كلما هبت رياح الإسلاموفوبيا مع كل انفجار هنا وهناك، نشطت وسائل الإعلام في محاكمة نوايا كل المسلمين! خصوصا من يبشر بمستقبل إسلام السلام والعدالة والحرية والكرامة، يستفز إعلاميا بأسئلة تعجيزية في غياب نموذج ناجح لحكومة إسلامية في عصرنا. موضوع أصبح مثار جدل بين الإسلاميين واللائكيين خصوصا بعد درس ربيع الشعوب المسلمة المفتوحة أبوابه على مستقبل شرف الإسلام الدولي بإذن السميع العليم. – ستُحترم حقوق الإنسان حينما…؟ يقول الإمام المجدد عبد السلام ياسين رحمه الله: “الإنسان المتلهف إلى العدل والأخوة والسلام يراقب تجارب الأمم. كلما قامت ثورة هنا أو هناك تسمَّع الناس وتتبعوا علَّ تجربة جديدة تميط عن الإنسان كلكل اليأس من دنياه التي تأكل فيه الذئاب الحملان” 1. يتوجس خيفة الخصوم السياسيون لدعاة تجديد دين الإسلام من مصيرهم المجهول، يوم تكون السلطة التنفيذية بيد من يفتحون قلوبهم ودعوتهم في كل مناسبة إلى تشكيل جبهة أو ميثاق يضمن طيا حقيقيا لصفحة ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، لكن المهووس منهم بروح السياسة الميكيافيلية يشك ويشكك.. ويعمم مواقفه على الظاهرة الإسلامية بإسقاطات تدين الإسلاميين بتهمة زعزعة عقيدة حقوق الإنسان في العالمين! يقول الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله: “تقام الدعوى على الإسلام مطالبة بمحاكمة نياته في مجال حقوق الإنسان: هل ستحترم الحكومة الإسلامية حقوق الإنسان حينما…؟” 2 . لعل نقط الحذف تعرب عن خطورة كتابة ما يفيد تمكين الدين بوصول الإسلاميين إلى الحكم! الإسلاميون مدانون في جميع الأحوال.. إنها سياسة تجفيف منابع النيات المتطلعة إلى غد الإسلام الأغر! النيات تتحول إلى عزمات وأعمال، ترى هل ستهدد هذه النيات المصالح الخاصة لرموز دولة العصا؟ أم تزيد من عفونة ماء مستنقع الحياة السياسية والاجتماعية الآسن؟ أم تعالجه وتطهره ليعود الماء إلى مجراه الطبيعي سائغا للشاربين يحيي حق الأمة في انبعاث هويتها الإيمانية وعدالتها الاجتماعية؟ – مخاض جيل جديد من الحقوق: هل اقترب اليوم الذي ستحترم الحكومة الإسلامية [الحاكمة] حقوق الإنسان؟ سؤال استحواذي يوجه دائما إلى إسلام الغد بارتياب، لكنه لا يُطرح أبدا بصيغة الحاضر أو الماضي على الأنظمة القمعية المسؤولة في بلداننا عن الخرق السافر المطرد لحقوق الإنسان 3. في انتظار إعداد شروط النموذج الناجح في الحكم والاقتصاد، الضامن للعدالة والإنصاف والسلام في بلاد المسلمين، على حامل الرسالة أن يوسع فهم دوره الدعوي المستهدف للإنسان بغض النظر عن جنسه ومعتقده وعرقه ولونه ولغته، وللدعوة وظيفة مستدامة لتحبيب نعمة شرف الهداية المثمرة للإيمان بالله واليوم الآخر لكل إنسان، فيحظى بوعي يقيني بمخلوقيته وأكرميته ليكون رحمة في العالمين. جهاده حقوقي بالمعنى الوجودي الشامل للحقوق، القائم أسها على حق الإنسان في معرفة خالقه. يقول الإمام رحمه الله في كتابه الإسلام والحداثة: “إن حقوق الإنسان في شريعتنا غير قابلة للتقادم لأنها تصدر عن أمر إلهي مقدس وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ 4 أمر موجه إلى جهلنا لنعامل الرجال والنساء بالقسط، بل بكل التقدير الذي يستحقه كائن يستمد كرامته من أصله ووجوده.في زمن النبي صلى الله عليه وسلم مرت جنازة أحد يهود المدينة -الذين دأبوا على خيانة العهود المبرمة مع المسلمين- أمام الرسول صلى الله عليه وسلم وهو جالس مع أصحابه، فقام معلنا احترامه لها. تعجب أصحابه وسألوه عن سبب قيامه فأجابهم: “أليست نفسا؟” ليلقننا بهذا الدرس التطبيقي أن كرامة الإنسان تنبع من كونه إنسانا وليس من اعتبارات أخرى 5. – انتظارات يقينية: أفواج بشرية من اللاجئين يخاطرون يوميا بحياتهم بالمناطق الحدودية والضفة الجنوبية من البحر المتوسط ، انتهاكات بالجملة للقانون الدولي الإنساني وحقوق الأطفال والنساء وكبار السن المدنيين العزل.. تتفنن التغطية الإعلامية في النقل المباشر لمآسي الفارين من جحيم، وتصوير الجثث المتراكمة والمتفحمة ، وتتخلل النشرات الإخبارية بوصلات إشهارية للعطور الزاهية أو معرض للأزياء أو إشهار لسيارات رباعية الدفع الفاخرة. إن لهذه المشاهد مضاعفات نفسية، يتطبع معها الإنسان إلى أن تبلد مشاعره الإنسانية وتهدد القلب بالجفاء والقسوة ما لم يعتقد بحكمة الله في التصرف في مخلوقاته بمشيئته وعدله، القيام بالأسباب الاستنكارية والتدافعية للمتكالبين على حقوقنا وحريتنا تكليف شرعي، لكن بميزان إيماني يفوض الأمر إلى الله سبحانه الذي يتقن صنعه . ما دون ذلك، فتنة تنسي الإنسان مصيره يوم لقاء ربه، ويدخل في دوامة حياة لونها وطعمها ورائحتها دنيا بلا آخرة! كم تدفع الإنسانية من ضريبة شقائها بانحطاط المسلمين وتقاعسهم عن إحياء روح الشورى المغتصبة منذ قرون على يد نظام حكم عاض فاسد مفسد أصاب أمتنا بفيروس داء المناعة ضد الاستعمار الغربي المتغطرس في عنجهيته. نعم، خرج المستعمر من الباب ليدخل من النافذة بعد استنزاف خيرات بلادنا ليستوطن عقول أجيالنا الصاعدة، وقسمنا إلى دول التجزئة تسري في دواليب مؤسساتها التحكمية روح جبرية واحدة، رغم اختلاف ألوان الأعلام وأسماء الأنظمة الحاكمة. كما يتوق الإنسان إلى الانعتاق من شقائه، يتوق بفطرته إلى العدالة والحرية، ويحظى المناضل من أجل حقه في معرفة ربه بانتظارات يقينية طموحة، تحجبها حواجز الفساد والاستبداد… “ينتظر النور الذي يقشع غياهب نفسه، والعلم الذي يتجاوز ظواهر الكون إلى معرفة الحق، والعدل الذي ينصف محرومي العالم من ظالميهم، ونظام الحكم الذي يحقق توازن المجتمع البشري ورخاءه. ينتظر الإنسان حضارة أخوية بدل حضارة العنف والظلم والحرب، وترف المترفين الذي يلعنه بؤس البائسين” 6. إلى أين أمضي؟! مهما افتتن الإنسان بجاذبية نوافذ الظلمات، نافذة النور، لن تغلق أبدا إلى قيام الساعة، ترحب بالتائبين مبشرة 7: إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها! اغتنم وقتك، إنه فرصة عمرك، ولمن يلتمس الأعذار لغفلته ويقول لا وقت لدي! يقول الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله مذكرا بسؤال المصير: “لا وقت لدي! لا وقت لدي! لازمة ترددها العقول التي أذهلتها اللحظة الراهنة، فأصبحت عاجزة عن التركيز، يجب إذن أن نقتلع ذواتنا من مستعجلات الحياة الزائفة ونخصص الوقت اللازم لتعميق أفكارنا وعواطفنا وإلزام عقولنا بالتساؤل الملح الجدي عن مصيرنا: إلى أين أمضي؟” 8. {1} المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا، ص: 430. {2} الإسلام والحداثة، ص: 236. {3} الإسلام والحداثة، ص: 236. {4} سورة الإسراء، الآية 70. {5} الإسلام والحداثة، ص: 237. {6} الإسلام والحداثة، ص: 239-240. {7} انظر الرابط التالي: http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php…حدثنا محمد بن المثنى حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة قال سمعت أبا عبيدة يحدث عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها”، وحدثنا محمد بن بشار حدثنا أبو داود حدثنا شعبة بهذا الإسناد نحوه. {8} الإسلام والحداثة، ص: 239.