تابع العالم بإعجاب وتأثر شديدين عملية الإنقاذ الملحمية التي انتهت بنجاح مع خروج آخر العمال ال33 الذين كانوا محتجزين في منجم تحت الأرض لأكثر من شهرين. الأفراح والاحتفالات عمت جميع أنحاء تشيلي والناجون يتحولون إلى نجوم. بعد نحو ساعة من منتصف ليلة الخميس (14 اكتوبر) صعد آخر عامل من العمال ال 33 الذين كانوا محاصرين في منجم سان خوسيه التشيلي والذين أمضوا 69 يوما تحت الأرض. وكان العامل لويس يورزوا يترأس وردية العمل عندما انهار ممر المنجم في الخامس من غشت الماضي، وكان يتولى مهمة مراعاة القواعد التي تم من خلالها الحفاظ على العمال أحياء خلال ال 17 يوما الأولى قبل أن يكتشف أن عمال الإنقاذ ما يزالون على قيد الحياة. وبهذه النهاية السعيدة تكون واحدة من أعقد وأكبر عمليات الإنقاذ في تاريخ حوادث المناجم في العالم قد اكتملت بنجاح، وبلغت كلفتها “ما بين عشرة الى 20 مليون دولار” وفق ما ذكره الرئيس التشيلي سيبستيان بينيرا. وسادت البهجة إثر خروج لويس يورزوا الذي أصر طوال المحنة على أنه لن يغادر النفق حتى يتم إجلاء جميع العمال الآخرين بسلام. وأطلقت صفارة علامة نجاح الإنقاذ التاريخي ل33 عاملا. وكان الرئيس التشيلي في استقبال يوروزا وقال له “أهنئك لأنك فعلت ما كان ينبغي أن تفعله فقد خرجت في النهاية كقائد فريق جيد”، في حين قال أورزوا للرئيس التشيلي: “آمل ألا يحدث ذلك مطلقا مرة أخرى شكرا لتشيلي كلها”. ثم انشد الجميع النشيد الوطني التشيلي. وفي العاصمة سانتياغو التي تبعد عن موقع المنجم 800 كلم جنوبا جابت السيارات الشوارع مطلقة العنان لأبواقها تحية لإنقاذ حياة العمال ال33. وبعد انتهاء خروج العمال جرى إخراج عمال الإنقاذ الستة الذين نزلوا الى الملجأ لإعداد العمال العالقين ومساعدتهم على الخروج بعد أن وضعوا لافتة تقول “المهمة أنجزت” تاركين خلفهم كهف المنجم خاويا الا من أضواء الكشافات. ولقيت عملية الإنقاذ إشادات كثيرة من الرئيس الأميركي باراك اوباما والرئيس البرازيلي لويز ايناسيو لولا دا سيلفا والحكومة الألمانية على لسان وزير خارجيتها جويدو فيسترفله، وكثيرين غيرهم من بينهم البابا بنديكتوس السادس عشر وكذلك أيضا نجم كرة القدم السابق دييغو مارادونا. الحالة الصحية للعمال مستقرة وجيدة، كما ذكر وزير الصحة التشيلي خايمي ماناليش. واحتاج سبعة من عمال المناجم الخضوع لرعاية طبية خاصة، أحدهم عامل يعاني من التهاب رئوي حاد، فيما يحتاج اثنان آخران لجراحة في الأسنان تحت تخدير كلي. ويعاني آخرون من مشكلات أقل خطورة في الأسنان، وبعض الأمراض الجلدية ، فيما يعاني أحدهم من جرح بقرنية العين. وكانت الحكومة التشيلية قد تشاورت مع وكالة ناسا للاستفادة من خبرة رواد الفضاء الذين قضوا فترات طويلة في أماكن ضيقة ومغلقة. وتعليقا على ذلك أصدر تشارلز بولدن مدير وكالة “ناسا” بيانا يقول فيه إن الوكالة قدمت خبرتها في الفضاء فيما يتعلق بالحفاظ على الصحة البدنية والنفسية على شكل نصائح جرى إسداؤها إلى السلطات التشيلية. وأشار بولدن إلى أن “هناك الكثير من العمل الشاق، غير أنه لا بد من الإشادة بالحكومة التشيلية وشعب هذا البلد العظيم لما يتحلون به من عزيمة راسخة”. وكالة ناسا قدمت أيضا نصائح لمرحلة ما بعد الإنقاذ، حيث حذر خبراء الوكالة من “الشهرة التي اكتسبها العمال في البلاد وبالتالي من الضغط الإعلامي والاجتماعي”. ونصح رائد الفضاء الأمريكي خوسيه هيرنانديز عمال المناجم التشيليين “بالا يدعوا هالة الشهرة التي تحيط بهم تفسدهم “. مضيفا: “أتذكر دائما أيام طفولتي حيث جئت من جذوري المتواضعة وربما يمكن أن يساعدهم ذلك على أن يتذكروا من هم ومن أين جاءوا”. نصيحة رائد الفضاء الأمريكي قد تكون مفيدة بالفعل للعمال، فقد اجتذبت قصة الإنقاذ اهتماما عالميا كبيرا. وكان نحو 1500 صحفي عند المنجم لكتابة تقارير عن عملية الإنقاذ التي أذيعت على الهواء في أنحاء العالم وشملت تغطية حية للعمال وهم يعانقون عمال الإنقاذ الذين نزلوا لنجدتهم في المنجم. ويتضح مقدار الاهتمام الإعلامي بعد أن أعلن الرئيس التشيلي ان نحو مليار من مشاهدي التلفزيون حول العالم تابعوا عملية الإنقاذ هذه.