إن التنمية بالمعنى الحديث، تعني تفجير كل الطاقات الكامنة داخل مجتمع معين، وتعبئتها وتأطيرها، واستغلالها أفضل استغلال، من أجل البلورة الكاملة للفرد والمجتمع اقتصاديا واجتماعيا، ثقافيا و سياسيا، إنها عملية تحويل وتعيير مستمرين ضمن مسلسل يهدف ضمان وتحصين الكرامة الفردية والجماعية في المجتمع، واستثمار كل طاقاته إلى أقصى حدودها الممكنة دون هيمنة أو استغلال داخليا أو خارجيا. فإذا كانت الصفقات العمومية المحلية تعد إحدى الوسائل الهامة لتحقيق التنمية الاقتصادية، فإنها كذلك تعتبر أداة لتدخل الجماعة في المجال الاقتصادي تساعد على تنفيذ السياسة المرسومة من طرف النخبة المحلية، وتحديث الاقتصاد المحلي وتوظيف تقنيات جديدة. إن تداخل الجماعات المحلية في مختلف الميادين الاقتصادية والاجتماعية أصبحت السمة أساسية للامركزية للدولة المغربية، بحيث وجدت هذه التدخلات مبررات في البحث عن التنمية الشاملة بمختلف مفاهيمها. فمشاكل التنمية بجماعتنا " جماعة امرابطن " واضحة كوضوح الشمس في النهار على المستوى الاقتصادي والاجتماعي بالدرجة الأولى، واللجوء إلى الوسائل التقنية الحديثة لتدبير الاقتصاد أمر ضروري وإلزامي ألزم مجالس الجماعية تحمل مسؤوليتها إزاء الناخبين، من أجل التناغم مع الاختصاصات الجديدة للجماعة التي بدأت تسند إليها في إطار تطوير الإدارة وجعلها صورة حقيقية في خدمة المصلحة العامة. لكن تحقيق التنمية المحلية في جماعتنا، تواجهه عدة مشاكل تحد من نجاحها، مما يكون الرهان أكبر على كاهل المنتخبين المحليين للبحث عن سبل والممكنات من أجل تجاوزها. عوائق التنمية المحلية بجماعة امرابطن "تماسينت" إن التدخل الاقتصادي للجماعات المحلية فرض عليها زيادة في نفقاتها، لما في ذلك من فائدة لإنعاش الاقتصاد المحلي، مما صارت التنمية إحدى المهمات الأساسية للإدارة المحلية، لكن جماعة امرابطن شأنها شأن باقي الجماعات المحلية القروية بالمغرب تعترضها عدة صعوبات لإقرار تنمية محلية قروية حقيقية ومستديمة وخير مثال على هذه العوائق هي عوائق ذاتية وأخرى موضوعية. العوائق الذاتية: لا شك أن العوائق الذاتية تتركز بالأخص في الموارد البشرية، سواء الإدارية أو المنتخبة، فالبنسبة للفئة الثانية أي المنتخبة هي التي تكمن فيها الإشكال بكثرة كما عبر عنها ساكنة المنطقة، بكونها هي من أهم العوائق الذاتية للتنمية المحلية عموما،الذي يتجلى في ضعف المستوى التعليمي للمنتخبين، فحال جماعة إمرابطن في هذا الجانب خير دليل يستدل به على ضعف المستوى بالنسبة لهذه الفئة. فإذا كان الميثاق الجماعي -00/78- المعدل بقانون 08/17 في مادته 28 التي تقول"لا يجوز لأعضاء المجالس الجماعية الذين لا يثبتون توفرهم على مستوى تعليمي يعادل على الأقل مستوى نهاية الدروس الابتدائية أن ينتخبوا رؤساء ولا أن يزاولوا هذه المهام بصفة مؤقتة" يعني أن القانون قد اشترط في الترشح لمنصب الرئاسة توفر العضو على مستوى تعليمي يساوي نهاية الدروس الابتدائية، لكن تحديات القرن الواحد والعشرين لم تعد تسمح لرؤساء ذوي مستوى متدني بقيادة سفينة العمل الجماعي، أي نحن بحاجة إلى كفاءات في مجال التدبير الحديث ملما بجميع المستجدات التي بدأت تعرفها الإدارة الترابية أو كما أسميهم شخصيا "برجال مدبرينGESTIONNAIRES لهم كفاءة وغيرة على المنطقة ومسؤولية عملا بالمثل الفرنسي القائل "IL faut gérer sa commune comme un père de famille". كما هو معلوم أن من مبادئ الديموقراطية دعم ترشيح الشباب الحاصلين على شواهد دراسية عليا متشبعين بثقافة التعاون وخدمة الصالح العام وجعل الإدارة هي مرآة المواطن أي توطيد العلاقة التواصلية بين المواطن والإدارة وليس علاقة تنافر وتخويف..... الخ. كما يستحسن فكرة تشجيع الشباب الحاملين لشواهد عليا للترشح من أجل أن يضعوا تجربتهم المتواضعة في تسيير المجالس الجماعية. ولكن ما دام ساد منطق عدم الاستقامة وعدم وجود ما يسمى بالشفافية والنزاهة وحسن الخلق في المتر شح أدى إلى فتح باب أمام فئة من الانتهازيين أصحاب عقلية الغنيمة ليتحملوا مناصب المسؤولية، إذ كيف يعقل أن من يصرف المئات من الملايين في الحملات الانتخابية قد يكون ذات نية صافية في تقديم الخدمة الصالح العام، استحالة مطلقة في ذلك مما يتوجه نحو خدمة مصلحته الذاتية دون أن ينسى أتباعه وحلفائه ....الخ، أي جاء بمنطق الاستثمار وليس بمنطق التسيير والتدبير وتحقيق ما كان ينادي به في حملاته الانتخابية من خلال برنامجه الانتخابي. وهكذا فإن هاجس الربح قد انعكس على مجال الصفقات الجماعية وعلى جميع الأنشطة المالية المحلية بشتى تلاوينها. العوائق الموضوعية: يقتضي انطلاق التنمية من القاعدة أي من الفاعلين في التنمية المحلية، الاشتغال ضمن شراكات للإستفادة من التفاعلات الناجمة عن تنسيق الأنشطة. لكن تحتاج طريقة الإشغال هاته في بعض الحالات، إلى تعميق وتأطير أكبر من أجل الرفع من نجا عتها وحسن أدائها، وأن ضرورة تعميق التفاعلات، تفرض نفسها بحدة أكبر سيما وأن الموارد البشرية والمالية تعاني من الندرة والضعف، وهناك عوامل أخرى تتحكم في خلق الشراكات منها ظهور نمط جديد في التدبير يعتمد على التشارك وعلى الجهود الجماعية. ويقوم أيضا على تقوية الشراكات المحلية بين الجماعات المحلية والمصالح اللامركزية والقطاع الخاص والنسيج الجمعوي المحلي، وهذا ما لا نجده في الممارسات التي تقوم به جماعتنا. لهذا فإن تحقيق التنمية بجماعة امرابطن يقتضي تمكين الجماعة وتهيئتها لخلق تفاهم مثمر وبناء بين كل الشركاء: إدارة لا ممركزة، القطاع الخاص، المؤسسات العمومية، المجتمع المدني. ممكنات التنمية المحلية بجماعة بامرابطن "تماسينت" إن الدور الاقتصادي للجماعة المحلية ما فتئ يحثها على مضاعفة روابط الشراكة بينها وبين باقي المتدخلين والسلطات العمومية لتحفيز الاقتصاد وعلى ممارسة كامل اختصاصاتها في مجال التنشيط الاقتصادي، كما أن ممكنات التنمية بجماعة امرابطن يكمن أن تتراوح بين المقاربة التشاركية المفقودة والحكامة الجيدة المنعدمة. المقاربة التشاركية: أصبحت المقاربة التشاركية اليوم، كمنهج للعمل التنموي، وأحد أهم عناصر الحكامة وآلية معتمدة عالميا، وممارسة مهمة في مشاريع التنموية. وهي تحظى بموافقة واستحسان كافة المنظمات الدولية المساهمة في إنجاز المشاريع المحلية، فإشراك الساكنة، فإشراك السكان في جميع مراحل هذه المشاريع، من شأنه أن يعزز الآثار المترتبة عنها ويمكن بالتالي من القضاء على الفقر وتوفير مستلزمات الحياة المتمثلة في التعليم والصحة والسكن لكن السكان، والمحافظة على البيئة وخلق شروط التنمية المستدامة. ولضمان نجاح واستمرارية المشاريع تتأسس المقاربة التشاركية على عدة أسس منها: حرية التعبير الديموقراطية في اتخاذ القرار. تأهيل الكفاءات وإبراز القدرات الذاتية. استعمال الموارد المتوفرة بطريقة عقلانية. تحديد حاجيات الأولية والحقيقية للسكان. الإدماج والتنسيق بين جميع المتدخلين. كما أن الميثاق الجماعي المعدل والمتمم بقانون 08/17 في بابه السابع من خلال مادته 78 " التعاون والشراكة بين جميع القطاعات"، يعني أنه جدد في مجال التشارك والشراكة، وذلك بتوسيع سلطة الرئيس مع السماح للجماعات بأن تبرح كل أشكال التعاون مع كل الشركاء، وخاصة جمعيات المجتمع المدني، وفي هذا الإطار فإن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية قد أعطت مدلولا أكثرا عمقا لمقتضيات الميثاق الجماعي لكن دون إسقاطها على أرض الواقع من أجل لمس مدى تفاعل جماعتنا مع هذه المبادرات. لقد اتسمت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، بإشراك كل المتدخلين في التنمية من قطاع عمومي ومجتمع مدني الغائب عن المنطقة رغم تواجد عدة جمعيات بدون هدف وجدوى، وفاعلين اقتصاديين، وتنصب الشراكة التي جاءت في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية بالأساس على المشاريع المرتبطة بالصلاحيات الجديدة التي أسندت للجماعات المحلية في الميثاق الجماعي لسنة 2002"00/78" المعدل والمتمم بقانون"08/17" لسنة 2011 والذي دعم الديموقراطية المحلية التشاركية، ومن جهة أخرى فإن المقاربة التشاركية تمنح إمكانية توضيح التزامات الفاعلين والشروط القانونية والمؤسساتية المرتبطة بها، وأيضا عقلنة العمليات المالية للمشاريع المبرمجة، بحيث تعتبر مرونة الشراكة شرطا إضافيا لنجاح المشاريع المبرمجة للجماعة أو المنجزة. كما إن مسطرة التشخيص التشاركي التي اعتمدتها المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، تمكن من معرفة فورية للأنشطة المرتكزة أساسا على مشاريع صغرى للتنمية المحلية ذات وقع قوي لتعزيز انخراط السكان لتنفيذ برامج المبادرة الوطنية...، كما أنها تساهم في دعم وتقوية النسيج الجمعوي خاصة على الصعيد المحلي، من خلال تطبيق مبادئ الحكامة الجيدة المعتمدة أساسا على المقاربة التشاركية التي تراهن عليها المبادرة. الحكامة الجيدة: يعتبر التدبير المالي الرشيد أحد ركائز التنمية المحلية، التي أناط المشرع القيام بها للجماعة المحلية، وأحد مظاهر اللامركزية التي تعمل الدولة على ترسيخها من خلال واقع الممارسة ومن خلال نصوص القانون المنظم للمالية المحلية، وهكذا فقد نص ظهير 23 فبراير 2009 دخل حيز التنفيذ الظهير الشريف رقم02-09-1 الصادر في 22 صفر 1430 الموافق ل 18 فبراير 2009 بتنفيذ القانون رقم 45.08 المتعلق بالتنظيم المالي للجماعات المخلية ومجموعاتها، والمنشور بنفس التاريخ بالجريدة الرسمية عدد 5711،ناسخا بذلك الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 584-76-1 الصادر في 5شوال1396 30 سبتمبر 1976 والذي اطر عمليات التنظيم المالي للجماعات المحلية لأكثر من ثلاثة عقود. في شقه المالي على دور الجماعات المحلية في الاضطلاع بمهام التدبير المالي من خلال تحويله لعدة اختصاصات لفائدتها وتمتيعها بهامش كبير على مستوى ماليتها سواء فيها يخص إعداد الميزانيات أو صرف النفقات، وتقضي التنمية المحلية التركيز على بعد الرؤيا وروح الابتكار والرغبة الأكيدة في تحسين طرق التدبير المالي عبر توظيف آلية الحكامة المبنية على الشفافية والثقة والمسؤولية والمشاركة والمراقبة القضائية التي تشكل شرطا محوريا لتحقيق الأهداف السابقة. فالحكامة أصبحت ضرورة ملحة تفرض نفسها على مدبري المالية المحلية وعلى الأمرين بصرف النفقات، نظرا لأن الجماعة تعيش اختلالات تنموية تتطلب تعبئة شاملة لترشيد النفقات وفرض رقابة رشيدة على أوجه الإنفاق المحلي. وكنصيحة التي يمكن أن أقدمها للمجلس الجماعي لجماعة امرابطن هي إعادة النظر في مجموعة من الوثائق التي هي في ارتباط وثيق بالتنمية وكذا الإسراع في انجاز مشاريع تنموية قبل فوات الأوان وإرجاع مجد المنطقة التي دائما نفتخر بها. الإسراع في إعادة النظر في القنطرة التي توقفت أشغالها، التي ستشكل الجزء الأكبر من التنمية في حالة إعادة بنائها وفق المعايير المتوخاة مع المشاريع الأخرى التي توقفت لأسباب مجهولة، لكن تعلم أن رغم صغر حجم هذه المشاريع إلا أن دورها كبير على المنطقة والذي يتمثل في التنمية.