الحرب في أوكرانيا.. بوتين يعلن هدنة لمدة ثلاثة أيام    مصر تفتتح "الكان" بفوز مهم على جنوب إفريقيا    المغرب يشارك في الدورة السابعة من القمة الثقافية بأبوظبي    مزور يؤكد التزام المغرب بتعزيز علاقاته الاقتصادية مع الصين    الأداء الإيجابي يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    ترايل أمزميز.. العداؤون المغاربة يتألقون في النسخة السابعة    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    منتجع سيدي بوزيد.. الدرك يفكك وكرا للدعارة    تكريم سعيد بودرا المدير الإقليمي السابق لوزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة بالمضيق الفنيدق    الرباط .. انطلاق أشغال النسخة الثالثة من منتدى الحوار البرلماني جنوب-جنوب    الدورة ال 30 للمعرض الدولي للكتاب تستقطب أكثر من 403 آلاف زائر    ندوة توعوية بوجدة تفتح النقاش حول التحرش الجنسي بالمدارس    "البيجيدي" يحسم أسماء أعضاء الأمانة العامة والمعتصم رئيسا للمجلس الوطني    انطلاق جلسات استماع في محكمة العدل الدولية بشأن التزامات إسرائيل الإنسانية    منظمات حقوقية تنتقد حملة إعلامية "مسيئة" للأشخاص في وضعية إعاقة    هيئة حقوقية تدين حملات التشهير ضد ساكنة بن أحمد    انتشال جثة فتى من وادي ملوية بعد اختفائه    الأمن الوطني يوقف مروّج وشاية كاذبة حول جريمة قتل وهمية بابن أحمد    خط جوي مباشر يربط الدار البيضاء بكاتانيا الإيطالية    الذهب يهبط وسط انحسار التوتر بين أمريكا والصين    حزب الاستقلال بالحسيمة يكتسح الانتخابات الجزئية بفوزه بأربعة مقاعد    عبد الله البقالي يترأس أشغال المجلس الاقليمي لحزب الاستقلال بالحسيمة    نزهة بدوان رئيسة لمنطقة شمال إفريقيا بالاتحاد الإفريقي للرياضة للجميع    أسعار النفط تستقر مع بداية الأسبوع    كيم جونغ يقر بإرسال قوات إلى روسيا    مقتل 68 مهاجرا في قصف أمريكي    متصرفو قطاع التربية الوطنية يطالبون بتدخل عاجل من أخنوش    دراسة: متلازمة التمثيل الغذائي ترفع خطر الإصابة بالخرف المبكر    بريطانيا .. آلاف الوفيات سنويا مرتبطة بتناول الأغذية فائقة المعالجة    اختيار نوع الولادة: حرية قرار أم ضغوط مخفية؟    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الاثنين    بنكيران وحزب العدالة والتنمية.. زعامة تتآكل وسط عزوف القيادات وهروب إلى المجهول    تيزنيت : الوقاية المدنية و الهلال الاحمر درعا السلامة و الأمان ب"سباق النصر النسوي"    رد حكيم من بوريطة.. إسكات استفزازات العالم الاخر ومسه بسيادة العراق    الصين: المغرب ضيف شرف النسخة ال11 لمؤتمر رواد الأعمال لمنتدى التعاون الصيني العربي    كيوسك الاثنين | قرار وزاري يضع حدا لتعقيدات إدارية دامت لسنوات    ثروة معدنية هائلة ترى النور بسيروا بورزازات: اكتشاف ضخم يعزز آفاق الاقتصاد الوطني    المرزوقي يدعو التونسيين لإسقاط نظام قيس سعيد واستعادة مسار الثورة    المشتبه به في قتل مصلّ بمسجد في جنوب فرنسا يسلم نفسه للشرطة الإيطالية    فريق نهضة بركان يتأهل لنهائي كأس الكونفدرالية الإفريقية    شهادات تبسط مسار الناقدة رشيدة بنمسعود بين الكتابة والنضالات الحقوقية    مي حريري تطلق " لا تغلط " بالتعاون مع وتري    "جرح صعيب".. صوت عماد التطواني يلامس وجدان عشاق الطرب الشعبي    العرائش: عزفٌ جنائزي على أوتار الخراب !    التنسيقية الصحراوية للوديان الثلاث وادنون الساقية الحمراء واد الذهب للدفاع عن الارض والعرض تستنكر… ارض الصحراويين خط أحمر    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    فوزي لقجع يهنئ نهضة بركان بعد تأهله إلى نهائي كأس الكونفدرالية    الملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب يختتم فعالياته على وقع النجاح    والد لامين يامال: كنت مدريديًا… لكن برشلونة وفر لي لقمة العيش    الأوغندي أبيل شيلانغات والمغربية رحمة الطاهري يتوجان بلقب ماراطون الرباط    منصة رقمية تواكب منتجي الحبوب    بعد ارتفاع حالات الإصابة به .. السل القادم عبر «حليب لعبار» وباقي المشتقات غير المبسترة يقلق الأطباء    منصف السلاوي خبير اللقاحات يقدم سيرته بمعرض الكتاب: علينا أن نستعد للحروب ضد الأوبئة    "المرأة البامبارية" تُبرز قهر تندوف    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وحدات التلفيف بمنطقة اشتوكة ايت باها العاملات الزراعيات المهاجرات... من حلم الثروة إلى كابوس الضياع
نشر في اشتوكة بريس يوم 31 - 12 - 2010

نحيفات سرق منهن الزمن أنوثتهن وقوامهن الممشوق، كلفن بزراعة المواد الكيماوية قبل زرع بذور الفصوليا، يسكن بخميس أيت عميرة، تحت أكواخ من قش وطين وسقوف من خرق بلاستيكية...
واقع مرير يصرخ بحقائق أشد مرارة، أسرار وحياة مدن الملح ومدن الهجرة من الداخل، التي أنتجت مراكز وجماعات دون هوية، وما يرتبط بها من قيم خاصة، وحياة تفرز تناقضات وأوضاعا تبعث القلق وتستفحل سنة بعد أخرى.
أزيد من مائة ألف عامل وعاملة يشتغلون بشكل مباشر أو غير مباشر بقطاع الفلاحة بمنطقة اشتوكة أيت باها، تشكل النساء والديمغرافية الشابة القاعدة الأساسية لهذه الشريحة المهنية، التي تلامس الثمانين في المائة منها..
معاناة يصعب رصدها بالكلمات بطلاتها عاملات زراعيات باشتوكة أيت باها
“جينا نصوروا طرف الخبز”
زينب (ع)، شابة في مقتبل العمر، نحيفة ذات لون يميل إلى الحمرة الداكنة، تذكر جيدا ذلك اليوم، الذي امتطت، هي ووالدها، الحافلة في اتجاه نواحي أكادير، تقول “لم يسبق لي أن غادرت جمعة اسحيم، كنت أظن أن كل العالم لا يتجاوز هذه المنطقة إلا قليلا، في ذلك الصباح استيقظنا مبكرا.. والدتي يغالبها النعاس.. لم تنم هي أيضا تلك الليلة من شدة القلق علي، فاضت عيناها بالدموع وهي تودعني.
كنا خمسة إخوة أنا بكرتهم، لا يملك أبي غير “كروسة” يبيع عليها الخضر كل أسبوع من سوق الجمعة، لا نملك لا أرضا ولا ماشية، كان أبي يردد دائما أن القهر وقلة اليد تقتل، لما ركبنا الحافلة وبدأت تقطع بنا المسافات ترامت إلى عيني صورة لن أنساها ما حييت، صورة أمي وهي تلوح لي بيديها وكأنها في قرارة نفسها تودعني الوداع الأخير”.
تتوقف زينب عن الحكي وتتنهد طويلا، قبل أن يثير اهتمامها حضور إحدى صديقاتها، التي شاركتها بعضا من مآسيها لتبادرها بالسؤال عن الأحوال وعن سبب غيابها الطويل عن الغرفة، التي يكتريانها بخميس ايت عميرة.
استأنفت وهي تلجم دمعا حارا انحصر في زوايا عينيها “قضيت وأبي لحظة وصولنا الليلة كلها بالمحطة لنتوجه، بعد ذلك، عبر سيارة الأجرة، إلى “بيوكري”، حيث وجدت عملا في البداية في إحدى الضيعات، ونظرا لنحافة جسمي في ذلك الوقت، كلفني “الكابران” (رئيس فرقة العمال بالضيعة) بأن أضع وأخريات بعض المواد الكيماوية، قبل زرع بذور الفاصوليا، كان دورنا في العمل هو تهيئة التربة، لقد سببت لي تلك المواد الكيماوية مرضا مزمنا “الضيقة” سيلازمني، طوال حياتي. وكان علي أن أبحث عن مكان يؤويني، سأجده بخميس أيت عميرة، وهو عبارة عن كوخ من قش وطين وسقف من خرق بلاستيكية، يؤوي أربع نساء أو أكثر، وتفاقمت وضعيتي الصحية بسبب رائحة الكبريت والمواد الكيماوية الأخرى، وغياب التهوية، وضيق المساحة المخصصة لنومنا.
وفي محاولة لفهم هذه الحركية الديمغرافية النسائية لشابات من مناطق متعددة نحو ضيعات سهل اشتوكة، لم تختلف الشهادات، التي استقيناها، إذ تقاطعت عند بؤرة الفقر والقهر والعوز، لكن المثير أنهن كلهن كن يعشن حلم تغيير أوضاعهن الاجتماعية في المسقط، إذ أغلب النساء القادمات من آسفي، وبني ملال، وخنيفرة، والصويرة، وقلعة السراغنة...، قذفت بهن ظروفهن الاجتماعية وانعدام فرص الشغل في قراهن النائية. تقول فاطمة من جمعة اسحيم “جينا نصوروا طرف الخبز ونعاونوا الوالدين، دارت بنا الأيام ومابقى عندنا وجه فين نرجعوا”. لقد كانت الهجرة استثنائية فأصبحت نهائية، خصوصا لنساء أمهات عازبات، وصل صدى دعارتهن المفروضة بقوة إلى مساقط رؤوسهن.
الحقيقة الأخرى
وسط الضيعات انتشرت نساء منهمكات في عملهن الزراعي قرب منطقة خميس أيت عميرة، الشمس فوق رؤوسهن يزيد من لظاها انعكاسها على السقوف البلاستيكية، وجوه أخذ منها تعاقب لفحات البرد وسياط الحرارة النظارة والأنوثة، أكف غارقة في شقوقها، التي لم تخفها قرنفلية الحناء، وأقدام في أحذية بلاستيكية تقاوم قسوة العمل بجوارب من الفوطا رغم حرارة الجو، من حين لآخر تنتصب امرأة واقفة بحثا عن راحة مؤقتة لظهر طال انحناؤه، وأيضا عن فرصة لتشييع المكان والناس بنظرات سريعة، يصعب الحديث معهن، كأنهن يخفن من أطياف لا ترى...
خلال رحلة العودة إلى الكوخ، تحدثت امباركة، بصعوبة، وهي تحدق يمينا وشمالا، عن فقر أسرتها، وعن المرأة، التي جاءت بها إلى هنا منذ خمس سنوات، وهي التي لم تتجاوز راهنا عقدها الثاني، تحدثت عن كل شيء وبقية من الكبرياء تجعلها صامدة، لكن أخيرا غلبتها الدموع، وكان الموقف أشد بكثير وأشق من كبح جماح الكبرياء، فقالت “كنت أقضي يومي في الضيعة وأعود في المساء لأهيء عشاءنا ثم نخلد للنوم، كان ذلك حالنا في الأول قبل أن أبدأ رحلة العذاب مع قلة النوم بسبب ما تحدثه فوضى فتاتين كانتا تقضيان وقتا كبيرا من الليل في الخارج، لتعودا في الساعات الأولى من الصباح، لم أفهم يومها طبيعة العمل، الذي يجعلهما تعودان وهما متعبتين وعاجزتين عن فعل أي شيء غير الركون إلى النوم حتى الرابعة عصرا وأحيانا السادسة، كنا لا نراهما إلا ليلا. لكن، بعد ذلك، سأعرف أنهما تتعاطيان الدعارة، جاءتا من خنيفرة، وأنهما مثلي بدأتا عاملتين في الضيعات المترامية على طول سهل اشتوكة أيت باها، وتعرضتا للتحرش الجنسي، وبعدها لاستغلال “الشافات والكابرانات”، قبل أن ينتهي بهما المطاف لامتهان الدعارة في أكادير، ثم في إنزكان، ثم في منازل أيت ملول وخميس أيت عميرة وبيوكرى”.
تلتقط امباركة أنفاسها وتضيف “فكرت أن أحسن طريق للهروب من السقوط في المصير نفسه، أن أغير هذه الغرفة، وأبحث لي عن مكان آخر أكثر هدوءا وأقل تكلفة، إذ كانت أجرتي يومها لا تتعدى 40 درهما في اليوم، وكانت تأتيني أيام لا أشتغل فيها وأخرى لا أشتغل سوى ساعتين، كانت كلفة الكراء 100 درهم، تضاف إليها مصاريف الأكل والشرب، فضلا عما يجب أن أقتصده من مال لأبعثه لأسرتي بداية كل شهر، لم تكن رحلة البحث الدائم عن العمل وعن الاستقرار والسكن ومختلف متطلبات الحياة تنسيني تلك الطفلة، التي كنتها يوما في تلك القرية البئيسة الموجودة في جمعة اسحيم، ولم تكن تلك الرحلة لتنسيني شدة الفقر والحرمان وغياب كل مرافق الحياة العادية، التي كنت أعيشها في قريتي، وها أنا ذي أعيش اليوم في هذه الأحياء المهمشة المنتشرة في هذا “الفيلاج” المسمى خميس أيت عميرة”.
وتواصل امباركة “كنا نستيقظ في الصباح الباكر، ونتجه جماعات، نحن القادمات من أماكن متعددة من المغرب، خاصة من نواحي خنيفرة، وبني ملال، وولماس، والصويرة، والراشيدية، كنا جيشا من النساء نتجه جماعات لنتفرق في “كاميونات” (شاحنات) مخصصة لنقلنا إلى الضيعات. تحكي النساء هنا عن عدة حوادث سير وقعت بسبب هذه “الكاميونات”، كانت بعضها مميتة، وكان أكثر الأعمال مشقة تلك التي تقودنا للعمل في بيوت البلاستيك في عز الحر الصيفي، إذ غالبا ما تتحول البيوت لفرن ساخن، نقضي بها الساعات، وكان التمييز بيننا صادما من طرف “شافات” (رؤساء العمل) الضيعات، لم أفهم سر هذا التمييز إلا بعد مدة، لقد كان مقابل الحصول على عمل أقل تعبا وأقل مشقة، هو الاستجابة للرغبات الجنسية لهؤلاء “الشافات والكابرانات”، وكل من ترفض يكون مصيرها إما المزيد من أعمال التعب والإنهاك، أو أن تكون ضحية الطرد من العمل. تعرفت في ما بعد على حوادث تقع في الخفاء، عن حالات اغتصاب جماعي، وعن تحرشات جنسية لا تتوقف”.
مصادر من نقابة الاتحاد المغربي للشغل، بمنطقة اشتوكة، أكدت أن العاملات الزراعيات هن الأكثر تضررا من تدني الأجور، حوالي 47 درهما في اليوم، ونظرا لموسمية النشاط الفلاحي وتأثير ذلك على قطاع صناعة التلفيف، فإن غالبيتهن لا يشتغلن إلا حوالي 9 أشهر في السنة، وهو ما يجعل غالبيتهن يبحثن عن مدخول إضافي تجده الكثيرات في التعاطي للدعارة.
رحلة إلى الجحيم
نساء من مختلف الأعمار، بسحنات موغلة في الشظف، على أكتافهن أسمال وشعور مبعثرة لففنها في قبعات مختلفة الألوان، الموكب شبيه بنساء في عصور الظلام.. “أح آميمتي، الله يعفو علينا من هاد تمارة”، ردود مختلفة، والقاسم المشترك أحزان جامحة.
قرب مقهى وحوانيت صغيرة مشتتة تبيع كل شيء بمركز أيت عميرة، يقفن على الرصيف، عيون الصياديين والمشردين والتائهين تترصد مؤخراتهن، وهن في انتظار الشاحنات والجرارات لتقلهن إلى ضيعات، لم تهتد لها بعد بوصلة التنمية البشرية.
تقف الشاحنات والجرارات تباعا، تتسلق النساء بما تبقى فيهن من جهد جدرانا حديدية، ويرتمين بين الأجساد المنهكة، يد من هنا ويد أخرى ذكورية بحجة المساعدة تسافر في الجسد غير القادر على الاحتجاج.
جل القادمات جرى انتقاؤهن من مركز بيوكرى، حيث يوجد “الموقف”، تتذكر جل النساء أنهن قدمن من المركز نفسه أو المدينة الصغيرة ذاتها، التي لا تبعد عن أكادير، إلا بحوالي 30 كلم، هي عاصمة اشتوكة ومقر عمالتها، تتوسع بشكل يومي وتعد من أكبر المراكز استقطابا للهجرة الداخلية بالمغرب، في كل صباح تشهد حركية مثيرة للانتباه لوسائل نقل بعضها تقليدي ك”الكاروات” وبعضها عصري مثل “البيكوبات”، و”التراكتورات”، و”الكاميونات”، حيث يجري نقل “العطاشة”، الذين تكون وجهتم “الفيرمات” المترامية الأطراف على امتداد النظر في الإقليم.
تقول خديجة “بمجرد وصولنا إلى الضيعة، سندخل بيوتنا البلاستيكية، وسنقضي يومنا في حرارة مضاعفة، حرارة الجو وحرارة البلاستيك وقلة الهواء”.
من الخامسة صباحا إلى السادسة مساء، عمر رحلة العمل المرهق في ضيعات فلاحية أغلبها يعاني انعدام وسائل حفظ السلامة المهنية، وتردي وسائل النقل وتدني الأجور.
مصدر من جمعية مصدري الحوامض والبواكر، أكد أن أغلب الضيعات توفر حاليا عدة وسائل لحفظ السلامة المهنية، وأن غالبية الضيعات تحترم قانون الشغل وتتقيد بالسلامة المهنية، أما في ما يخص الاتفاقيات الجماعية وغيرها من مطالب النقابات والجمعيات المهنية، فأكد المصدر ذاته ضرورة مراعاة خصوصية القطاع الفلاحي وموسميته وتقلب أسعار السوق المحلي والدولي، إضافة إلى ارتفاع تكلفة الإنتاج الفلاحي.
وفقا لدراسة من قبل شركة دولية للاستثمارات، وبتكليف من مجلس سوس ماسة درعة، ما زال يعتمد على ثلاثة قطاعات أساسية أهمها الزراعة المكثفة، إضافة إلى لسياحة والثروة السمكية بنسبة استثمار تصل إلى حدود 45 مليار درهم حوالي 13 في المائة من الناتج المحلي الإقليمي يمثله قطاع الفلاحة، يشغل حوالي 150 ألف عامل أي حوالي 17 في المائة من القوى العاملة بالإقليم.
حالات
السعدية الخطابي
عاملة مزدادة في 1962، من منطقة أكلموس بمدينة خنيفرة، بدأت عملها بالمجموعة، مع بداية سنة 1997 في ضيعة فيرماسا 06.
ستتعرض لحادثة شغل في أبريل 1997، بعد أن داستها شاحنة، وكسرت ساقها، مما اضطرها للانقطاع عن العمل.
إدارة الشركة أنكرت الحادثة، ولم تمنح العاملة أي تعويض طيلة فترة العلاج.
في سنة 2004، ستبدأ معاناة السعدية مع مرض في ثديها الأيسر، تبين أنه كان ناتجا عن ضربة أصابتها من جراء حملها لصندوق بطيخ سنة 2002، ما استدعى عملية جراحية لقطع الثدي.
الضحية، التي عانت الأمرين، لم تساعدها إدارة الشركة على مصاريف العملية، التي تطلبت 40 ألف درهم، ومصاريف الأدوية، التي مازالت تتطلب 260 درهما في الشهر، كما لم تمنحها أي تعويض طيلة فترة النقاهة، التي دامت حوالي سنة، خصوصا وأنها كانت تعيل أسرتها، التي تتكون من زوجها، الذي يعاني هو الآخر من مرض في المعدة، وابنها البالغ 21 سنة.
التحقت السعدية بالعمل من جديد في بداية 2006، واعتبرت الإدارة انقطاعها عن العمل بسبب حادثة كسر رجلها، والعملية الجراحية لبتر ثديها، فترات تغيب غير مبررة، وحرمتها من جميع حقوقها القانونية (منحة الأقدمية، الضمان الاجتماعي، بطاقة الشغل).
التحقت بنقابة الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي، في مارس 2006، لتبدأ معاناة جديدة مع الإدارة، التي استعملت جميع وسائل الضغط عليها، كان آخرها، قرار تنقيلها تعسفيا إلى ضيعة بعيدة، في صيف 2007، وأرغمتها على قبول تعويض هزيل (7500 درهما) لتنصرف إلى حال سبيلها. وذهبت لتواصل محنتها مع وحش رأسمالي جديد في إحدى الضيعات بالمنطقة نفسها، لينخر ما تبقى من حيوية في جسد السعدية، التي أفنت زهرة حياتها في الكدح والفقر.
فاطمة حمادة
عاملة، تبلغ من العمر 50 عاما، من منطقة أكلموس، بمدينة خنيفرة، بدأت عملها بالمجموعة في سنة 2003.
في 02 يونيو 2006، ستتعرض الشاحنة المهترئة، التي تقلهم إلى مقر العمل، إلى حادثة سير، أفضت إلى إصابة مجموعة من العاملات والعمال بكسور وجروح، من ضمنهم فاطمة التي بترت يدها اليسرى، وأصبحت في وضع عجز كلي عن العمل.
ومنذ ذلك الوقت، وفاطمة تتيه في مساطر الملفات مع المحكمة، وتوقفت إدارة الشركة عن أداء التعويض الهزيل، المتمثل في أجر نصف يوم، في أواخر 2004، لتترك فاطمة لمصيرها، وهي تعيل أسرة، تتكون من زوجها المسن، و5 أطفال.
شهادات
عمر الشيخ أستاذ باحث رئيس المجلس القروي خميس أيت عميرة
تحظى اليد العاملة النسوية في سهل اشتوكة، خصوصا في منطقة أيت عميرة، بأولوية وقبول في ممارسة كثير من الأنشطة الفلاحية والتلفيفية على حساب اليد العاملة الرجولية، لما تتحلى به المرأة من قدرة على الصبر، ضمانا لعمل شريف تعيل به عائلتها وتحفظ تماسكها.
وتستقبل جماعة أيت عميرة ذات 48 ألف نسمة، أعدادا مهمة من طالبي الشغل مع بداية كل موسم فلاحي، ويتراوح هذا العدد بين 8 آلاف و12 ألفا، أي أكثر من ثلثي هذا العدد من النساء والفتيات صغيرات السن، هذا علما أن هناك أعدادا أخرى من النساء اللائي أصبحن مقيمات مع عائلاتهن أو داخل الضيعات الفلاحية، ويقدمن خدماتهن للضيعات الفلاحية العصرية.
ويمكن بسهولة أن نلاحظ الوضعية الصعبة للنساء الأجيرات في المجال الفلاحي، حين نرى الطريقة، التي يحشرن بها داخل شاحنات النقل للضيعات الفلاحية منذ الخامسة صباحا، وكيف أن كثيرا من هذه الشاحنات تتعرض لحوادث سير تكون في غالبها مميتة، مع غياب تأمين لكل هذه الأعداد من العاملات.
وعلى مستوى السكن، فإن العاملات، كغيرهن من مجموع الوافدين على أيت عميرة في هذه الفترة، يستعملن سكنا يتراوح بين السكن العائلي في شقق صغيرة، أو حتى في غرف لا تتوفر فيها الشروط اللائقة لسكن العائلة، أو السكن في مجموعات داخل غرف بالدواوير، أو بالضيعات الفلاحية، أو محطات التلفيف.
ونظرا لكون بنية الاستقبال بالمنطقة ضعيفة، وفي حاجة قوية إلى تدخل مؤسسات الدولة، فتناسلت في كل مناطق سهل اشتوكة أكواخ وبيوت غير مرخصة، وغير متوفرة على شروط السكن اللائق.
عبد الرزاق مزكي نائب رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بأكادير
الأوضاع التي تعيشها العاملات الزراعيات باشتوكة، وبخميس أيت عميرة خصوصا، لا تتجسد فقط على مستوى الحيف القانوني، ولكن على مستوى الواقع، حيث يعيشون ويتعايشون مع أبشع صور القهر والحرمان والفقر، إذ يشتغلون في ظروف صعبة جدا، تنعدم فيها الحماية الاجتماعية، وتعرف بعدم احترام ساعات العمل الحقيقية، إذ تطبق الشركات الحد الأدنى للأجور في القطاع الفلاحي، الذي حدد في 55 درهما في اليوم، تقطع منه 3 دراهم في اليوم لفائدة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، مع العلم أن العاملة الزراعية لا تتقاضى أجرة يوم العطلة الأسبوعية، لذا فمبلغ 1200 درهم شهريا تواجه به العاملة الزراعية غول المعيشة المرتفعة جدا، أضف إلى ذلك أنهن يشتغلن داخل بيوت بلاستيكية ترتفع فيها درجة الحرارة المفرطة ومستوى الرطوبة، أضف إلى ذلك استخدام المبيدات السامة يؤدى إلى تفشي عدد مهم من الأمراض، التي تظهر تجلياتها على المدى المتوسط والبعيد.
أما على مستوى النقل، فالعاملات الزراعيات بالمنطقة يتكدسون في شاحنات متهالكة تنقلهم إلى الضيعات الفلاحية في أجواء محفوفة بالمخاطر، ليكدحوا طوال اليوم في حرارة البيوت المغطاة وفوق رؤوسهم “كبرنات” يطلقون في كل حين أقبح النعوتات والشتائم البذيئة، ليعودوا في ظلمة الغروب إلى غرفهم مثخنين بجراحات نفسية عميقة، ويشار كذلك إلى أن أغلبية العاملات محرومات من الحقوق المتعلقة بالأمومة خاصة غيابهم اليومي عن أطفالهن، ما يلفت الانتباه إلى اتساع ظاهرة الأطفال المتخلى عنهم، التي باتت ظاهرة مقلقة، حيث إن عددا مهما من الأطفال غير مسجلين في الحالة المدنية، وهو ما يستدعي تضافر جهود الجمعيات النسائية والحقوقية وتنسيق عملها، لإيجاد حلول لمساعدة الأمهات العازبات ضحايا الفقر والتهميش.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.