لم تستعد مدينة وزان، هناك على الشريط الجنوبي لجبال الريف، بعضا من شخصيتها وتدخل نادي المدن «السائرة في طريق النمو»، إلا في 2010 حينما تقرر أن تتحول «دار الضمانة»، وهي التسمية التي تعرف بها أكثر بين سكانها، إلى عمالة قد تخرجها من تلك العزلة التي طالت لعقود من الزمن باعتبار وزان واحدة من حواضر المغرب القديمة. ولا غرابة أن يعتبرها السكان مدينة مقدسة باعتبارها أرض الشيخ المولى عبد الله بن إبراهيم، الذي سعى ليصبح سلطانا في المغرب في حدود سنة 1700، بعد أن أسس جماعة أطلق عليها «الطبية» المنحدرة من سلاسة المولى إدريس، والتي أصبحت في تلك الحقبة هي الحاكمة في المدينة، قبل أن تنقلب عليه المدينة حينما اختار أن يطلق زوجاته المسلمات الثلاث ويتزوج البريطانية «إميلي ني» وهي مسيحية في أواخر سنة 1800. والتي ستستقر بالمغرب. وعند وفاتها حملت إلى كنيسة «سانت أندرو» بطنجة لتدفن هناك، حيث أصبح قبرها الشهير مزارا بمدينة البوغاز. عرفت مدينة وزان عبر التاريخ بتسميات عديدة. فهي «زاوية وزان». وهي «دار وزان»، وتارة كتبها بعض المؤرخين «بوزان». لكنها اشتهرت أكثر بلقب «دار الضمانة». ولهذه الصفة التي عرفت بها المدينة أسباب تاريخية شتى. فالضمانة لها بعد صوفي. كما أنها تحيل على أولئك الجناة الذين كانوا يهربون إلى بعض الزوايا والأضرحة، للاحتماء بها هربا من ملاحقتهم والقبض عليهم من طرف السلطات الحاكمة. وهو السلوك الذي لم يستثن عهد الحماية الفرنسية بالمغرب، إذ كثيرا ما كان المستعمر يحترم قدسية هذه الأماكن. ومن أكبر الأمثلة على ذلك أن الزعيم عبد الكريم الخطابي كان قد التجأ إلي الزاوية الوزانية «بسنادة» بالريف سنة 1926م تحت حرمه وضمانة الشريف سيدي احميدو الوزاني، الذي توسط المفاوضات بين القوات الفرنسية وزعماء الثورة الريفية، على اعتبار أن الزاوية الوزانية أينما وجدت، هي امتداد لفضاء «دار الضمانة». بل إن بعض الملوك العلويين الغاضبين احتموا هم أيضا بحرم ضريح مولاي عبد السلام بن مشيش، خوفا من البطش الذي كان يتهددهم. أما اسم المدينة، فقد اختلفت الروايات بشأن أصله. فمن يتحدث عن أصله اللاتيني حيث كان ولي عهد أحد أباطرة الرومان يحمل اسم «اوزينوس» ومنه جاء اسم وزان. ومن يقول إن كل حرف من حروف «وزان» يشير إلى صفة من صفاتها. فالواو، ورع، والزي، زهد، والألف، إيمان، والنون، نور. هذا بعض من تاريخ المدينة. أما حاضرها، فلا يزال يعاني من كل أصناف التهميش، غيرعناوين الورع والزهد والإيمان والنور. ورغم مرور خمس سنوات على ترقيتها لمرتبة عمالة، إلا أنها لا تزال تنتظر. الترقية التي يقول المسؤولون إنها ستحمل معها تغييرا جذريا لوزان التي ستنعم أخيرا ببنيات تحتية تستحقها من صرف صحي وطرقات، وماء صالح للشرب، وكهربة للدواوير التي تحيط بها، وللمدينة القديمة الموجودة جنوبها، والتي تعرف بالملاح حيث كان يعيش اليهود، الذين فروا من الأندلس للاحتماء بها أواخر القرن الرابع عشر الميلادي في أمن واستقرار في ضيافة دار الضمانة. وإلى اليوم لا تزال المقبرة اليهودية، إلى جانب مقبرة المسلمين جنبا إلى جنب، دليلا على روح التسامح التي كانت سائدة بين أهل وزان. ظل السكان يتداولون من قبل حكاية مخزنية تقول «اتركوا أهل وزان في وزانهم يفعلون ما يشاؤون». وكان ذلك دليلا على أن التهميش سيستمر. وأن العزلة، التي عاشتها مدينة كان أحد أبنائها يحلم بحكم المغرب، ستتواصل. غير أن خطوة يسميها السكان بخطوة «إنصاف ومصالحة» في اتجاه دار الضمانة، ستحاول رفع الظلم ابتداء من 2010. لقد كانت أولى الزيارات التي قام بها الملك محمد السادس إلى مدينة وزان، إشارة قوية على ضرورة رفع الطوق عنها، وهي التي لم تركب قطار التنمية لعقود من الزمن. غير أن بعض المشاريع التي دشنها الملك، توقفت بمجرد بدايتها. أما سياسة الهدم والبناء، فلا تنتهي وكأن المدينة خرجت للتو من زلزال، أو من حرب أهلية. في حين لا يزال الهاجس الأمني يسيطر على مسؤولي المدينة، الذين حولوا دارا للشباب، ومركبا للمرأة بأحد أحياء المدينة، إلى مقاطعة. وكأن التنمية لا تستقيم في دار الضمانة، إلا بالضبط والقهر. قدر للمدينة أن ترتبط بالشأن الروحي لوجود عدد من الأضرحة والأولياء في كل شبر من ترابها. فهي دار الضمانة، ومعقل الشرفاء، حيث ينشد أهل الذكر « من تازة وأنا نسال على دار سيادي..قالو لي في وزان مولاي التهامي». غير أن هذه الصفة لم ترفع عنها التهميش، وكأن أيادي خفية هي التي أرادت أن تجعل منها مدينة لزوار خاصين يبحثون عن البركة، و«الجذبة» الوزانية، بدلا من تحويلها إلى وجهة سياحية تستقطب أعدادا من عشاق ركوب الجبل بالنظر للموقع الاستثنائي الذي توجد به. غير أن تاريخها قد يكون سببا فيما آلت إليه المدينة، حيث يحكى أن سلاطين المغرب كانوا يتحاشون زيارة وزان، لأن كل من زارها يصاب بمكروه. ويقولون إنها آخر مدينة زارها السلطان محمد الخامس قبل أن توافيه المنية بعد عملية جراحية بسيطة خضع لها. لكن الملك محمد السادس زار المدينة. ومع كل زيارة كانت دار الضمانة تغسل وجهها وتستعيد ابتسامتها، لكن سرعان ما تعود إلى سابق عهدها. ويحكى أن سر تهميش وزان يرجع أيضا إلى تلك العلاقة المتوترة التي جمعت لعقود طويلة، بين الزاوية الوزانية، والسلاطين العلويين، حيث طمع مولاي عبد السلام الوزاني في عرش الملك الحسن الأول، نظرا لأن أصول الوزانيين تعود، كما يفخرون بذلك، إلى فاطمة بنت الرسول محمد صلى الله عليه وسلم. اليوم يتمنى الوزانيون أن تتغير ملامح المدينة إلى الأحسن بعد أن حملت صفة عمالة، مع ما يمكن أن يرافق هذه الخطوة من إصلاحات انتظرتها دار الضمانة لعقود.