أعلن شباط الحرب على الحكومة بصيغة"لاعبين ولا حرما". ولسبب وحيد يعلمه هو وزبانيته والتابعين له. تحولت الأغلبية إلى عدو لدود من طرف حزب الإستقلال، وهي الحالة الوحيدة السياسية الفريدة في العالم التي يتمرد فيها مكون حزب وسياسي من الأغلبية على الحكومة. في الدول العريقة في الديمقراطية، وخصوصا في بريطانيا يجلس رئيس الوزراء في البرلمان للمسائلة وحينما يهم واقفا للإجابة، تقف جميع مكونات الأغلبية إحتراما لوقفة الرئيس ولا تعود إلى مقاعدها حتى ينتهي الرئيس من الإجابة ويعود إلى مقعده. هذا ببسيط العبارة إسمه الإحترام الواجب لرئيس الحكومة من كل مكونات أحزاب الأغلبية إحتراما للتعاقد السياسي الذي تم بينها وبين الحزب صاحب الأغلبية في الإنتخابات. في المغرب الوضع أكثر قثامة بل أعظم وقاحة. حزب الإستقلال الذي أوصل المغرب إلى السكتة القلبية...ينسحب من الحكومة وعوض إنتظار تحكيم الدستور أوالملك دخلت جل مكونات الحزب السياسية والتنفيذية والإعلامية في حرب خاسرة ترمي إلى إظعاف الحكومة والتشويش على السير الروتيني للعمل التشريعي والبرلماني. شباط يتنقل في المغرب بأجندة مستحدتة ،رافعا سيفه معلنا الحرب على الحكومة. تاركا ورائه مدينة فاس تحترق وتموت وتحتظر بالمشاكل والأوساخ والجريمة والفصل التعسفي لعمالها الفقراء الذين طالبوا برحيله ليس من عمودية المدينة، بل من فاس كلها. اليوم عرف شباط أن ما طبخه من خطط جهنمية للإطاحة بالحكومة لا يعدو أن يكون حماس البدايات ،وخصوصا أن كل ذلك القطيع الذي صوت لصالحه وأوصله لسدة حكم حزب الإستقلال، يقف ببابه مطالبا بتنفيذ وعود شباط في المناصب الوزارية والسامية.طبعا سيقاوم الأمين العام من أجل الوفاء بإلتزاماته الإنتخابية، ليس إتجاه الحزب والوطن، ولكن لفائدة أولائك الذين أعطاهم العهود الوثقى من أجل أن "يدبر "عليهم في مناصب عليا تفتح آفاقا واسعة لعائلاتهم وأقاربهم في أن يصير المغرب لهم وليس للمغاربة. اليوم نشهد حربا إعلامية شعواء على الحكومة، وبالذات ضد السيد بنكيران من طرف خدام جريدة العلم. الجميل في هذه الحملة القذرة أن جريدة الحزب لا يقرأها أحد بل حتى المحسوبين على الحزب هجروها إلى منابر إعلامية أكثر عقلانية وإنفتاحا ومهنية. كتب السيد بنحمزة مقالا تحت عنوان" غاندير" ،مقال لا يليق بصحافي متعلم ناطق بإسم الحزب. مقال مكتوب في إسطبل حيوانات بجمل سوقية لا تحترم حتى ذلك التعاقد السياسي ما بين الإستقلال والعدالة والتنمية. كان من المفروظ أن يتمهل السيد بنحمزة لحين الخروج من الحكومة وبعد ذلك يخرج قاموسه السوقي إلى الوجود . يتحدث بنحمزة بأن المغاربة ينتظرون الأفعال لا الكلام من رئيس الحكومة خصوصا في ميدان الشغل والتنمية وتنزيل الدستور. المشكلة أنه لو صدر هذا الكلام عن حزب لم يجرب رئاسة الحكومة أو من محلل سياسي نظيف بدون خلفيات لقبلناه وفتحنا فيه نقاش العقلاء وأنصتنا للطرف الثاني بكثير من الإحترام والمسؤولية. لكن في حالة حزب الإستقلال وجب تذكير السيد بنحمزة الذي لا يفتح فمه إلا عند طبيب الأسنان. بأن ماوصله المغرب من أزمات هو تكريس لسنوات العبث التي مارسه حزب الإستقلال سواء خلال رئاستهم الحكومة أو خلال تقلدهم حقائب وزارية في حكومات سابقة. أين كان بنحمزة حينما كان المغرب يغلي من جراء مصيبة شركة النجاة؟ أين كان بنحمزة حينما تكدس كل هؤلاء الضحايا عازمين على إحراق انفسهم قبل حتى أن يفكر المرحوم البوعزيزي في الفكرة؟ أين كان بنحمزة حينما كانت حكومة عباس الفاسي تدعم شركات المشروبات الغازية بإعطائها مادة السكر بأسعار متدنية؟ أين كان بنحمزة حين كانت مدينة سيدي إفني تحترق وتصارع بطش وعنف القوات العمومية ؟ أين كان بنحمزة حينما تموت الأسر الجبلية من البرد دون أذنى تدخل من حكومة عبلس الفاسي؟ أين كان بنحمزة حين كانت تلد النساء في الأزقة والطاكسيات وفي بطون الجبال؟ أين كان بنحمزة حين أثيرت قضية وزيرة الصحة حول تهريبها للعملة الصعبة قصد شراء شقق وثيرة في العواصم الأوروبية؟ أين كان بنحمزة حينما كان مزوار في ظل حكومة عباس الفاسي يأخذ إكرامياته بيده من خزينة الدولة؟ أين كان عباس الفاسي وبنحمزة من تجاوزات عليوة والإبراهيمي وبرق الليل وبنعلو؟ الطامة الكبرى أن حزب الإستقلال يستبلد المغاربة ويحسب أن ذاكرتهم قصيرة وتنسى بسرعة فائقة . في حين أن الواقع هو أن المغاربة غير مستعدين أن يعاودوا التجربة مع حزب أبان عن إمكانيات كبيرة وفريدة في إفقار المغاربة و توظيف الأقارب وتمرير الصفقات. اليوم نحن أمام محك جدي وهو خطر محاولة حزب الإستقلال الرجوع إلى الواجهة عبر تشغيل كل إمكانياته الحزبية والإعلامية للعودة مرة أخرى إلى "بزولة" المخزن التي تعود عليها منذ فجر الإستقلال. لكننا نبقى متفائلين من الفطنة التي أبان عنها المغاربة برفظهم الرجوع لعصور الفساد والإستبداد ومصرين على المشي قدما نحو مستقبل أكثر حكامة وديمقراطية يقطع مع كل هذه الأحزاب التي أوصلت المغرب إلى الحضيض.