من بين اهم عاداتنا المغربية المتجذرة في التاريخ، والتي بكل اسف اصبحت من تقترب من الانتماء الى مخلفات الماضي، ليلة العشاء. لم يخل ولا منزل واحد مغربي من عادة كانت تعتبر الليلة التي ينتظرها الجميع و بكل شوق و بمنتهى الصبر، انها الليلة التي تأتي بعد يوم السوق الاسبوعي. منطقة كمنطقة زعير، على سبيل المثال لا الحصر، اثنين عين السبيت، ثلاثاء مولاي ادريس اغبال، اربعاء الرماني، خميس زحيليكة، جمعة مول البلاد، السبت مرشوش(مغشوش)، و احد البراشوة و احد العوالم. فالليلة التي تلي السوق الاسبوعي لمدينة الرماني، فمجرد المرور من جنب اي منزل منزل او دار دار تجذبك رائحة الطبق المغربي الشهير، المرقة باللحم و الخضر. رائحة تحيلك على اللحظة التي تتسم بالفرحة الواسعة التي ينتظرها الجميع منذ اسبوع، الا و هي لحظة التجمع على ذلك الطبق الشهير، طبق المرق بالخضر و الذي يتوسطه اللحم، غالبا ما يكون لحم البقر. حول مائدة (طبلة) مستديرة، يجتمع حولها كل افراد الاسرة، لان اللحظة ممكن وصفها بالمقدسة، و التي هي بالمناسبة تعتبر حاصل ما انتج الاب لمدة اسبوع و التي تتوج بهاته الهدية الاسبوعية، الوليمة العائلية، الاكل و خصوصا طقوس الاكل هو من المكونات الحضارية لامة ما و لشعب ما، فعلى المستوى الاجتماعي و المجتمعاتي فمكون الاكل يعتبر بصمة مجتمعية و علامة فارقة في التعريف بهوية المجتمع، ومن هنا نمد الشاهد الى تلك القصعة المملوءة بالكسكس يوم الجمعة بعد صلاة الجمعة، و ما لها من دلالات روحانية حتى في مخيلة الانسان المغربي، حتى اننا نقول و بكل عفوية، فيها الاجر، لا لشيء الا لانها تاكل مباشرة بعد صلاة تعد مقدسة، و لا يكتمل طعمها الا باجتماع الكثير من الافراد حولها وان كان نصيب كل واحد لقمة فقط. فرب البيت يفرض على جميع افراد الاسرة الالتفاف حولها و ضرورة الحضور، و في العمل، الكل يأكل منها على حد السواء رب العمل و العامل و الاجير، و هكذا. ينتقل بنا الراوي مباشرة الى وليمة "النفيسة" اي السيدة التي وضعت حديثا مولودها، و التقليد الشائع الا و هو التريد بالدجاج البلدي، الحلبة البصل و العدس، طبق يتطلب تحضيره الى عدة ساعات و نفس طويل، الا انه يعتبر المغذي والذي يزود السيدة بكل ما يتطلبه جسمها من مواد مغذية، الى حد انه يعتبر وصفة طبية واجب تناولها، و كم هي الفرحة التي ترافق تلك اللحظة التي يجتمع الكل على ذلك الطبق الشهي الذي انتظره الجميع منذ الصباح و منذ اول رغيفة خبزت و اطلقت رائحتها في ارجاء المنزل. طقوس الأكل ليست فقط وجبة عادية او اكل من اجل للتغذية، هو مكون اساسي و لبنة اساسية في المجتمع، موروث ثقافي يدخل في التنظيم المعقد لكل فئات المجتمع.تعريف دقيق لسيكولوجية المجتمع و افظل طريقة للحفاظ على الذاكرة الجماعية.