لا أحد كان ينتظر هذا الرحيل الصامت لحكيم إزنزارن ، ولا أحد كان يتخيل هذا الغياب المفاجيء من دون سابق إنذار. غادرنا الفنان الشريف العفيف –لحسن بوفرتل- من دون أن يستأذن، وكان حريا بنا أن نقبل رحيله عنا بتلك الطريقة الهادئة تماما كما عودنا على حكمته وتريته وحسن إنصاته في الحياة الدنيوية. مات الفنان الذي لم يسعى لشهرة ولا مال، من دون أن يعلن إعتزاله للفن الراقي والكلمة الملتزمة بمواجع هذا الشعب الصبور. هذا الإنسان الذي عاش من أجل الفن ومن أجل رسالته القيمة.مات في زمن المهرجانات الفاسدة التي تغذق على الأجانب كل أنواع العطاء والجاه ، في زمن عاش فيه الشريف بوفرتل عفيفا قنوعا لا يهمه في هذا الوضع الصعب، إلا أن يعرف الناس أن أنامله وحنجرته تصدحان فقط لأجل الكرامة والمواطنة. لم يهتم في يوم من الأيام لشهرة غادرة ولم ينشر أنين فقره في أية وسيله إعلام ، ولم يشتكي لأحد عن وضعه الإجتماعي ، بل آمن بفنه وبكلمته، وسعى إلى تكريسهما من أجل مصلحة عامة تذوب فيها الآنا الذاتية. ماذا تبقى لإزنزارن بعد هذا المصاب الجلل، وبعد هذا الظلم الجائر الذي طال المجموعة منذ سنين طويلة، بقي الكثير لأن حضورها النادر دليل على قوتها، وعندما تبدأ المجموعة في الغناء والإبداع، فإن ربوع المغرب يتهادى، والجناجر تشدو بعبق الكلمات الذهبية، ولا يبقى أحد في المدينة إلا وهو متسمر أمام الجوقة يشبع رغباته منها ، فقد يطول الفراق ولا تتاح له فرصة مشاهدة هؤلاء الشرفاء مرة أخرى. هكذا هي نهاية المجموعات الغنائية الشريفة التي تنشد للشعب ولا تطمع في سخاء السماسرة وأغبياء السياسة. فقد مات محمد باطما من لمشاهب ،ومات أخوه العربي باطما عن المجموعة الأسطورية ناس الغيوان، وهاهو- بوفرتل- يلحق بهم وكأن القدر يبيت النية على إزهاق أرواح ضاربي "طام طام " في المجموعات الشعبية المغربية تاركا بذلك فراغا لا يمكن سده مهما تعددت المواهب المتقدمة لشغر هذا المنصب. لك الحق في الغياب والرحيل، فلم يبقى للفن الجميل في هذا الوطن مكان بعدما تربص به السماسرة والقراصنة والأغبياء، وحولوا كل مهرجانات الوطن إلى بنوك تصرف للمشارقة حسب شروطهم، ملايين الدراهم من أجل مشاركة تبدأ فوق الخشبة وتنتهي في قصور أبناء سارقي هذا الوطن.أما التلفزيون الذي من المفروض أن يكون مكانا لعرض مكنونات الوطني الفني فقد إقتسمه المشارقة وأحفاد أتاتورك وصار الفنان المغربي مثل المخلوق العجيب لا يعرفه أحد من المشاهدين. لقد عشت كريما ومت كريما، وحضورك في أذهاننا خير لك من حضور لحظي مرهون بمصلحة خاصة قتلت الكثير قبلك، وأصبحوا يطبلون ويصدحون بأسماء قراصنة لم يجني منهم الوطن إلا التخلف و الإنحطاط. آن لعبد الهادي أن يبكي حظه العاثر، فقد أصبح يتيما لمرة ثانية ، فقد كان حريصا في بداية كل حفلاته أن يقبل رأس "بوفرتل" تيمنا به وإحتراما لهذه الهامة التي غنت لعباد الله ولم تغني لمعذبي عباد الله. رحمك الله يا حكيم إزنزارن وإنا لله وإن إليه راجعون.