عندما اغتالت يد الإرهاب الآثمة المصورة المغربية ليلى العلوي بمدينة واغادوغو ببوركينافاصو في 15 يناير من العام الماضي، كانت صاحبة الكاميرا الحساسة منهمكة في فعل ما كانت تتقنه دوما، وهو تحويل كاميراتها إلى ريشة لرسم التفاعلات الإنسانية والمعاني الصاعدة من الأعماق، لتقدمها صورا ثابتة من حيث الشكل، زاخرة بالحركة والحياة في دلالاتها ومعانيها. لطالما أظهرت أعمال الفنانة الشابة، المولودة في باريس في 10 يوليو 1982 للأب المغربي عبد العزيز العلوي والأم الفرنسية كريستين، الحقائق الاجتماعية والوطنية في طريقة تعبيرية على حدود الفيلم الوثائقي والفنون البصرية. وهي التي اختارت موضوعا رئيسا لأعمالها يتمثل في الهوية الثقافية والهجرات، من خلال خلق تركيبات الفيديو والتقارير وصور الاستوديو، وخصوصا من خلال استوديو محمول تنتقل به إلى قلب الحدث. بعد أنهت ليلى تمدرسها في ثانوية فكتور هيغو في العاصمة الفرنسية، اختارت تعلم فن التصوير في جامعة مدينة نيويورك حيث حازت شهادة إجازة العلوم في الفوتوغرافيا، وسافرت بعد ذلك في أوربا ثم أمريكا قبل أن تستقر في المغرب ابتداء من سنة 2008، مع سفرها بصفة منتظمة إلى بيروتوباريس. ومن خلال سلسلتها الفوتوغرافية "المغاربة"، المستوحاة من سلسلتي "الأمريكيون" لروبرت فرانك و "في الغرب الأمريكي" لريتشارد افيدون، تجمع المصورة الراحلة بورتريهات مأخوذه على المباشر، من دون اصطناع لتبيان الوجه الحقيقي للمغرب. رحلتها التي لم تعد منها إلى بوركينافاصو لم تختلف عن طبيعة عملها بأبعاده الإنسانية، حيث كانت تحضر لروبورتاج لصالح منظمة العفو الدولية، قبل أن تصطادها رصاصات الإرهاب الأرعن من شرفة مقهى كابوتشينو في 15 يناير 2016، وتعيش ثلاثة أيام في حالة سريرية معقدة جراء الجراح الخطيرة التي أصيبت بها، لتفارق الحياة في 18 من يناير. وفي ذكرى مرور سنة على رحيلها، تستعدّ عدّة مدن حول العالم لإقامة معارض لأعمال الفنانة الراحلة تتوزّع على مدى هذا العام، حيث افتتح في التاسع من يناير الجاري بوجدة معرض للفنانة بعنوان "مغربيات في المقدمة"، ويتواصل حتى 31 من الشهر الجاري، كما ينظّم "متحف الفنون الجميلة" في مونتريال، معرضاً يبدأ في 18 يناير الحالي ويستمرّ لغاية 30 مارس القادم، ويحمل عنوان مشروعها الفوتوغرافي الأوّل "أنت لن تمرّ" الذي عكست فيه، كما في أعمالها اللاحقة، التزامها الإنساني بالقضايا الاجتماعية. يضمّ المعرض 24 صورة تحكي قصّة الشباب المغربي الحالم بمستقبل أفضل في الجهة الأخرى من البحر المتوسط، لتقف الصورة شاهدةً على واقع هؤلاء وتطلّعاتهم. استطاعت العلوي في مجموعتها هذه التقاط الجوهر المؤلم لحياة تترنّح على حافّة فقدان الأمل في مكان صار بعيداً، خلف الحدود التي اجتازها أولئك الشباب لينتهي بعض منهم بإحراق هويّته أو حتى حياته نفسها. من جهته يعمل مسرح "الحرية" في مدينة تولون الفرنسية، على تحضير معرض "ناطرين" (اسم المشروع الذي اشتغلته العلوي عام 2013)، المقرّر افتتاحه في 2 مارس القادم. فيه تعرض مجموعة من الصور التي سعت فيها المصوّرة إلى إلقاء بعض الضوء على الحياة اليومية للاجئين السوريين في لبنان. صور لرجال ونساء وأطفال، ضحايا فرّوا من الحرب يُقاسون الألم يومياً على بعد كيلومترات من بيوتهم المهدّمة. في 22 مارس أيضاً سيُتاح للجمهور في باريس، في "لا غراند أل دو لا فييت" مشاهدة عرض فيديو لمجموعة "عبور"، التي ترصد تجربة مهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء عبر رحلة خطرة لبلوغ شواطئ أوروبا. في مشروعها هذا أرادت العلوي أيضاً إرسال إشارة حول مفهوم أوروبا بوصفها "مدينة مثالية" في المخيال الأفريقي.