"لم أقل سوى الحقيقة؛ الحقيقة التي يعرفها كل الزملاء الذين يدخلون لتلك الدار. لم أكذب، وأنا أتحمل كامل المسؤولية إذا ما اُتخذ ضدي أي إجراء قانوني أو تم فصلي من العمل. سأخرج من تلك الدار وأنا مرفوعة الرأس". الدار المقصودة هي "دار البريهي"؛ المقر الرسمي للتلفزيون والإذاعة المغربية والمتحدثة هي الصحافية والمذيعة حورية بوطيب التي فجرت قنبلة من العيار الثقيل في بركة "دار البريهي" الراكدة منذ عقود. ظروف غير مشرفة في حوار مع إذاعة هولندا العالمية أكدت حورية بوطيب، مقدمة نشرة الأخبار باللغة الإسبانية أن ما قامت به مع مجموعة من زملائها الشباب، جاء بدافع "الغيرة" على 'دار البريهي‘ وعلى الكفاءات المغربية التي تعمل في ظل ظروف "غير مشرفة وتهين كرامة الصحفي". الظروف التي تتحدث عنها حورية تراكمت مع مرور السنوات بلا أمل في بوادر التغير. "على العكس بدأت تسير الأمور من سيء لأسوء ولم يعد بالإمكان الاستمرار تحت نفس الظروف والعمل بنفس الطريقة وكرامتنا مهينة". تشدد حورية بوطيب على أن كل الصحافيين بالمؤسسة مستاءون من هذه الوضعية، فقررت هي ومجموعة من زملائها تقديم ملف مطلبي يركز أساسا على "إعادة الاعتبار" للصحافيين وتوفير الإمكانيات اللازمة للعمل المشرف. "حينما نخرج للتغطية ونقول للمواطنين نحن صحافيون من القناة الأولى يجيبوننا: أي منتوج تقدمونه؟ والحقيقة أنه لا يجادل اثنان في أن المنتوج الذي نقدمه رديء". صرخة يأس "ما تزال دار البريهي على حالها" عبارة شاعت في المغرب كتعبير عن اليأس من حدوث أي تغيير، وسبق أن عبرت نقابات الصحافيين في الماضي عن امتعاضها مما آلت إليه أحوال العاملين ونظمت وقفات احتجاجية واعتصامات لكن دون جدوى، بحسب ما يؤكد الناشط النقابي عبد الحكيم غربوز، رئيس التحرير بمديرية الأخبار التابعة للإذاعة الوطنية في تصريح لإذاعة هولندا العالمية: "مع تولي حكومة العدالة والتنمية تدبير الشأن العام في المغرب، علقنا الكثير من الآمال أن يحظى ملف الإعلام العمومي بالأولوية وتتبعنا الجدال العقيم حول دفتر التحملات وما حملته حكومة بنكيران من شعارات، إلا أنه تبين أن الأوضاع المهنية في المؤسسة بقيت على حالها". كبش فداء الخطوة التي أقدمت عليها حورية بوطيب حركت مياها راكدة، ولكنها في الوقت نفسه فتحت جبهة قد تؤدي إلى طردها من العمل."أنا مستعدة أن أكون كبش فداء" إذا كان ذلك سيؤدي إلى إعادة الاعتبار للعمل الصحفي في المؤسسة. وتستغرب حورية من تجاهل الإدارة لمضمون الشريط الذي انتشر على نطاق واسع على مواقع الانترنت والصفحات الاجتماعية، ولذلك توجه نداءها للمسئولين لكي يطلعوا على مضمون الشريط والنظر في حل المشاكل والاهتمام بالكفاءات لوضعها في الواجهة بدل تهميشها. أما بخصوص وضعيتها فتعتقد حورية أن إدارة المؤسسة بدأت في دراسة ملفها الشخصي وعد "الهفوات وكم مرة خرجتُ في مهمات وكم عدد الملابس التي استخدمها وهل آخذ تعويضات أم لا". مفاجأة كبرى ما قامت به الإدارة على عجل هو توزيع بيان "استنكاري" وقعه مجموعة من رؤساء التحرير يطالبون حورية بوطيب بالاعتذار: "عندما نُشر الشريط تلقيت دعم بعض الزملاء من داخل وخارج دار البريهي، أما داخل قسم الأخبار فكانت المفاجأة الكبرى أن 17 رئيس تحرير وقعوا بيانا يطالبونني فيه بتقديم الاعتذار بالصوت والصورة لأنني أهنتهم أمام الرأي العام حينما قلت إن المنتوج رديء وأنني آذيتهم شخصيا. أنا لم أهن أي شخص في الشريط، كنت فقط أتحدث عن رداءة المنتوج". والغريب تضيف حورية أن البعض ممن وقع على ذلك البيان لا علاقة لهم لا بالأخبار ولا برئاسة التحرير. "البيان الذي أصدرته هيأة التحرير باسم رؤساء التحرير لا يحملون كلهم هذه الصفة". ترفض حورية الاعتذار وتطالب بظروف عمل أكثر إنسانية، وتتمسك بالأمل في أن تكون صرختها هذه بمثابة اللبنة الأولى لإصلاح حقيقي لقطاع الإعلام العمومي في المغرب.