الأمر بالتوبة والحث على تعجيلها (1) لقد أمر الله عز وجل الناس كافة بالتوبة وأمر بها المؤمنين خاصة، وهذا يعني أن أي إنسان مهما بلغ إيمانه وتدينه واستقامته لا يستغني عن التوبة، فهي بداية السير ونهايته، يصبح فيها العبد ويمسي ولا يدعها أبدا، لكن الناس يختلفون في موضوع التوبة فقد يتوب عبد من الكفر، في الوقت الذي يتوب آخر من بدعة، وثالث من ذنب كبير ورابع من صغيرة وخامس من شبهة، وسادس من تقصير في فريضة أو نافلة وسابع من ترك نصيحة أو غفلة عن ذكر أو تهاون في دعوة أو جهاد. هناك إذا أمر إلهي عام لعموم الناس ولعموم المؤمنين بالتوبة إليه، وهذا الأمر يجعل من التوبة ثوبا لا ينزعه العبد ما عاش، وإن نزعه لبعض الوقت عاد إليه من قريب. فمن الآيات التي خاطب بها الحق سبحانه عباده جميعا قوله: (وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى) سورة طه الآية .28وقوله سبحانه: (إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم، وكان الله غفورا رحيما، وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار) سورة النساء 61 .71 ومن الأحاديث قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الترمذي وحسنه: ?تقبل التوبة من العبد ما يغرغر (والغرغرة: الاحتضار). وقوله فيما رواه مسلم: إن الله يبسط بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها. أما الآيات التي خاطبت المؤمنين خاصة، فمنها قول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا) التحريم .8 وقوله عز وجل: (وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون) النور .13 وسبق أن عرفنا في الحلقة الماضية أن الواحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أسلم يخلع على عتبة الإسلام رداء الجاهلية ويشرع في إقصاء شوائبها من حياته، ويواصل الليل بالنهار والنهار بالليل ليصل أقصى ما يستطيع الوصول إليه من درجات الإسلام. إن الكمالات التي جاء بها الإسلام وأمر بالمنافسة عليها كثيرة جدا، كما أن النقائص التي نهى عنها لا تنحصر، وإذا كان الشيطان يضع العوائق في وجه ابن آدم يمنعه بها من التوبة الأولى (الإسلام)، فإنه يستأنف محاولته مع من أفلتت منه وتاب إلى ربه ليعوقه عن التوبة الثانية(الإيمان)، فيصرفه عن تجديد إسلامه لتستوي أيامه وتضيع منه الفرص وتتحول حياته إلى ركون.ولا يخفى أن التوبة التي أمر بها الله المؤمنين ليست توبة الإسلام والإيمان فهم مسلمون ومؤمنون ولكنها توبة الإحسان التي تجدد إسلامهم وتقوي إيمانهم وتصلح ما فسد من أعمالهم وتقوم ما اعوج من تصرفاتهم. ومادامت الأخطاء واردة فالأمر بالتوبة قائم لا يجاوزه أحد، وهو في كل وقت على التعجيل والفور لا التأخير ولا التراخي، وكل توبة قبل الموت فهي توبة من قريب وكل ذنب فارتكابه جهالة. الدكتور محمد عز الدين توفيق