لا تتميز الحركات الاجتماعية حسب “Alain Touraine” بحجمها فقط، ولكن أيضا بما تنتجه من أثر بغض النظر عن ذلك الحجم، بل في بعض الأحيان يكون أثر الحركة الاجتماعية أهم بكثير من حجمها. ويمكن أن نوسع ذلك ونقيس عليه مختلف الحركات الضاغطة بغض النظر هل تتوفر فيها شروط الحركة الاجتماعية أم لا. ومن الضروري التمييز بين نوعين من الأثر؛ أثر آني وآثر مستقبلي. وإذا كان الأثر الآني يتعلق أساسا بما يمكن أن تحققه تلك الحركة من مطالب بشكل مباشر، فالأثر المستقبلي يرتبط بما يمكن أن تحدثه تلك الحركة من وعي وإرادة واستعداد لدى الأجيال القادمة لمحاكاة فعلها الحركي، كلما توفرت شروط ذلك، بهذا المعنى لا يمكن أن نفصل الحراك الجديد بالريف عن أحداث 1958 كما لا يمكن أن نفصله بشكل عام عن انتفاضات وإضرابات الدارالبيضاء في مارس 1965 ويونيو 1981، وجل المدن المغربية في يناير1984، وفاس في دجنبر 1984، وصفرو في2007، وسيدي إفني في 2009.. إلا أن حراك 2011 الذي قادته حركة 20 فبراير يبقى له تأثير أبلغ في الجيل الحالي ليس بالنظر إلى القرب في الزمن فقط، ولكن بالنظر أيضا إلى السياق والصيرورة والمآلات. ولمعرفة تجليات ذلك الأثر وحدوده نحاول في هذه الورقة الاقتراب ما أمكن من أوجه التشابه والاختلاف بين حراك 2011 و2017. أولا: الاختلاف والتشابه على مستوى سياق الحراك من أبرز أوجه الاختلاف في سياق الحراك بين 2011 و2017 ما يرتبط بالبعد الدولي والإقليمي، إذ في 2011 عرفت مجموعة من الدول العربية احتجاجات وانتفاضات انتهت في بعض البلدان بإسقاط حكام مستبدين، كما حدث في تونس ومصر وليبيا واليمن. وساد بشكل غير مسبوق في العالم العربي خطاب يبشر بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، وتم توصيف ما يحدث بأنه ربيع عربي، كل هذا شكل قوة دافعة حققت لدى المحتجين ما اختصرهChales Tilly في رباعيته WUNC أي الجدارة Worthiness والوحدة Unity والعدد numbers وأخيرا الالتزام Commitment، وهذا ما مكن إلى حد ما من تحقيق بعض المطالب، أما في 2016 و2017 فإن السياق الإقليمي كان مختلفا تماما، إذ يمكن وصفه بحسب كل بلد إما بالانقلاب أو الارتكاس، أو الفوضى واللايقين في المآلات، أو التراجع والعودة إلى السلطوية المكشوفة بعيدا عن أسلوب القناع والمناورة الذي فرضه ضغط 2011، ويمكن تصنيف المغرب ضمن هذا التوصيف الثالث. وإذا كانت احتجاجات 2011 بما حققته من زخم تعبوي ونضالي فاجأت الأنظمة العربية، بما فيها النظام السياسي المغربي، الذي حاول نزع فتيل الاحتجاج، بتقديم بعض التنازلات، فإن الاحتجاجات الأخيرة لم تطبعها المفاجأة ولكن طبعها التحدي والإصرار من قبل المحتجين، والعناد والتجاهل من قبل النظام. ومما طبع السياق الإقليمي في الحراك الأخير وجود أنظمة عربية استثمرت جهودا سياسية وأمنية ومالية منذ ما حدث في 2010 و2011 لإعادة الأمور إلى سابق عهدها وصد أي موجة جديدة للاحتجاج، ليس في بلدانها فقط، وإنما في المنطقة بأسرها، إلا أن تزامن حراك الريف مع أزمة الخليج الجديدة قلل نسبيا من فرص الدعم الإقليمي، سياسيا وإعلاميا، للنظام السياسي المغربي في مواجهته للحراك الجديد. وإذا كان للسياق الإقليمي أثره في صيرورة الحراك وربما في مآلاته أيضا، فمن المهم التأكيد على أن التوازنات الإقليمية تبقى إلى حد بعيد في ظل استمرار الهيمنة الغربية محكومة بتوازنات واستراتيجيات دولية. ولعل زيارة ترامب الأخيرة إلى السعودية، وما حدث من صفقات، بل من عقود إذعان مجحفة يؤكد إلى حد بعيد واقع التبعية، كما يجلي طبيعة الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة، والتي يمكن أن نقول عنها أنها استراتيجية داعمة للمزيد من التشظي على مستوى العالم العربي والإسلامي بشكل عام، ومكرسة لخط الفوضى والارتكاس والتراجع على مستوى كل بلد عربي أو إسلامي، فالإنهاك السياسي حسب الإدارة الأمريكيةالجديدة يريح الكيان الصهيوني من جهة، ويسهل الابتزاز الاقتصادي والمالي من جهة أخرى. إذن في 2011 ساد الأمل وعظمت التطلعات وتحدث الناس عن ربيع وكان لذلك تعبئة قوية في صفوف التواقين إلى التغيير، أما في 2017 فقد عمت الفوضى أكثر من بلد عربي وحدثت انقلابات وتراجعات من شأنها أن تكرس اليأس وخيبة الأمل، لكن لم يمنع كل ذلك من انطلاق حراك الريف لتأكيد حقيقة مفادها أن المعطيات والتفاعلات المحلية يكون لها في بعض الأحيان وزن أكبر، خاصة إذا تعلق الأمر بإرادة الشعوب. لقد كانت حركة 20 فبراير تتويجا لحركة احتجاجية عامة تنامت بشكل متسارع في المغرب منذ بداية عقد التسعينيات من القرن الماضي، إلا أن هذه الحركة شكلت تحولا نوعيا في مظاهر الاحتجاج بالمغرب، ويمكن رصد عناصر هذا التحول على مستوى تنظيم الاحتجاج وطبيعته ومجاله، فقد تم الانتقال من الاحتجاج التلقائي، الذي يكون بمثابة رد فعل على أوضاع خاصة، إلى احتجاج منظم ومبادر، ومن الاحتجاج ذي الطبيعة الاجتماعية في الغالب إلى احتجاج عام، تؤطره شعارات سياسية بالأساس، ومن احتجاج فئوي أو مناطقي، تعرفه فئات أو مناطق معينة، إلى احتجاج شعبي تشارك فيه مختلف المناطق والفئات. والتأثر آنذاك بموجة الاحتجاج الإقليمي وبما أتاحته تلك الموجة من موارد اتصالية جديدة أكثر فعالية لم يكن إلا عاملا مساعدا ومسرعا للاحتجاج الذي تراكمت دواعيه السياسية والاقتصادية والاجتماعية على امتداد عقود مضت، ويمكن تلخيص تلك الدواعي في كلمتي الاستبداد والفساد. حراك 2016 و2017 يؤكد استمرار تلك الدواعي، ويؤكد أن الشعار المركزي لحركة 20 فبراير الذي هو إسقاط الاستبداد والفساد لم يتحقق، رغم ما حدث من تغيير للدستور، وانفتاح انتخابي على حزب العدالة والتنمية، والسماح له بقيادة الحكومة، ورغم أيضا بعض المبادرات والأوراش التي أشرفت عليها المؤسسة الملكية. ربما الشيء الأساسي الذي تغير هو إرادة المحتجين الذين طردوا الخوف وأصبحوا أكثر صلابة في مواجهة قمع السلطة، وهذا إنجاز استراتيجي يدعم خط المحاكاة والإصرار والتحدي الذي خطته حركة 20 فبراير، مقابل خط السلطوية الذي أصبح اليوم مكشوفا أكثر من أي وقت مضى. ثانيا: الاختلاف والتشابه على مستوى مطالب الحراك لقد اتخذت مطالب حركة 20 فبراير طابعا سياسيا ودستوريا واقتصاديا واجتماعيا، وقد لخصها البيان التأسيسي للحركة في تسع نقاط وهي: أولا: دستور ديمقراطي شكلا ومضمونا يمثل الإرادة الحقيقية للشعب، ثانيا:حل الحكومة والبرلمان وتشكيل حكومة انتقالية مؤقتة تخضع لإرادة الشعب، ثالثا: قضاء مستقل ونزيه، رابعا: محاكمة المتورطين في قضايا الفساد واستغلال النفوذ ونهب خيرات الوطن، خامسا: الاعتراف باللغة الأمازيغية كلغة رسمية إلى جانب العربية والاهتمام بخصوصيات الهوية المغربية لغة وثقافة وتاريخا، سادسا: إطلاق كافة المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي ومحاكمة المسؤولين، سابعا: الإدماج الفوري والشامل للمعطلين في أسلاك الوظيفة العمومية، ثامنا: ضمان حياة كريمة بالحد من غلاء المعيشة والرفع من الحد الأدنى للأجور، تاسعا: تمكين عموم المواطنين من ولوج الخدمات الاجتماعية وتحسين مردوديتها. عند مقارنة هذه المطالب مع مطالب حراك الريف انطلاقا من الوثيقة التي عممتها لجنة الإعلام والتواصل الناطقة باسم نشطاء الحراك بتاريخ 14 يناير 2017، يمكن تسجيل الملاحظات الآتية: – وجود التشابه في بعض المطالب؛ خاصة تلك المتعلقة بإدماج المعطلين والحد من غلاء المعيشة والتمكين من الولوج للخدمات الاجتماعية، يضاف إلى ذلك بعد حالات الاعتقال الأخيرة مطلب الإفراج عن المعتقلين السياسيين. – أولوية المطالب السياسية والدستورية لدى حركة 20 فبراير، في حين تم التركيز في مطالب الريف على ما هو حقوقي واجتماعي وثقافي بالأساس، من مثل المطالبة بتحقيقات تشمل كل المسؤولين ممن لهم علاقة بمقتل محسن فكري، وإحداث جامعة ومستشفى جامعي، وبناء مستشفى خاص بالسرطان، وإتمام أشغال متحف الريف.. – يلاحظ في مطالب الريف تغطيتها لأغلب المشاكل التي تعرفها المنطقة، عكس مطالب حركة 20 فبراير التي ركزت على مطالب أساسية كبرى. – تركيز مطالب الريف على مجموعة من المشاكل المحلية من مثل عسكرة الحسيمة، ومشكل نزع الأراضي، ومشكل المتابعات القضائية في حق بسطاء مزارعي القنب الهندي، ومشكل أموال العمال المهاجرين الريفيين، مع العلم أن ذلك لم يمنع من إيراد بعض المطالب التي تفند بشكل أو آخر مزاعم الانفصال من مثل مطلب ربط الإقليم بالشبكة الوطنية للطرق السيارة.. – لم تُطالب حركة 20 فبراير بفتح التحقيق في اغتيالات سابقة، في حين كان من أهم المطالب لدى محتجي الريف فتح تحقيق نزيه بخصوص مقتل خمسة مواطنين من الحسيمة، بالإضافة إلى التحقيق في قضية محسن فكري. والجدير بالذكر أن الأمر يتعلق بخمسة مواطنين وجدوا محروقين في إحدى وكالات البنك الشعبي خلال أحداث 20 فبراير2011، مما يشكل ربطا مباشرا بين حراك 2011 و2017. وانطلاقا من ذلك يمكن أن نقول أن مطالب حراك الريف تميًزت بخصائص المحلية والتنوع والتفصيل، ولعل مما أسهم في ذلك طريقة إعداد تلك المطالب، حيث كانت تعد بشكل غير مركزي من خلال تجمعات في الأحياء والقرى والمداشر، قبل تجميع ذلك من خلال تجمعات عامة والصياغة في وثيقة واحدة. ويمكن أن نقول أيضا انطلاقا من المطالب المرفوعة، وباستعمال وصف Lewis Coser أن حراك الريف شأنه شأن حراك 2011 يدخل ضمن النزاعات الواقعية التي تحكمها أهداف واضحة من السهل التعامل معها إذا توفرت الإرادة، عكس النزاعات اللاواقعية التي لا تكون النتائج مهمة فيها بقدر ما تكون الأهمية للوسائل العدوانية. ثالثا: التشابه والاختلاف على مستوى الفاعلين والفعل إن وجود أهداف مشتركة واضحة تمس بشكل مباشر مختلف الفئات المحتجة شكل الشرط الأول لاستمرار الاحتجاج بالريف، لكن هذا الشرط لم يكن ليكفي، خاصة بعد مواجهة المحتجين بالقمع، وهنا تبرز أهمية وحدة المحتجين، وهي وحدة من خمسة أبعاد، بعد هوياتي بالشعور بالانتماء إلى الهوية الريفية، ومن تجليات ذلك أثناء الاحتجاج التخاطب بالريفية ورفع الأعلام الأمازيغية، وبعد مجالي من خلال الشعور الجماعي بالتهميش الذي تتعرض له منطقة الريف، وبعد تاريخي من خلال توارث أجيال الريف لمظلومية كرست التنافر بين الشخص الريفي والمخزن الممثل في مؤسسات الدولة حسب ذلك الشخص، وبعد ديني يتمثل في القسم الجماعي من أجل الاستمرار والوفاء وعدم الخيانة، وبعد تنظيمي يتمثل في الولاء لقيادة متماهية مع عموم المحتجين. هذه الأبعاد الخمسة كرست انسجاما واندماجا لدى المحتجين بشكل أكبر مقارنة مع حراك 2011، ومنحت قوة دافعة للاحتجاج جعلته يستمر بنفس الوهج لبضعة شهور رغم التجاهل وحملات القمع والتخوين والاعتقال. وهناك تشابه واضح بخصوص الفاعل الأساسي في حراك 2011 و2016، فهذا الفاعل يبقى بدرجة أولى متمثلا في شباب تتراوح أعمارهم بين 17 و40 سنة، إذ رغم حضور فئات عمرية أخرى، تبقى تلك الفئة هي الغالبة، خاصة على مستوى القيادة، ويمكن التأكد من ذلك بالعودة إلى معتقلي حراك الريف. وإذا كانت أغلب قيادات حراك الريف لها مستوى تعليمي متوسط لم يتجاوز لدى الكثيرين مستوى الباكلوريا فإن أغلب القيادات الشابة في حركة 20 فبراير كان لها تعليم جامعي وعالي. ويلاحظ أيضا الحضور البارز للمرأة في حراك الريف رغم الثقافة المحافظة في تلك المنطقة، ولعل من العوامل المساعدة على ذلك تلك الأبعاد المشار إليها آنفا بالإضافة إلى عامل القرب، بحيث كانت أماكن الاحتجاج غير الممركزة قريبة إلى السكان. هذه بطبيعة الحال ملاحظات أولية يمكن أن تشكل فرضيات علمية لبحوث ميدانية معمقة. ولا يمكن حصر احتجاج الريف في نموذج الفعل-الهوية رغم الحضور المكثف للمطالب الثقافية، هذا الحضور الذي يؤكد ملاحظة Krishan Kumar في كتابه: From post industriel to post modern society حيث لاحظ أنه في المرحلة الرأسمالية الأخيرة أصبحت الثقافة هي المحدد الرئيسي للحقيقة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بل حتى السيكولوجية. كما لا يمكن حصر الاحتجاج في نموذج الفعل- الحرمان، سواء الحرمان المطلق أو الحرمان النسبي، إذ إلى جانب المطالب المادية حضرت في الخطاب والشعارات مقولات الكرامة والحرية. وفي هذا تشابه مع حراك 2011، مع العلم أن في هذا الأخير كانت مقولات الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية أكثر بروزا بحكم السياق التاريخي. عنصر آخر من عناصر التشابه في الفعل الاحتجاجي هو التشبث بالسلمية رغم قساوة القمع أحيانا، وقد شكل ذلك راساميلا مهما في شرعية الاحتجاج وجلب الدعم إليه. وكما هو الشأن في 2011 عمل شباب الحراك على تعبئة الموارد الاتصالية بشكل مكثف وجيد، واستغلوا ما تتيحه أشكال التواصل الحديثة، وهذا ما دفع بالسلطة يوم 20 يوليو في مواجهتها للمسيرة التي كان مزمعا تنظيمها إلى قطع التواصل الإلكتروني في مدينة الحسيمة ونواحيها. وتبقى من أهم الاختلافات التي يمكن رصدها وجود رمز قائد في حراك الريف تمثل في شخص الزفزافي، الأمر الذي لم يحدث في 2011 حيث برزت مجموعة من القيادات الشابة، لكنها بقيت في مستويات متشابهة، دون أن يبرز من بينها رمز قائد يكون عليه الإجماع، وقد يكون مما ساعد على ذلك محلية حراك الريف. وشكل الخطاب الشعبي البسيط والمحافظ ومحاولة التماهي مع المجاهد محمد بن عبد الكريم الخطابي أهم عناصر شد الانتباه إلى الزفزافي. رابعا: التشابه والاختلاف على مستوى التفاعل بعد مقتل تاجر السمك محسن فكري رحمه الله في 28 أكتوبر 2016 بتلك الطريقة الشنيعة أمر الملك بإجراء تحقيق “دقيق”، لكن لم يمنع ذلك من تزايد استياء أبناء الريف، وعبروا عن ذلك بشكل واضح في تشييع جنازة فكري في 30 أكتوبر، لتتوالى بعد ذلك التظاهرات بالموازاة مع تشكل خطاب يشكك في جدية التحقيق من جهة، ويكشف الأسباب الاقتصادية والاجتماعية التي أدت إلى مقتل فكري والتي يتضرر منها أغلب أبناء الريف من جهة أخرى. وفي 27 أبريل صدرت بعض الأحكام بالحبس في حق مسؤولين في إدارة صيد السمك وعمال بشركة التنظيف وموظفين في وزارة الداخلية، إلا أن تلك الأحكام عوض أن تخمد الاحتجاج زادت في تأجيجه، ليس فقط لأنها كانت تتراوح في الغالب بين خمسة وثمانية أشهر، ولكن لأن ما حدث لمحسن فكري أذكى الشعور من جديد بحالة التهميش الجماعي، وتنامى ذلك الشعور في ظل التجاهل والانشغال بما سمي ب “البلوكاج” الحكومي على مستوى المركز. وبعد تشكيل الحكومة تم ارتكاب أخطاء واضحة في التفاعل مع حراك الريف. أخطاء زادت من احتقان المحتجين ووسعت الإشعاع الإعلامي لقضيتهم، ويمكن إجمال ذلك في الآتي – تأخر التفاعل الحكومي وصمت رئيس الحكومة لمدة طويلة مما زكى الشعور بالتجاهل والتهميش. – تهمة الانفصال التي رفعتها أحزاب الأغلبية في وجه المحتجين قبل التراجع عليها بفضل ضغط إعلامي وشعبي . – الزج بأئمة المساجد بالترويج لخطاب يدين بشكل غير مباشر المحتجين ويصفهم بالفتانين. – تجاهل الوفد الوزاري لقادة الاحتجاج عند زيارته للحسيمة وحواره مع منتخبين ونشطاء جمعويين لا يحظى الكثير منهم بثقة المحتجين. – التمادي في الاعتقال، بحيث بلغ عدد المعتقلين حوالي 200 معتقلا. – التمادي في القمع والإذلال (القمع يوم العيد، كسر الأبواب، إرغام الزفزافي عن الكشف عن جسده وتصوير ذلك ونشره…). – تأييد أحزاب الأغلبية لمنع مسيرة 20 يوليو. تؤكد هذه العناصر أن المقاربة الأمنية هي الطاغية في التعامل مع حراك الريف. فرغم حديث السلطة عن استئناف وتسريع المشاريع التنموية، فإن ذلك لم يلق آذانا صاغية نظرا لاستمرار الاعتقال والقمع من جهة، ولغياب مخاطبين رسميين يحضون بالثقة من جهة ثانية. وبمقارنة ذلك بما حدث في 2011 نلاحظ أنه رغم حالات القمع المفرط الذي تعرضت له بعض مظاهرات حركة 20 فبراير، فإن الملكية سارعت إلى القيام بمجموعة من الإجراءات الدستورية والاجتماعية والحقوقية، مما شكل التفافا واضحا، وسحب البساط من حركة 20 فبراير، ويؤكد ذلك أهمية السياق الإقليمي والدولي في الضغط على الأنظمة. وأكد حراك الريف أيضا نفس الفرز السياسي الذي سبق أن أفرزته حركة 20 فبراير، بحيث أنه في مقابل أحزاب الأغلبية الحكومية، كانت هناك هيئات سياسية وحقوقية تدعم الحراك، من أهمها جماعة العدل والإحسان وفدرالية اليسار الديمقراطي وحزب النهج الديمقراطي والجمعية المغربية لحقوق الإنسان. وإذا كان حزب الأصالة والمعاصرة في جبهة السلطة إبان حراك 2011، فإنه تأرجح في الحراك الأخير بين مؤيد للحراك وبين من يشعر بذنب المسؤولية فيه، قبل أن يقف بمناسبة مسيرة 20 يوليو في صف الأغلبية الحكومية مؤيدا منع المسيرة. وهذا يبين نوع التأرجحات التي يعرفها هذا الحزب بعد انتخابات 7 أكتوبر. و كاستنتاج أخير يمكن أن نقول أن الخصوصية الهوياتية والمجالية في حراك الريف لا تمنع من القول أنه يشكل استمرارا لحراك 2011؛ خاصة على مستوى بعض الشعارات والمطالب، كشعار محاربة الفساد، وأيضا على مستوى بعض خصائص الفعل والفاعل في الحراك، من أهم ذلك التشبث بالسلمية وتنويع أشكال الفعل الاحتجاجي ووجود قيادات شابة. ومع ذلك يتأكد أن طبيعة التفاعل والمآلات تتأثر إلى حد بعيد بطبيعة السياقات والظروف التاريخية.