أود لوكاتيللي هي أستاذة الأدب المقارن بجامعة «بروفانس» الفرنسية ، و موضوع هذا الكتاب هو العلاقة بين الأدب والموسيقى خلال فترة زمنية معينة هي القرن العشرون. إن العديد من الأسئلة تنطرح في الواقع حول العلاقة بين هذين المشربين الإبداعيين ، وحول مدى التشابه والاختلاف بينهما، أو مدى تنافسهما، أو تواطئهما، لاسيما في القرن الماضي، العشرين، الذي لم يتردد البعض في وصفه ب«الإمبراطورية المتفجرة». الملفت للانتباه، وعلى عكس ما يمكن أن يتبادر الى الذهن، هناك افتقار كبير للدراسات التوليفية الجامعة في هذا الميدان على عكس ما هو الأمر مثلاً بالنسبة لقرن التنوير، القرن الثامن عشر، أو للحقبة الرومانسية. ومن هنا يأتي هذا الكتاب ليسد ثغرة حيث أن المؤلفة تدرس مختلف الحركات و«المدارس» التي يلتقي فيها الأدب بالموسيقى ، يلتقي فيها «الكتاب والمؤلفون الموسيقيون» مثل الانطباعية والتعبيرية والمستقبلية والدادائية.. الخ. وعبر هذه الدراسة تقدم مؤلفة هذا الكتاب رؤيتها حول تطور الأشكال الموسيقية، الأدبية ضمن الإطار الأكثر شمولاً للحداثة الأدبية، الفنية، لاشك هناك مؤلفات كثيرة حول الموسيقى في القرن العشرين واضعافها عن الأدب فيه والبعض عن «الأداب الموسيقية الحديثة والمعاصرة»، او مارس بعضهم «التحدي الادبي للموسيقى». وترى المؤلفة بأن القرن العشرين قد عرف على صعيدي الموسيقى والأدب «تطورات» بل «ثورات» تجعل منه أحد أكثر الفترات خصوبة من حيث ما تقدمه من تجارب متنوعة. وكان أحد الباحثين في تاريخ الموسيقى الحديثة قد وصف موسيقى القرن العشرين بأنها مثل «ملتقى دلتا لأهداف ووسائل متعاظمة باستمرار ، وقد اعتمدت المؤلفة في دراستها هذه حول العلاقة بين الأدب والموسيقى على منحيين أساسيين، يعتمد أولهما على بحث هذه العلاقة في تسلسلها الامني لمجمل الحركات الرئيسية والتيارات والمجموعات التي التقت في إطارها جهود الكتاب والمؤلفين الموسيقيين . و يتم في هذا السياق التعرض أولاً لتيارين عريضين هما الانطباعية والرمزية، خاصة خلال العقدين الأولين من القرن العشرين، وحيث أنهما كانا قد شهدا بداياتهما في نهاية القرن التاسع عشر. وفي تلك الفترة كان الموسيقي الفرنسي «دوبيسي» قد اختار لإحدى أعماله الموسيقية عنوانا كان الشاعر «مالارميه» قد جعله عنوانا لأحد أشعاره ، وكان بعض النقاد قد اعتبروا «كلود دوبيسي» بمثابة أحد أكبر الثوريين على صعيد اللغة الموسيقية في فجر القرن العشرين إلى جانب سترافنسكي وشوينبرج . وإذا كان استخدام صفة «الانطباعية» في ميدان الرسم لم يأت من قبل الرسامين أنفسهم وإنما من قبل نقاد الفن الذين كانوا قد استخدموه خلال عقدي الستينيات والسبعينيات من القرن التاسع عشر للحديث عن فنانين رسامين كبار من أمثال مونيه ومانيه وبيسارو وسيسلي وغيرهم.. فإنه قد تم استخدامه أيضا في مجال الموسيقى من قبل النقاد والموسيقيين أيضا ، وليس من قبل الموسيقيين أنفسهم في حديثهم عن «دوبيسي» و«رافيل» أو «دوكابر» أو غيرهم. ولم يتردد بعض هؤلاء النقاد في المقارنة بين «دوبيسي» في الموسيقى و«مونيه» في الرسم، وكان قد تم أيضا استخدام صفة «الانطباعية» للدلالة على عدة ظواهر أدبية وخاصة على أدب مجموعة من الكتاب الشباب في فرنسا كانوا قد حاولوا في بداية القرن العشرين إعلان معارضتهم الجذرية للتيار الطبيعي في الكتابة والذين اتهموه بأنه «تقريري» بينما أرادوا هم أن يعبروا عن المشاعر والعواطف الإنسانية بل وعن الواقع نفسه «بما يوحي به من انطباعات». إن ما جمع آنذاك بين الأدب والموسيقى هو أنهما كلاهما بمثابة «فنين» ينتميان الى زمنهما، من هنا يمكن الحديث عن «اللقاء» بين الشاعر «مالارمين» والموسيقي «كلود دوبيسي»، كما أمكن ضمن النهج نفسه من التفكير والمقارنة الحديث عن «الرمزية الموسيقية» على غرار «الرمزية الادبية». هذا مع التأكيد على إعلان الرمزية في الأدب، إنما قد جاءت كرد على، أو بالأحرى كدحض ل «الوضعية التي يتسم بها الأدب الطبيعي على غرار ما كان يكتبه إميل زولا والذي حاول الاقتراب من العلم». وتجد المؤلفة في «التعبيرية» وريثا ل «الرمزية» وكانت التعبيرية قد بدأت في ألمانيا أولا منذ مطلع عقد العشرينيات الماضي كتعبير «أدبي وفني»، لكنها وجدت تفتحها أولا على صعيد الرسم حيث أطلق النقاد على رسامين من أمثال ابراك وبيكاسو في بداياته والتي ركزت «كرد فعل على الطبيعة الانطباعية» على إبراز القوى الحية للكينونة، وذلك عبر الألوان الصارخة وقوة التعبير. وقد وجدت هذه الحركة صداها في الموسيقى وخاصة لدى «شوينبرج» الذي أعطى في موسيقاه «المعادل الموسيقي للثورة التعبيرية في الرسم والأدب. ومن أعماق الانطباعية والرمزية والانطباعية والتعبيرية وُلدت فيما بعد حركات جديدة مثل المستقبلية و«التكعيبية» ، وذلك كنزوع نحو التجديد و«الإثارة» و«مزج» الأنواع الفنية والأدبية ، بما سمح لأحد النقاد بالحديث عن رسم الأصوات والضجيج والرائحة، لكن بكل الحالات تجد التيارات والحركات الفنية المختلفة في القرن العشرين بداياتها أساسا في ميدان الرسم، وكانت فترة ما بين الحربين العالميتين ، الأولى والثانية قد شهدت قيام مجموعة من الموسيقيين ثم تعميدها باسم مجموعة الستة والتي أكد مؤسسوها على التداخل الكبير بين مختلف المشارب الأدبية والفنية والموسيقية، وقد تمت ترجمة مسألة الداخل هذه عبر ضم الكاتب المسرحي «جان كوكتو» للمجموعة «العضو السابع» وضمن هذا الاطار «الزمني» شهدت «السريالية» بداياتها والتي كان من بين خصائصها الأساسية وخاصة لدى مؤسسها الرئيسي اندريه بروتون عدائها «الجذري» للموسيقى إلى درجة أنه لم يتم أي ذكر لها في «البيان السريالي». إن هذه التيارات كلها «اخترقت» أصداؤها القرن كله ووجدت تداخلاتها بين الأدب والموسيقى، ولكن مع قدر أكبر من «الواقعية» في النصف الثاني من القرن، وبحيث تتحدث المؤلفة عن وجود «رابطة» بين «الوجودية» و «موسيقى الجاز» و«الأغنية» الحديثة، وأيضاً إلى جانب زيادة التداخل بين عمل «الكتاب» والمؤلفين والموسيقيين، و بين «الشعر» والموسيقى، هذا فضلاً عن «الدور المسرحي» و«الوظيفة المسرحية للموسيقى، على صعيد الأوبرا و«المسرح الموسيقي». *كتاب عن الأدب والموسيقى ومواطن اللقاء بينهما.