دار الضمانة الإسم و المسمى ، لماذا هذا الإسم "دار الضمانة" : في ربوع القطر المغربي و خارجه في دول عربية و إسلامية ، تتردد باستمرار عبارة دار الضمانة على لسان الخاص و العام ، إما "تشفعا" أو دعاءا او توسلا أو استنجادا ، فلا تخلو مثلا في المغرب مدينة مهما كان علو شأن ساكنيها لا من ناحية النسب و لا من ناحية التحضر ، إلا و تجدهم في مجالسهم يكررون مرارا عبارة دار الضمانة ، و أغلبهم بطبيعة الحال يعرف المغزى منها و المراد ، و أما سبب هذا اللقب العظيم الذي اتصفت به العائلة الوزانية و معها زاويتهم الوزانية العريقة ، فيرجع تحديدا للقصة العظيمة التي حدثت لأم الأشراف الوزانيين للا فاطمة الزهراء بنت مولاي عبدالسلام بن مشيش قطب زمانه و الأزمنة مع أبيها و عمها في شأن زواج ابن عمها سيدي محمد بن سيدي يملاح بها ، حيث لما عرض عليها العم الأمر بعدما استشار مع أبيها الذي رضي لأول وهلة ، ردت على العم بقولها "نعم أتزوجه شريطة أن يضمن أبي لي و لعقبي سعادة الدارين ، حسب المتوارث من رواية تعاقبت على التداول في البيوتات العريقة لآل وزان العلميين اليملحيين . و منذ أن سألت للا فاطمة الزهراء أباها أن يضمن لها السر النوراني ، لها و لعقبها ، و الإسم دار الضمانة ملازم للعائلة الوزانية خصيصا ، و ما كان لجدة الوزانيين بنت القطب مولاي عبدالسلام بن مشيش أن تشترط على أبيها هذا الطلب لولا تعلقها المتين القوي بالسند الروحي العظيم المتصل بسيدنا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ، حتى تظل العائلة الوزانية الكبيرة متصلة النسب الطيني و السند الروحي بسيد الخلق أجمعين ، و حتى يكون طلبها مهرا نفيسا لا يقارن ، لا ترجو من ورائه سوى وجه الله و ألا يلفتها الزواج عن السير عكس الطريق الموصل إليه سبحانه . لم يتردد مولاي عبدالسلام بن مشيش عن تلبية طلب ابنته المصونة الهادية المهدية ، لعلمها بمقصدها و مرادها من طلبها النبيل ، قائلا أنا ضمن لك و لعقبك السر و السعادة إلى يوم القيامة ، فنعتت عائلتها ب"دار الضمانة" .. و ما ضمنت ، و بالنظر للعبارة و لقائلها و لطالبها ، فإن الأمر لن يفه مببساطة من طرف القشوريين السطحيين ، و من طرف الباحثين الأكاديميين ولا من غيرهم ، لكن المنوط به فهم مغزى العبارة و مراميها أهل الله و خاصته من المتصوفة و السالكين مسلك الإحسان و التقرب من الله عز وجل ، و ما لبث أن تطور المسمى إلى أن أصبح ذا مدلول اللجوء السياسي مثلما هو شأن المجاهد الكبير محمد بن عبدالكريم الخطابي لما آوى إلى زاوية اسنادة بالريف متحصنا بالوزانيين لما لهم من نفوذ روحي بالمنطقة ، من افتراس الفرنسيين له . و تروج بكثرة روايات عن سر التسمية نقف هنا على بعض ما كتب في الموضوع : لقد عرفت مدينة وزان عبر التاريخ بتسميات عدة كما جاء في كتاب " قليل من كثير عن تاريخ وزان " لمؤلفه المشيشي، سميت ب "زاوية وزان" ونجد ذلك في بعض الوثائق العدلية ،تارة حملت المدينة إسم "دار وزان" ، و تارة كتبها بعض المؤرخين " بوزان " أي بألف الحمل بعد الواو . ولكن مدينة الشرفاء كثيرا ما اشتهرت " بدار الضمانة "، ولهذا النعت الملتصق بالمدينة أسباب تاريخية شتى، والضمانة هنا تأتي بالمعني الصوفي كما تأتي بالمفهوم العادي المتداول في القانون الوضعي اذ كان كثيرا ما يلجؤ الجناة إلي بعض الزوايا والأضرحة ، ويحتمون بها هربا من ملاحقتهم و القبض عليهم من طرف السلطات الحاكمة ، ولم يستثني عهد الحماية الفرنسية بالمغرب من عهد الممارسات ، إذ كثيرا ما كان المستعمر يحترم قدسية هذه الأماكن. وللتاريخ أمثلة عن ذلك ، فقد سبق للمجاهد الريفي الكبير عبد الكريم الخطابي نفسه أن التجأ إلي الزاوية الو زانية "بسنادة" بالريف سنة 1926م تحت حرمة وضمانة الشريف البركة – سيدي احميدو الوزاني الذي توسط المفاوضات بين القوات الفرنسية وزعماء الثورة الريفية الواضعة أوزارها. والزاوية الو زانية أينما وجدت فهي امتداد لفضاء "دار الضمانة " ولم يكن هذا الضمان بطلب من زاوية وزان فقط ، بل يذكر التاريخ كذلك اعتكاف عدة قادة ثوار بضريح مولاي إدريس بفاس وزرهون ولجوء بعض الملوك العلويين الغاضبين إلي الحماية بحر م ضريح مولاي عبد السلام بن مشيش كما لجأ أمراء علويون إلى زوايا مشايخ آل وزان مخافة أن يفتك بهم السلطان . الضمان الصوفي الأخروي أو ضمان الجنة: الضمان الصوفي لا يعرفه ولا يتكلم عنه ولا يمنحه إلا أهل الصوفية فهو ضمان التوبة والمغفرة يوم الحساب لكل من كتب له الله أن يواري جثمانه بأرض مدينة وزاغن المقدسة . فلقد تكلم عن هذا الضمان أولياء صوفيون مرموقون في هرم مشيخة الزاوية الو زانية . وأورد صاحب " الروض المنيف " جملة من الروايات قال: فمن ذلك الضمان الشريف أن الجد العاشر لمولانا عبد الله الشريف وهو سيدي يملح بن مشيش أراد أن يزوج ابنه سدي محمد من بنت عمه فاطمة بنت مولاني عبد السلام ابن مشيش فكلم في ذلك أعمام أبيها و أخاه وطلب منهم أن يرفعوا ذلك إليه فأمرهم باستيمارها فامتنعت وقالت :إنها مشغولة بنفسها وبعبادة ربها فالحوا عليها لما علموه من طيب نفس أبيها بتزويجها من ابن عمها فاشترطت أن يعطيها السر يكون لها ولذريتها إلي يوم القيامة أو أن يضمنوا ذلك إلى أبيها فأجابهم إليه وضمنوه لها ورجعوا إليه بذلك فقالت : لا أفعل إلا بحضور النبي صلي الله عليه و سلم و ضمانه فحضر صلي الله عليه السلم و ضمن السر لها ولذريتها إلي يوم القيامة.
ومن ذلك الضمان الشريف ما وقع للشيخ span data-ft="{"tn":"K"}"سيدي علي بن أحمد بن مولاي الطيب بن مولاي محمد بن مولاي عبد الله الشريف مع الفقيه الرهوني صاحب الحاشية علي مختصر خليل. وذلك أن أهل الذمة بوزان كانوا يدفنون موتاهم خارج البلد على مرحلة منه فكان اللصوص يعترضون طريقهم ويلحقون الضرر بهم فاستغاثوا بالفقيه وطلبوا منه أن يتوسط لهم و أن يقنع الشيخ لهم بدفن موتاهم داخل البلد فكلم الفقيه الشيخ في دلك عدة مرات في أوقات متفرقة دون أن يجيبه بشيء فحرر الفقيه فتبا يجيز فيها دلك من جهة الشرع ورفعها إلي الشيخ و عاتبه علي عدم إجابته فتغير وجه الشيخ وقال للفقيه : أن شئت في وجهك حتى اليهود لا يدخلوا النار بسبب دفنهم بوزان فنعم و سادتنا رضي الله عنهم ضمنوا أن من دفن بأرض وزان وما حولها لم تمسه النار و ذلك فضل الله يوتيه من يشاء.
من أقطاب الصوفية العظماء في العالم الإسلامي الغربي : الشريف الإدريسي "مولاي عبد الله الشريف" بن سيدي إبراهيم، مؤسس الزاوية الو زانية في النصف الأول من القرن السابع عشر الميلادي.
نسبه:
هو "مولاي عبد الله الشريف " بتزروت – من قبيلة بني " عروس " الواقعة علي ضفاف جبل " علام " ودلك حوالي سنة 1579. و نشأ رحمه الله يتيما في سن مبكر ، حيت لم يكن يتجاوز عمره العاشرة فكفله أعمامه الشرفاء الريسيونيو...، وحرصوا علي تلقينه القرآن الكريم و مبادئ الدين الإسلامي الحنيف، ثم عهده إلي الوالي الصالح سدي علي بن أجمد الكر فطي دفين جبل " الصرصار " قرب وزان بقبيلة مصمودة، فلقنه الطريقة الجاز ولية الشادلية. وبعد مقامه مولاي علي بن أحمد الكر فطي التحق الشريف "مولاي عبد الله الشريف" بتطوان ثم بفاس لطلب العلم . وفي هده المدينة الأخيرة التقي –بما شاء الله أن يلتقي به - من علماء ورجال التصوف ، ومن بينهم العالم الصوفي المرموق سيدي محمد بن علي ابن عطية ألزناتي ، وبعد وفاة مولاي علي بن أحمد الكرفطي رجع مولاي عبد الله الشريف إلي مدشر " سكرة " بامزفرون بين مصمودة و غزاوة و رهونة واقام به عبد ربه حتى أتاه اليقين ،فظهر له ذات ليلة النبي صلي الله عليه وسلم وأشار عليه بالدخول في شؤون الدنيا حتى يكون أكثر نفعا لبني البشر ، عند دلك تقرب الوالي الصالح مولاي عبد الله الشريف من وزان و جعل من مدشر "ميقال"، خلوة له ... فلم يلبث به طويلا حتى التحق بوزان حيث اجتمع حوله المريدون ومحبوا أهل البيت فما كان منه إلا أن أسس زاوية كتب الله لها أن يذيع صيتها في أرجاء المملكة المغربية، و حتى في شمال إفريقيا و بلاد الشرق.
توفي سنة 1678م وافاه الأجل المحتوم، حيث دفن بوزان وشيد علي قبره مسجد كبير لا يزال قائما إلي يومنا هدا يحمل اسمه و بحجه العديد من الزاوية. و قد لاحظنا فيما سبق حول سبب تسمية "دار الضمانة" كيف عرف الإسم تطورا و تحولا و تعددا في الاستعمالات و التأويل و التوظيف ، بحث انطلق من ضمان السر الروحي ، إلى الضمان بمعنى "اللجوء" ، كما شهد بذلك التاريخ عن أبطال و قواد و أمراء و متردين ، آووا غلى الزاوية طالبين "اللجوء السياسي" و الحماية لحياتهم ، من ثأر خصومهم و أعدائهم ، و هذا ما زاد من تكريس أهمية إسم دار الضمانة و استمراره و فرضه لمكانته في المخيال الشعبي الواسع إلى يومنا هذا تحت إسم "دار الضمانة" ، أينما وجد فرع من فروع الزاوية الوزانية أو عصن من أغصان العائلة الوزانية الشريفة.