلاقا من ألقابهم التقدمية التحضرية الحية التنويرية - تيار همجي ظلامي تخلفي ميت. اسمحوا لي أن أقوم بدور الأستاذ المصحح لتمثلات تلامذته المخطئين عبر عملية حوارية تعتمد التقنية السقراطية في التهكم على الخطأ الكائن وتوليد الصواب الممكن..وتشخيص الخطأ ثم عرضه إنما يؤدي علاجيا إلى التخلص منه بصعوبة خاصة إذا تغلغل إلى باطن اللاوعي ليصبح حقيقة من الصعب استئصالها. والسؤال المطروح : ما معنى التقدم وما معنى التخلف يا ترى؟ وهل تنحصر التقدمية في دائرة اللاديني؟ والتخلفي الرجعي يظل رهين كل ما هو ديني؟وهل يتساوى الاسلام مع المسيحية كدينين سماويين حتى يتم تعميم حكم فصله عن تدبير الشأن العام والخاص من منطلق علماني محلي/وطني يقلد فيه المرجعية الغربية؟ أين يتجلى معيار الاقتداء في التقدمية؟هل سنتقمص في هذا المعيار الاقتدائي شخصية الثعلب /الذئب الماكر في صورة إنسان كي نسرق أرزاق الناس؟ أم هل سنتسول الحصول على شهادة الفساد والافساد بدرجة ممتاز فنصبح بذلك حداثيين أصلاء في لصوصيتنا ومجتهدين عريقين في عرقلة الاصلاح؟ وهل التخلف هو أن نلبي نداء الضمير كي لا نتواطء ضدا على مصلحة المجتمع عبر نهب ميزانياته المالية وحيراته الاقتصادية؟هل العاهرة المتحررة من وصاية الأسرة والدين ومن قيود الأخلاق باسم ممارسة الحقوق والحريات الفردية تكون في عداد الكائنات الديناميكية الحركية لأنها تقدمية تنويرية حيوية في انفتاحها وطموحها اللامحدود ؟ وهل الشريفة التي حافظت على شرفها وبكارتها وحياءها واحترام الآخرين لها لأنها تحترم القيم الفاضلة تبقى مجرد كائن جامد ومجرد متخلفة تقبع في ظلام الانغلاق المنكمش والكآبة التي تؤدي إلى العنوسة واليأس؟
إن استقامة الحمل الوديع تستفز مشاعر الذئب لأنه ماض في طريقه ولا يلوث الماء حتى لا يشرب منه أحد، فيتهمه الذئب بأنه يتصنع سلوكه اللامؤذي ذاك كمسرحية تمثيلية غرضها تشهير سمعة الحمل،أوأنها حملة انتخابية مبكرة هدفها كسب أصوات الحيوانات. مدعيا أنه يريد احتكار الأخلاق الحميدة والسلوك المحترم،علما أن الإرادة الحرة لكل الكائنات الحية تمنح كامل الحرية أن يختار الإتيان بأفعال إيجابية أو سلبية/القيم بسلوكات الخير أو سلوكات الشر وتبقى كل شاة معلقة برجلها ويبقى كل ذئب معلق بذيله،ولا يتحمل أحد أخطاء الآخر ولا تزر وازرة وزر أخرى. وبما أن الذئب لا يستطيع أن يصدر عن ذاته سوى السلوكات الشريرة المؤذية ،فإن كل سلوك حسن صادر عن حيوانات مسالمة إنما يشكل له تحديا خطيرا يشوه سمعته في الغابة ويهدد توازن وجوده الإفتراسي اللامحدود.وبالتالي وجب التصرف بكل لباقة ومكر لقذف الحيوانات المستقيمة بتهمة السلام كونه إرهابا وبتهمة دماثة الأخلاق كونه غباءا ،ثم بتهمة التخلف الغابوي المتماوت ،كون الغابة الآن ،خاضعة لإعادة الهيكلة التحريفية إبداعيا، وفق إيقاع تقدمي حيوي كي تساير الشروط الموضوعية لشريعة الغابات المتحدة التي ترأسها الخنازير التي ترفض أن تأكل حساء الشرف في طبق النقاء لأنها تعشق التلوث. وتكره المنافسة الشريفة لأن الكفاءة منعدمة لديها. إن الكائنات البشرية المحسوبة على الدين الاسلامي مسالمة لا تؤذي أحدا لأنها تطبق شرع الله وكل حركاتها وسكناتها مرتبطة بالإيقاع الإيماني الذي يخدم البرنامج الإلاهي في ترسيخ قيم الخير مقابل محاربة معسكر الشيطان الذي يركز قواه و أفراده لتفعيل بنود الشر و إذاية البشر. والكائنات المؤمنة بالله سواءا من النس أو الجن تعرف قيمتها في هذا الكون مقارنة مع عظمة الله التي تتضاءل معها كل عنجهية بشرية حمقاء مهما كبر حجمها ومهما علت سلطتها وقوتها وعلمها.إن الوضعيين التقدميين الماديين بسبب طبيعتهم الاستعجالية في تنزيل الفردوس على الأرض كي يكون ملموسا وقريبا جدا من متناولهم،إنما يملكون حس المغامرة وركوب المخاطر وعشق الشهرة الزمنية والجلوس على كرسي التاريخ المحكي والمدون ليتم تخليدهم عبر التقاط الصور لهم وهم في ذروة الكفاح لأجل ملء جيوبهم وتحقيق عنادهم وتفعيل حقوق مصلحتهم الشخصية و إبداع شتى مظاهر الفوضى والاضطراب والتي يسمونها خلاقة مبدعة وذلك لإثارة الشعور بالتوتر والقلق في الأنفس وعدم الاحساس بالطمأنينة والأمان. إن مثل هؤلاء الجشعين المخادعين والذين يدعون العلم والمعرفة للأسف ،إنما هم كما شبههم الله جل وعلا في قرآنه الكريم بالحمير السادرة في مسيرتها الغافلة وتحمل كتبا فوق ظهرها لكن لشدة غبائها وسطحية تفكيرها وفقدان مكابحها الأخلاقية وتلوث فطرتها، لا تستطيع استثمار مضامين تلك الكتب ومحتوياتها الحبالى بالحكمة لأجل مصلحتها الدنيوية ومصلحة حياة مابعد الموت. وهم كمثل الأنعام بل هم أضل و أكثر انحرافا عن فطرة البشر السوي لأنه حتى الرحمة قد استئصلت من قلوبهم . إذن فعقلهم يسير في الظلام على غير هدى من نور الضمير فهم إما أن ينقادوا للتنويع الإيقاعي للشر فيقومون برقصة مع زمرة الذئاب الهوبزية وتكريس الصراع الموي تحت مظلة التنافر الطبقي لأجل بقاء وحوش الجشع الأبدي كي يحوم في أرجاء الغابة المقدسة حيث الكنوز المسروقة مدفونة تسمع لها همس صرخات العذاب الجهنمي ،وهي مخبوءة بإحكام حتى لا تلتقطها عدسة القناصة الرقابية ، وفي الأخير يبدو أنها تحتاج إلى من ينتشلها من قبورها المجهولة بمعول المحاسبة قبل أن تتأكسد وتصدأ فلا يستفيد منها أحد, كما أنهم يفضلون الانتساب إلى جدهم الدارويني القرد ليكشروا عن أنياب البهائم الكاسرة ويقفزون على أغصان الحيرة والنفاق كالقرود الداروينية يلتقطون ثمار لعنة الناس و الأمراض النفسية كالسكيزوفرينيا وانفصام الشخصية الذي يؤدي بهم إلى الجنون الحتمي ثم الانتحار الرمزي والمادي ليصيروا إلى مزبلة التاريخ بعد ذلك ،فتبصق على ذكراهم المشؤومة كل الكائنات التي عانت من ويلات توصياتهم الغاشمة. إن المعنى حياة الروح كما قال الشاعر أحمد رامي ،أما بنو علمان فيكتفون بعشق الباذنجان نيئا لأنهم يجهلون أسلوب طبخه، فيمزجزن معه شيئا من حداثة الكاتشاب والمايونيز. علينا أن نجفف البرك النتنة إذا أردنا القضاء على الطفيليات فعلا. إن الكارثة الكبرى حينما يجتمع عنصر البلادة مع العناد في ذات اللاديني الذي يحسب نفسه تقدميا وهو يرضع من ثدي التخلف للأسف. إنه بليد لأنه لا يريد أن يفهم أن هناك حقائقا غيبية لأنها خارج الإطار الظاهراتي المحسوس. كما أنه بعناده في الاعتراف بخطأه و صواب الآخر يعتقد أنه بصدد التعبير عن قوة شخصيته في التمسك بمبادئه الخاطئة في فهم حقيقة الحياة. إن اللاديني تقدمي مبدع في زعمه لكنه يظل في نظر أسياد الامبرياليين الذين يستخدمونه مجرد مقلد لا شخصية له وعميل يبيع إخوانه وتابع لقيط فقد ذاكرته وتاريخه وماضيه وهويته،فبقي يتيما غريقا يعاكس التيار العام للذاكرة الجماعية التي ينتمي إليها. ولكي ينسى تخبطه في العشواءية وحيرته الوجودية في الانتماء الهوياتي يتوجه صوب المخدرات والكحول والخمر للهروب من الواقع الذي لا يريد أن ينقاد لأجندته المستوردة مرة من روسيا الشيوعية بمرجعيتها الملحدة ومرة من أمريكا الامبريالية بمرجعيتها الليبيرالية التحررية العولمية . وبين هذا وذاك تخيل نفسه يتراوح بين قطبين عالميين مهمين في العلم والمعرفة والتقنية والتقدمية والديموقراطية والتحضر ،لكنه للأسف يبقى كالحشرة بين السندان والمطرقة.ومن المعروف أن كل من يقود أو يبدع تحت تأثير الكحول والمخدرات لا بد له من ان يقودنا نحو الهاوية أو يبدع نظريات عقيمة تعمل على تخريب الانسانية إن لم يكن على المدى القصير فعلى المدى البعيد فيسمي هذا الخراب تقمية ثورية. فتعود بها القهقرى نحو التخلف بعد ما يحطمون الإسمنت الأخلاقي باسم الحرية الفردية المنحرفة والحقوق الجيبية – الأنانية وأيضا باسم الإرادة الدجاجية و المزبلة الحداثية وحيل التقدمية و الديموقراطية الباذنجانية التي لا تنطبخ إلا وفق درجة حرارة تستهلك كل طاقات البشر وتستنفذ كل أرواحهم لأجل فكرة تافهة غبية لا تتعدى سقف الأنف الموبوء بزكام الغرض الدنيوي الزمني القصير المدى. حينذاك سيصبح هناك حسب الأسلوب التهكمي لرواية حديقة الحيوان animal farm لكاتبها جورج أورويل george orwell : أناسا أكثر مساواة من الآخرين وحسب أسلوبه: هناك حيوانات أكثر مساواة في الاصطبل أكثر مساواة من الآخرين لأنهم يملكون عددا أكبر من الحقوق تجعلهم متميزين وذلك بسبب تقدميتهم و إتقانهم الكلام. أي أن المساواة في الحقوق أصبحت مجازا وتهكما وسيلة يستعملها المحظوظون ماديا أو معنويا. إن اللابسين لقناع التقدمية كامل الصلاحية لإخفاء هويتهم كي يتحركوا بحرية خارج نطاق الرقابة والمحاسبة ليقطفوا من شجرة حديقة الحيوان ثمار حقوق شخصية جدا تعود على ذواتهم بالخير العميم والازدها الوفير لمستقبلهم ومستقبل أولادهم ،كما يعود على ذويهم بالهناء والشفاء وليمت الآخرون بوباء الطاعون والغرق بالطوفان. إنك لن تفهم هذا التقدمي الذي أمامك حتى تمشي بحذائه ألف خطوة و تتأمل بأنفك نوعية الرائحة الموجودة في جواربه هل هي محلية الصنع أم أنها مستوردة. والغريب في الأمر أن بعض هؤلاء التقدميين هم الأوائل الذين يصفقون للفساد وهم الأوائل في لوائح الناجحين في مباريات الكفاءات المهنية والترقيات في الرواتب...ويبقى الاختلاف في آخر المطاف سنة الله في الكون،لذا فيجب علينا تقبيل يد ذلك الذي يختلف معنا لأنه يهدي إلينا عيوبنا لترقيع ذواتنا قبل الغرق وفوات الأوان لنكون تقدميين وحدايين أكثر منهم لكن في إطارنا الهوياتي ذات المرجعية الاسلامية . وإن كثرة استعمال المستحضرات الكيميائة الدسمة/ جال/ على الرأس كي يتلألأ الشعر كالنجوم لإثارة الانتباه يجعل الكثيرين يعتقدون أنهم بصدد ممارسة الحداثة والمعاصرة و بأن داخل جمجمتهم تشخر أفكار لامعة تقدمية لكن الإطار المطاطي المهترئ المحيط بهذه الجمجمة المسكينة تتعشش فيه براغيث التقليد الأعمى للغرب ليس إلا . حكيم السكاكي