يشغل الداهي الكاي من مواليد مدينة العيون، كبرى مدن الصحراء الغربية خلال فترة الاستعمار الإسباني للمنطقة، حالياً منصب رئيس جمعية المفقودين في جبهة البوليساريو، التي تأسست في العام 2005. وعمل في السابق ناشطاً حقوقياً في هولندا لتوعية الرأي العام الأوروبي بقضية حقوق الإنسان في مخيمات تندوف بالجزائر، وعاد إلى المغرب في سنة 1994، وسلم 40 ملفاً إلى منظمة العفو الدولية، ويحمل كل ملف ختم المنظمة الحقوقية الدولية حالياً. ويقدر الداهي عدد المفقودين بنحو 800 شخص، ما بين سجين وميت ومجهول المصير، في إطار ما يسميه ب”الملف الأسود لحقوق الإنسان” لدى التنظيم الانفصالي. والداهي الكاي (56 عاماً)، ينتمي إلى ما تسميها قيادة البوليساريو ، ب”مندسي عام 1974′′، وقضى 6 سنوات داخل السجن في مخيمات تندوف، وعاش مقتل عمين له في المعتقل، ولا يزال يتذكر كما يقول ل”العربية.نت” ما وصفه ب”التعامل الوحشي” للبوليساريو معه داخل الزنزانة، الذي يشبهه بأساليب التعذيب في القرون الوسطى، وبحكم التجربة داخل السجن في الصحراء، يذهب الناشط الحقوقي المغربي الداهي الكاي، وفق تعبيره، إلى وصف سجل حقوق الإنسان في مخيمات تندوف ب”المأساوي”. “الانتهاكات بدأت 1973′′ ويقول الكاي: “إذا كان نظام الحكم بحسب رواية البوليساريو عدواً للشعب المغربي في ما يخص الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، فإن هذا العدو اعترف واعتذر وعوض وتعامل بإيجابية مع الضحايا، ويتواجد اليوم ضحايا مغاربة من مرحلة (سنوات الرصاص) في مناصب عليا، إلا أن جبهة البوليساريو التي تعتبر أنها صديقة للشعب الصحراوي، مارست التعذيب والقهر على الصحراويين قبل أن يسترجع المغرب جنوبه، أي أنها بدأت في الاختطافات والاعتقالات والتعذيب في العام 1973، والواجب الأخلاقي في ثقافة الصحراء، يلزم عدم السكوت عن دم أحد من الصحراويين”. اللقاء مع الداهي الكاي في مدينة الداخلة في أقصى الجنوب المغربي كان في حديقة عمومية هرباً من حرارة شمس يوم خريفي في الصحراء، وبحثاً عن ظل الأشجار. ويستغرق الداهي في صمت من خبر أحوال المنطقة الصحراوية بخلفية الصراعات التي جرت على أرضها قبل أن يوضح بأن الخريطة الحقوقية الصحراوية تشير بأصابع الاتهام إلى البوليساريو ، التي لا تريد حتى مبدأ الاعتراف بالمفقودين مجهولي المصير لديها من الصحراويين، الذين كبروا داخل مخيماتها. ويذكر الداهي الكاي بأن أول دفعة من العسكريين من قيادات البوليساريو من خريجي المدارس العسكرية الجزائرية قامت بتعذيب الصحراويين في قاعدة عسكرية تسمى “الجْنينْ”، وأول الضحايا الذين يقر الداهي الكاي بأنه أحدهم، خلال أول انتفاضة داخل البوليساريو في سبعينات القرن الماضي، ليتابع كلامه متسائلاً: “لماذا الشباب الذين ولدوا تحت علم البوليساريو، وكبروا حتى اشتد عودهم في المخيمات في الصحراء، لماذا يركبون قرار العودة إلى المغرب؟”. وفي ذات الاتجاه، يكشف الداهي الكاي ل”العربية.نت”، بأنه أخذ تسجيلاً لمحمد عبد العزيز، يقر بالصوت والصورة بمسؤولية البوليساريو في ملفات حقوق الإنسان، تجاه سكان مخيمات تندوف من مجهولي المصير، أخذه إلى منظمة العفو الدولية فطالبت في تقرير رسمي لها بإزالة من أسمتهم المنظمة الحقوقية الدولية بالجلادين من السلطة في مخيمات تندوف، وطالبت باعتقالهم وتقديمهم للعدالة في الجزائر، أو في أي بلد محايد. “البوليساريو معدومة فيها حقوق الإنسان” باهيا محمد سالم، من شيوخ القبائل الصحراوية، انتخب في العام 1973 وعاد إلى المغرب في العام 1995. يقول بأنه تعرض للتعذيب من قبل البوليساريو بعد أن تم اختطافه في 15/07/1976 من ضواحي مدينة الداخلة في منطقة تسمى “أكركر”، ليقضي الفترة الممتدة ما بين 1976 و1988 سجيناً لدى الجبهة في معتقل بمخيمات تندوف، ويتعرض وفق حديثه ل”العربية.نت” إلى الضرب بكل أنواعه، وللضغط النفسي متذكراً رفاقه في السجن، “الذين قضوا في المعتقل” إلى جواره، “عاجزين عن تحمل التعذيب”. وفي حديثه ل”العربية.نت” الذي وصفه بأنه شهادة للتاريخ فقط، يروي باهيا محمد سالم، بأن التجربة داخل المخيمات جعلته يقتنع بأن قيادة البوليساريو لا تخدم مصالح شعبها عبر توريط مواطنين صحراويين في إطار عملية روتينية للإعلان عن تفكيك ما تسميهم خونة مندسين لترهيب البقية وزرع حالة من الرعب بين سكان المخيمات، بالرغم من شعار قيادة جبهة البوليساريو بأنها ثورية ومناضلة، وفق حكاية باهيا محمد سالم. ويكشف سالم عن دخول 3 رصاصات جسده، ويتذكر بمرارة صراعه ضد الموت، والرصاص يتوغل في جسده فعلى محياه لا يزال أثر الرصاصة التي دخلت من الجهة اليمنى لتخرج من الجهة المقابلة لوجهه، ويلوح بيده اليمني ويقسم بأغلظ الأيمان بأن البوليساريو معدومة فيها حقوق الإنسان، وأنه تم تسخيره بالقوة خلال فترة الاعتقال لبناء المدارس والسجون وغيرها من المؤسسات التي تريد قيادة البوليساريو أن ترى النور بسواعد السجناء المكرهين، ما دفعه إلى تنظيم محاولة فرار جماعية من المعتقل في عام 1982، رغبة منه في التخلص من جحيم الصحراء، إلا أن المحاولة فشلت بسبب انقلاب السيارة الرباعية الدفع العسكرية التي تم استعمالها للهرب، لتتم إعادته للسجن بعد ضربه بالرصاص. وقضى سالم ما بين العام 1982 إلى 1988 داخل الزنزانة دون مغادرة نهاراً لرؤية الشمس، والاعتقال كان داخل غرفة ارتفاعها 2م وعرضها نصف متر، ويشبهها بالقبر المخصص للأحياء، وكان الكثير منها يقدره بالآلاف وفق تعبيره، ويضيف بأن النوم كان ممنوعاً، ففي كل ليلة يمر الحارس المناوب ليدق ببندقيته على باب الزنزانة للحيلولة بين السجين والنعاس، ويكون السجين ملزماً بترديد كلمة حاضر في كل مرة يمر فيها الحارس الليلي، وفي حالة نوم المعتقل يتم إخراجه للمبيت في العراء في البرد القارس في قلب الصحراء. “فيروس دخيل في المخيمات” عند الله سلمى عند الله سلمى عبدالله سلمى، أستاذ التربية الوطنية ورئيس منظمة غير حكومية، تسمى (جمعية العائدين من مخيمات تندوف للإدماج والتواصل) ويحمل في سجله 21 سنة من المعيش في مخيمات تندوف، بالرغم من كونه وليد مدينة السمارة بالصحراء الغربية، التي كانت وقتها مجرد مخيم، ليقضي 3 سنوات في سجون البوليساريو. ولا يترد في وصف عناصر البوليساريو بأنهم أناس لا يحترمون أي عهود أو مواثيق دولية لحقوق الإنسان، ولا يسمحون لأي صحافي بدخول عالمهم الخاص إلا بإذن مشدد، ومن منظوره لا يمكن بتاتاً الحديث عن إنسان صحراوي يعيش في تندوف، فالناس هناك يقاومون الموت كل يوم في الخلاء وفي الصحراء، ويتذمر في الكلام عندما يتذكر حالته في أيام معيشه في المخيمات، وتحوله من قيادي سياسي خلال الاستعمار الإسباني للصحراء إلى شخص مهمش في الصفوف الخلفية بعد الاستقلال لدى البوليساريو، وهو ما تسبب له في معاناة نفسية عمل طويلاً لمقاومة تبعاتها عليه قبل قرار العودة للمغرب لاحقاً. وعن السبب وراء إيداعه السجن من قبل قيادة البوليساريو، بالرغم من رمزيته التاريخية في الصحراء، يرد عبدالله سلمى على “العربية.نت” بأنه رجل لم يقتنع بالانفصال كفكرة خلال حياته، فتم تصنيفه على أنه غير مرغوب فيه، ولا يصلح بحسب منظمة البوليساريو ، لأنه يحمل رأياً مخالفاً، وهو ما جعله ينعت بالفيروس الدخيل في المخيمات، ليتعرض للتعذيب النفسي، والإذلال المعيشي بشكل يومي، عبر عدم منحه حصته اليومية من المؤونة المعيشية. عادل الزبيري