يعد الجاحظ أديب العربية الأكبر في العصر العباسي الأول من غير منازع، وهو الرجل الذي تمثل ثقافة عصره ومثلها خير تمثيل في كتبه المتنوعة. وهو الكاتب الذي استطاع بأسلوبه الدافىء الحي الوثاب أن يجعل آثاره تنبض حياة على مر العصور. والجاحظ على علمه الغزير أديب قبل كل شيء فهو يعرف كيف ينفذ إلى قلب القارئ بألفاظه الحية ونوادره الطريفة، فتراه ينتقل بقارئه كالفراشة من زهرة إلى زهرة ومن حقل إلى حقل، فلا يدعه إلا وقد أفاد من صحبته أعظم الفوائد في عقله وبيانه.[1] وتتمة لسلسلة كتب الأدب والتراث سنلقي الضوء على أهم مؤلفات الجاحظ والمتمثل في كتابه البيان والتبيين وذلك بعد أن نعرف بسيرة الرجل الحافلة وعطاءاته العلمية الغزيرة والمتنوعة. اسمه ونسبه ومولده: هو عمرو بن بحر بن محبوب الكناني بالولاء، الليثي، أبو عثمان، الشهير بالجاحظ.[2]. وبحر بفتح الباء الموحدة وسكون الحاء المهملة وبعدها راء [3]، ومحبوب بفتح الميم وسكون الحاء المهملة وضم الباء الموحدة وسكون الواو وبعدها باء موحدة. [4]، والجاحظ بفتح الجيم وبعد الألف حاء مهملة مكسورة وبعدها ظاء معجمة. والكناني بكسر الكاف وفتح النون وبعد الألف نون ثانية والليثي بفتح اللام وسكون الياء المثناة من تحتها وبعدها ثاء مثلثة، هذه النسبة إلى ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة بن خزيمة [5]. وكان مولده في البصرة [6] ، وعن سنة ولادته يقول: أنا أسن من أبي نواس بسنة، ولدت في أول سنة خمسين ومائة وولد في آخرها[7]. لقبه: وإنما قيل له الجاحظ لأن عينيه كانتا جاحظتين والجحوظ النتو، وكان يقال له أيضا الحدقي لذلك [8]. شيوخه وتلامذته: سمع من أبي عبيدة ت 209 ه، والأصمعي اختلف في سنة وفاته( ت 214/215/216/217 ه) وأبي زيد الأنصاري اختلف في سنة وفاته( ت 214/215/216 ) ، وأخذ النحو عن الأخفش أبي الحسن (ت 215أو221ه ) وكان صديقه، وأخذ الكلام عن النظام (ت221 أو 229) [9] كما أخذ عن القاضي أبي يوسف (ت 182 ه) وثمامة بن أشرس (ت 213 ه) [10]. وتلقف الفصاحة من العرب شفاها بالمربد [11]. وروى عنه أبو العيناء اختلف في سنة وفاته ت 282/283، ويموت بن المزرع( ت 304ه) ابن أخته، وكان أحد الأذكياء [12]. مصنفاته: كان من بحور العلم، وتصانيفه كثيرة جدا، قيل لم يقع بيده كتاب إلا استوفى قراءته، حتى إنه كان يكتري دكاكين الكتبيين، ويبيت فيها للمطالعة.[13]. ومن تصانيفه: الحيوان ط، أربعة مجلدات، البيان والتبيين ط، والمحاسن والأضداد ط، وسحر البيان خ، ومجموع رسائل مطبوعة هي: المعاد والمعاش. وكتمان السر وحفظ اللسان، والجد والهزل، والحسد والعداوة. والبرصان والعرجان والعميان والحولان ط، والبخلاء ط، وغيرها من الكتب. ثناء العلماء عليه: مما لا شك فيه فالجاحظ كان عالما متبحرا فاضلا، وقد أثنى عليه جلة من العلماء وقال عنه ابن الأنباري في نزهة الألباء في طبقات الأدباء: « فإنه كان عالما بالأدب فصيحا بليغا، مصنفا في فنون العلم» [14]. وذكره ابن كثير في البداية والنهاية فقال: « كان بارعا فاضلا قد أتقن علوما كثيرة وصنف كتبا جمة تدل على قوة ذهنه وجودة تصرفه» [15]. وكان ابن العميد يقول: إن الناس عيال عليه في البلاغة والفصاحة واللسن والعارضة، وكان يقول أيضا: إن كتب الجاحظ تعلم العقل أولا والأدب ثانيا.[16]. وقال عنه الذهبي:« ولكنه أخباري علامة، صاحب فنون وأدب باهر، وذكاء بيِّن» [17]. وفاته: كانت وفاته في البصرة، فلج في آخر عمره، وكان مشوه الخلقة، ومات والكتاب على صدره، قتلته مجلدات من الكتب وقعت عليه [18]. وحدث المبرد قال: دخلت على الجاحظ في آخر أيامه فقلت له: كيف أنت؟ فقال: كيف يكون من نصفه مفلوج لو حز بالمناشير ما شعر به، ونصفه الآخر منقرس لو طار الذباب بقربه لآلمه، وأشد من ذلك ست وتسعون سنة أنا فيها، ثم أنشدنا: [19]. أتَرْجُو أَنْ تَكُونَ وَأَنْتَ شيخُ=كما قد كنت أيامَ الشبابِ لقد كَذَبَتْكَ نفسك ليس ثوبٌ=دريسٌ كالجديد من الثياب وقال لمتطبب يشكو إليه علته، اصطلحت الأضداد على جسدي، إن أكلت باردا أخذ برجلي، وإن أكلت حارا أخذ برأسي [20]. ومات في المحرم سنة خمس وخمسين ومائتين.[21]. وفيه يقول أبو شراكة القيسي: [22] . في العلم للعلماء إن=يتفهموه مواعظُ وإذا نسيتَ وقد جمعتَ علا عليك الحافظ ولقد رأيتُ الظَّرفَ دهراً ما حواه اللافظ حتى أقام طريقَهُ=عمرو بن بحر الجاحظ ثم انقضى أمدٌ به=وهو الرئيس الفائظ شعره: ومن شعره في أبي دواد:[23]. وعويصٌ من الأمور بهيمٌ=غامضُ الشخصِ مظلم مستورُ قد تسنمتَ ما توعَّرَ منه=بلسانٍ يزينه التحبيرُ مثلُ وَشْيِ البرودِ هلهله النسجُ وعند الحِجَاجِ درٌّ نثيرُ حَسَنُ الصَّمتِ والمقاطع إما= نصتَ القوم والحديثُ يدور ثم من بعدُ لحظة تورثُ اليسرَ وَعِرْضٌ مهذّبٌ موفور وكتب الجاحظ إلى أحمد بن أبي دواد: [24] لا تراني وإن تطاولتُ عمداً=بين صفيهمُ وأنت تسيرُ كلهم فاضلٌ عَلَيَّ بمالٍ=ولساني يزينه التحبير فإذا ضمَّنا الحديثُ وبيتٌ= وكأني على الجميع أمير ربَّ خصم أرقَّ من كل روحٍ=ولفرطِ الذكا يكادُ يطير فإذا رام غايتي فهو كابٍ= وعلى البعد كوكبٌ مبهور وكان الجاحظ يقول: إن تهيأ لك في الشاعر أن تبره وترضيه وإلا فاقتله. وقال أبو العيناء أنشدني الجاحظ لنفسه: [25]. يطيبُ العيش أن تلقى حليماً=غذاه العلمُ والرأيُ المصيبُ ليكشفَ عنك حيلَة كلِّ ريبٍ=وفضلُ العلم يعرفه الأريب سقام الحرص ليس له شفاءٌ= وداءُ البخلِ ليس له طبيب كتاب البيان والتبيين: أهمية الكتاب: عند حديث أبي هلال العسكري عن كتب البلاغة قال: «وكان أكبرها وأشهرها كتاب البيان والتبيين لأبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ وهو لعمري كثير الفوائد، جم المنافع، لما اشتمل عليه من الفصول الشريفة، والفقر اللطيفة، والخطب الرائعة، والأخبار البارعة، وما حواه من أسماء الخطباء والبلغاء، وما نبه عليه من مقاديرهم في البلاغة والخطابة، وغير ذلك من فنونه المختارة، ونعوته المستحسنة، إلا أن الإبانة عن حدود البلاغة وأقسام البيان والفصاحة، مبثوثة في تضاعيفه، ومنتشرة في أثنائه فهي ضالة بين الأمثلة، لا توجد إلا بالتأمل الطويل، والتصفح الكثير».[26]. يقول ابن رشيق القيرواني في العمدة عن البيان والتبيين: «وقد استفرغ أبو عثمان الجاحظ – وهو علامة وقته- الجهد وصنع كتابا لا يبلغ جودة وفضلا، ثم ما أدعي إحاطة بهذ الفن وكثرته وأن كلام الناس لا يحيط به إلا الله عز وجل». [27]. كما أشار إلى كتاب البيان والتبيين العلامة ابن خلدون في مقدمته يقول فيه: « وسمعنا من شيوخنا في مجالس التعليم أن أصول هذا الفن وأركانه أربعة دواوين: وهي أدب الكتاب لابن قتيبة، وكتاب الكامل للمبرد، وكتاب البيان والتبيين للجاحظ، وكتاب النوادر لأبي علي القالي البغدادي. وما سوى هذه الأربعة فتبع لها وفروع عنها» [28 ]. تسمية الكتاب: بالرغم من اشتهار هذا الكتاب باسم البيان والتبيين في أوساط العلماء، إلا أننا نجد من أشار لذلك ومن جزم على أن اسم الكتاب البيان والتبين ومن عارض ذلك؛ فالمشيرون إليها إشارة كالمستشرق دي سلان، والمستشرق كارل بروكلمان، والأستاذ عبد السلام محمد هارون، والدكتور إبراهيم سلامة.[29]. والجازمون أو الظانون بأنها الصواب كالمستشرق كليمان هيوار، ولعله أول جازم، والدكتور بدوي طبانة، والدكتور ميشال عاصي.[30]. والمعارضون وهم الجمهور المتمسك بالتبيين عن علم بالتبين ولعل الدكتور الطاهر مكي أول من كتب منهم في ذلك.[31] ولعل دي سلان أول من عثر على التبين وأشار إليها في العصر الحديث، وذلك في ترجمته الإنجليزية لوفيات الأعيان التي صدرت بباريس عام 1838م، قال معلقا على عبارة كتاب البيان والتبيين الواردة في ترجمة أبي عثمان بالوفيات: في المخطوط بخط المؤلف التبين، وكتب كلمة التبين بالحروف العربية جاعلة شدة فوق الياء.[32]. وقد جزم كليمان هيوار بأن الصواب هو التبين دون سوق أي دليل نقلي أو عقلي على ذلك، قال في كتابه الأدب العربي متحدثا عن كتب أبي عثمان: كتاب البيان والتبين وليس التبيين.[33] كارل بروكلمان وقد اكتفى بالإشارة إلى التبين وما يعرفه عنها بين قوسين، قال في الملحق الأول لكتابه تاريخ الأدب العربي، كتاب البيان والتبيين أو التبين.[34] أما المحقق عبد السلام هارون قد ذكر أن تسمية الكتاب هذه غير صحيحة، والصحيح هو البيان والتبين. يقول: أما طبيعة الأمور ترى أن هذه التسمية لا تتمشى مع المنطق فإن البيان هو التبين بعينه، ونحن نربأ بالجاحظ أن يقع في مثل هذا العيب في تسميته أشهر كتبه وأسيرها، وأشار إلى أن النسخ العتيقة من هذا الكتاب تقطع بأن عنوانه هو البيان والتبين. وقد وعد الدكتور عبد السلام هارون إلى أنه سيعيد هذه التسمية الصحيحة إلى نصابها في الطبعة الخامسة. [35] كما ذكر أن الدارس لهذا الكتاب يرى أنه ذو شقين متداخلين: الشق الأول هو ما اختاره الجاحظ من النصوص والأخبار والأحاديث والخطب والوصايا، وكلام الأعراب والزهاد ونحو ذلك، وهو ما يعنيه الجاحظ بكلمة البيان، والشق الثاني هو النقد الأدبي في صورته المبكرة، فللجاحظ في هذا الكتاب نظرات فاحصة في نقد نصوصه، وفي الكلام بصفة عامة، تسمى بعد ذلك بفن النقد فهذه النظرات وهذه القواعد التي ساقها الجاحظ هو ما عناه بكلمة التبَيُّن. [36]. أما إبراهيم سلامة ولم يجاوز الإشارة إلى رأي هيوار قال في هامش كتابه بلاغة أرسطو بين العرب واليونان معلقا على كلمة التبيين الموجودة بعنوان البيان: يقرأها هيوارت التبين بدل التبيين ويرى أن الكلمة الأولى تشير إلى النقد والتحقيق أكثر من الكلمة الثانية. [37]. أما الطاهر مكي فقد عارض بشدة الأخذ بالتبين دون حجج نقلية وأحسن عرض لآرائه نقل نصه المركز في ذلك، قال في الجزء الأول من كتابه دراسة في مصادر الأدب متحدثا عن البيان: وارتأى المستشرق الفرنسي كليمان هيوار في كتابه الأدب العربي أن أصل عنوان الكتاب البيان والتبين. لأن كلمة التبين تشير إلى النقد والتحقيق أكثر من كلمة التبيين.[38]. وقد رجح ميشال عاصي بعد أن بدا له أن تسمية البيان محرفة عن حقيقتها أن العنوان في الأصل قد كان البيان والتبين لا البيان والتبيين، وذلك استنادا إلى أن لفظة البيان التي تعني التعبير الواضح البليغ في حد ذاته، هي مرادفة من هذه الوجهة للفظة التبيين التي تعني الشيء نفسه بالنسبة للشخص المتكلم. وإن لفظة التبين وليس التبيين التي تعبر عن وضع السامع الذي مهمته الفهم.[39] وهناك أدلة أخرى تدل على أن العنوان الحقيقي للكتاب هو البيان والتبين بياء واحدة مشددة وأهم تلك الأدلة هو: أن البيان والتبين بياء واحدة مشددة هو العنوان الذي عنونت به نسخ ثلاث من أصول الكتاب، هي أصح النسخ وأوثقها وأقدمها وهي: نسخة مكتبة فيض الله بالآستانة رمز لها المحقق ب ه، ذلك ان العنوان بها مشكولا شكلا تاما، ونص عبارته هو: يشتمل هذ السفر على جميع كتاب البيان والتبين هكذا بتشديد الياء المضمومة. تأليف أبي عثمان عمرو بن بحر بن بشر الجاحظ رواية أبي جعفر البغدادي. كتبه لنفسه بخطه محمد بن يوسف بن حجاج بن زهير اللخمي.[40] أن تاريخ إكمالها بالقراءة والمقابلة هو غرة ذي الحجة سنة سبع وثمانين وخمسمائة. كما أنها منسوخة من أصل مشتمل على جميع كتاب البيان والتبين.[41]. أن أبا ذر صاحب الأصل الذي نسخت منه، كتب بخط يده على الصفحة الأولى منها شهادته بتمام المعارضة بالأصل يقول: أكمل الفقيه الحسيب الأديب أبو عمرو محمد بن يوسف بن حجاج اللخمي وفقه الله، جميع كتاب البيان والتبين هكذا بياء واحدة مشددة لأبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ. [42]. نسخة مكتبة كوبريلي بالآستانة أيضا والتي رمز لها المحقق ب ل ونص العنوان بها هو الجزء الأول من كتاب البيان والتبين هكذا بياء مشددة تصنيف أبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ. نسخة خزانة القرويين بفاس وهي التي رمز لها ب مق، ونص العنوان بها هو السفر الثالث من البيان والتبين. وربما تكون أعظم أصول الكتاب المعتمد عليها في التحقيق وذلك لسببن: أنها معارضة بثلاثة أصول صحيحة ذات حواش، كما أنها قديمة كما يستفاد من خطها ورق الغزال الذي كتبت فيه.[43] هذه أهم الأدلة ولعلها كافية لتحصيل اقتناع إن لم يكن يقينا قاطعا فهو أقرب ما يكون إلى اليقين بأن العنوان الحقيقي للكتاب هو البيان والتبين بياء واحدة مشددة وليس البيان والتبيين. [44] . عنوان الكتاب: لنقف على معنى العنوان:[45]. فالبيان ما بين به الشيء من الدلالة وغيرها. وبان الشيء بيانا: اتضح، فهو بين، وكذلك أبان الشيء فهو مبين. والبيان: الفصاحة واللسن، وكلام بين فصيح، والإفصاح مع ذكاء و فلان أبين من فلان أي أفصح منه وأوضح كلاما. والتبيين: الإيضاح والوضوح. أبواب الكتاب: والكتاب في مجمله يحوي مباحث كثيرة، عظيمة القيمة، دقيقة الدلالة، تتصل بمفاهيم البيان والفصاحة والبلاغة، فالجاحظ يتناول بحديثه الألفاظ؛ فيتكلم على شروط فصاحتها، ومخارج حروفها، وعجز بعض الناس عن النطق بها على الوجه الصحيح. وما يعتريها من لكنة على ألسنة الأعاجم أو مجاوريهم من العرب، والفرق بين ألفاظ البدو والحضر، وأسباب اختلاف اللهجات بين الأمصار. ويخوض كذلك في حديث البيان والبلاغة؛ فيبحث في الأفكار ووسائل التعبير عنها، وعلاقة مظهر المتكلم ببيانه، وأثر البيئة والصناعة فيه، ووجوب التناسب بين اللفظ والمعنى، وقيمة تنقيح الكلام، وسوء مغبة هذا التنقيح إذا تجاوز الحد الأوسط، ومفهوم البلاغة عند الأمم المختلفة، وبلاغة المعتزلة أئمة الكلام، وبلاغة الكتاب والنساك والزهاد والقصاص، ويتناول الشعر والشعراء، والخطابة والخطباء بأحاديث كثيرة في مواضع مختلفة من الكتاب؛ فيتحدث في صفات الشعر الجيد ومذاهب الشعراء في تنقيحه، وصعوبة الجمع بين بلاغة الشعر وبلاغة القلم والشعراء وأزيائهم وطبقاتهم واختلافهم في قوة الطبع ودقة الصنعة، ويذكر مقومات الخطابة، وموضوعاتها الأساسية، وأزياء الخطباء وعاداتهم في خطابتهم والمشهورين منهم في الجاهلية والإسلام. مضامين الكتاب: منهج الجاحظ: إن دأب الجاحظ في تأليفه أن يرسل نفسه على سجيتها، فهو لا يتقيد بنظام محكوم يترسمه، ولا يلتزم نهجا مستقيما يحذوه، ولذلك تراه يبدأ الكلام في قضية من القضايا ثم يدعها في أثناء ذلك ليدخل في قضية أخرى، ثم يعود إلى ما أسلف من قبل. وقد كانت هذه سبيل كثير من علماء دهره، كما أن علو سنه وجدة التأليف في تلك الأبحاث التي طرقها، كل أولئك كان شفيعا له في هذا الاسترسال والانطلاق.[46]. يقول الجاحظ في البيان والتبيين ذاكرا طريقته في تأليفه: وقد يجري السبب فيجرى معه بقدر ما يكون تنشيطا لقارئ الكتاب، لأن خروجه من الباب إذا طال لبعض العلم كان ذلك أروح على قلبه، وأزيد في نشاطه[47]. وهي بلا شك طريقة تتسم بالاستطراد، والتنقل بين الأبواب من جد إلى هزل ومن خطبة إلى موعظة، ومن خبر إلى شعر وعدم الاستمرار مدة أطول في موضوع معين. يحتوي الكتاب على أربعة أجزاء، ويضم بين دفتيه مادة غزيرة متنوعة ومختلفة وفيما يلي نسوق مواد الجزء الأول من الكتاب. فقد صدر المؤلف كتابه بحديثه عن الحبسة والعي في الكلام، وساق مثالا لواصل بن عطاء الذي كان ألثغ فاحش اللثغ، وأشار إلى المواضع التي تكون فيها اللثغة بقوله: واللثغة في الراء تكون بالغين والذال والياء، والغين أقلها قبحا، وأوجدها في كبار الناس وبلغائهم وأشرافهم وعلمائهم. ثم انتقل إلى باب معنون ب ذكر ما جاء في تلقيب واصل بالغزال ومن نفى ذلك عنه، وفي ذلك نجد بيتا لبشار الاعمى يقول:[48]. مَالِي أُشَايِعُ غَزَّالاً له عنقٌ=كنِقْنِقِ الدَّوِّ إن وَلَّى وإن مَثَلَا عُنْقَ الزَّرَافَةِ ما بالي وبَالُكُمُ=أَتُكْفِرُون رجالاً أكفَروا رجُلا ومن ذلك قول معدان الشميطي: يوم تشفى النُّفُوس من يَعْصُرِ اللؤ=م ويُثْنَى بِسَامَةَ الرحَّالِ وَعَديٍّ وتَيمِها وثَقيفٍ=وأُمَيٍّ وتغلِبٍ وهلالِ لا حَرُورا ولا النواصِبُ تَنْجُو=لا ولا صَحْبُ واصِلِ الغَزَّالِ. وفي هذا الغرض نجد من يهجو واصل بن عطاء كذلك قال فيه الشاعر حماد عجرد:[49] ويا أقبحَ مِن قردٍ=إذا ما عَمِيَ القِردُ وهذا الباب مذيل بشواهد شعرية فيها مدح وهجاء لواصل بن عطاء. وانتقل المؤلف للحديث على احتجاج أن من زعم أن واصل بن عطاء كان غزالا، واحتجاج من دفع ذلك عنه، وبزعم هؤلاء أن قول الناس: واصل الغزال، وكما يقولون: خالد الحذاء وهشام الدستوائي، وإنما قيل ذك لأن الإباضية كانت تبعث إليه من صدقاتها ثيابا دستوائية، فكان يكسوها الأعراب الذي يكونون بالجناب، فأجابوه إلى قول الإباضية، وكانوا قبل ذلك لا يزوجون الهجناء، فأجابوه إلى التسوية وزوجوا هجينا، فقال الهجين في ذلك:[50] . إنا وجَدْنَا الدَّسْتَوَائيِّينا=الصائمين المتعبِّدينا أفضلَ منْكمْ حَسَباً ودِينا=أخزى الإلهُ المتكبِّرينَا أفيكُمُ مَن يُنْكِح الهَجِينَا ثم انتقل المؤلف إلى باب آخر عنونه باب ذكر الحروف التي تدخلها اللثغة وما يحضرني منها، وذكر أربعة أحرف وهي: القاف والسين واللام والراء؛ فاللثغة التي تعرض للسين تكون ثاء، كقولهم لأبي يكسوم أبي يكثوم [51] ، والثانية اللثغة التي تعرض للقاف فإن صاحبها يجعل القاف طاء، فإذا أراد أن يقول: قلت له، قال: طلت له، وإذا أراد أن يقول: قال لي، قال: طال لي [52]. وأما اللثغة التي تقع في اللام فإن من أهلها من يجعل اللام ياء فيقول بدل قوله: اعْتَلَلْتُ: اعْتَيَيْتُ، وبدل جَمَل جَمَيْ، وآخرون يجعلون اللام كافا كالذي عرض لعمر أخي هلال، فإنه إذا أراد أن يقول ما العلة في هذا، قال: مَكْعِكَّة في هذا.[53] وأما اللثغة التي تقع في الراء فإن عددها يضعف على عدد لثغة اللام؛ لأن الذي يعرض لها أربعة أحرف: فمنهم من إذا أراد أن يقول عمرو، قال عمي فيجعل الراء ياء، ومنهم من إذا أراد أن يقول عمرو قال عمغ، فيجعل الراء غينا، ومنهم من إذا أراد أن يقول عمرو قال عمذ، فيجعل الراء ذالا. وإذا أنشد قول الشاعر: واسْتَبَدَّتْ مَرَّةً وَاحِدة=إنما العاجزُ مَن لا يستبدُّ قال: واستبدَّت مَذَّة واحدة= إنما العاجز من لا يستبدّ ومنهم من يجعل الراء ظاء معجمة، فيقول: واستبدَّت مَظَّةً واحدة=إنما العاجز من لا يستبدّ ومنهم من يجعل الراء غينا معجمة، فإذا أراد أن ينشد هذا البيت قال: واستبدت مَغَّةً واحدة=إنما العاجز من لا يستبدّ كما أن الذي لثغته بالياء، إذا أراد أن يقول مرة واحدة يقول مية واحدة. وذكر المؤلف أن اللثغة الخامسة التي كانت تعرف لواصل بن عطاء ولسليمان بن يزيد العدوي الشاعر فليس إلى تصويرها سبيل، وأشار إلى أن اللثغة التي تعرض في السين كنحو ما كان يعرض لمحمد بن الحجاج كاتب داود بن محمد بأن تلك أيضا ليست لها صورة في الخط ترى بالعين، وإنما يصورها اللسان وتتأدى إلى السمع. [54] ثم انتقل المؤلف للحديث عن بعض الخطباء والصفات التي يتميزون بها، وذكر بعض الأبيات الشعرية في الخطيب الذي تعرض له النحنحة والسعلة، وذلك إذا انتفخ سحره، وكبا زنده، ونبا حده، فقال:[55] نَعوذُ بالله مِن الإِهمالِ=ومِن كَلالِ الغَرْب في المَقَال ومن خطيب دائمِ السُّعَالِ وذكر المؤلف أن رأس الخطابة الطبع، وعمودها الدربة، وجناحاها رواية الكلام، وحليها الإعراب، وبهاؤها تخير الألفاظ، والمحبة مقرونة بقلة الاستكراه. ثم أورد بيتا في صفة خطباء إياد : [56] يَرمُون بالخُطب الطّوالِ وتارةً=وَحْيَ المَلَاحِظِ خِيفَةَ الرُّقَبَاء وفي معرض حديثه عن الخطباء ذكر بعض صفاتهم فمنهم من يكون شاعرا ويكون إذا تحدث أو وصف أو احتج بليغا مفوها بينا، وربما كان خطيبا فقط، وبَيِّنَ اللسان فقط.[57]. وأتى بنماذج من الخطباء الشعراء وهم كثر منهم قس بن ساعدة الإيادي، وعمرو بن الأهتم المنقري والبعيث المجاشعي، والكميت بن زيد الأسدي والطرماح بن حكيم الطائي، وفي هذا الصدد قال الجاحظ: ولم ير الناس أعجب حالا من الكميت والطرماح. [58]. ويرجع بنا المؤلف إلى الكلام عما يعتري اللسان من ضروب الآفات، قال ابن الأعرابي: طلق أبو رمادة امرأته حين وجدها لثغاء، وخاف أن تجيئه بولد ألثغ، فقال: [59]. لثغاء تأتي بِحَيْفَسٍ ألثغِ=تَميسُ في المَوْشِيّ والمصبَّغِ ومن جهة أخرى فقد أشار المؤلف إلى أن الذي يعتري اللسان مما يمنع من البيان أمور: منها اللثغة التي تعتري الصبيان إلى أن ينشئوا، وهو خلاف ما يعتري الشيخ الهرم الماج، المسترخي الحنك، المرتفع اللثة، وخلاف ما يعتري أصحاب اللكن من العجم، ومن ينشأ من العرب مع العجم. وذكر مجموعة من الأسماء اشتهرت في ذلك منهم زياد بن سلمى قال أبو عبيدة كان ينشد قوله:[60] فتًى زادَهُ السُّلطان في الوُدِّ رِفعةً=إذا غَيَّرَ السلطانُ كلَّ خليلِ قال فكان يجعل السين شينا والطاء تاء، فيقول: فتى زاده الشلتان.ومنهم كذلك سحيم عبد بني الحسحاس، قال له عمر بن الخطاب رحمه الله، وأنشد قصيدته التي يقول فيها:[61] عُمَيرَةَ وَدِّعْ إنْ تَجَهَّزْتَ غاديَا=كفى الشَّيبُ والإسلامُ للمرء ناهيا فقال له عمر لو قدمت الإسلام على الشيب لأجزتك، فقال له: ما سَعَرْت، يريد ما شعرت، جعل السين المعجمة سينا غير معجمة.[62] ثم يعرج المؤلف إلى باب البيان ويشير إلى أن البيان اسم جامع لكل شيء كشف لك قناع المعنى، وهتك الحجاب دون الضمير، حتى يفضي السامع إلى حقيقته، ويهجم على محصوله كائنا ما كان ذلك البيان، وساق في تفصيل أنواع الدلالات البيانية من اللفظ والإشارة والعقد والنصبة والخط.[63] ، وذكر أن الإشارة فباليد وبالرأس وبالعين والحاجب والمنكب، إذا تباعد الشخصان، وبالثوب والسيف[64]. والإشارة واللفظ شريكان وما أكثر ما تنوب عن اللفظ وما تغني عن الخط، وذكر أنه لولا الإشارة لم يتفاهم الناس معنى خاص الخاص، ولجهلوا هذا الباب البتة، وساق مثالا في دلالات الإشارة، يقول الشاعر:[65]. أشارتْ بطَرْفِ العين خِيفَةَ أهلِها= إشارةَ مذْعورٍ ولم تتكَلَّمِ فأيقنْتُ أَنَّ الطَّرْف قد قال مرحباً=وأهلاً وسهلاً بالحبيب المُتَيَّمِ فأما الدلالة بالخط، ومما ذكر الله عز وجل في كتابه من فضيلة الخط والإنعام بمنافع الكتاب، قوله لنبيه عليه السلام: إقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعمل[66]. وأما القول في العقد وهو الحساب دون اللفظ والخط، فالدليل على فضيلته وعظم قدر الانتفاع به قول الله عز وجل: «فالق الإصباح وجاعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا ذلك تقدير العزيز العليم». [67]. وأما النصبة فهي الحال الناطقة بغير اللفظ، والمشيرة بغير اليد، وذلك ظاهر في خلق السماوات والأرض، وفي كل صامت وناطق وجامد ونام ومن جهة ثانية ساق تعريفات للبلاغة من قبل اليونان والفرس والهند وفارس كل بمنظوره الخاص. وذكر الجاحظ أن سهل بن هارون كان شديد الإطناب في وصف المأمون بالبلاغة والجهارة وبالحلاوة والفخامة، وجودة اللهجة والطلاوة.[68]. ويعود المؤلف من جديد إلى باب في ذكر ناس من البلغاء والخطباء والأبيناء والفقهاء والأمراء ممن كان لا يكاد يسكت مع قلة الخطأ والزلل، وذكر منهم زيد بن صوحان وأبو واثلة إياس بن معاوية المزنى، وجملة القول في إياس أنه كان من مفاخر مضر ومن مقدمي القضاة وكان لقبه البدن، دقيق المسلك في الفطن، وكان صادق الحدس نقابا، وكان عجيب الفراسة ملهما، وكان عفيف الطعم، كريم المداخل والشيم، وجيها عند الخلفاء، مقدما عند الأكفاء.[69] ، ثم ذكر بعض الأسماء الأخرى أمثال ربيعة الرأي وكان لا يكاد يسكت، وعبيد الله بن محمد بن حفص التيمي ومحمد بن مسعر العقيلي وأحمد بن المعذل بن غيلان وغيرهم كثر في هذا المجال. وأشار المؤلف في القول في الترداد أنه ليس فيه حد ينتهي ولا يؤتى على وصفه وإنما ذلك على قدر المستمعين ومن يحضره من العوام والخواص، وساق مثالا لذلك بأن الله ردد ذكر قصة موسى وهود وهارون وشعيب وإبراهيم ولوط وعاد وثمود. ثم ينتقل المؤلف إلى باب آخر عنونه ب ذكر ما قالوا في مديح اللسان بالشعر الموزون واللفظ المنثور وما جاء في الأثر وصح به الخبر، وأورد لذلك مجموعة من الأشعار تهم اللسان، ومثال ذلك: قال سويد بن أبي كاهل:[70] وَدَعَتْنِي بِرُقَاهَا إنها=تُنزلُ الأعصمَ من رأسِ اليَفَعْ تُسْمِعُ الحُدَّاثَ قولاَ حسناَ=لو أرادُوا مِثلَه لم يُسْتَطَعْ ولساناً صَيْرَفِيّا صارما=كذُباب السَّيف مَا مَسَّ قَطَعْ وضمن هذا الباب يعرض المؤلف مجموعة من الأقوال عن طريق وقائع وقعت لشخصيات تجلى فيها دور اللسان وذلك في باب عنونه باب آخر في ذكر اللسان قال: وقال معاوية لعمرو بن العاصي: يا عمر، إن أهل العراق قد أكرهوا عليا على أبي موسى، وأنا وأهل الشام راضون بك، وقد ضم إليك رجل طويل اللسان، قصير الرأي، فأجد الحز، وطبق المفصل، ولا تلقه برأيك كله.[71] كما عقد المؤلف بابا في الصمت والحث عليه، وساق أمثلة جمة في ذلك قال: وكان أعرابي يجالس الشعبى فيطيل الصمت فسئل عن طول صمته فقال أسمع فأعلم، وأسكت فأسلم. بالإضافة إلى أقوال أخرى في هذا الصدد يقول أبو العتاهية:[72] والصَّمت أجْمَلُ بالفتى=مِن منطقٍ في غير حينه كلُّ امرئٍ في نفسِهِ=أعلى وأشرفُ مِن قَرِينِه ثم يتحدث المؤلف عن الشعر وعن الذين يعيبون إنشاد الشعر، ويذكر أنه في الشعراء من لا يستطيع مجاوزة القصيد إلى الرجز، ومنهم من لا يستطيع مجاوزة الرجز إلى القصيد، ومنهم من يجمعهما كجرير وعمر بن لجأ، وأبي النجم، وحميد الأرقط والعماني.[73] وفي باب القول في المعاني الظاهرة باللفظ الموجز من ملتقطات كلام الناس يعرض المؤلف كلاما لبعض الناس والشعراء، موجزا ومختصرا وبعبارة منمقة ومختزلة، ومثال ذلك: من التوقي ترك الإفراط في التوقي. [74]. وقيل لابن المقفع: ألا تقول الشعر؟ قال: الذي يجيئني لا أرضاه، والذي أرضاه لا يجيئني. وقال بعض النساك: أنا لما لا أرجو أرجى مني لما أرجو.[75] 1/210 ثم يعقد المؤلف بابا في الشعر وغير ذلك من الكلام مما يدخل في باب الخطب ويورد في ذلك مجموعة من الأشعار تخص الخطباء ومن يعيبون خطبتهم يقول الشاعر:[*]1/218 عجِبتُ لأقوام يعيبونَ خُطبتِي=وما منهمُ في موقفِ بخطيبِ والملاحظ في هذه الأبواب غزارة المادة الشعرية وقد وشى الجاحظ كتابه بذلك. وكما ذكرنا آنفا فالمؤلف يبدأ في موضوع ما ثم يستطرد ويذهب إلى موضوع آخر ثم يعود من جديد إلى الموضوع الأول كذلك الحال في ذكره للخطباء ذكرهم في أكثر من موضع ومثال ذلك أنه وظف بابا آخر من الشعر مما قالوا في الخطب واللسن والامتداح به والمديح عليه، حيث يورد مختارات شعرية لخطباء وبعض من صفاتهم وافتخارهم بخطبهم. قال أبو العباس الأعمى مولى بني بكر بن عبد مناة في بني عبد شمس:[76] ليت شعري أفاح رائحة المس=ك وما إن أخال بالخَيْف إنسِي حين غابت بنو أمَيَّة عنه=والبهَاليلُ من بني عَبد شمسِ خطباءٌ على المنابر فُرسا=نٌ عليها وقالةٌ غير خُرْسِ لا يُعابُون صامتِينَ وإنْ قا=لُوا أصابوا ولم يقولوا بلَبْسِ بحلومٍ إذا الحلوم استُخِفَّتْ=ووجوهٍ مثلِ الدنانير مُلْسِ ونجد في الكتاب بابا يذكر فيه الجاحظ الحمقى والنوكى، وهؤلاء قد يتفق لبعضهم من البيان الساخر، ومن التبين العجيب، ما يكون في الصدر المقدم من حسن التعبير وجميل التعليل، ويروي الجاحظ جملة من أخبارهم وأقوالهم، ليكون في ذلك ترويح عن نفس المتصفح، ونفع له في بيانه وعبارته وهوى له أن يضل السبيل، ويستطرد الجاحظ فيلحق بهؤلاء النوكى والحمقى طائفة خاصة من المعلمين عنونه ب باب في ذكر المعلمين، وفيه يسوق مجموعة من الطرف. كما ذكر فيه أمثال العامة يقول: أحمق من معلم كتاب، ويعرض كذلك قولة لبعض الحكماء: لا تستشيروا معلما ولا راعي غنم ولا كثير القعود مع النساء. [77]. وذكر أن المعلمين على صنفين منهم رجال ارتفعوا عن تعليم أولاد العامة إلى تعليم أولاد الخاصة، ومنهم رجال ارتفعوا عن تعليم أولاد الخاصة إلى تعليم أولاد الملوك أنفسهم المرشحين للخلافة.[78]. وأشار إلى أسماء يعض المعلمين منهم الضحاك بن مزاحم، وأبو سعيد المؤدب وعبد الصمد بن عبد الأعلى. [79] . وينتقل المؤلف إلى باب عنونه ب باب آخر، يذكر فيه الربانيين من الأدباء وأهل المعرفة من البلغاء ممن يكره التشادق والتعمق، ويبغض الإغراق في القول والتكلف والاجتلاب، ورأى الجاحظ أن القصد في ذلك أن تجتنب السوقي والوحشي ولا تجعل همك في تهذيب الألفاظ، وشغلك في التخلص إلى غرائب المعاني، وأن في الاقتصاد بلاغ وفي التوسط مجانبة للوعورة وخروج من سبيل من لا يحاسب نفسه وذيل ذلك بشاهد شعري: عليكَ بأوساطِ الأمور فإنَّها=نجاة ولا تركب ذَلولاً ولا صَعْبا وهنا دعوة إلى التوسط في الأمور ومعظم الاستشهادات التي ساقها في هذا الموضوع عن التوسط في الأشياء. قال علي بن أبي طالب رحمه الله: كن في الناس وسطا وامش جانبا.[80] وينتقل المؤلف إلى باب عنونه ب باب من الخطب القصار من خطب السلف، ومواعظ من مواعظ النساك، وتأديب من تأديب العلماء، وساق شواهد من تلك الخطب والمواعظ لشخصيات نذكر منهم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم حينما قال: إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا. بالإضافة إلى أسماء أخرى كأبي الدرداء وقتادة وأبو العباس التميمي والخليل والفضيل وعمر بن عبد العزيز وغيرهم.[81] وإلى باب آخر عنونه المؤلف ب باب ما قالوا فيه من الحديث الحسن الموجز المحذوف القليل الفضول عرض فيه المؤلف مجموعة من الأبيات الشعرية لشعراء منهم الأخطل وبشار والهذلي وأبو ذؤيب والقطامي وأبو العميثل عبد الله بن خليد، وهي أبيات تتسم برقة اللفظ وإيجازه. ومن باب الإيجاز إلى باب آخر سماه المؤلف باب من الأسجاع في الكلام ذكر أن هذا الفن من البيان يثير خلافا بين العلماء والأدباء، فهناك حديث أسجع كسجع الجاهلية؟ فهو في ظاهره حجة لمن يرفض استعمال هذا الفن ويستهجنه، وهو عند التأويل محمول على السجع الذي يراد به إبطال الحق.[82]. على أن من الأدباء من يرى أن السجع إنما كان منهيا عنه في نأنأة الإسلام لقرب عهدهم بالجاهلية، حيث كان السجع يجري في الكهانة والترجيم بالغيب، فلما زالت العلة زال التحريم.[83]. ولهذا شبيه في النهي عن مرثية ابن أبي الصلت لقتلى أهل بدر في أول الأمر فلما زالت العلة زال التحريم. والجاحظ في هذا المنحى يسوق مأثورا من متخير السجع وبديعه ومثال ذلك: قال عمر بن ذر رحمه الله: الله المستعان على ألسنة تصف، وقلوب تعرف، وأعمال تخلف. [84] وفي الحديث المأثور قال: يقول العبد مالي مالي، وإنما لك من مالك ما أكلت فأفنيت، وأعطيت فأمضيت، أو لبست فأبليت. [85]. ومن الشعر: [86] لقد صبرت للذُّلِّ أعوادُ مِنبرٍ=تقوم عليها، في يديك قضيبُ بكى المِنبر الغربيُّ إذْ قمتَ فوقَه=وكادَت مساميرُ الحديدِ تذوبُ رأيتُك لمَّا شِبْتَ أدركَك الذي=يُصيب سَرَاة الأَسْدِ حِين تشيبُ سفاهةُ أحلامٍ وبخلٌ بنائلٍ=وفيك لمن عاب المُزونَ عيوب ثم يعنون المؤلف بابا باسم باب أسجاع وهو يضم جملة من الخطب والأقوال والشعر تميزت بطابع سجعي، تلا ذلك خطبة من خطب الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم عنوانا خصه بذكر كلمات خطب بهن سليمان بن عبد الملك. ويعود المؤلف لذكر الخطباه في باب أسماه في ذكر أسماء الخطباء والبلغاء والأبيناء؛ وفيه يعرض لأسماء الخطباء وقبائلهم وأنسابهم وبعض صفاتهم؛ مصدرا في ذلك كلامه بالخطيب الفضل بن عيسى الرقاشي والذي كان من أخطب الناس وكان متكلما قاصا مجيدا، ثم ذكر قس بن ساعدة وهو من خطباء إياد والذي قال فيه النبي (ص): رأيته بسوق عكاظ على جمل أحمر وهو يقول: أيها الناس اجتمعوا واسمعوا وعوا من عاش مات، ومن مات فات، وكل ما هو آت آت. [87] ، ومن النسابين العظماء عتبة بن عمر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وشعبة بن القلصم وعمرو بن تميم وأبو الأسود الدؤلي وغيرهم. كما عقد بابا لأسماء الكهان والحكام والخطباء والعلماء من قحطان وذكر أسمائهم وبعض خطبهم، ومن هؤلاء الخطباء الصباح بن شفي الحميري وكان أخطب العرب، وقيس بن شماس وثابت ابن قيس بن شماس خطيب النبي( ص) وروح بن زنباع والأسود بن كعب.[88] كما عقد بابا لذكر النساك والزهاد من أهل البيان وأشار في ذلك إلى مجموعة من الأسماء منهم عامر بن قيس وصلة بن أشيم وعثمان بن أدهم وصفوان بن محرز والأسود بن كلثوم والربيع بن خثيم وهرم بن حيان. ومن النساء رابعة القيسية ومعاذة العدوية والبلجاء وغزالة وقطام وحمادة وكحيلة وليلى الناعظية. ومن الخطباء البلغاء والحكام الرؤساء أكثم بن صيفي وربيعة بن حذار وهرم بن قطبة وعامر بن الظرب[89]. وغيرهم كثير. كما ذكر بعض أسماء الصوفية من النساك ممن كان يجيد الكلام كالخطفى وكليب وهاشم الأقفص وأبو هاشم الصوفي.[90] كما عقد المؤلف بابا للقصاص، وقد كانت صناعتهم تقتضيهم العناية بقوة البيان وحسن الأداء، وكانوا ذوي فصاحة وبلاغة[91] ومنهم موسى بن سيار الأسواري كان من أعاجيب الدنيا وكانت فصاحته بالفارسية في وزن فصاحته بالعربية، وكان يجلس في مجلسه المشهور فتقعد العرب عن يمينه والفرس عن يساره، فيقرأ الآية من كتاب الله ويفسرها للعرب بالعربية، ثم يحول وجهه إلى الفرس فبيفسرها لهم بالفارسية، فلا يدرى بأي لسان هو أبين. ومن القصاص أبو بكر الهذلي ومسلم بن جندب وعبد الله بن عرادة. ويعقد الجاحظ باب ما قيل في المخاصر والعصي وغيرهما، ذاكرا في ذلك أن العرب كانت تخطب بالمخاصر وتعتمد على الأرض بالقسي وتشير بالعصي والقنا، وذكر أبياتا جمة في هذا الموضوع ومثال ذلك، قال الكميت بن زيد: ونَزُورُ مَسلَمَة المهذّ=بَ بالمؤبَّدَةِ السَّوَائِرْ بالمُذهَباتِ المُعجِبَا=تِ لمُفْحَمٍ مِنَّا وَشاعرْ أَهلُ التَّجاوُبِ في المحا=فِل والمَقَاوِلُ بِالمَخَاصِرْ فهمُ كذلك في المجا=لِسِ والمحافِلِ والمشَاعِرْ وفي هذا الباب يطعن الجاحظ في الشعوبية على أخذ العرب في خطبها المخصرة والقناة والقضيب، والاتكاء والاعتماد على القوس، والخد في الأرض والإشارة بالقضيب بكلام مستكره قائلا بأنه سيذكره في الجزء الثاني من الكتاب وهو في هذا الغرض يدافع عن الخطباء في أخذه العصا مستطردا في كلامه المتدفق من حديث إلى حديث، ومن باب إلى باب حتى نهاية الكتاب. ويختم الجاحظ هذا الجزء من الكتاب ب باب عنونه ما ذكروا فيه من أن أثر السيف يمحو أثر الكلام، وفيه يذكر جملة من أهل الأدب ومنهم زكرياء بن درهم، والسرادق بن عبد الله السدوسي الفارس، ويعرض الجاحظ بعض الخطب والوقائع، والميزات التي ميزت بعض الخطب وحسن البيان واللفظ، ويسوق أمثلة لذلك، حيث قال الحجاج على منبره: والله لألحونكم لحو العصا، ولأعصبنكم عصب السلمة، ولأضربنكم ضرب غرائب الإبل، يا أهل العراق، ويا أهل الشقاق والنفاق، ومساوئ الأخلاق، إني سمعت تكبيرا ليس بالتكبير الذي يراد به الله في الترغيب، ولكنه التكبير الذي يراد به الترهيب وقد عرفت أنها عجاجة تحتها نصف فتنة، أي بني اللكيعة وعبيد العصا وأبناء الإماء، والله لئن قرعت عصا عصا لأتركنكم كأمس الدابر. [92]. وقال مالك بن دينار عن هذه الخطبة: ربما سمعت الحجاج يخطب، يذكر ما صنع به أهل العراق وما صنع بهم، فيقع في نفسي أنهم يظلمونه وأنه صادق، لبيانه وحسن تخلصه بالحجج.[93]. أما في الجزء الثاني من الكتاب فقد ابتدأه المؤلف بحديثه عن الشعوبية مفتتحا كلامه ب« أردنا أبقاك الله أن نبتدئ صدر هذا الجزء من البيان والتبين بالرد على الشعوبية في طعنهم على خطباء العرب وملوكهم إذ وصلوا أيمانهم بالمخاصر، واعتمدوا على وجه الأرض بأطراف القسي والعصي، وأشاروا عند ذلك بالقضبان والقني. وفي كل ذلك قد روينا الشاهد الصادق والمثل السائر، ولكنا أحببنا أن نصير صدر هذا الباب كلاما من كلام رسول رب العالمين، والسلف المتقدمين، والجلة من التابعين »[94]. ولكن هذا الكلام المختار الذي يحب الجاحظ أن يصدر به الجزء الثاني من كتابه لا يلبث أن يتدفق ويأخذ بعضه برقاب بعض حتى يعم ذلك الجزء بتمامه. فإذا ما بلغ المؤلف الجزء الثالث من كتابه عاد فافتتحه بقوله: « هذا أبقاك الله الجزء الثالث من القول في البيان والتبين... ونبدأ على اسم الله بذكر مذهب الشعوبية ومن يتحلى باسم التسوية وبمطاعنهم على خطباء العرب بأخذ المخصرة عند مناقلة الكلام ومساجلة الخصوم بالموزون المقفى المنثور الذي لم يقف».[95]. ويأخذ الجاحظ في تفصيل كلام الشعوبية وأنهم يرون أنه ليس بين الكلام وبين العصا سبب، ولا بينه وبين القوس نسب، وأن أمم الفرس والروم والهند على إعراقها في المنطق وبعد شهرتها في البيان لا يلجأ خطباؤها إلى شيء مما يلجأ إليه خطباء العرب في خطبهم، فكيف سقط على جميع الأمم من المعروفين بتدقيق المعاني، وتخير الألفاظ، وتمييز الأمور، أن يشيروا بين الإبل والغنم فحملتم القنا في الحضر بفضل عادتكم لحملها في السفر، وحملتموها في المدر بفضل عادتكم لحملها في الوبر وحملتموها في السلم بفضل عادتكم لحملها في الحرب.[96]. ويمضي الجاحظ في تفصيل آراء الشعوبية ومزاعمهم على هذا النسق حتى إذا انتهى من عرضها عمد إلى الرد عليها، فبين أولا أن اليونانيين إنما كانوا أصحاب حكمة وأدب قبل كل شيء وأنه لم يشتهر بالخطابة حقا إلا العرب والفرس، ثم بين الفرق بين خطابة الفرس وخطابة العرب فقال: إن كل كلام للفرس، وكل معنى للعجم فإنما هو عن طول فكرة وعن اجتهاد رأي وطول خلوة، وعن مشاورة ومعاونة وعن طول التفكر ودراسة الكتب، وحكاية الثاني في علم الأول، وزيادة الثالث في علم الثاني، حتى اجتمعت ثمار تلك الفكر عند آخرهم وكل شيء للعرب فإنما هو بديهة وارتجال وليست هناك معاناة ولا مكابدة، ولا إجالة فكر ولا استعانة.[97]. ثم يعنف الجاحظ بالرد على الشعوبية حين يقول: «فتفهم عني – فهمك الله- ما أنا قائل في هذا، ثم اعلم أنك لم تر قوما قط أشقى من هؤلاء الشعوبية ولا أعدى على دينه، ولا أشد استهلاكا لعرضه، ولا أطول نصبا ولا أقل غنما من أهل هذه النحلة. وقد شفى الصدور منهم طول جثوم الحسد على أكبادهم، وتوقد نار الشنآن في قلوبهم، وغليان تلك المراجل الفائرة، وتسعر تلك النيران المضطرمة. ولو عرفوا أخلاق أهل كل ملة، وزي أهل كل لغة وعللهم على اختلاف شاراتهم وآلاتهم وشمائلهم وهيئاتهم، وما علة كل شيء من ذلك ولم اجتلبوه ولم تكلفوه لأراحوا أنفسهم، ولخفت مؤونتهم على من خالطهم.[98]. ويستمر الجاحظ بعد ذلك في دفاعه عن الخطباء العرب في أخذهم العصا، مقيما الدليل من آي القرآن الكريم والشعر والأخبار، «على أن أخذ العصا مأخوذ من أصل كريم ومعدن شريف» [99].
طبعات الكتاب: - طبع الكتاب عدة طبعات ولكن تبقى الطبعة الأجود هي التي حققها الدكتور عبد السلام محمد هارون. مكتبة الخانجي- القاهرة. - طبعة أخرى بتحقيق وشرح حسن السندوبي. المكتبة التجارية الكبرى. - طبعة بتقديم وتبويب وشرح الدكتور علي بو ملحم، المكتبة العصرية للطباعة والنشر. - طبعة بتحقيق المحامي فوزي عطوي، دار صعب – بيروت. - طبعة بتحقيق درويش جويدي. خاتمة: يمكن القول إن أسلوب الجاحظ اتسم بالتنوع والانتقال من موضوع إلى آخر بالإضافة إلى الاستطراد الذي ميز كتابه وطريقته في التأليف خصوصا في هذا النوع من كتب الأدب. فترى المؤلف ينتقل في كتابه من قصة إلى حديث، ومن مقطوعة شعرية إلى حكمة أو خطبة، ومن كلام عن البيان والبلاغة إلى الحديث عن الحمقى والنوكى والقصاص، وقد يعود المؤلف بعد ذلك إلى موضوعه الذي بدأ به أولا. حتى كادت تسمى فوضى كما أشار لذلك الدكتور أمجد الطرابلسي بقوله: ولكن هذه الفوضى في كتب الأدب متعمدة ومقصودة لذاتها، وأكثر مؤلفي كتب الأدب يصرحون في مصنفاتهم أنهم قصدوا قصدا إلى تنوع الأنغام لنفي السأم عن السامع والقارئ.[94] نظرة تاريخية في حركة التأليف عند العرب في اللغة والأدب والتاريخ والجغرافيا الدكتور أمجد الطرابلسي 1/117. الهوامش: [1] نظرة تاريخية في حركة التأليف عند العرب في اللغة والأدب والتاريخ والجغرافيا الدكتور أمجد الطرابلسي 1/120-121. [2] الأعلام 5/74 [3] وفيات الأعيان 3/ 474. [4] نفسه 3/475. [5] نفسه 3/475 [6] الاعلام 5/74 [7] معجم الأدباء 5/2101. [8]وفيات الأعيان 3/474 [9] معجم الأدباء 5/2101 [10] العبر في خبر من غبر 1/359 [11] معجم الأدباء 5/2101 [12] سير أعلام النبلاء. 9/413. [13] سير أعلام النبلاء 9/413 [14] نزهة الألباء في طبقات الأدباء 1/148 [15]. البداية والنهاية 11/25 [16] الفن ومذاهبه، شوقي ضيف 158 [17] سير أعلام النبلاء 9/415. [18]. الأعلام 5/74 [19] معجم الأدباء 5/2121/2122 [20] نفسه 2122 [21] تاريخ بغداد 12/219 [22] معجم الأدباء 5/2122 [23] معجم الأدباء 5/2104. [24] معجم الأدباء 5/2104 [25] معجم الأدباء 5/2109 [26] الصناعتين،10 [27] العمدة 1/407، باب البيان. [28 ] مقدمة ابن خلدون 2/376-377 [29] مصطلحات نقدية وبلاغية في كتاب البيان والتبين للجاحظ- الشاهد البوشيخي.ص: 27 [30]نفسه 27 [31] نفسه27 [32] نفسه 27 [33]نفسه28 [34] نفسه 29 [35] أنظر بتفصيل: قطوف أدبية: دراسات نقدية في التراث العربي حول تحقيق التراث. عبد السلام محمد هارون، ص: 97. [36] نفسه، ص: 98 [37] نفسه 29 [38] نفسه 30/31 [39] نفسه 31 [40] نفسه 33 [41] نفسه 33 [42]نفسه 34 [43] نفسه 37 [44] نفسه 46 [45]. لسان العرب 2/198/199 [46] مقدمة البيان والتبيين 1/6. [47] البيان والتبيين 1/186 [48] البيان والتبيين 1/16 [49] البيان 1/30 [50] البيان والتبيين 1/33 [51] البيان والتبيين 1/34 [52] البيان والتبيين 1/34 [53] البيان والتبيين 1/35 [54] البيان والتبيين 1/36 [55] البيان والتبيين 1/40 [56] البيان 1/44 [57] 1نفسه /145 [58] نفسه 1/146 [59]1 نفسه 1/57 [60] نفسه 1/71 [61] نفسه 1/71 [62] نفسه 1/72 [63] نفسه1/76 [64] نفسه 1/77 [65] نفسه1/78 [66] نفسه1/79 [67] نفسه1/81 [68] نفسه 1/91 [69] نفسه 1/101 [70] نفسه 1/166 [71] نفسه 1/172 [72] نفسه1/197 [73] نفسه 1/209. [74] نفسه 1/210 [75] نفسه 1/210 [*] نفسه 1/218 [76] نفسه 1/232 [77] نفسه 1/248 [78] نفسه 1/250 [79] نفسه 1/251-252 [80] نفسه 1/256 [81] نفسه 1/257 [82] نفسه 1/287 [83] نفسه 1/11- 290 [84] نفسه 1/284 [85] نفسه 1/284 [86] نفسه 1/292 [87] نفسه 1/309 [88] نفسه 1/358-359 [89] نفسه 1/363/364/365 [90] نفسه1/366 [91] نفسه 1/12 [92] نفسه 1/394 [93] نفسه 1/394 [94] نظرة تاريخية في حركة التأليف عند العرب في اللغة والأدب والتاريخ والجغرافيا الدكتور أمجد الطرابلسي 1/117 [95] البيان والتبيين 3/5-6 [96] البيان والتبيين 3/14 [97] البيان والتبيين 3/28 [98] البيان والتبيين 3/29-30 [99] البيان والتبيين 3/30 http://waqfeya.com/book.php?bid=1118 الكتاب https://ia800208.us.archive.org/6/items/WAQ54207/00_54207.pdf الواجهة