باريس والرباط تتحضّران لاجتماع رفيع    وزيرة المالية: منازعات الدولة مع المواطنين تضاعفت 100%والوكالة القضائية تتولى 200 ألف قضية    لماذا ثافسوت ن إيمازيغن؟    جلسة مجلس الأمن: خطوات نحو تهدئة إقليمية وإقرار بعجز البوليساريو عسكريا    "الاستقلال" يفوز برئاسة جماعة سمكت    عمال الموانئ يرفضون استقبال سفينة تصل ميناء الدار البيضاء الجمعة وتحمل أسلحة إلى إسرائيل    فرنسا: قرار الجزائر لن يمر دون عواقب    حرس إيران: الدفاع ليس ورقة تفاوض    إدريس علواني وسلمى حريري نجما الجائزة الكبرى للدراجات تافراوت    من يسعى الى إفساد الاجواء بين الجماهير البيضاوية وجامعة الكرة … !    إخضاع معتد على المارة لخبرة طبية    وهبي: تثمين العمل المنزلي للزوجة التزام دستوري وأخلاقي وليس "واجبا طبيعيا"    التامني تنتقد السعي نحو خوصصة الأحياء الجامعية وتدعو لإحداث لجنة تقصي الحقائق حول أوضاع الطلبة    العُنف المُؤَمم Etatisation de la violence    "ديكولونيالية أصوات النساء في جميع الميادين".. محور ندوة دولية بجامعة القاضي عياض    وفاة أكثر من ثلاثة ملايين طفل في 2022 بسبب مقاومة الميكروبات للأدوية    دراسة أمريكية: مواسم الحساسية تطول بسبب تغير المناخ    فايزر توقف تطوير دواء "دانوغلبرون" لعلاج السمنة بعد مضاعفات سلبية    محمد رمضان يثير الجدل بإطلالته في مهرجان كوتشيلا 2025    إدريس الروخ ل"القناة": عملنا على "الوترة" لأنه يحمل معاني إنسانية عميقة    الكوكب المراكشي يؤمّن صدارته بثنائية في مرمى "ليزمو"    الحسيمة.. مصرع سائق بعد انقلاب سيارته وسقوطها في منحدر    الهجمات السيبرانية إرهاب إلكتروني يتطلب مضاعفة آليات الدفاع محليا وعالميا (خبير)    فليك : لا تهاون أمام دورتموند رغم رباعية الذهاب    جنود إسرائيليون يشاركون في مناورات "الأسد الإفريقي 25" بالمغرب    نقل جثمان الكاتب ماريو فارغاس يوسا إلى محرقة الجثث في ليما    توقيف شخصين بتيزنيت بتهمة الهجوم على مسكن وإعداد وترويج ال"ماحيا"    الذهب يلمع وسط الضبابية في الأسواق بسبب الرسوم الجمركية الأمريكية    جيتكس 2025: إبرام سبع شراكات استراتيجية لتسريع فرص العمل بالمغرب    برادة: إصلاحات في تكنولوجيا التعليم قادرة على الاستجابة لحاجيات المغاربة المقيمين بالخارج في مجالي الابتكار والبحث    مراكش: الاتحاد الأوروبي يشارك في معرض جيتكس إفريقيا المغرب    السغروشني: المغرب يتطلع إلى تصميم التكنولوجيا بدلا من استهلاكها    وقفة احتجاجية للمحامين بمراكش تنديدا بالجرائم الإسرائيلية في غزة    فاس العاشقة المتمنّعة..!    قصة الخطاب القرآني    اختبار صعب لأرسنال في البرنابيو وإنتر لمواصلة سلسلة اللاهزيمة    المغرب وكوت ديفوار.. الموعد والقنوات الناقلة لنصف نهائي كأس أمم إفريقيا للناشئين    توقعات أحوال الطقس اليوم الثلاثاء    الرأس الأخضر تجدد دعمها للوحدة الترابية للمملكة وسيادتها على كامل أراضيها    هلال: أمريكا عازمة على إغلاق ملف الصحراء ونأمل أن نحتفل بالنهاية السعيدة لهذا النزاع خلال الذكرى ال50 للمسيرة الخضراء    غوتيريش: نشعر "بفزع بالغ" إزاء القصف الإسرائيلي لمستشفى المعمداني بغزة    تضمن الآمان والاستقلالية.. بنك المغرب يطلق بوابة متعلقة بالحسابات البنكية    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الثلاثاء    أمسية وفاء وتقدير.. الفنان طهور يُكرَّم في مراكش وسط حضور وازن    ارتفاع قيمة مفرغات الصيد البحري بالسواحل المتوسطية بنسبة 12% خلال الربع الأول من 2025    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    كلاسيكو الشمال.. المغرب التطواني ينتصر على اتحاد طنجة في مباراة مثيرة    باها: "منتخب الفتيان" يحترم الخصم    بين نزع الملكية وهدم البناية، الإدارة فضلت التدليس على الحق    الذكاء الاصطناعي وحقوق الإنسان: بين الفرص والتحديات الأخلاقية    أسلوب فاشل بالتأكيد    خبير ينبه لأضرار التوقيت الصيفي على صحة المغاربة    ماريو فارغاس يوسا.. الكاتب الذي خاض غمار السياسة وخاصم كاسترو ورحل بسلام    لطيفة رأفت تطمئن جمهورها بعد أزمة صحية    إنذار صحي جديد في مليلية بعد تسجيل ثاني حالة لداء السعار لدى الكلاب    العيد: بين الألم والأمل دعوة للسلام والتسامح    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    طواسينُ الخير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أمة اقرأ متى تقرأ ؟
نشر في شورى بريس يوم 10 - 04 - 2016

القراءة مفتاح العلم , بل مفتاح السعادة في الدنيا والآخرة , وأمة لا تقرأ أمة لا تحرف حاضرها من مستقبلها , أمة لا تأخذ عبرة من ماضيها , ولا تمتد جذورها إلى أصولها , أمة لا تقرأ أمة قد ماتت وكبر الناس عليها أربعا , ويكفي الأمة الإسلامية شرفا أن أول ما ابتدأ به نزول القرآن الكريم قوله تعالى: \" اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)سورة العلق.
فقد جمع الله تعالى في هذه الآيات المباركات بين عنصري التعلم : القراءة والكتابة,بل وجعل سورة كاملة من سور القرآن الكريم باسم ( القلم ) .
ومع أننا أمة ( اقرأ) لكن للأسف لا نقرأ، وإذا قرأنا لا نقرأ المفيد من الكتب إلا من رحم الله من هذه الأمة، والأغرب من ذلك تقرير إحدى الجامعات في عالمنا العربي الذي أكد أن 72% من خريجي الجامعات يتخرجون دون أن يقوموا باستعارة كتاب واحد من مكتبة الجامعة!
بل حتى من يقرأ من شبابنا وبناتنا لا يهتم – إلا من وفقه الله – إلا بكتب القصص والمغامرات والروايات الغرامية وفن الطهي , وكتب السحر والجن .
اذكر أنني ذات مرة ذهبت إلى بعض دور النشر ببعض الرسائل والأبحاث العلمية , فاعتذر لي صاحب الدار , وقال لو عندك أبحاث عن السحر والجن والطالع فسوف ننشرها لك فورا .
ومن أسباب عزوف الناس عن القراءة :
. أسباب تربوية: حيث تغيب ثقافة الكتاب عن بعض البيوت والمحاضن التربوية .
2. أسباب شخصية : كالجهل والغرور والنظرة القاصرة للنفس ويدخل ضمنها ضعف المستوى التعليمي.
3. أسباب اقتصادية: بسب غلاء أسعار الكتب أو فقر الإنسان أو قصور دخله عما هو أهم أو ما يظنه أهم إضافة إلى استغراق بعض الأعمال جل اليوم .
4. أسباب إدارية : وتبرز عند من لا يحسن تنظيم وقته ولا يعرف أولوياته ولا يرتب أدواره الحياتية .
5. أسباب ترفيهية : فبعض الناس رفاهيته هي الأصل ولا مكان للجدية إلا في ركن قصي يضيق ولا يتسع . ولعل انتشار وسائل الإعلام والانترنت مما يدعم هذا الجانب .
6. أسباب منفعية : حيث يقول قائلهم : وأي شيء ناله القراء من كتبهم ؟! هل صاروا \" نجوماً \" كمن يحسن التحكم في قدمه أو حنجرته أو بعض جسده ؟. أمير بن محمد المدري:أمة اقرأ لابد أن تقرأ ص 19.
والقراءة هي طريق العلم , ولولا القراءة لم يتعلم الإنسان ولم يحقق الحكمة من وجوده على هذه الأرض وهي عبادة الله وطاعته وعمارة هذه الأرض.
كما أنها من أقوى الأسباب لمعرفة الله سبحانه وتعالى وعبادته وطاعته وطاعة رسوله , وسبب لاكتساب الأخلاق الحميدة والصفات العالية والسلوك المستقيم وسبب لمعرفة الإنسان لما ينفعه ولما يضره في هذه الحياة من العلوم, وسبب لرفعة الإنسان في هذه الحياة وفي الآخرة قال تعالى : \" يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (11) سورة المجادلة .
والقراءة تنقلنا من عالم ضيق محدود الأفق إلى عالم آخر أوسع أفقًا وأبعد غاية.
إن القدرة على القراءة نعمة من أهم نعم الله علينا ، كغيرها من الوسائل التي آتاها الله ابن آدم، وإذا أردت أن تعرف هذه النعمة العظيمة فما عليك أيها القارئ، إلا أن تقارن بين نفسك وبين من لا يقرأ من أقاربك أو أصدقائك، لترى الفرق الهائل بينك وبينهم.
إن القراءة تفيد الإنسان في حياته، فهي توسع دائرة خبراته، وتفتح أمامه أبواب الثقافة، وتحقق التسلية والمتعة، وتكسب الطفل حساً لغوياً أفضل، ويتحدث ويكتب بشكل أفضل، كما أن القراءة تعطي الطفل قدرة على التخيل وبعد النظر، وتنمي لدى الطفل ملكة التفكير السليم، وترفع مستوى الفهم، وقراءة الطفل تساعده على بناء نفسه وتعطيه القدرة على حل المشكلات التي تواجهه.
لذا فقد اهتم العلماء بالقراءة , ووضعوا الكتاب في أرفع وأعلى الغايات , فقد جعلوه أنيسا وصديقا ورفيقا .
قال الجاحظ : الكتاب نعم الأنيس في ساعة الوحدة ونعم القرين ببلاد الغربة، وهو وعاء مليء علمًا وليس هناك قرين أحسن من الكتاب، ولا شجرة أطول عمرًا ولا أطيب ثمرة ولا أقرب مجتنى من كتاب مفيد، والكتاب هو الجليس الذي لا يمدحك والصديق الذي لا يذمك والرفيق الذي لا يملك ولا يخدعك إذا نظرت فيه أمتعك وشحذ ذهنك وبسط لسانك وجود بيانك وغذى روحك ونمى معلوماتك، وهو المعلم الذي إن افتقرت إليه لم يحقرك وإن قطعت عنه المادة لم يقطع عنك الفائدة.
ولو لم يكن من فضله عليك إلا حفظه لأوقاتك فيما ينفعك وصونها عما يضرك من فضول النظر والكلام والاستماع والمخالطة ومجالسة من لا خير فيهم، لكان في ذلك على صاحبه أسبغ نعمة وأعظم منة فالكتاب صديق يقطع أوقات فراغك في مؤانسة تنجيك من الوحدة المملة، كما ينقل إليك أخبار البلاد النائية فتعرف أنباءها كما تعرف أنباء بلدتك.
قال أحدهم :
لمحبرة تجالسني نهاري *** أحب إلي من أنس الصديق
ورزمة كاغد في البيت عندي *** أحب إلي من عطر الدقيق
ولطمة عالم في الخد مني *** ألذ لدي من شرب الرحيق
وقال آخر:
نعم المؤانس والجليس كتاب *** تخلو به إن خانك الأصحاب
لا مفشياً سراً ولا متكدراً *** وتفاد منه حكمة وصواب
ويقول أحدهم في وصف أسده على كتب العلم:
أجلّ مصائب الرجل العليم *** مصائبه بأسفار العلوم
إذا فقُد الكتاب فذاك خطب *** عظيم قد يجل عن العميم
وكم قد مات من أسف عليها *** أناس في الحديث وفي القديم
وقال عمرو بن العلاء: ما دخلت قط على رجل ولا مررت بداره، فرأيته في بابه فرأيته ينظر في دفتر وجليسه فارغ إلا حكمت عليه أنه أفضل منه عقلاً، وقيل لرجل ما يؤنسك؟ فضرب على كتبه وقال: هذه، قيل فمن الناس، قال: الذين فيها.
وقيل لبعضهم أما تستوحش؟ قال: يستوحش من معه الأنس كله؟ قيل وما الأنس؟ قال: الكتب. وقيل لأبي الوليد إنك ربما حملت الكتاب وأنت رجل تجد في نفسك، قال: إن حمل الدفاتر من المروءة.
وعُذِلَ بعضُ العلماء في كثرة شراء الكتب، فقال:
وقائلةٍ أنفقتَ في الكُتْبِ ما حَوَت * * * يمينُك من مالٍ فقلتُ: دعيني
لعلِّي أرى فيها كتابًا يَدُلُّني* * * لأخْذِ كتابي آمِنًا بيميني
وللعلماء أخبار عجيبة في حب القراءة وملازمة الكتاب أكثر من أن تحصى أو تستقصى منها :
قال ابن أبي حاتم رحمه الله : كنت اقرأ على أبي وهو يقرأ وهو يكتب وهو يمشي وهو يركب وهو في بيت الخلاء ، ابن أبي حاتم شيخ الإسلام ولد شيخ الإسلام ، ابن أبي حاتم من كبار حفاظ الإسلام وأبوه أيضاً من كبار حفاظ الإسلام .
وابن تيمية كان إذا دخل الحمام يعطي لولده كتاباً يقول اقرأ في هذا الكتاب وارفع صوتك ، اقرأ في هذا الكتاب وارفع صوتك وهو في بيت الخلاء .
والخطيب البغدادي كان ما يمشي في طريق إلا وفي يده جزء يطالعه ، والنووي أيضاً ، والإمام ثعلب احد أئمة النحو والأدب كان إذا دعاه رجل إلي وليمة يشترط على صاحب الوليمة أن يجعل له فراغا لوضع كتاب ليقرا فيه ، أنا سأحضر لكن أعطني مجالاً ، لعل بيوتهم كانت ضيقة فيحصل فيها ازدحام ، يقول أنا اشترط أن أضع كتاب بين يدي اقرأ فيه ، وكان سبب موته انه خرج يوم الجمعة بعد العصر من المسجد وكان في يده كتاب يقرا فيه فجاءت فرس فصدمته فسقط في هوة فاُخرج وهو يتأوه ويصيح فمات اليوم الثاني ، ما كانوا يضيعون أوقاتهم ، جد واجتهاد في الصباح والمساء.
وروي الخطيب البغدادي في كتابه \"تقييد العلم \":\"عن أبي العباس المبرد ، قال : ما رأيت أحرص علي العلم من ثلاثه : الجاحظ عمرو بن بحر إمام أهل الأدب ، ولد سنه 163، ومات سنة 255 ,والفتح بن خاقان المتوكل العباسي وزيراً له وأخاً ، واجتمعت له خزانة كتب حافلة من أعظم الخزائن ، توفي سنه 247 ، وإسماعيل بن إسحاق القاضي الإمام الفقيه المالكي البغدادي ، ولد سنه 200 ، ومات سنه 282 .
- فأما الجاحظ فإنه كان إذا وقع بيده كتاب قرأه من أوله إلي أخره ، أي كتاب كان ، حتى إنه كان يكتري دكاكين الوراقين ويبيت فيها للنظر في الكتب .
حدث أبو هِفَّان قال : \"لم أر قط ، ولا سمعت من أحب الكتب والعلوم أكثر من الجاحظ ، فإنه لم يقع في يده كتاب إلا استوفى قراءته كائنًا ما كان ، حتى إنه كان يكتري دكاكين الوراقين ، ويبيت فيها للنظر .
- وأما الفتح بن خاقان فإنه كان يحمل الكتاب في كمه أو في خفه ، فإذا قام من بين يدي المتوكل للبول أو الصلاة ، أخرج الكتاب فنظر فيه وهو يمشي ، حتى يبلغ الموضوع الذي يريده ، ثم يصنع مثل ذلك في رجوعه ، إلي أن يأخذ مجلسه . فإذا أراد المتوكل القيام لحاجه ، أخرج الكتاب من كمه أو خفه ، وقرأه في مجلس المتوكل إلي حين عوده
...
قال الإمام ابن القيم في (روضة المحبِّين) وحدَّثني شيخنا -يعني ابنَ تيمية- قال: ابتدأني مرضٌ، فقال لي الطبيب: إن مُطالعتك وكلامك في العلم يزيد المرض، فقلت له: لا أصبر على ذلك، وأنا أحاكمك إلى علمك، أليست النفس إذا فرحت وسُرَّت وقَوِيت الطبيعةُ فدفعت المرضَ؟ فقال: بلى، فقلت له: فإن نفسي تُسرُّ بالعلم فتقوى به الطبيعةُ فأجدُ راحةً، فقال: هذا خارجٌ عن علاجنا...)) اه.
وقال الحافظ يحيى بن عبدالوهاب (ابن منده): كنتُ مع عمي عبيدالله في طريق نَيْسابور، فلما بلغنا بِئر مَجَنَّة، قال عمِّي: كنت ها هنا مرَّةً، فعرضَ لي شيخ جمَّال، فقال: كنتُ قافلاً من خراسان مع أبي، فلمَّا وصلنا إلى ها هنا، إذا نحن بأربعين وِقْرًا من الأحمال، فظننا أنها منسوج الثياب، وإذا خيمة صغيرة فيها شيخ، فإذا هو والدك، فسأله بعضُنا عن تلك الأحمال؟ فقال: هذا متاعٌ قلَّ من يرغبُ فيه في هذا الزمان، هذا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم اه . سِيَر النبلاءِ (17/ 37).
...
قال الجاحظ في كتاب (الحيوان): ((قال ابنُ داحة: كان عبدُالله ابن عبدالعزيز بن عبدالله بن عمر بن الخطاب، لا يجالِسُ الناسَ، وينزلُ مقبُرَة من المقابر، وكان لا يكاد يُرى إلا وفي يده كتابٌ يقرؤه، فسُئل عن ذلك، وعن نزوله المقبُرَة؟ فقال:لم أرَ أوْعظ من قَبْر، ولا أمنعَ من كتابٍ، ولا أسلَمَ مِن الوَحْدة. فقيل له: قد جاء في الوَحْدة ما جاء! فقال: ما أفْسَدَها للجاهل وأصلحها للعاقل ا. الخطيب في (تقييد العلم): (ص/ 142)، وابن عبدالبر في (الجامع): (2/ 1231).
عن الزُّبير ابن أبي بكر بكَّارٍ قال: قالت ابنة أختي لأهلنا: خالي خيرُ رجلٍ لأهله، لا يتخذ ضرَّةً ولا يشتري جارية. قال: تقولُ المرأةُ (أي زوجته): والله لَهَذه الكتب أشدُّ عليَّ من ثلاثِ ضرائر!!)) اه. أخرج الخطيبُ في (الجامع لأخلاق الراوي والسامع) وانظر (سير النبلاء): (12/ 313).
...
أنشد مالك رحمه الله :
العلمُ صيدٌ والكتابةُ قَيْدُه***قَيِّدْ صُيودَك بالحِبَالِ الواثقهْ
فمِنَ الجَهَالة أن تصِيدَ غزالة ***وتتركُها بَيْنَ الأوانِس مطلقهْ
فهذا الإمام البخاري –رحمه الله- (جَبَلُ الحِفْظ) يستيقظ مراتٍ كثيرة في الليل ليُقَيِّد الفوائد، قال راويته الفَرَبري: (كنت مع محمد بن إسماعيل بمنزله ذات ليلةٍ، فأحصيت عليه أنه قام وأسْرَجَ يستذكر أشياءَ يُعلِّقها في ليلةٍ ثمان عشرة مرَّة). (السير): (12/ 404).
وهذا الإمام الشافعي (204) يحكي عنه صاحبُه الحُمَيْديُّ –لمَّا كانا بمصر- أنه كان يخرج في بعض الليالي فإذا مصباح منزل الشافعي مُسْرج، فيصعد إليه فإذا قِرْطاس ودَوَاة، فأقول: مَهْ يا أبا عبدالله! فيقول: تفكّرت في معنى حديث –أو في مسألة- فخِفْت أن يذهب عَلَيَّ، فأمرت بالمصباح وكتبته. (آداب الشافعي ومناقبه): (ص/ 44- 45) لابن أبي حاتم.
...
روى صالح ابن الإمام أحمد بن حنبل فقال : رأى رجل مع أبي محبرةً فقال له: يا أبا عبدالله، أنت قد بلغت هذا المبلغ، وأنت إمام المسلمين، فقال : \" من المحبرة إلى المقبرة \" .
وما من كاتب الا سيبلى * * * ويبقى الدهر ما كتبت يداه
فلا تكتب بكفك غير شئ * * * يسرك في القيامة أن تراه
وأخيرا تذكر ثم تذكر أن ما قرأته وعلمته سيكون حجة ...إما لك أو عليك ... فلا تستكثرن من حجج الله عليك .
فهذا ابن مسعود رضي الله عنه يقول :كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن ).
أثر عن علي رضي الله عنه وعن غيره : \" هتف العلم بالعمل ، فإن أجابه وإلا ارتحل \".اقتضاء العلم العمل للخطيب البغدادي 36.
وقال الزهري: \"إن للعلم غوائل، فمن غوائله أن يترك العمل به حتى يذهب، ومن غوائله النسيان، ومن غوائله الكذب فيه، وهو شر غوائله\".
وسئل سفيان الثوري: طلب العلم أحبّ إليك أو العمل؟ فقال: \"إنما يراد العلم للعمل، فلا تدع طلب العلم للعمل، ولا تدع العمل لطلب العلم\".
فالعمل هو : ثمرة العلم ، والعلم مقصود لغيره بمنزلة الشجرة ، فلا بد مع العلم بدين الإسلام من العمل به ، فإن الذي معه علم ولا يعمل به شر من الجاهل .
وقد ألف الخطيب البغدادي رسالة لطيفة سماها : (العلم يقتضي العمل ، فحذار أن تتشبه باليهود والنصارى ، فاليهود يعلمون ولا يعملون ، والنصارى يعملون بلا علم ، فاليهود مغضوب عليهم والنصارى ضالون ) .
عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:لاَ تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمْرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَا فَعَلَ ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ ، وَفِيمَا أَنْفَقَهُ ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَا أَبْلاَهُ.أخرجه الدارمي (537\". والترمذي (2417).
قال الشاعر:
فاعمل بعلمك تغنم أيها الرجل * * *لا ينفع العلم إن لم يحسن العمل
والعلم زينٌ وتقوى الله زينته* * * والمتقون لهم في علمهم شغل
عَنْ أم سَلَمَةَ ؛أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ إِذَا صَلَّى الصُّبْحَ حِينَ يُسَلِّمُ : اللَّهُمَّ إِنَي أسالك عِلْمًا نَافِعًا ، وَرِزْقًا طَيِّبًا ، وَعَمَلاً مُتَقَبَّلاً.أخرجه \"أحمد\" 6/294 و\"ابن ماجة\" 925 و\"النَّسائي\" في عمل اليوم والليلة (102) .
اللهم اجعلنا ممن يقرأون فيفهمون , ويفهمون فيعملون , ويعملون فيخلصون , ويخلصون فيقبلون .
صيد الفوائد saaid.net


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.