بعد الارتباط، تتجه عيون الأزواج نحو الخطوة التالية حين تتعلق أمانيهم بأمل الحصول على أبناء يتوجون علاقتهم، ويضفون عليها ألوانا أخرى من الشغف والترقب للانتقال من مرحلة الى مرحلة. تتزاحم الأفكار والأحلام حول المستقبل، لكن الأقدار توقف عجلة التمني، لتعكر عبارة العقم المقيتة صفو علاقة زوجية يغيب فيها لون الخضرة والخصوبة، لتحل مكانه ألوان الانتظار والمحاولات تلو المحاولات، تتدحرج التهم بين الطرفين، ويظهر كل زوج حقيقة معدنه، إما الفراق وإما الاستمرار، وفي الخيارين لا تغيب ضريبة التضحية التي تثقل كاهل الطرفين. لا تخفي زهرة رغبتها الجامحة في الحصول على ابن من أجل ممارسة أمومتها، صحيح أنها تضع فوق ركبتها طفلا لا يتوقف عن ترديد كلمة ماما، غير أن المرأة تعتبر الأمر بمثابة ممارسة أمومة مزيفة. أمومة مزيفة ترتبط زهرة بزوجها منذ عشر سنوات، ولا تخفي أن القلق بشأن الحمل بدأ يراودها منذ الأشهر الأولى لزواجها. كان قلق الزوجة في محله، لتكشف الفحوصات أنها تعاني بعض المشاكل التي تمنع حملها بطريقة طبيعية. العلاج موجود وسهل، لكن تكلفته تفوق قدرة الزوج الذي يجني قوته من خلال المتاجرة في العصافير. كانت السنوات الأولى صعبة بالنسبة لزهرة التي تنتمي لوسط يرى أن قيمة المرأة في “غلة بطنها”. كانت أسئلة الأسرة تتناسل مع مرور الوقت، «متى سأصبح جدة»، سؤال لا يفارق والدة الزوج التي ترغب في أن يهبها ابنها البكر لقب جدة. بالرغم من حسن المعاملة التي تحظى به زهرة من زوجها، إلا أنها ظلت تتخوف مما سيحمله المستقبل. تخوف حملها إلى استغلال مهارة أناملها، لتشتغل ليل نهار على صناعة أشكال مختلفة من السفيفة وبيعها من أجل ادخار كلفة الدواء. الزوج من جهته لم يكن يبخل على الزوجة بكل مدخراته التي كان يضعها مناصفة بين علاج زوجته، ومصاريف العناية بعصافيره التي تعد مصدر رزقه، غير أن غياب النتيجة جعل الزوج يتراجع عن فكرة العلاج، ويطلب من زوجته أن ترضى بقدر الله. لم تقتنع زهرة بكلام الزوج، الذي رأت فيه نوعا من التملص من مسؤوليته، وكذا بوادر الرغبة في التخلص منها واستبدالها بزوجة ثانية. اتهامات وترت العلاقة بين الزوجين، دون أن تنكر زهرة أنها سبب مباشر في الرفع من وتيرة سوء التفاهم، لوقوفها عاجزة عن فهم سلوك زوجها الهادئ، والمتقبل لها بطريقة تثير شكها. «لم يسبق له أن عبر عن رغبته في الحصول على أولاد، يكاد كل عالمه ينحصر في دائرة العصافير والحمام»، تقول زهرة واصفة زوجها اللامبالي بما يدور حوله من ضغوط تؤثر على زوجته وعلى والديه. خرج الزوج من دائرة الحياد فجأة، ليعرض علي زوجته الحل، الحصول على ابن بالتبني. سعدت زهرة بالحل، لكن سرعان ما راودتها الشكوك عن سبب هذا الاقتراح وعن هوية الابن. «في البداية اعتقدت أن له زوجة ثانية، وأنه يمهد لي الفكرة من خلال اقتراح التبني»، اعتقاد تحولت معه حياة الزوجين إلى جحيم لا يطاق، قبل أن يتدخل بعض المعارف الذين توسطوا في فكرة التبني، ومع ذلك لم تقتنع الزوجة بالفكرة كليا، لتطالب الزوج بالمساهمة في محاولتها الأخيرة من أجل العلاج. طلب قابله رفض الزوج الذي مل من المحاولات الفاشلة، ليضع زوجته بين خيارين، إما التبني، أو الاستمرار بدون أبناء إلى أن تفعل الأقدار فعلتها. لم يكن من خيار آخر غير قبول فكرة التبني، لعل الزوجين ينعمان بطعم الأبوة. كان إحساس زهرة شبه حقيقي وهي تحمل طفلها بالتبني، غير أن جمود باقي أفراد العائلة جعلها تشعر بأنها تمارس أمومة مزيفة، «حتى واحد ما فرح بالولد نهار جبناه، حسيت بأن راجلي جابلي شي لعبة باش نتلهى بها وصافي»، إحساس يعيق زهرة من ممارسة أمومتها، ويدفعها إلى التمسك بخيار العلاج رغم فشل كل المحاولات، دون أن تخفي رغبتها بالمحاولة للمرة الألف، لكن المصاريف أثقلت كاهلها وكاهل الزوج، وأجهضت الأمل. الأرض البور على عكس زهرة نعيمة لم تتمسك بفكرة العلاج طويلا، لتفكر في مخرج آمن لها في زيجة صدر الحكم بفشلها منذ البداية. كان سن نعيمة 17 سنة حينما ارتبطت بزوجها الميسور، بعد أشهر لم تتوانى والدة الزوج في الاطمئنان على مستقبل نسل ابنها، لتبدأ الأسئلة الروتينية عن بشارة حمل في الطريق. لم تكن نعيمة تفكر بعد في الانجاب، لكن بالمقابل كانت تشعر أنها رهينة هاجس العقم الذي يتهددها، « أنا أصغر إخوتي، وقد عاينت فشل كل زيجات شقيقاتي الأربع نتيجة إصابتهن بالعقم»، تجارب كانت تتموضع في حسابات نعيمة بقوة، فهي لا تريد أن تكون ضحية كباقي شقيقاتها. لم تتوان الزوجة في استشارة الطبيب لتجد أنها مصابة بالعقم. أول خطوة اتخذتها نعيمة هي الادخار والاستفادة من كل مناسبة لتحصل على هدايا من الحلي من طرف زوجها. كانت مدخرات نعيمة تزداد يوما بعد يوم، قبل أن يتنبه الزوج لفكرة الأبناء. لم تستطع الزوجة مكاشفة زوجها في الأمر، لتقنعه بفكرة عرض نفسيهما على طبيب مختص، لتكون الصدفة إلى جانب نعيمة التي اكتشفت أن زوجها أيضا يعاني من بعض المشاكل التي تعيق عملية الإنجاب. استمر الزوجان في علاقتهما لمدة 12 عاما، مدة كانت كافية لتؤمن الزوجة مستقبلها، وليتقدم الزوج في عملية العلاج، ليعلن عن رغبته في الحصول على ابن. لم تكن نعيمة قادرة على تلبية رغبة زوجها، ولم تستطع في نفس الوقت تقبل الخيار الذي كان يحاول تمريره من خلال تلميحاته، «كان متمسكا بي كثيرا وأنا مدينة له بذلك، لكنه بدأ يشير لرغبته الملحة في الإنجاب، فهمت أنه يريد الزواج بأخرى». فكرة لم تتقبلها نعيمة، وهي ترى أنها سرعان ما سترمى في الظل لو تمكن زوجها من الارتباط بالأخرى، وحصل على أبناء منها. «أنا أرض بور، والناس لا تتزوج لتقضي عمرها وجها لوجه مع نفس الشخص دون أن يكون هناك أطفال يبعثون الروح في علاقة يقتلها الملل»، كانت تلك قناعة نعيمة التي قررت الحصول على الطلاق. بعد سبع سنوات من الطلاق، لم تتمكن نعيمة من مقاومة فكرة الأمومة لتتكفل برعاية ابنة أخيها، ولتكرر أنها اختارت منذ البداية القرار الصائب، وأنها لم تستسلم لقدر عقمها كما تفعل الكثير من النساء اللاتي يخترن لعب دور الضحية، أو يقبلن الانزواء في الظل بعد مجىء الضرة الولود. رجولة مع وقف التنفيذ العقم بصيغة المؤنث يرمي جل تداعياته على نساء يرى الكل أن قدرهن هو صناعة الأجنة، لذا يثور الكل حين لا “تؤتي الأرض غلتها”، لكن حين يتجلى العقم في وجهه الذكوري، غالبا ما تعالج الأمور وفقا لمنطق القانون الذكوري. الحاجة خديجة امرأة ثمانينية تعيش وحيدة بعد رحيل الزوج، ليس لها ابن لأنها ربطت مصيرها بمصير رجل عاقر، لم يتوانى عن الارتباط بأربعة نساء على التوالي، ليتهرب من حقيقة يرى أنها تنقص من رجولته، ليقتنع في آخر المطاف أنه بيت الداء. كانت الحاجة خديجة الزوجة الثانية بعد أن توفيت الزوجة الأولى التي دام زواجها شهرا واحدا. بعد مرور سنتين بدأ المحيط يمارس أسلوب المعاتبة بحق الزوجة وكأنها المسؤولة الوحيدة عن تأخر الحفيد الموعود. قرر الزوج الارتباط للمرة الثالثة دون أن يفاتح زوجته في الموضوع، لتجد نفسها وجها لوجه مع ضرة جديدة. مرت الأيام والشهور لكن دون جدوى، لتجد الضرة نفسها في خانة الاتهام. ولأن الزوج فوق تهمة الضعف، قرر الزواج بأخرى. لم تستطع الزوجات الانتظار في صمت ليقررن البحث عن المخرج. ربما يرتبط الأمر بالسحر؟ فرضية جعلت الضرتين يفاتحن الحاجة خديجة في ضرورة البحث عن العلاج، لكن تخوف الحاجة حال بينها وبين الانضمام لتجربة الضرتين. بعد أشهر وجدت المرأة أن قرارها كان صائبا بعدم الانضام للضرتين، بعد أن وصل الخبر للزوج، الذي قرر تطليقهما في لحظة غضب. بقيت الحاجة وجها لوجه مع زوجها الذي زاد طبعه حدة وهو يحملها تبعات التأخر في الإنجاب. لكن قناعة الرجل ستتغير بعد أن ذاع خبر زواج إحدى طليقاته التي تمكنت من الإنجاب في أول سنة من زواجها. «تغير كثيرا في معاملته لي منذ أن تأكد أنه المسؤول عن حرماننا من الأبناء»، تقول الزوجة التي قررت البقاء رفقة زوجها العقيم بالرغم من تدخل والدها “لتحريرها” من زيجة ستحرمها الحق في ممارسة أمومتها مدى الحياة. كانت الحاجة تعلم أن الأمر كان سيختلف كثيرا لو كانت هي المصابة بالعقم، أكيد أنها كانت ستجد نفسها زوجة من الدرجة الثانية، أو مطلقة، ومع ذلك اختارت الاستمرار في زيجة امتدت لسنوات طويلة، دون أن يكون لها أمل في يد ستمتد لرعايتها في أرذل العمر. راهنت على زوجها، لكن الرجل رحل مخلفا لها الإحساس بالوحدة. إحساس كان يزداد حدة كلما تآكلت لائحة الأهل والمعارف الذي انتقلوا إلى دار البقاء، لتجد الحاجة نفسها أمام قرار تقول أنها ندمت عليه وهي مرمية في الظل دون مؤنس أو رفيق، « على الأقل كان عليا نربي غير شي بنية، ولكن فات الفوت». لا مال ولا بنون بالنسبة لفاطمة لم يفت الأوان بعد، هي تنتظر الفرج منذ سنوات ولم تمل بعد، لكن انتظارها هذه المرة بطعم آخر. لم تزر فاطمة طبيبا مختصا من قبل، لكنها صاغت قناعتها من تجربتها الخاصة. «تزوجت ثلاثة لمرات وماجابش الله الولاد حيت ساحرين ليا»، هكذا تشخص المرأة حالتها التي تقتنع بها لدرجة لا تقبل معها التفاوض. هو السحر إذا، مرض لا دواء له بين جدران المصحات، لتجد فاطمة نفسها تائهة بين الأضرحة والمشعوذين، تنفق بغير حساب.« خسرت 15 مليون ديال الذهب، فيها الذهب ديالي والذهب اللي ورت من الواليدة، من غير داري اللي بعتها وشريت وحدة صغيرة». بيع لم يأتي بأي نتيجة، أمام تعنت فاطمة التي لا تعترف بشيء اسمه الطب،« الشافي هو الله، والرازق هو الله، واش الطبيب هو الله باش يعطيني الولاد». كفر بالطبيب يقابله إيمان راسخ بالمشعوذين والأضرحة، ولوائح طويلة لعلاجات يتساءل البعض عن سر علاقتها بعلاج العقم. ذبائح ورحال تشد للأضرحة، وصفات لمأكولات تثير الاشمئزاز، طلاسم بقيمة 20 ألف درهم منقوشة على خاتم ذهبي... خطة علاج تفتخر فاطمة باستعراضها وهي تردد أن نجاحها يتطلب صبر أيوب، «حيت الله كيبغي يختابر الناس المومنين»، لا أحد يدري مفهوم الإيمان الذي تتصوره هذه المرأة، لكنه إيمان راسخ رسوخ الجبال، دفعها نحو هاوية الخسارة بعد أن ذهب المال دون أن تقر عينها بالبنون. وحدة تولد، وحدة تربي على عكس السائد في عرف الناس حول العلاقة التي تربط المرأة بضرتها، تتميز علاقة عزيزة بضرتها مينة بحيز من التفاهم الاستثنائي. كل شيء مرتب منذ البداية « أنا من اقترحت على زوجي فكرة الزواج، وأنا من اخترت ضرتي بنفسي» تقول عزيزة التي تعرضت لحادثة أثناء تواجدها برحلة رفقة زوجها أصبحت بعدها عاجزة عن الحركة وعن الانجاب. حين رأت عزيزة أنها أصبحت شبه جثة عرضت على زوجها الزواج لكنه رفض بشدة، لتجد أنها أصبحت تشكل عائقا أمامه، «أصبح أشبه بالسجين، لأن إعاقتي قيدت تحركاته، كان يحاول جاهدا أن لا يشعرني بالفرق»، محاولة جعلت عزيزة تشعر بالذنب، لذا حاولت الحصول على ممرضة توفر لها الرعاية. كانت الممرضة المطلقة والأم لطفل مميزة للغاية، ولم تتوانى عن الإشراف على تدبير البيت، وتوجيه المساعدتين اللتين تعملان على أمور الطبخ والتنظيف. تميز جعل عزيزة التي تقضي جل وقتها في السرير، وتذهب بتفكيرها بعيدا حين فاتحت زوجها في موضوع الارتباط بالممرضة. رفض الزوج بشدة، لكن إلحاح الزوجة جعله يبدي موافقته، ليتم الأمر وسط معارضة من عائلة الطرفين، خاصة والدة الزوج التي رغبت أن يكون زواج ابنها بفتاة من اختيارها. أثمرت العلاقة طفلين لا يترددان في مناداة عزيزة بلقب ماما، كلمة لا تخفي أنها لا تستشعرها بقوة، خاصة أنها لا تقوى على الحركة، « أكتفي بمشاهدة الأولاد وهم يلعبون رفقة والدتهم، وهي بدورها لا تتردد في حثهم على مرافقتي وسماع توجيهاتي» ، توجيهات تتجاوز الأبناء لتقدم للضرة التي لا تبدي معارضتها أبدا لكلام عزيزة، وكأنها أشبه بالظل التابع لها، دون أن تستغل كونها أصبحت زوجة وأما لطفلين، خضوع جاء على عكس التوقعات التي حذرت عزيزة من أن ضرتها أمينة قد تنقلب عليها يوما... سكينة بنزين