أقدم رجل على قتل زوجته ثم انتحر... أقدم مهندس على قتل زوجته ثم انتحر.. أقدم أستاذ على قتل زوجته ثم انتحر .. أقدم رجل أمن على قتل عائلته ثم انتحر .... ما الذي يقع بالمغرب بالله عليكم؟ ألا تستدعي مثل هذه الأحداث وقفة طويلة للتأمل... وما الذي يدفع برجل إلى قتل شريكة حياته ثم ينتحر بعدها ؟؟؟ هل الحياة صارت عندنا رخيصة إلى هذا الحد؟ يتفق الجميع أن السبب الرئيس هو مشاكل عائلية قد تكون خاصة أو خاصة جدا.. ولنفترض أنها خاصة جدا .. فهل هذا سبب كاف لقتل نفس وقتل الآخر ؟؟ نعلم جميعا أن المغاربة ينظرون بتقزز كبير لقاتل نفسه، فهي كبيرة من أكبر الكبائر، يعتبرها الجميع من موجبات غضب الرحمان. فماذا يدور بدهن الجاني على نفسه وعلى غيره قبل الإقدام على جريمته ؟ وماذا يدور بخلده حين يهم بالتنفيذ يا ترى؟ ومن المسؤول عن هذا النوع من "الحلول" لإنهاء المشاكل ؟ وإلى متى سننتظر؟ ومن أين نبدأ الحل؟. أكيد أن الجاني فقد الثقة في اللجوء للقضاء الذي من المفترض بالنسبة للحالات الخاصة جدا أن يجري المحاكمات في سرية تامة تحفظ للمتقاضين سرية الجلسات. أكيد أن الجاني يشعر أن لا مكان للسرية في المغرب فالكل يتحدث عن كل شيء، قد تسمع قصصا غريبة تروى عن طبيب أو عن فاعل جمعوي أو عن محام أوقاض، بل قد تجد صورا وأخبارا خاصة تتصدر الصحف في غياب أي مهنية تحافظ على خصوصيات الناس، أو البرامج تلفزية رخيصة لجلب فضول الناس لا يهمها إلا الرفع من عدد المشاهدين ولو على حساب الآخرين ... لا يهمنا الآن هل ما روجه الناس من قصص حقيقي أم لا، بقدر ما يهم أن الناس يتداولونها بشكل يومي. لا يدرون أن هذا يشعر الآخر بأن حميمية بعض المواقف تكون هي أكثر المواضيع رواية وتداولا فيضطر لكتم أسراره عن أقرب الأقربين إليه ولا يتجرأ على عرضها على طبيب نفساني أو طبيب مختص فكيف بعرضها على محام يقرء ما بين عينيه تلهفه على الخبر أكثر مما يرى حماسه للتعاطف معه وحفظ حقوقه. بعد فقدان الثقة في كل شيء وتزايد المشاكل وتعقدها يبدأ التفكير في أبشع الحرام وهو القتل المزدوج قتل الآخر وقتل النفس بعده ... ألا يحدث الجاني نفسه بمصيره بعد ذلك؟ أكيد أن الجاني يقول مع نفسه أومع شيطانه : "لعل الله يكون أرحم لي من القاضي" و"لعل فضيحة يوم القيامة حين يكون الكل سواسية والكل منشغل بهمه ومصيره أهون لي من فضيحة الدنيا حيث لا شغل للناس إلا النهش في أعراض الآخرين". فتغشو الظلمة عينيه ويقطع أوصال كل تأنيب من ضميره، ويرتمي في أحضان الشيطان مقبلا بهدوء المصر، أو بعنف المتحدي، ليرتكب جريمته البشعة بشكل يكون في الغالب مفاجئا للجميع. فما العمل إذا أمام مثل هذه الحالات التي تتزايد يوما عن عن يوم؟ هل وقفت الجهات المختصة وقفات تحليلية لهذه الظاهرة ؟ هل فتحت حوارا مع الجهات المعنية، بما فيها القضاة والأمن والتربية والتعليم والمختصون النفسانييون وعلماء الإجتماع ومراكز الإستماع وجمعيات المجتمع المدني المهتمة بالأسرة ؟ أم تعتبر الأمر عاديا أو لا يرقى لمستوى ظاهرة اجتماعية وأن الأمر لايدعو للإزعاج ؟ كل الجهات المذكورة أعلاه وغيرها ممن تقع عليه مسؤولية مباشرة وغير مباشرة في استرخاص المغربي والمغربية نفسه والإستهانة بها وتعريضها للموت لأتفه الأسباب أحيانا ولأسباب جد خطيرة أحيانا أخرى، كل هؤلاء عليهم أن يعلموا أن الوضع لم يعد يحتمل الإنتظار وأن أي تفاقم للمشكل هو ضياع للأمل لن يزيد الأمر إلا تعقيدا وأن الوضع ينذر بالخطر، وأن أمة فقدت الأمل لا يرجى نهوضها بل إن غضبها هذا والذي تجاوز قتل النفس في البحار والمحيطات من أجل الأمل في التسعينات قد تعدى هذه المرحلة بعد الأزمة العالمية لقتل الأزواج والأصول والفروع أي أقرب الأقربين كما تأكل القطة أبناءها. كاد الربيع العربي أن يكون فسحة نادرة لإعادة الأمل والثقة في النفس بالخروج إلى الشوارع من أجل تحدي الظلم الجاثم على النفوس. لعل علماء الإجتماع وعلماء علم النفس الإجتماعي رأوا في هذا الخروج فرصة جد قوية لإعادة بعث روح الأمل للمواطن، كان بإمكان الإنتفاضات التي ملأت الشوارع أن تكون Podium مصطبة رائعة للقفز إلى الأمام. لكن السياسيين رأوا غير ذلك وتكالبوا على القسط اليسير من الأمل الذي بقي للمغاربة فأعادوا اجترار كل ما سبق لتكريس اليأس بجميع أشكاله وعلى جميع المستويات. ألا يخشى سياسيونا من انفجار اللاوعي الجماعي في أي لحظة من اللحظات. إن لاوعيا نفسيا زين لليائسين قتل أزواجهم وأولادهم لن يلبث أن يأخذ أشكالا جماعية لاينفع معها أي مسكن بل قد تنفجر من وسط الجهاز الأمني نفسه وقد عرف هو كذالك عمليات انتحارية فردية. أقول للذين يتحايلون اليوم على عقول الناس بخطابات فارغة أو بمنجزات لايرى فيها المواطن إلا وهما، وللذين يرون في المقاربات الأمنية حلا ناجعا، رادعا، أنكم حتى الآن تواجهون شعبا يركن إلى السلم والهدوء، بل يفضل تفجير نفسه على إذاية غيره. أقول لهؤلاء، وأولائك، أنكم ستجدون نفسكم في أي لحظة من اللحظات أمام اللاعقل واللاوعي الجماعي، وهي حالة اجتماعية لاتتحكم فيها لا الهيئات ولا الأحزاب ولا الحكومات. هستيريا جماعية لاقدر الله. "فانتبهوا قبل مايفوت الفوت يرحمكم الله" أسلموا القيادة الحقيقية للشعب حاربوا الفساد عساكم تسلموا، ويسلم الشعب معكم، واجهوا التماسيح والعفاريت لعل الله يوتكم أجركم مرتين، وإن رأيتم الحل في الركون للإستبداد وعدم التضييق على الفساد فإنكم تتحملون إثم المغاربة أجمعين...