“الحبُّ خليطٌ من الرّغبة الجنسيّة والحماية والرّقة والرّغبة في الأمن العاطفي”. هذا كولن ويلسون في تعريفه للحب.. ويبدو هذا التعريف جامعا مانعا، لكن هناك تعريفات جميلة تجدها عن الإمام ابن حزم في طوق الحمامة، وعند ابن القيم الجوزية أيضا، وعند علال الفاسي أيضا، ابن عجيبة… عموما ذكرت هذه الأسماء حتى لا أتهم بالتغريب الفكري ولا حول ولا قوة إلا بالله الحبيب. فكرة جميلة جدا أن نناضل من أجل الحب بشكل فردي، أعتقد أن الحب شكل موضوع نضال جماعي منذ مدة طويلة، خاصة مع الحركات الدينية والصوفية مثل المسيحية (عظة الجبل) والطريقة المولوية(مثنوى معنوى) مثلا.. واستمر النضال الجماعي من أجل الحب بطرق أخرى عبر التاريخ، وتجسد في النهاية في الحب الفردي المعروف حاليا: منذ انتشار الحب الحر في الغرب مع الثورة الجنسية وماي 68 أيضا في الستينيات من القرن الماضي، ثم انهيار الحب الجماعي لصالح قضية بحث الإنسان المعاصر لما بعد الحداثة عن الحب الخالص أحيانا وهو في السيارة، أو حين يتحدث عن فتوحاته الاقتصادية، أو يستعرض مؤهلاته الجسدية.. هذه قضية أخرى طبعا. أغلبنا يتعامل مع الحب كقضية جماعية دون أن ندرك فداحة هذا الخطأ، لكن في الحقيقة الحب مسألة فردية، مثلا المغاربة وباستثناء الشماليين يجدون مشكلة كبيرة في قول أحبك للوالدين.. وأغلب الناس يجدون صعوبة في التعبير عن الحب ويعتبرونه ضعفا، والحق يقال فإن الحب يضع الإنسان في موقع ضعف كبير، لأنه يضعه أمام ضرورة التضحية لأجل تحقيق إشباع نفسي عاطفي وهمي للدماغ والمناطق المسؤولة عن الإيثار والحب؛ وهذا طبعا ينتقص من فكرة كون الحب عبارة عن شعور جميل إنساني بدون مقابل.. السؤال : هل يوجد حب من دون مقابل؟! من الصعب أن نجد علاقة إنسانية من دون عائد، فقد تعلمت في النظرية القانونية المدنية أن أبحث عن المنفعة، والمنفعة في القانون المدني وفي إطار نظرية الالتزام التي ليست سوى الجوهر الحقيقي للعلاقات الإنسانية القائمة على الدائنية؛ قلت هذه المنفعة هي المصلحة المادية أو المعنوية، وإذا كانت المصلحة المادية تتجسد في الانتفاع المادي من تملك أو استغلال للأشياء المنقولة أو الثابتة مثلا، فإن المصلحة المعنوية تتجسد في الانتفاع من شعور عاطفي يملأ النفس الإنسانية ويجعلها سعيدة وفخورة ومرتاحة دماغيا.. الحب هنا منفعة روحية وليس تضحية كما يتوهم العشاق، فالمدمن لا يدرك أنه مدمن إلا من خلال ملاحظات الغير.. وهكذا نجد أن الحب ليس سوى الرابطة العاطفية والنفسية بين الإنسان ونظيره، وبين إنسان أيضا وحيوان مثلا، فالحيوانات تشعر بالحب خاصة التي تنتمي إلى الثدييات كالدلافين والكلاب والقطط والقردة العليا أقرب الحيوانات إلى الإنسان العاقل/القرد العاري عند علماء الحيوان.. هنا يبدو لنا الحب بعيدا عن المفهوم الجنسي الذي يكون بين الرجل والمرأة، ويرتبط أساسا بما يسميه البعض من المغاربة القدماء ب(الولف)، فنحن نذرف الدموع على جارنا القديم حين يموت، ونشعر بالفراغ في النفس لوفاة قريب أو معلم أو حيوان.. وهكذا يبدو الحب هنا مسيحيا أو صوفيا. وفي إسلامنا السمح نجد أن الرسول عليه الصلاة والسلام أوصى المؤمنين والمسلمين بالحب، ونجد أن الله عز وجل تحدث عن حب الله ورسوله.. وهذا هو الحب المقصود والحقيقي، أي الذي يحدث شعورا بالانتماء والامتلاء في النفس، وهو حب دائم، بينما الحب المعاصر الذي اختصر في الافتتان الجنسي يبقى قيمة غير حقيقية، فالحب الكلاسيكي قيمة رجعية وليست تقدمية، فالرجعي يحب الماضي والجذور والأجداد بين التقدمي يراهن على المستقبل وعلى تحسن الأوضاع المادية والمعنوية دون مراعاة للحب، وهكذا لاحظ جون جاك روسو بطريقة تبدو رجعية أمام فلاسفة الأنوار التقدميين ميل الحداثة إلى تهميش الحب وإفساد الإنسان بالتفكير، بينما الحب يتطلب الإيمان والعاطفة، ولا غرابة أن يكون صاحبنا من مؤسسي الحركة الرومانسية، ونجد فكر هذه الحركة المضادة العقلانية الغربية، قد تطور نحو ظهور البوهيمية التي تقاطعت مع الهيدونية التي اختصرت الحب في اللذة وهي لازالت مؤثرة اليوم من خلال بقايا الحركة الهيبية مثلا، والحركة الوطنية أو القومية خاصة مع فيخته، التي ركزت على الانتماء القومي أو الوطني حيث وصلت إلى حد التطرف في الحب الوطني (الشوفينية) والعنصرية والفاشية.. لهذا أجد من السذاجة الحديث عن الحب كحل للمشاكل المتعلقة بسوء الإدارة العامة وفشل السياسة، فالحب ليس قيمة سياسية أو قانونية، ولا يمكن أن يحل الحب الدعاوى القضائية المنصبة على الحقوق: الأموال: المصالح: المنافع؛ كما لا يمكن أن يحل مشاكل البطالة والفقر والتقنية التي تلتهم الوظائف، أو يعالج إشكالية التنمية الشاملة.. لقد تأسست في أوربا أحزاب للحب وهي أحزاب فاشلة في الحقيقة، أسست على سبيل المزاح أو الدفاع عن حقوق الجنس مثلا.. لهذا لا يبقى سوى قراءة وضعية حزب الحب المغربي الذي لا يوجد في الواقع سوى كمجموعة افتراضية، ولم يحصل على الإيداع القانوني بعد؛ وكوني مواطنا مغربيا يصوت دائما في الانتخابات وعرف الأحزاب المغربية وقرأ الكثير (اللهم لا حسد !)، وبعيدا عن التحليلات السياسية على النموذج المناري الذي يسود الجامعة المغربية.. فإنني أتنبأ بانشقاق كبير في هذا الحزب العتيد في تنظيمه والرقيق في مشاعره؛ سيعرف حزب الحب بعد أول انتخابات حركة تصحيحية ستتحول إلى حركة العشاق الأحرار، وبالمقابل ستظهر جبهة الحس العاطفي كرد فعل على انحراف الحزبين السابقين، وفي سياق ذلك سيتم تأسيس حزب أمازيغي تحت اسم الحب الآن أو (باضاض روخ!).. وفي الحملات الانتخابية ستتأثر هذه الأحزاب الحبانية بهجوم من الأحزاب اليسارية والإدارية التي ستسمى بالقوى النفعية المادية، في إطار النظرية الحبانية التي صاغها المناضل الأوطمي عن الفصيل الثوري الفالامتيني : عاشق الملالي.. (لا تصدقوا شعراء الحب طبعا لأنهم يملون بسرعة). بينما ستقود الحركة الإسلامية بما تبقى من أحزابها حملة تحول نحو جبهة الفضيلة والحب الحلال لمواجهة التحديات الفسقية التي يطرحها حزب الحب وحلفاؤه في الجبهة العاطفية الحبانية. وهكذا سيضيع مفهوم الحب بين متاهات السياسة كما ضاعت قضية المرأة والعدالة الاجتماعية والإسلام والتنمية والاستقلال والاتحاد والدستور.. لكن على مستوى الأفراد لن يضيع الحب، سيبقى ضرورة ملحة يبحثون عنها.. لكن مع تغيير الإسم بعد أن يكون قد استخدمت لفظة الحب وتداعت معنويا..