بين أعيننا حقيقة مؤلمة ملاصقة لتاريخ الأحزاب السياسية المغربية ، تتمثل في عقمها الأبدي عن إنتاج أفكار و مشاريع و برامج عقلانية قابلة للتطبيق ، لسبب وحيد كونها كائنات تابعة لصانعها الأول الذي أخرجها من أقواس قصره خانعة قاصرة ، و أما ما تبقى مما يسمى أحزابا في مخيلة أنصاره و مشايعيه ، فإن ما تبقى من عوامل القوة و المنعة و شعارات النضال و الممانعة الموروثة عن فترة الاستعمار و بداية الاستقلال ، فإن جل هذه المكونات السياسية المسماة بسليلة الحركات الوطنية ذات الماضي المقاوم ، جلها بل كلها مع الأسف خضع لعمليات الإدماج و التذويب ، إلى حد أنك لا تستطيع الآن التفريق بين حزب "البام" و حزب "الاستقلال" على مستوى الفعل الميداني و المواقف السياسية و مسألة إنتاج الأفكار و البرامج . يجمع المغاربة على حقيقة ثابتة ، تتمثل في كون ما يسمى الأحزاب السياسية ، المتواجدة صوريا في الساحة الوطنية ، إن هي إلا “دكاكين” و علب ، تبيع الوهم ، و تمارس على المواطن عمليات بيع و شراء الذمم و الضمائر ، في المواسم الانتخابية ، و في مواسم و مناسبات يصنعها النظام الحاكم ، لخدمة أجندته المرسومة بعناية ، دون أن يعي المواطن بأن الحزب أداة لتطويعه و تذليله و ترويضه ، و من ثم قيامه بإضفاء الشرعية على ما طلب منه بواسطة الحزب ، فيكون ذلك المواطن غير الواعي قد وظف بشكل مزدوج ، لصالح من لا يسعون سوى لخدمة مصالحهم الخاصة بامتياز ، سواء من قبل السلطة السياسية أو من طرف الحزب . و من ناحية أخرى ، و مهما كانت طبيعة نمط الحكم ، في المغرب أو في غيره ، إن السعي المستمر من طرف الحزب للوصول إلى مؤسسات الحكم و السلطة ، هو الرابط الأساسي و الجامع القوي بين أعضاء الحزب ، فأي حزب لا يستطيع الوصول إلى مؤسسات الدولة محكوم عليه بالفشل و التحلل ، و الوصول إلى الأجهزة و المؤسسات ، لا يتحقق إلا عن طريق التسرب الديمقراطي إلى أجهزة الحكم ، أو عن طريق الحصول على قدر كبير من التأييد الشعبي يساعده على الضغط في اتجاه تحقيق أهدافه . و تؤكد التجارب الحزبية أن قوة التنظيم بخلاياه و لجنه و فروعه تولد قوة الحزب ، لأن التنظيم الحزبي هو الحجر المعتمد في بناء حزب سياسي متين . إن الحزب في الأجواء الديمقراطية ، كما أسلفنا أداة تسمح للمواطن بالمشاركة في الحياة السياسية للبلد ، و يقوم بأعمال ترمي أساسا إلى خدمة الوطن ، و في نفس الوقت تحقق للمجتمع خدمات كثيرة . و يتكتل الناس حول الحزب ، و يستعملونه لتنفيذ برنامج سياسي و اجتماعي إذا ما كتب له الحصول على مراكز متقدمة في الاستحقاقات . و يجمع الباحثون و المهتمون على أن وجود الأحزاب المتنوعة البرامج و المتباينة الإديولوجيات و المختلفة الأفكار ضروري ، لكل مجتمع تسوده أنظمة ديمقراطية ، تفسح في ساحاتها و فضاءاتها ، منافذ و مجالات التعبير و الاختلاف و ممارسة الحرية . و بناء على ذلك ، نرى كما يرى المغاربة أجمعون ، بأن الأحزاب في نسخها المغربية ، مجرد دكاكين سياسية انتخابوية ، تبيع الأوهام ، و تتاجر في ضمائر و ذمم المواطنين ، خدمة لمصالحها ، و تنفيذا لأجندة الآخر .