تقاطرت على البقاع الطاهرة لمقام مولاي عبدالسلام بن مشيش بجبل العلم مئات الوجوه المتوضئة منحدرة من شتى مناطق المغرب و من خارجه تشكلت من ممثلي الزوايا و الطرق الصوفية و العلماء و الأشراف و المجتمع المدني و مغاربة العالم و ممثلي سبتة و مليلية و الصحراء المغربية و الريف و ممثلين عن السلطة المحلية و الإقليمية و المركزية و غيرهم ، التفوا على برنامج مكثف متنوع المواد العلمية و الثقافية و التراثية و الدينية ، أشرفت على تنظيم هذا الموسم الكبير "جمعية الزاوية الريسونية" بقيادة الأستاذ الداعية المؤرخ مولاي علي الريسوني ، موسم الدعاء لأمر المؤمنين و هذا البلد الأمين في الملتقى ال7 لمجمع الصالحين ، المقام كالعادة بالبقاع النورانية لآل البيت الأطهار "جبل العلم" من بني عروس إقليمالعرائش . و كما جاء في مطوية وزعت بالمناسبة أن من أهداف و مقاصد هذا الموسم : الدعاء بإخلاص لأمر المسؤولين الساهرين على تدبير شأن الأمة المغربية و المتفانين في خدمة قضاياها المصيرية بالصلاح و التوفيق و بأن يسدل الله تعالى على بلدنا الأمين الأمن و الأمان و على ولاة أمره بموفور الصحة والعافية و العمل على تعزيز الأمن الروحي للمملكة المغربية و المساهمة في تفعيل التصوف السني الذي هو أحد مقومات الهوية المغربية ، و ترسيخ قيم التعايش و التسامح و الحوار و السلام ، و نشر و إشاعة المحبة و الإخاء و الثقة و التآلف ، و التحذير من العنف و الكراهية و الأحقاد و جعل الزوايا المغربية و المنتسبين إليها و جميع إمكانياتها في خدمة التنمية الشمولية ، و الترويج لمصطلح موسم الدعاء إذ في الوقت الذي نجد ببلادنا المئات و ربما الآلاف من المهرجانات و التظاهرات التي تحمل الأسماء و العناوين للفنون و الرياضات و الثقافة و الأنشطة التي تملأ الساحة ، يعد موسم الدعاء هذا هو الوحيد في المغرب الذي يتشرف بحمل كلمة الدعاء التي هي أساس الدين و روح العبادة . إلى غير ذلك من الأهداف التي قد تلخص في مضمون مقالنا و نتعرض لها في مقالات أخرى . و انطلقت المسيرة الرسمية نحو مقام القطب مولاي عبدالسلام بن مشيش فور الانتهاء من التجمع المنظم في الساحة الرئيسية للمركز المقابل للمسجد ، حيث استمتع الحضور بأنشطة فنية وفلكلورية و استمعوا لخطابات و أدعية ذات الصلة تلاها مشاركون قدموا من شتى مناطق المغرب . انطلقت المسيرة الحاشدة في اتجاه مولاي عبدالسلام وسط زغاريد و أذكار و تصلية و أمداح ، شدت انتباه الجميع مما كان لها الوقع النفسي و الروحي الكبير في وجدان الحاضرين . و الذي أثر تأثيرا بليغا في الجموع الغفيرة الحاجة إلى هذا النشاط ، موكب الزاوية الوزانية الذي تصدره الشيخ سيدي أحمد حيدرة محفوفا بباقة متنورة من الوزانيين و الوزانيات ، محبين و مريدين و أنصارا ، و خاصة بمدخل ساحة مقام المولى عبدالسلام حيث اتضح للمهتمين بالشأن الديني و الصوفي المغربيين بأن للزاوية الوزانية صوتا و جذورا لن تمحوهما أو تستأصلهما العوامل الهدامة الداخلية أو الخارجية مهما كان مكر مدبريها و نفوذ الواقفين وراءها . لقد حقق "موسم الدعاء" رسالته المرجوة ، بالتئام زوايا و طرق صوفية كثيرة و مختلفة ، و اجتماع شيوخها و مريديهم على كلمة واحدة ، صدع بها الواحد منهم تلو الآخر في الكلمات التي ألقيت قبيل صلاة الظهر بالجامع الرئيس للمركز ، حيث عبر الجميع و دون استثناء عن حرصهم الكبير بأن ينعم المغرب بالاطمئنان و السلم و السلام ، منددين جميعهم بما أسماه بعضهم بأيادي الغدر و مثيري الفتن و القلاقل التي تريد لهذا الوطن ما أريد بغيره من الأوطان الشقيقة من فوضى عارمة و حرب شاملة لم تتهلص نتها بعد رغم الخسائر التي لا عد لها و لا حصر . إنه خطاب وجهته حناجر عدد كبير من الزوايا و الطرق بواسطة مشايخها أو ممثليهم ، خطاب يسمو فوق الأنانية المستعلية و حب الذات ، و ينطلق في اللب من تفضيل مصلحة الوطن و الأمة على المصالح الشخصية ، حسب منطوق كل المتدخلين بلا استثناء ، مما يؤكد أن المغرب يمر بمنعرج خطير للغاية يتطلب إعمال العقل و المنطق و الواقعية في تعاطي مكونات المجتمع بشتى تلاوينها مع ما يعتمل في رحم المجتمع من تفاعل غير مسبوق تفرزه الساحة في أشكال تعبيرية يشكك المحللون في دوافعها و خلفياتها، مما يستوجب تكثيف الجهود مواسم الدعاء لاستمطار الألطاف الإلهية المحصنة للوطن من كل انزلاق نحو المجهول غير محمود العواقب على الأرض و الإنسان سواء . فعلا يقول ملاحظ ، بأن موسم الدعاء في نسخته الحالية قد حقق المراد ، و استطاع أن يبرز أهمية و ضرورة البحث عن سبل أخرى جديدة لتنفيس الاحتقان و السمو بالروح و جمع القلوب و بناء مغرب جديد ، ليعرف كل المغاربة أن للدعاء من الأهمية ما ينصر الله بفضله المظلوم و لو بعد حين و يخذل الظالم و لو أمهل لسنين .