"المسؤولية الطبية بين النصوص القانونية وإكراهات الممارسة"هو محور الندوة العلمية التي نظمها المكتب الجهوي للنقابة المستقلة لأطباء القطاع العام لجهة سوس ماسة درعة بتنسيق مع نادي قضاة المغرب.هذا اللقاء الأول من نوعه الذي احتضنته قاعة العروض لفندق قصر الزهور بأكادير وحضره إلى جانب المندوب الجهوي للصحة بجهة سوس ماسة درعة ومجموعة من المناديب الإقليميين بالجهة عدد كبير من الأطباء والقضاة الذين أتتوا فضاء القاعة وشاركوا بفعالية كبيرة في إغناء النقاش والإحاطة بالموضوع من كل جوانبه. عروض المائدة المستديرة استهلها الكاتب الوطني للنقابة المستقلة لأطباء القطاع العام ،الدكتور عبد المالك الهناوي ،بمداخلة ، بنبذة تاريخية عن مسؤولية الطبيب القانونية بدءا بعهد حمو رابي مرورا بحقبتي أفلاطون وأوروبا المسيحية ووصولا إلى فترة الإسلام في عهدي الرازي ثم ابن رشد،حيث تراوحت الأحكام مابين تعويض الأسياد عن المخاطر الطبية التي يتعرض لها أقنانهم وقطع يد الطبيب ونفيه وعقوبة جنائية.واليوم حيث أصبح الطب أحيانا مرادفا للمخاطر والعنف والتعقيد وأحايين أخرى موضوعا للفعالية حتى تحول موضوع الخطإ الطبي لمادة إعلامية دسمة تتناوله مختلف المنابر الإعلامية بشكل يومي ،مذكرا بأن القوانين المنظمة للمسؤولية الطبية هي نفسها التي تنظم المسؤوليات المدنية والإدارية والجنائية بالنظر إلى العلاقة التعاقدية التي تربط بين الطبيب والمريض مشيرا في معرض حديثه إلى التطور الذي عرفه القضاء المغربي على غرار نظيره الفرنسي في هذا المجال ومتأسفا في الآن ذاته على تحامل الجميع على الطبيب في حالة وقوع الخطأ وتحميله المسؤولية الكاملة ،وختم عرضه بالحديث على دليل الرابطة السببية وحالات إعفاء أو إشراك الطبيب في المسؤولية الطبية وكذا المسؤولية التي تتحملها المؤسسة الاستشفائية سواء كانت عمومية أو خاصة. من جانبه تطرق الأستاذ فيصل لعموم ،مستشار بمحكمة الاستئناف بأكادير وعضو بنادي قضاة المغرب إلى صعوبة تشخيص الحالات التي تتعلق بالخطإ الطبي مشيرا إلى كثرة الجدل التي يثيرها هذا الموضوع على مستوى الفقه المعاصر نظرا لتشعب الحالات وصعوبة تدقيق مصدر الخطإ والنقص الكبير في النصوص والقرارات المنظمة له.هذا وكان الأستاذ يوسف مرسلي ،القاضي بالمحكمة الابتدائية بتار ودانت وعضو المجلس الوطني لنادي قضاة المغرب قد أشار في كلمته حول الموضوع المطروح للنقاش إلى كون الطبيب مثله مثل باقي أفراد المجتمع معرض للمحاكمة لكون جسم الإنسان محمي قانونيا ،ابيح للطبيب وحده المساس به في حالة الضرورة طبقا للمادة 120 من القانون المنظم للمهنة وأن كل خطإ متعمد يعرض مرتكبه للعقاب واعتبر مهنة الطبيب الأقرب إلى ارتكاب الأخطاء لكون ظروف اشتغاله تكون محفوفة بالمخاطر بسبب خطورة الآلات المستعملة خصوصا في العمليات الجراحية والتجميلية ،مذكرا بدور الفقه في تحديد الخطأ الطبي لكون القضاء غير معني بهذا الأمر(التحديد) خصوصا إذا تعلق الأمر بالخطإ الفني(المهني)الذي يرتبط بمعلومات علمية دقيقة تتطور بتطور العلم في الوقت الذي يسهل فيه نسبيا تحديد المسؤولية في الخطإ المادي كالإهمال والرعونة (جسامة الخطأ)من قبيل عدم مراعاة القوانين والأنظمة أو عدم التبليغ في حالة الإجهاض غير الشرعي على سبيل المثال لا الحصر،وشروط الضرر الطبي كبتر يد الرسام وتفويت فرصة الحياة في الشفاء. هذا ،وفيما يخص الركن المادي في ارتكاب الخطإ المادي الطبي فللقاضي كامل الصلاحية في إثباته وتحديد النتيجة انطلاقا من قرائن قضائية منطقية الاستنباط. أما الأستاذة عالية الشباطي ،القاضية بمحكمة الاستئناف بإنزكان فاعتبرت خلال مداخلتها المسؤولية الطبية قضية متشابكة وستأخذ الكثير من الوقت ،وقسمتها إلى عقدية إدارية يلتزم فيها الطبيب بطبيعة العقد ويستفيد الدائن خلاله من القرينة والشق الثاني من المسؤولية يكون تقصيري مصدره القانون والحكم فيه يرجع إلى إثبات الخطإ من عدمه .وختمت كلمتها بطرح سؤال عريض على جموع الطبيبات والأطباء الذين غصت بهم جنبات القاعة، تتساأل فيه عن السبب وراء عزوف الأطباء على القيام بتقارير طبية ،هل من باب المناصرة لإخوانهم أم تهربا من المسؤولية؟. آخر مداخلة كانت للدكتور محمد بن بوبكري ،أخصائي طب الشغل وعضو المكتب الوطني للنقابة المستقلة لأطباء القطاع العام الذي قدم عرضا شاملا ومتنوعا باللغتين العربية والفرنسية تحدث فيه عن الخطإ الطبي من خلال الأحكام والقرارات ،حيث ساق عدد كبير من الوقائع والأحداث التي عرفتها المحاكم جراء الأخطاء الطبية والقرارات المتخذة في شأنها كما أقحم في عرضه بعض التطبيقات على شكل تساؤلات تطرح للحاضرين لقياس مدى تجاوبهم مع فحوى العرض الذي لا يخلو من بعض المستملحات التي كسرت روتينية الإلقاء. وفي ختام أشغال هذه الندوة ،وقبل فسح المجال لكل الحاضرين للإدلاء بدلوهم وإخراج ما في جعبهم من تساِلات واستفسارات ليجيب عليها أهل الاختصاص، تم تكريم الدكتور جاما ، باعتباره أحد المؤسسين الأوائل للنقابة المستقلة لأطباء القطاع العام اعترافا له بما أسداه من خدمات جليلة للقطاع.