يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( للصائم فرحتان: فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه) فالفرحة الثانية عند لقاء الصائم ربه، يفرح بصومه وجزائه الذي أعده الله له مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، أما الفرحة الأولى فهي عند حلول ساعة الفطر أو عند حلول يوم العيد يفرح الصائم بفطره شكرا لمولاه الذي أنعم عليه بنعمة الإسلام وأمده بالعمر ووفقه لأداء هذه الفريضة المقدسة وتمامها. فمن تمام نعمة الله علينا أن جعل لنا عيدا يكون مظهرا لقوتنا وألفتنا، وفرحا بطاعتنا وفسحة لنا ولأولادنا، فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما قدم المدينة وجد لهم يومين يلعبون فيهما فقال ما هذان اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال: قد أبدلكم الله خيرا منهما عيد الفطر وعيد الأضحى، فكان هذان اليومان عيدين للمسلمين يقع فيهما التنويه بشعائر الدين والدعوة إلى التمسك بحبله المتين، ففي عيد الفطر يفرغ المسلمون من أداء فريضة الصيام ويعطون زكاة الفطر لفقرائهم، شكرا لله على توفيقه للقيام بطاعته، فتتآلف القلوب وتتوجه لتعظيم الله وتمجيده وتكبيره وتنزيهه وشكره وحمده، وقيل شرع العيدان شكرا لله على مبدإ رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم وتمامها، لأن مبدأ الوحي كان في آخر رمضان وتمامه كان يوم عرفة في حجة الوداع حيث نزل على الرسول صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا". وقد ندب الشارع فيه أن نأكل ونشرب ونلبس في غير سرف ولا مخيلة، ومن أجل هذا حرم صيامه لأن الصيام فيه إعراض عن ضيافة الله، والكريم يغضب إن لم تجب دعوته وتلب ضيافته، ومن أعظم من الله كرما وفضلا، وتالله لولا نفحات السرور ولحظات الفرح لقتلتنا الهموم ونهكتنا الأحزان، وتأمل ما رواه الشيخان وغيرهما من الأحاديث والآثار التي تدل على آثار الفرح والسرور في غير محرم، ففي الصحيحين أن الأحباش كانوا يلعبون برماحهم في المسجد يوم عيد وجاءت أم المؤمنين عائشة فوقفت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم تنظر إلى لعبهم والرسول يشجعهم بكلام حسن جميل، فدل هذا على أن سماحة الإسلام لاتأبى على المسلم لعبا مباحا كلعب الأحباش الذي أقره الرسول صلى الله عليه وسلم يوم العيد، وفي الصحيحين أيضا عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل علي أبو بكر وعندي جاريتا من جواري الأنصار تغنيان، أي ترفعان أصواتهما بإنشاد العرب وذلك في يوم عيد، فاضطجع صلى الله عليه وسلم على الفراش مسجى أي مغطى بثوبه فانتهرني أبوبكر وقال: مزمارة الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: دعهما يأبا بكر إن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا، ففيه جواز ذلك وقتا وكيفية لأنه صلى الله عليه وسلم لايقر على باطل. فتأهبوا إخواني المسلمين للاحتفال بهذا اليوم العظيم واحرصوا على إقامة صلاة العيد في وقتها محافظين على سننها وهيئتها، مكبرين بتكبير الإمام فيها وفي خطبتها، وأكثروا من ذكر الله في خروجكم إلى المصلى وممشاكم وما دمتم قعودا قبل خروج الإمام عليكم في مصلاكم، ويستحب الاغتسال والتطيب والتزين باستعمال خصال الفطرة من قص الشارب ونتف الإبط وتقليم الأظافر وحلق العانة ولبس الحسن من الثياب، كما يستحب تعجيل الفطر قبل الغدو إلى المصلى، روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لايخرج يوم الفطر حتى يطعم، ولا يطعم يوم النحر حتى يذبح، واصفحوا وتصافحوا واسمحوا وتسامحوا، ثم إن فرح المسلم في العيد أن يجعله يوم بر وصدقة وعبادة، وإدخال السرور على البؤساء ولإصلاح ذات البين مع أخذه من الطيبات ما يتسع له رزقه. ومن مراسم هذا اليوم حتى يكون الفرح شاملا أداء زكاة الفطر التي أوجبها الرسول صلى الله عليه وسلم في السنة الثانية للهجرة وهي نفس السنة التي فرض فيها الصوم، فجعل أجر صيام رمضان وثوابه معلقا بين السماء والأرض لا يرفع إلا بزكاة الفطر التي تدخل المسرة على الفقير والبائس والمحروم، وتشعره هو الآخر بالفرح عند فطره وإحساسه بأن يوما هو العيد عاد عليه بمسرتي الدنيا والآخرة، وهي واجبة على الحر المسلم القادر عليها، بشرط أن تكون زائدة عن قوته وقوت جميع من تلزمه نفقته في يوم العيد، ويخرجها المكلف عن نفسه وزوجته ووالديه الفقيرين وأولاده جميعا ذكورا وإناثا، مالم يكن الذكور الكبار لهم مال خاص فيخرجون منه ولا تجب على والدهم، وما لم تتزوج البنت فحينئذ تكون زكاتها على زوجها لا على أبيها، وكذلك تجب عليه بالنسبة لخدمه ويراعى فيها أن تكون من غالب قوت أهل البلد، ويجوز دفعها نقودا بتقدير قيمتها، وذلك أنفع للفقراء بل هو الأفضل عندهم، وتعطى للفقير والمسكين المحتاج، وللذي عليه دين وعجز عن دفعه، وللغريب الذي تقطعت به السبل، وللمحتاجين من غير المسلمين الذين نلتمس منهم الهداية والدخول في دين الله. أما وقت وجوبها ففجر يوم العيد وهو الأفضل قبل الغدو إلى المصلى، ويجوز إخراجها قبل ذلك بيومين على الأكثر، وتأخير إخراجها لغروب شمس يوم العيد، ولايجوز ذلك إلا إذا كان عاجزا عنها في وقتها. وقدرها صاع من القمح أو الشعير وهو أربع حفنات بكلتا اليدين المتوسطتين لا مقبوضتين ولا مبسوطتين، ومن لم يقدر على الصاع لضعفه وكثرة عياله أخرج نصفه أو ثلثه لقوله عليه السلام إذا أمرتكم بأمر فاتوا منه ما استطعتم. هذه زكاة الفطر التي كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يخرجها فجر يوم العيد ليرشد أمته إلى الحكمة في مشروعيتها كما قال: أغنوهم عن ذل السؤال في هذا اليوم لأنه يوم فرح لكل المسلمين والسؤال ذل ينافي الفرح، وهي تطهير للصائم وتكميل لصومه، فعن ابن عباس قال: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين، فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات.