عقدت بمراكش يومي السبت 27 والأحد 28 يناير 2018، أشغال الندوة المغاربية التي أقامتها منظمة العمل المغاربي ومجلس الجالية المغربية بالخارج بشراكة مع مؤسسة هانس سايدل الألمانية، حول موضوع "الهجرة في المتوسط وحقوق الإنسان"، عرفت مشاركة العديد من الباحثين والخبراء من الدول المغاربية ينتمون لحقول معرفية مختلفة. في الجلسة الافتتاحية التي ترأسها الأستاذ علال الأزهر (الرئيس السابق لمنظمة العمل المغاربي) قدم السيد يوسف حجي كلمة نيابة عن الدكتور عبدلله بوصوف (الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج)، تطرق فيها لقضية المواطنة والمشاركة السياسية للمغاربة في بلدان المهجر، بالإضافة لقضايا الثقافة والتربية والهوية والدين للمهاجرين المغاربة بهذه البلدان. وفي الكلمة الثانية للأستاذ سعد علمي مروني عن (مديرية شؤون الهجرة بالوزارة المنتدبة لدى وزير شؤون الخارجية والتعاون الدولي المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة)، عمد فيها إلى توضيح القضايا المتعلقة بالأجانب في المغرب سواء اللاجئين منهم أو المهاجرين. وتعرض لمجموعة من القوانين التي تهتم بالهجرة في المغرب. وقدم السيد ميلود السفياني نيابة عن الدكتور يوخن لوباخ (المندوب الجهوي لمؤسسة هانس زايدل الألمانية بالمغرب وموريتانيا) كلمة وضّح فيها ارتفاع ضحايا الهجرة بالبحر الأبيض المتوسط وكون هذا الأخير أصبح فضاء للمآسي. وأرجع سبب ذلك للتفاوت والتباين في درجات التنمية بين بلدان شمال وجنوب المتوسطي مبرزا أهمية هذه الندوة وحساسية الموضوع الذي تهتم به. افتتح الدكتور إدريس لكريني (رئيس منظمة العمل المغاربي) كلمته مرحبا وشاكرا للحضور الكريم سواء الباحثين القادمين من خارج المملكة أو من داخلها. وعمد الى ذكر مجموعة من التظاهرات التي أقامتها المنظمة وأشار إلى أن الهدف من الندوة هو تسليط الضوء على الإشكالات الإنسانية التي تطرحها الهجرة في منطقة المتوسط. خلال الجلسة العلمية الأولى من اليوم الأول والتي ترأسها الدكتور حميد أجنا (نائب رئيس الجامعة الخاصة بمراكش)، تطرق الدكتور عبد الجبار عراش (أستاذ بكلية الحقوق سطات، ومدير مختبر الانتقال الديمقراطي المقارن) للترابط بين الحق في التنمية والهجرة كأحد النتائج الحتمية لعدم مراعاة بعض الحقوق. ووضح كذلك عدم فعالية السياسات العمومية في هذا المجال، كما نبه لضرورة أجرأة القوانين لمنع استفحال الظاهرة،وركز على ضرورة تبني مقاربة شاملة تهتم بالحق في التنمية. في المشاركة الثانية بعنوان "المواطنة بوصفها ضيافة اللاجئ"، حاولت الدكتورة مليكة بن دودة (أستاذة الفلسفة، الجزائر) من خلال حقل الفلسفة السياسية توضيح مفهومي اللجوء والمواطنة وربطهما بمفهومي حقوق الإنسان والضيافة. كما نبهت إلى ضرورة توفر اللاجئين على حق المواطنة، لأن حقوق المواطن أقوى من حقوق الإنسان. مشيرة إلى أن الحلّ السياسي للظاهرة لن يكون حلا إنسانيا حقا، حتى يجعل الإنسان اللاجئ مثيل أقرانه المواطنين. تطرق الدكتور محمدو مختار فال (عميد كلية الحقوق بجامعة نواكشوط، موريتانيا) في مشاركة بعنوان "البعد القانوني للهجرة في موريتانيا" باللغة الفرنسية، للتجربة الموريتانية في التعامل مع الهجرة. واصفا بذلك الخطوات التي اتخذتها الحكومة الموريتانية للحد من هذه الظاهرة عبر وضع إطار قانوني وتطوير مؤسساتي يمكن من تأطير الظاهرة، وبيّن كذلك بعض المشاكل القانونية التي يتعرض لها المهاجرون. في المشاركة الأخيرة للجلسة العلمية الأولى والتي قدمها الأستاذ يوسف حجي (مكلف بمهمة بمجلس الجالية المغربية بالخارج) بعنوان "من أجل قراءة جديدة لتاريخنا بعيون المهاجرين"، تم عرض مجموعة من الصور التي تبين عددا من المهاجرين المغاربة بالخارج والدور الكبير الذي لعبوه في المجتمعات الغربية. في الجلسة العلمية الثانية والتي ترأسها الدكتور محمد الغالي (رئيس شعبة القانون العام في كلية الحقوق بمراكش)، قدم الدكتور محمد الخشاني عن (الجمعية المغربية للدراسات والأبحاث حول الهجرة، جامعة محمد الخامس بالرباط) مشاركة بعنوان "هجرة الشباب العربي إلى دول الاتحاد الأوروبي: قراءة نقدية في السياسة الأوروبية للهجرة"، تطرق فيها لمجموعة من الإحصائيات التي تبرز حجم ظاهرة الهجرة، وكذلك حاول تحديد الأبعاد المتقلبة للظاهرة، ثم أهم محاور السياسة الأوروبية حول الهجرة، منهيا مشاركته بطرح العوامل التي تبرز تناقضات هذه السياسة وتفرض تبني سياسة جديدة للهجرة بأوروبا. وتطرّق الدكتور عبد الكريم الماجري (أستاذ التاريخ المعاصر، كلية الآداب والفنون الإنسانيات. منوبة تونس) في مشاركة بعنوان "الاتحاد الأوروبي والهجرة: ستون سنة من القرارات 1957/2017: ماذا بقي من حقوق للمهاجرين واللاجئين؟)، إلى تاريخ الهجرات بين الدول الأوروبية والدول المغاربية والتي تتميز بكونها في الغالب هجرة ذكورية بامتياز. وأضاف بأن هجرة عائلات كاملة شكل تصدعا في العلاقة بين السكان الأصليين والمهاجرين، بسبب انتقال عادات وثقافة العائلة إلى بلاد المهجر موضحا أن المتوسط كان جسرا للتواصل قبل أن يتم تفعيل نظام التأشيرة والذي جعله مكانا للموت والمآسي. وفي مشاركة بعنوان "المهاجرون الأجانب بالمغرب والمهاجرين المغاربة بالمهجر... الإشكالات والفرص" قدمها الدكتور إدريس جدي (باحث ومحامي مهتم بقضايا الهجرة مقيم بإسبانيا)، تناول فيها دور الهجرة في تنمية الدول الغربية غير أنها باتت تتحول إلى قلق في بعض الدول عندما تتطور الظاهرة إلى مستوى معين. كما أرجع أسباب الهجرة إلى اختلال التوازن بين دول فقيرة ودول غنية. وأشار إلى اختلاف القوانين الاسبانية والمغربية مخلفة بذلك أزمة تعايش للمغاربة بالديار الاسبانية. ونبه إلى عدم وجود مركز ثقافي مغربي في اسبانيا، بالإضافة إلى ضرورة الاستثمار في العنصر البشري عبر تكوين أبناء الجالية وتلقينهم ثقافتهم الأصلية. وتحدث الدكتور سعيد العلام (أستاذ بمركز تكوين مفتشي التعليم بالرباط، رئيس المنتدى الدولي للهجرة)، في مشاركة بعنوان "الحق في العودة وإشكالية إعادة الإدماج" عن حق المهاجرين في العودة والذي يعرف نكوصا وغموضا. مشيرا إلى أن العودة تدخل في مرحلة الهجرة وليست إعلانا عن فشل الهجرة. وتطرق كذلك لسياسات كل من المغرب وأوروبا بشأن العودة. خصوصا بعد فشل الدول الأوروبية في استيعاب وإدماج المهاجرين سارعت إلى خطة بديلة وهي سياسة العودة. وتم التعامل مع المغرب بسياستين الأولى باعتباره يلعب دور دركي والثانية تم التعامل معه بنوع من اللين والتحفيز من أجل قبوله إعادة المهاجرين. افتتحت الجلسة العلمية الأولى من اليوم الثاني لأشغال الندوة والتي ترأسها ذ.عبد العلي بنشقرون (عضو منظمة العمل المغاربي)، بمشاركة للدكتور محمد جراف (أستاذ القانون بالكلية متعددة الاختصاصات بالجديدة) تحت عنوان "حقوق المهاجر السري بين آليات الحماية واستراتيجية المحاربة: المملكة المغربية نموذجا". تطرق فيها لآليات وقواعد الحماية المغربية للمهاجر السري مبرزا التطور المغربي على المستوى الترسانة القانونية للحد من الهجرة السرية وحماية المهاجرين وحقوق الإنسان. مشيرا إلى إحداث مؤسسات تهتم بالمهاجرين وحقوق الإنسان. قبل توضيح الإستراتيجية الوطنية لمحاربة الهجرة الغير شرعية، مشيرا إلى المبادرة الملكية عبر جلسات عمل خصصت لتدارس مجموعة من المشاكل حول أوضاع اللاجئين والمهاجرين بالمغرب. كما تم تحديد لجان لدراسة وضعية اللاجئين والمهاجرين وتحديد استراتيجية تدبير الهجرة بالإضافة لمحاولة تقديم توصيات في المحافل الدولية. في المشاركة الثانية بعنوان "الهجرة السرية بين النص الجنائي والبعد الإنساني في القانون المغربي" قدمها الدكتور محمد كرام (أستاذ القانون الخاص بكلية الحقوق في مراكش) من منطلق مقاربة قانونية تركز على الناحية الزجرية. بحيث اعتبر أن قانون الهجرة السرية بالمغرب يتضمن سلبيات بالرغم من أنه يحمل في طياته بعض الإيجابيات. ويلاحظ كذلك أن هناك جدلية في هذا القانون بين الجريمة والفعل الجرمي وإشكالية تطبيق القانون، بحيث إن هذا القانون لا يطبق إلا في الحالات القصوى. كما أشار الدكتور إلى أن الهجرة السرية بوصفها فعل جرمي يمكن أن يكون طرفها أجنبي أو مغربي، لذا توجب تطبيق مقتضيات القانون في حق العصابات والشبكات التي تنشط في الهجرة السرية. قدمت الدكتورة إكرام عدنني (أستاذ العلوم السياسية بجامعة ابن زهر بأكادير) مشاركتها بعنوان "المرأة والهجرة.. مقاربة لحالة المهاجرات السريات بالمغرب" تطرقت فيها الى الصعوبات التي تعاني منها المرأة أثناء عملية الهجرة السرية. كما أشارت إلى تنامي وتزايد أعداد المهاجرين بالمغرب ارتباطا بالتدابير المتجددة للدول الأوروبية لمراقبة عمليات الهجرة السرية، وبالتالي انحصار العديد من المهاجرين السريين بالمغرب بصفة غير قانونية. قبل التطرق لصعوبة إدماج النساء المهاجرات بطريقة غير شرعية وبالرغم من إعطائهن بطائق الإقامة. قدم الدكتور مصطفى السعليتي (أستاذ علم النفس بكلية الآداب،مراكش) مداخلة بعنوان "الصيرورة السيكوسوسيولوجية للاختلاف الراديكالي مع الأقليات المهاجرة بأوروبا والتمثلات الاجتماعية لحقوق الإنسان"، انطلق فيها من العلاقة بين التوجه الرادكالي وحقوق الإنسان، في إطار تمثل حول المهاجر في الذهنية والبنية الفكرية للإنسان الأوروبي، حيث يعتبره تهديدا وجوديا وهوياتيا للخصوصية الأوروبية. وتبرز العنصرية كأبرز تجلي للتوجه الرادكالي في الذهنية الأوروبية. كما أضاف كذلك بأن تنميط الإنسان في بنية الأنا الأوروبية التي تعتبر الإنسان الأوروبي نموذج للرّقي والتحضر، أي أن هناك نزعة مركزية حول الذات الأوروبية والنظرة إلى الغير نظرة إقصائية. ويعتبر الدكتور الراديكالية تجاه المهاجر نفسية بتمثلات سوسيوثقافية. ترأس الجلسة العلمية الرابعة الدكتور المصطفى فنيتير (أستاذ التاريخ والجغرافية بجامعة القاضي عياض)، خلال المداخلة الأولى التي قدمها الأستاذ حامد بشري (عضو مجلس الجالية المغربية بالخارج- إيطاليا) والتي كانت بعنوان الشباب المغربي بإيطاليا.. الواقع والتحديات"، حاول فيها تبيان أن هناك إجحاف مفاهيمي بالحديث عن المهاجر السري عوض مهاجر في وضعية غير قانونية، وتطرق لعدد من القضايا المتعلقة بالمهاجرين المغاربة بإيطاليا، من بينها مشاكل العمل والإقامة والتحول من مهاجر قانوني إلى غير قانوني. كما تناول وضعية القاصرين وقام بربطها بوضعية الأم. كما أشار إلى متطلبات سوق الشغل الأوروبية لليد العاملة في أفق سنة 2030. وفي الأخير تطرق إلى إشكالية الهوية واللغة بين جيل الآباء وجيل الأبناء المغاربة في بلاد المهجر. في المداخلة الثانية من تقديم الأستاذ علال البصراوي (محامي ورئيس اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان بني ملالخريبكة) بعنوان "سياسة الهجرة بين البعد الحقوقي والإنساني وإكراهات الواقع"، تطرق إلى مجموعة من الإحصائيات حول الهجرة بالمغرب. كما أشار إلى أن هناك سياسة عمومية للهجرة واضحة، مبرزا أن السياسة "الهجروية" انطلقت من تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان بالمغرب، قبل أن يطرح مجموعة من التوصيات من أهمها الاهتمام بفئة المهاجرين وطالبي اللجوء وضرورة الإنتباه لمدخلات السياسة "الهجروية" بالمغرب. وقدّم الدكتور مصطفى الزاهيري (أستاذ بالكلية المتعددة التخصصات، جامعة شعيب الدكالي، الجديدة) مداخلة بعنوان "المهاجرون الأجانب ودورهم في تنمية بلدهم الأصلي: حالة الجالية المغربية بالخارج). وصف من خلالها الحالة الراهنة للمغرب والتحولات العديدة التي شهدها. بحيث أصبح المغرب بلد للاستقرار وليس فقط للعبور. وطرح تساؤلا مهما حول قدرة المغرب لمواجهة التحديات المتعلقة بالهجرة. وأبرز إن المغرب بحاجة ماسة إلى حكامة تدبيرية أفقية توجّه تنسيق كل الجهود والمؤسسات. وفي الأخير أشار إلى أن الهجرة حركة إنسانية دينامية لها عائدات على البلد المستقبل تساهم في النمو الداخلي الوطني. في مداخلة الدكتور عبد الغني الخرشي (طبيب ومحلل نفسي، وعضو مكتب منظمة العمل المغاربي)، تحت عنوان "تجربة مراكز الاستماع مع اللاجئين"، قدم فيها تجربة مركز الاستماع لمجموعة من اللاجئين من أجل فهم وتحسين حياة اللاجئين والمهاجرين عبر تقديم صورة لصانع القرار عن حاجيات وتوجّهات اللاجئ. وتوفير معلومات عن وضعية اللاجئين وحالتهم الاقتصادية والنفسية والاجتماعية. كسبيل لإيجاد حلول ناجعة تدعم إدماج هذه الفئة ضمن النسيج المجتمعي (تكوينات، وتغطية صحية، وحماية قانونية..). وكانت المداخلة الأخير من الجلسة الرابعة للأستاذ البشير أبولاه (طالب باحث في سلك الدكتوراه، جامعة القاضي عياض، مراكش)، تحت عنوان "العوامل المغذية لظاهرة الهجرة السرية" تطرق فيها إلى خطورة ظاهرة الهجرة السرية، بحيث تصنف بحسب بعض الدراسات في المستوى الثالث من الخطر. قدم كذلك الباحث أرقاما مفزعة حول ضحايا المتوسط. ليختتم الباحث مداخلته بطرح مجموعة من النظريات المحددة لأسباب الهجرة. وقد تمخض عن أشغال هذه الندوة التي شهدت نقاشات واسعة، مجموعة من التوصيات نوردها كما يلي: * تثمين الجهود المبذولة على مستوى السياسات العمومية في مجال الهجرة، والتأكيد على أهمية تطوريها ومواكبتها، * الاشتغال على الذاكرة الحية للمهاجر كسبيل لإعادة الاعتبار لمغاربة العالم ومناطقهم الأصلية. * إدخال مادة تاريخ الهجرة في المقررات المدرسية، * إنشاء بوابة أو مرصد للعودة. * إيجاد إستراتيجية وطنية لإعادة إدماج المهاجرين العائدين. * إنشاء قنوات قانونية للهجرة النظامية بواسطة مؤسسات الوساطة في دول المنشأ للاستقبال. * تطوير التعاون بين البلدان المغاربية لتدبير الهجرة السرية وإقرار سياسات في إطار من التعاون والتنسيق في هذا الشأن. * ترسيخ ثقافة حقوق المهاجر وتحمّل قنوات التنشئة لمسؤوليتهم في هذا الشأن من مجتمع مدني ومؤسسات تعليمية وإعلام.. * الدعوة إلى فتح الحدود بين الدول المغاربية * تأهيل وتدريب فرق مكافحة الجريمة وتفكيك العصابات المتخصصة في ميدان تهريب البشر. * إيلاء أهمية خاصة بالنساء والقاصرين المهاجرين وضمان المواكبة النفسية والصحية والتربية. * بلورة سياسات استراتيجية تعنى بالوضع الاقتصادي والاجتماعي والحقوقي والثقافي للمغاربة بالخارج. * تعزيز الحكامة بين مختلف المتدخلين لضمان تدبير محكم وعقلاني يدعم الاستفادة من إيجابيات الهجرة. * الدعوة إلى زيادة المساعدات المقدمة من دول الشمال إلى دول الجنوب في إطار شراكة استراتيجية. * تبني سياسة هجرة موحدة إنسانية وتنموية من طرف الاتحاد الأوروبي. * تفعيل مفهوم الضيافة في التعامل مع اللاجئ..