منذ ما يزيد على ثلاثة شهور لم يعد سكّان مدينة بيوكرى التابعة لعمالة إقليم اشتوكة آيت بَها يعرفون للراحة سبيلا، سواء داخل بيوتهم أو خارجَها، بعدما صارت أجسادهم هدفا للسعات جحافلَ من البعوض قادمةَ من محطّة معالجة المياه العادمة المتواجدة غيرَ بعيد عن المدينة. تضاعف الإصابات خلالَ شهر رمضان الماضي، الذي تزامن مع فصل الصيف، ومع اشتداد درجة الحرارة، كانَ المُصلّون في مسجد لا تفصله سوى بضعِ عشراتِ أمتار عن المحطّة يضطرّون إلى تغطية أطرافهم كاملة، حِمايةَ لأنفسهم من لسعات "الناموس"، الباحث عن امتصاص الدماء. منذ ذلك الوقت، صار البعوض حديث الساعة بين ساكنة مدينة بيوكرى، وما يزالُ إلى الآن، خصوصا وأنّ لسعاته تخلّف انتفاخاتٍ كبيرةً، خصوصا على مستوى الوجه والأطراف، وهو ما جعل عددَ حالات الإصابة الوافدة على المستشفى الإقليمي تتضاعف بشكل كبير، خصوصا الأطفال الصغار. وقال مصدر طبّي لهسبريس إنّ عدد الحالات التي كانتْ تفِدُ على المستشفى الإقليمي "المختار السوسي"، خلال فصل الصيف الماضي، كانت تصل في أحيانٍ إلى 40 حالةً يوميا، قبل أن يتساءل: "تصوّر حجْم المخاطر الصحية التي كانت ستلحق بالسكان لو كان هذا الصنف من الحشرات ينقل فيروسا ما؟". غيْر أنّ عدم نقل البعوض لفيروساتٍ، واكتفائه فقط بمصّ دماء المواطنين، لا يعْني انتفاء المخاطر الصحّية، إذْ روى أحد مواطني المدينة، مصابٍ بمرض السكري، أنّ "لدغة ناموسٍ" جعلتْ رجله تنتفخ على مستوى الساق، وهو ما كلّفه مصاريف بقيمة 2000 درهم للعلاج، تفاديا لتطوّر الانتفاخ إلى ما لا تُحمْد عُقباه. ويعود مشكل انتشار البعوض بمدينة بيوكرى، والذي لم يكن مطروحا من قبْل، رغم أنّ محطة معالجة المياه العادمة أنشأتْ منذ سنة 2007، إلى غياب المعالجة الدورية للمياه العادمة داخل المحطّة، وهو ما يؤدّي إلى انتشاره حسب ما أفاد به مصدر طبّي لهسبريس. وأضاف المتحدّث أنّ السبب الذي أدّى إلى ظهور "الناموس"، هو أنّ محطة معالجة المياه العادمة لم تعُدْ تستوعب كميّات المياه المتدفّقة عليها، وهو ما يحول دون معالجتها كاملة، من خلال أحواض المعالجة، وتفيض في الخلاء، مشكّلة بِرَكاً آسنة، مْنها يُخلق الناموس، ثمّ ينتشر. المصدر الطبيّ الذي تحدّثت إليه هسبريس قال إنّ المكتب الوطني للماء الصالح للشرب، المُفوَّض له تدبير محطة معالجة المياه العادمة، لم يعد يقوم بالمعالجة الدورية للمياه، كما كان عليه الحال في السابق، فضْلا عن عدم خلْق أحواضٍ جديدة كفيلةٍ باستيعاب المياه المتدفّقة على المحطة. وأضاف أنّ عملية المعالجة كانتْ تتمّ فيما مضى من خلال رشّ المياه بمبيدات مرّة كل خمسة أيام، من أجل القضاء على اليرقات، فيما يتمّ رشّ الأشجار بمبيدات أخرى لقتل المجنّحات، "العملية أعطتْ نتائج جيّدة، غير أنّ الONEP تملّص من توفير الأدوية"، يردف المتحدّث. مسؤولية المكتب الوطني للماء الصالح للشرب وفيما تعذّر أخذ وجهة نظر المدير الجهوي للمكتب الوطني للماء الصالح للشرب بأكادير، لعدم ردّه على المكالمات الهاتفيّة، رغم تركنا لرسالة هاتفية على محموله، حمّل أحدُ التقنيين الذين تحدّثت إليهم هسبريس مسؤولية انتشار "الناموس" للمجلس البلدي لمدينة بيوكرى، بسبب إنشاء محطة المعالجة غيْر بعيد عن المدينة. وقال المتحدّث إنّ محطّة المعالجة يجب أن تُقام بعيدا عن المدينة بأزيد من سبع كيلومترات، لتفادي تضرّر السكان من الروائح الكريهة والحشرات، غير أنّ رئيس المجلس البلدي لمدينة بيوكرى، الحسن الفارسي، قالَ إنّ المسؤولية الأكبر في انتشار البعوض يتحمّلها المكتب الوطني للماء الصالح للشرب، باعتبار أنّ الحشرات تنبعث من داخل المحطّة. وأوضح الفارسي في اتصال هاتفي مع هسبريس أنّ محطّة معالجة المياه العادمة، التي أنشئت خلال ولاية المجلس البلدي السابق، ولم يكنْ حينها قد تولّى بعدُ مهمّة تسييره، تمّ تفويض تدبيرها إلى المكتب الوطني للماء الصالح للشرب، وتمّ توقيع اتفاقية في هذا الصدد بين المكتب والمجلس البلدي. وتابعَ المتحدّث أنّ المجلس البلدي اقتنى صهريجا لرشّ الدواء، وجرّارا، خصّيصا لرشّ أشجار المدينة بالمبيدات، للقضاء على "الناموس"، وأضاف "حاليا لم يعُد هذا المشكل قائما بالحدّة التي كان عليها من قبل"، غيرَ أنّ مصدرا طبيّا عَزا ذلك إلى انخفاض درجة الحرارة، قائلا "عندما ترتفع درجة الحرارة سيجتاح البعوض المدينة من جديد". وأيّا كانت التدابيرُ المُتّخذة، للقضاء على هذه الظاهرة المقلقة التي تقضّ مضجع سكان مدينة بيوكرى، يظلّ السؤال الذي يطرحه سكان المدينة هو لماذا أقيمت محطّة معالجة المياه العادمة في مكان قريب جدّا من مدينتهم، إذ لا تفصل المحطةَ سوى بضع مئات أمتار عن المدينة، وتوجد دواويرُ مُلاصقة لها. وردّا على هذا السؤال يقول رئيس المجلس البلدي لمدينة بيوكرى "نحن نحلم بذلك، ونريد تحويل المحطة إلى مكان آخر"، لافتا إلى أنّ هناك مشروعا مطروحا على مستوى أكادير الكبير، لإقامة محطة كبيرة لمعالجة المياه العادمة لمدينة بيوكرى ومدينة القليعة وجماعة الصفاء، والدواوير المجاورة، غير أنّ ذلك يتطلب إمكانيات مالية كبيرة، وفق تعبير المتحدّث، وهو ما يعني أنّ المشروع لن يُنجزَ في الأمد المنظور. دراسة لم تؤخذ بعين الاعتبار إقامةُ محطة معالجة المياه العادمة غيرَ بعيد عن مدينة بيوكرى، يطرحُ، أيضا، سؤالا آخر، أكثرَ أهمّية، حول ما إنْ كانت قدْ أنجزتْ دراسة قبْليّة حول المخاطر المحتملة للمحطة، سواء على مستوى صحّة السكّان أو البيئة، قبل إقامة المحطة، المُقامة على مساحة 12 هكتارا. مصدرٌ مٌطلع على تفاصيل إقامة مشروع محطّة معالجة المياه العادمة قال إنّ الدراسة أنجزتْ فعلا، ونبّهت إلى إمكانية تضرّر السكان من الروائح الكريهة ومن البعوض، "غيْر أنّ هذه الدراسة لم تُؤخذ بعين الاعتبار"، وفق تعبيره، وهو ما يطرح سؤالا آخر حول ما إنْ كانتْ هذه الدراسة قد قُدّمتْ للوكالة الألمانية للتعاون التقني، التي ساهمت بحصّة كبيرة في تمويل المشروع؟ حملْنا السؤال إلى الوكالة الألمانية، من خلال بريدها الإلكتروني، ومن خلال الاتصال الهاتفي، غيْرَ أنّ مسؤولة التواصل بالوكالة رفضت الإدلاء بأي معلومات بهذا الخصوص، مؤكّدة أنّ مسؤولي الوكالة سيردّون على الرسالة التي بعثنا بها إليهم، بعد الاطلاع على حيثيات الموضوع، دون أن تحدّد موعدا لذلك. وفي الوقت الذي ينتظر سكان مدينة بيوكرى حلّا عاجلا وشاملا لمشكل محطة معالجة المياه العادمة، قال مصدر طبيّ إنّ مشكل انتشار "الناموس" المنبعث من المحطّة ما كان له أن يكون لو كانت المحطّة تُدبّر بشكل جيّد، وأضاف أنّ ثمّة حلولا كثيرة، منها خلق أحواض جديدة للمعالجة، أو التفكير في إعادة استعمال المياه العادمة في ريّ المنتجات الفلاحية المتعلّقة بإنتاج الأعلاف. إنجاز : محمد الراجي - هيسبريس