وسعت الاحتجاجات التي عاشت تيزنيت على وقعها خلال الأسابيع الأخيرة، إثر اعتصام مولاي أحمد الوزاني وزوجته إيجو بكاس أمام ابتدائية تيزنيت، ضد أخيه الحسن الوزاني، دائرة خصوم المحتجين الذين وجهوا لأخي الوزاني والقضاء والإدارة والأحزاب وكبار موظفي الدولة والوزراء وغيرهم تهما مختلفة، اضطر معها وكيل الملك بابتدائية تيزنيت ونادي قضاة المغرب بأكادير إلى إصدار بلاغين توضيحيين حول النازلة. خرج أخو المعتصم عن صمته، مفندا جميع التهم الموجهة إليه مسنودا بوثائق قانونية يتوفر عليها ويعتبرها "مفحمة". وأنشئت صفحات خاصة بموقع التواصل للتضامن مع الضحايا، وأصدرت لجنة الدعم عددا من البيانات والبيانات المضادة، بينما تبرع أحد المحسنين لإجو وزوجها بمسكن بتيزنيت رفضاه، فيما تتحدث مصادر مطلعة بأن مبلغ الدعم الذي توصلا به تجاوز 77 مليونا، وما زال الدعم مستمرا. ما هي حيثيات وملابسات القضية؟ كيف تمت إدارة النزاع بين الشقيقين؟ كيف تبنى أشخاص قضية "إيجو" وركبوا عليها القضية، ووظفوها في ما يشبه نزاعا مفتوحا مع الدولة؟ تهم في كل الاتجاهات... من الوزاني إلى الدولة تابعت "الصباح" تطورات الملف، وبحثت في النازلة، واستمعت إلى أطراف لها علاقة مباشرة بالقضية، وتوجهت إلى معتصم الزوج وزوجته للاستماع إليهما بتيزنيت، غير أنهما لم يكونا بالخيمة المنصوبة يسارا عند مدخل باب المحكمة الابتدائية. استفسرنا الابن، فقال إن والدته نقلت إلى المستشفى، وهي طريحة الفراش، حيث يوجد الوالد في زيارتها. وبسرعة، بعدما طلبنا منه مرافقتنا للقائه، همس في أذنه أحد مناصريه قائلا، إن الأب ليس في المستشفى، وإنما ذهب إلى السوق الأسبوعي بالاخصاص، وهو ما أكدته مصادر متطابقة ل"الصباح". وحرصا منها على الاستماع إلى جميع الأطراف، التقت "الصباح" بالحسن الوزاني، خصم المعتصمين، الذي فند كل ما كتب عنه وما وجه إليه من تهم، فيما صرح ابن المحتجين بأن عمه سلب منهما مسكنهما، منذ سنة 2012، وأنهما يعتصمان للمطالبة بحقهما المغتصب. تناولت وسائل الإعلام باختلاف تلاوينها عدة عبارات ك"ضحايا الفساد القضائي والإداري"، و"تسخير القضاء والإدارة من قبل أشخاص وجهات لمراكمة الثروات والنهب"، وذهب البعض إلى حد القول إن "المدعو الحسن الوزاني المعروف ب (بوتزكيت) أقدم على تشريد عائلة "إبا إيجو وزوجها" من مسكنهما، ومصادرة جميع أملاكهما، نتيجة حكم قضائي ضد الضحايا، شابته عديد من الخروقات، واعتماد مجموعة من الوثائق المشكوك في صحتها". وبالمقابل، قيل إن امرأة مسنة هي "إبا إيجو" لم تنتظر حكم المحكمة الابتدائية بتيزنيت، لتعرف إن كانت ستتحقق العدالة الدنيوية". وفي غضون ذلك، صدحت أصوات متضامنة بأن "قضية إبا إيجو مجرد شجرة تخفي غابة من الفساد القضائي والإداري، الذي عاث في المنطقة فسادا ونهبا، منذ عشرات السنين". وقيل إن"الحديث عن المحاكم والقضاء بالمغرب، بقي دوما مرادفا للحديث عن الفساد والرشوة واستغلال النفوذ". وسوق بأن"مافيات العقار لا يقتصر نفوذها على القضاء فقط، بل يمتد إلى المحافظات العقارية، والأحزاب السياسية وكبار موظفي الدولة وحتى الوزراء وغيرهم..". كما قيل إن "في المغرب تتواطؤ الدولة والأحزاب والنقابات وآلاف الجمعيات، ضد الشعب وتطلعاته"، بل إن أحد المواقع الإلكترونية المحلية أفاد أن 14 جمعية بباريس أعلنت "الإدانة الصارمة للبيانين الصادرين عن كل من وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بتيزنيت، ونادي قضاة المغرب المتسمين بالمغالطة والتقزيم للأول، وبصيغة التهديد والوعيد للثاني". الحسن الوزاني... من مطالب بالحق المدني إلى متهم فند الحسن الوزاني المتهم من قبل أخيه مولاي أحمد وزوجته إيجو بكاس، فيما بات يعرف إعلاميا بقضية "إبا إيجو" وزوجها المعتصمين أمام ابتدائية تيزنيت، كل ما راج ويروج له عبر وسائل الإعلام من تهم، نافيا أن يكون قد طرد أخاه وزوجته من مسكنهما الوحيد أو استولى عليه، أو ترامى على أي ملك من أملاك الغير. وبعدما استنجد في لقاء له مع"الصباح" بتدخل جلالة الملك محمد السادس، ورئيس الحكومة، طالب وزير العدل والحريات بإيفاد لجنة للتفتيش والبحث والتحقيق في الموضوع، نافيا أي علاقة له بما يسمى مافيا العقار بتيزنيت وإيفني وكلميم أو بتورط مفترض بعلاقات مشبوهة ببعض المسؤوليين القضائيين. وقال، وهو يتأبط حزمة من العقود ووثائق الإراثة والشكايات، إن ما يجري بتيزنيت مجرد مسرحية مفبركة، أعد سيناريوهاتها خصومه الذين ما زالت تروج ملفاتهم بالمحكمة، إذ ينتظر أن يبت القضاء فيها، ومن بينها ملف ايجو وزوجها، الذي ستعقد بشأنه يوم 17 فبراير الجاري جلسة للنظر فيها بخصوص "تهم الهجوم على ملك الغير بكسر القفل وسرقة محتوياته، المنسوبة إليهما رفقة مجموعة أخرى من الشركاء". وقال إن ما يجري من احتجاجات مجرد فقاعات مصطنعة تروم التأثير على القضاء والضغط عليه، سيما أن الخصوم يعولون على جعل مطالب بالحق المدني يتحول إلى متهم. وأوضح أن المنزل الذي يدعي أخوه وزوجته طردهما منه والاستيلاء عليه، لا علاقة لهما به من حيث الحيازة، لأنه لم يكن قط ضمن أملاك العائلة الموروثة. وأضاف بأن المنزل الذي يدعيان ملكيته اشتراه من أحد الأشخاص، ويتوفر على عقد البيع ووثيقة ميراث البائع. وأبرز أن المنزل الذي ورثه أفراد العائلة عن أبيه مولاي البشير، والمدرج ضمن قسمة والدهما، والتي يعود تاريخها إلى 1960، وهو مسجل بمحكمي تيزنيت وكلميم، حيث يتحوّز أخوه زوج إيجو بغرفتين داخله، فيما يتحوّز أخوهما الثالث علي غرفتين، ويملك هو الآخر (الحسن الوزاني) غرفتين، شبه مهجور لأنه لم يعد صالحا للسكن. واتهم المتحدث بعض الأشخاص بتمويل المشاركين في الاحتجاجات ضده، وتلقيهم 700 درهم عن المشاركة في المظاهرات، مع التكفل بتوفير وسائل النقل، سواء من تكانت والأخصاص إلى تيزنيت، أو إلى الرباط. وأفاد بأنه قد قدم شكاوى يتابع بموجبها أمام القضاء البرلماني عصام وصحفيا وأشخاصا آخرين، لما كالوه له من تهم وسب وقذف، مؤكدا أنه يتوفر على جل التسجيلات الصوتية التي تثبت ذلك. واستطرد قائلا، إنهم يقولون إن هناك أزيد من 200 ملف قضائي ضدي في المحكمة، وأنا أقول، وتبعا لما يجري حاليا بتيزنيت، ستصل ملفاتي في المحكمة إلى 2000 ملف، لأني سأتابع كل من ركب على ملف"إيجو". واعتبر أن خصومه استغلوا أخاه الذي يجوب أسواق المنطقة متسولا (لأن حرفته هي التسول)، وفكروا في توظيف صرخة "إيجو" التي يتهمها بالهبل، ومن بينهم مراسل صحافي يوجد ضمن لائحة الخصوم، صوّرها وهي تترنح أمام باب المحكمة، ثم نشر الصورة عبر الأنترنيت. وأضاف الحسن الوزاني قائلا "إني بدأت بمتابعة كل من سبني وشتمني واتهمني أما الملأ بالنصب والسطو على ممتلكات الغير، خاصة السياسيين والجمعويين والإعلاميين الذين يوظفون القضية الفارغة التي لم تقل العدالة كلمتها فيها". وأدلى ل"الصباح"بالعشرات من الوثائق التي يقول إنها قانونية تدحض جميع التهم والإشاعات الموجهة إليه، مشددا في الآن ذاته على ثقته في القضاء ونزاهته. قضية "إيجو"... السياسة تنازع سلطة القضاء إذا صح أن قضية "إيجو" قد أخذت أبعادا غير متوقعة، سيما بعد دخول عدد من الأطراف والهيآت على الخط، فإن الفاعلين السياسيين آثروا على العموم التريث، كما هو شأن النائب البرلماني عبد اللطيف أوعمو (التقدم والاشتراكية) الذي اكتفى بالدعوة إلى التدخل لحل القضية، فيما أكد الاتحادي لحسن بونوار أن الهيأة القضائية لم تصدر أي حكم في النازلة، وأن زوج إجو، لم يطلب المساعدة القضائية، حتى تعين له المحكمة محاميا يمثله أثناء التقاضي. في غضون ذلك، طالب العدلاوي "عصام"، الذي جرد أخيرا، من صفة برلماني، في شريط مصور بإسناد مهمة البحث والتحقيق في "مافيا العقار" بتيزنيت وإيفني وغيرهما، إلى الفرقة الوطنية للشرطة القضائية لمعرفة ما سماه الخيط الناظم في القضية التي فجرتها العجوز "إبا إيجو" وزوجها بعد اعتصامهما أمام المحكمة الابتدائية بتيزنيت. ودعا وزارة العدل والحريات بالتعجيل بالتدخل من أجل الوقوف على حقيقة شخص استطاع طيلة مرحلة معينة أن يخترق مجموعة من المؤسسات القضائية والإدارية والأمنية، ما مكنه من أن يكون بطل عدد من الملفات المتعلقة بالسطو على مساحات شاسعة من الأراضي والعقارات، ويحصن نفسه طيلة هذه المدة من المتابعة القضائية. وقال إن الحسن الوزاني يعتمد على شبكة من شهود الزور من أجل السطو على العقارات والأراضي، وإن هؤلاء الشهود تتكرر أسماؤهم في الملفات، وإن إمضاءات العقود مشكوك فيها، لأنها تعود للسنوات التي شغل فيها المعني بالأمر منصب رئيس جماعةٍ بدائرة الاخصاص بإقليم سيدي إيفني، وأن البائع دائما شخص واحد غير معروف في المنطقة ولا يوجد له أثر. وكانت المجموعة النيابية سوس ماسة درعة التابعة لفريق العدالة والتنمية بمجلس النواب أصدرت بلاغا للرأي العام في القضية يوم الأربعاء 5 يناير الماضي، موضحة أنها تابعت باهتمام كبير التفاعلات التي أثارها ما أصبح يسمى إعلاميا بملف"إبا إجو" بأقاليم تيزنيت وسيدي إفني وكلميم، وتعاملت معه بإيجابية من خلال مساءلة الحكومة في الموضوع وزيارة رئيس المحكمة الابتدائية بتزنيت ووكيل الملك بها، دون أن تكشف عما توصلت إليه من حقائق من قبل المسؤولين عن العدالة بتيزنيت. وأكدت المجموعة ذاتها بأنها عقدت بتاريخ 4 فبراير الجاري لقاء مع وزير العدل والحريات بمكتبه، والتمست منه فتح بحث شامل في مجموع الملفات المرتبطة بهذه القضية، فأكد الوزير تتبعه الشخصي للملف وحرصه الكبير على تحقيق العدل والإنصاف من خلال الآليات القانونية والقضائية المتاحة. وعلى صعيد آخر، رد بلاغ لوكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بتيزنيت إثر ما نشرته بعض المواقع الالكترونية والجرائد المكتوبة حول ما يعرف بقضية "أبا إجو"، ونشر فيديو يتضمن صورا للمعنية بالأمر تستغيث أمام المحكمة، أن"الأمر ليس له علاقة بما تداولته وسائل الإعلام حول مافيا العقار، وإنما بنزاع بين أخوين حول حيازة محل للسكنى، أحدهما زوج المعنية بالأمر، إذ تقدم كل منهما بشكايات ضد الآخر من أجل انتزاع حيازة عقار والهجوم على مسكن الغير والسرقة. وتم فتح بحث بشأنها من طرف الشرطة القضائية تحت إشراف النيابة العامة. وأبرز البلاغ بأنه تمت متابعة مجموعة من الأشخاص، بناء على نتائج تلك الأبحاث، وأحيلوا على المحكمة التي لم تصدر بعد حكمها في الموضوع. وفي السياق نفسه، سجل المكتب الجهوي لنادي قضاة المغرب بالدائرة الاستئنافية بأكادير في بيانه ليوم الأربعاء 29 يناير 2014 في ما يتعلق بقضية إيجو بكاس وزوجها، تعاطفه التام من الجانب الإنساني مع المسنين المعتصمين أمام المحكمة الابتدائية بتيزنيت، مفندا كل ما روج من وقوع تنفيذ قضائي في النزاع. وأعلن للرأي العام أن الشكايات المتبادلة بين الطرفين بشأن انتزاع حيازة عقار والهجوم على مسكن الغير مازالت رائجة أمام القضاء. واعتبر أن أسلوب الاحتجاج أثناء سريان أي نزاع أمام القضاء غير مقبول ويحمل شبهة محاولة التأثير على القضاء، منددا بمحاولة بعض الجهات المتضررة من أحكام قضائية معينة، الركوب على هذه الحالة الإنسانية واستعمال القضية لتصفية الحسابات مع القضاء بتيزنيت. كما ندد بما صاحب التعاطي الإعلامي وال‘لكتروني مع القضية من قذف واتهامات للقضاة بالسمسرة والفساد ومساعدة لوبيات العقار، وهو ما يقع تحت طائلة القانون الجنائي. ودعا البيان النيابة العامة إلى تحمل مسؤوليتها كاملة في هذا المجال، معتبرا في جميع الأحوال أن القضية موضوعة بين أياد أمينة، وأن مهمة القضاء هي السعي ما تأتى له لتحقيق العدالة النسبية المنسجمة مع النصوص القانونية النافذة.