حملت "الثواني" الأخيرة من عمر حكومة عبد الإله بن كيران، رسائل دالة وجهها الملك محمد السادس بشكل غير مباشر لكل الفاعلين السياسيين بخصوص أداء تلك الحكومة، شكلت منعطفا حاسما في القطع مع استغلال اسم الملك في الدعاية الانتخابية المضادة لحزب المصباح وأمينه العام، خصوصا أنها جاءت بعد الهجمات والاتهامات والإشاعات التي شنها "خصوم الديموقراطية" ورعاة "التحكم". أقحم خصوم بن كيران اسم الملك بطرق بشعة، وقاد الهجمات حزب الأصالة والمعاصرة وبعض من المحسوبين على السلطة ثم أشخاص منتمون لأحزاب إدارية، روجوا لغضبات ملكية على رئيس الحكومة، وحاولوا استغلال خطاب العرش الأخير لتخويف البسطاء من حزب العدالة والتنمية، والترويج لما يزعمون أنه "إرادة القصر" تولي حزب البام للحكومة المقبلة. ثم جاءت المسيرة المذلة المتخلى عنها، والتي صارت أضحوكة في العالم، لكي تشكل وعيا سياسيا جديدا لدى كثير من المتابعين والفاعلين السياسيين من مختلف الاحزاب والتوجهات الفكرية، تدعو بقوة إلى الدفاع عن مسيرة الإصلاح الديمقراطي في البلاد، وعدم السماح بالعودة إلى ما قبل 2011، وذلك بالاصطفاف الديموقراطي، وسد الطريق عن قوى التحكم.. المسيرة التي شكلت إساءة كبيرة لصورة المملكة على الصعيد الدولي، وقيل إنها خلفت امتعاضا وسط الدوائر العليا في البلاد، لم تجد من يدافع عنها او يتبانها، وتهرب الداعون إليها من نتائجها، بعدما أفرغت الكثير من الدعم في سلة حزب المصباح، على غير ما كان مرجوا منها، واضطر من يقف وراءها إلى التراجع عن تنظيم مسيرات في المدن التي يسيرها حزب العدالة والتنمية في حال نجاح مسيرة الدارالبيضاء، على عكس ما حصل. بعدها بأيام ثمن الملك محمد السادس في رسالة موجهة إلى محافظي الأبناك المركزية، تلاها والي بنك المغرب، خطة الاصلاح الاقتصادي التي قادتها حكومة بنكيران، والتي نجت المغرب من أزمة كانت محتملة، وأنعشت الاقتصاد الوطني ووضعته على السكة الصحيحة في ظل ظروف إقليمية ودولية مضطربة.. هذا الإقرار الملكي بنجاعة السياسة الاقتصادية لحكومة ابن كيران، كان ضربة موجعة لأصحاب نظرية "ما دار والو"، وكان أول من التقط الرسالة هو حزب الأصالة والمعاصرة نفسه، ليضطر ليلتها إلى ارتجال تغيير سريع وآني لشعار حملته الانتخابية من شعار "الإنقاد" إلى شعار "التغيير الآن" لتكون صفعة قوية له. وفي الوقت الذي تصاعد فيه الحديث عن تحول حكومة عبد بنكيران إلى مجرد حكومة تصريف أعمال، تمضي الوقت من أجل الوصول إلى المحطة الانتخابية، جاءت رسالة المجلس الوزاري الذي انعقد أول أمس الاثنين بمدينة طنجة، ليظهر استمرار عمل الحكومة بكل صلاحياتها حتى في عز الحملة الانتخابية، وكان ظهور الوزراء إلى جانب الملك في المجلس الوزاري تعبيرا قويا عن زيف الادعاءات بغضب الملك على الحكومة ورئيسها والحزب الذي يقودها. ومباشرة بعد المجلس الوزاري كلف الملك محمد السادس رئيس الحكومة بتمثيل المملكة الشريفة في حفل تنصيب الرئيس الغابوني عمر بانغو، الذي يوصف بأنه صديق للمغرب، في إعلان صريح عن الثقة الكاملة في شخص عبد الإله بنكيران، وهو ما اعتبره متابعون إشارة إلى عدم وجود أي مانع لدى المؤسسة الملكية من استمرار عبد الإله بنكيران على رأس الحكومة في حال تصدر حزبه للانتخابات، خلافا للتكهنات والتحليلات التي روجها بعض الكتبة خلال الفترة الماضية. من كل ما سبق، تبدو الأسباب واضحة وراء الارتياح الكبير والثقة العالية التي أبداها رئيس الحكومة في مهرجانه الافتتاحي للحملة الانتخابية، يوم الأحد الماضي في الرباط، عندما هتف وسط أزيد من 20 ألفا من انصاره "الماتش سالا"، ويجعل الطريق إلى انتصار 7 أكتوبر معبدا أمام الزعيم الإسلامي، بالرغم من كل العراقيل الموضوعة أمامه من قبل جهات حادت عن الحياد المفترض فيها، لتدعم طرفا سياسيا مناوئا.