رويدا مروة في زيارة لمصطفى سلمى ولد مولود في اعتصامه بموريتانيا
الإعلامي المغربي علي أنوزلا يخلط بين مواقفه المعارضة "للمخزن"، وما يجب أن يقال عن دكتاتورية زعيم البوليساريو التي تحتفل هذه الأيام، ربما على إيقاع الربيع العربي، كأقدم "دكتاتورية عربية". بقلم: رويدا مروّه* قبل أن يحلّ العام الجديد ببضعة أيام نشر "لكم"، الموقع المغربي المعروف بخطّه التحريري المعارض لما يسّمى "بالمخزن"، مقالا افتتاحيا بعنوان "الصحراء... سوء الفهم الكبير" لمدير الموقع والصحافي المغربي المعروف، علي أنوزلا، تحدّث فيه عن صعوبة الظروف المعيشية والصحية والاقتصادية والإنسانية داخل مخيمات تندوف، جنوب غرب الجزائر، حيث يعيش بضعة آلاف من الصحراويين تحت سلطة جبهة البوليساريو، التي تدعو إلى انفصال الصحراء الغربية عن المملكة المغربية وتأسيس دويلة جديدة تحمل اسم "الجمهورية الصحراوية الديمقراطية"، وناقش أنوزلا ماهية وتأثير البروباغندا الإعلامية التي تمارسها الجبهة داخل المخيمات متوّجهة إلى أطفال وشباب المخيمات لزرع فكرة "المغرب المحتل" و"المغرب المستعمر" للصحراء في عقولهم... وأكمل أنوزلا مقاله وهو يتحدث بأسلوب "عاطفي" عن "الحاجز النفسي" لدى الصحراويين داخل المخيمات وداخل السيادة المغربية في الأقاليم الجنوبية على السّواء من عقدة تدبير ملف النزاع على الصحراء من قبل أطراف النزاع القادة... رويدا مروة أثناء تقديم فيلم "المخلوع" الذي أخرجته رفقة محمود فقيه والذي يحكي عن معاناة الصحراويين في مخيمات تندوف فداخل المخيمات، وفقا لأنوزلا، البوليساريو تزرع الخوف في النفوس من النظام المغربي وترّبي الجبهة الجيل الجديد وهي تذّكره يوميا بالأخطاء التي ارتكبها النظام المغربي منذ بداية تاريخ النزاع في العام 1975 ومنذ ما قبل أيام المسيرة الخضراء المعروفة. أمّا الصحراويون داخل السيادة المغربية، والكلام لأنوزلا، فهم غير راضين عن طريقة تدبير ملف النزاع على الصحراء من قبل "جماعة الرباط" كما أنّ هناك عائلات وقيادات سياسية "أكلت" خيرات الأقاليم الجنوبية المغربية وتركت السكان هناك ن التهميش وعدم المشاركة السياسية والبطالة...
للوهلة الأولى ولدى قراءتنا لعنوان المقال لم يكن أمامي خيار آخر سوى قراءة المقال كلمة خاصة وأننّا كنا نتابع منذ فترة تفاصيل زيارة أنوزلا إلى منطقة "تفاريتي" للمشاركة في أعمال مؤتمر البوليساريو الأخير في ديسمبر. فالاهتمام الشخصي لدينا بملف الصحراء وانتهاكات حقوق الصحراويين يلزمنا جميعا قراءة هكذا مقال يأتي بعد عدة أيام فقط من انتهاء المؤتمر السنوي لجبهة البوليساريو الثالث عشر والذي انعقد بين 15 و19 ديسمبر 2011 وانتهى بإعادة انتخاب محمد عبد العزيز للمرة 11 ليصبح أقدم ديكتاتور عربي بعد وفاة العقيد معمر القذافي (الذي كان في المرتبة الأولى وهو حيّ يليه محمد عبد العزيز)... هذا المؤتمر الذي سافر علي أنزولا نفسه ليشارك فيه لم نفهم حتى هذا اليوم ولم يكلّف أنوزلا نفسه عناء الشرح لنا عن سبب تواجده في المخيماتّ!... فهل سافر أنوزلا ليكون مراقبا لمسار المؤتمر المذكور؟ أم كصحفي لتغطية أعمال المؤتمر لصالح موقعه الالكتروني المعروف "لكم"؟ أم أنّه تواجد هناك كداعم للجبهة ولمحمد عبد العزيز؟ أم كداعم للصحراويين وحقوقهم داخل المخيمات؟ أو ليكون صوتا مغربيا معارضا في وجه سياسات الجبهة التي لم تتغير منذ 36 عاما والتي يحتّج عليها سكان المخيمات أنفسهم؟... الإجابة مهمة لكنها يجب أن تخرج عن لسان أنوزلا نفسه وليس من تحليلاتنا الشخصية!
كل ما نشره أنوزلا على موقعه خلال فترة مشاركته في المؤتمر كان أخبارا عادية حول إعادة انتخاب محمد عبد العزيز رئيسا للجبهة وبعض الأخبار التي تناولت جهود البوليساريو في إلقاء القبض على خاطفي الرهائن الأوروبيين، علما أن الجبهة متورطة وكل المصادر الرسمية في مالي وموريتانيا أكدت ذلك في تصريحات رسمية هي أيضا نشرت في الإعلام. ولكن لا مشكلة سنقبلها من أنوزلا ولكن ما هو غير منطقي أن تكون "جردة" مشاركة أنوزلا في المؤتمر هو هذا المقال "العاطفي" الذي غيّب حقائق كثيرة وأضاف ضبابية للقضية.
كان أنوزلا محقا حين قال أن البوليساريو تقوم بتعبئة وتشويه مستمر لصورة المغرب داخل المخيمات وحتى خارجه لا سيّما في بعض الدول التي تكسب فيها تأييدا أو اعترافا بدولتهم الوهمية... وفعلا أصاب عندما تكلم عن سوء إدارة الملف من قبل النظام المغربي... ولكنني بقيت وبقي الكثير من القرّاء معي حائرين في أمر هوية "جماعة الرباط" التي أتى أنوزلا على ذكرها!... يا ترى من هم "جماعة الرباط"؟ هل هم جماعة وزارة الخارجية المغربية وبعثاتهم في عواصم القرار المؤثرة في ملف الصحراء لا سيّما بعثات نيويورك وواشنطن ومدريد وباريس وواشنطن وجنيف؟ أم هم المخابرات المغربية ورجالات الأمن المنتشرون بشكل خاص في الأقاليم الجنوبية المغربية؟ أم هم أولئك الذين يملكون سلطة القرار في ملف الصحراء داخل القصر الملكي؟ أم هو شخص الملك محمد السادس نفسه؟
حقيقة قادني الفضول أكثر من أي قارئ عادي للمقال للاستعلام من أنوزلا تفسه عن هذه "الجماعة" لأسباب لا يمكنني إخفاؤها وهي قربي واهتمامي منذ سنتين بملف الصحراء على صعيد العمل الحقوقي والإعلامي... وليس هذا منبرا لأتكلم عن نضال شخصي في هذا المجال ولكن ذكر الأمر هنا هو فقط داعم قوي على ما سأذكره لاحقا.
فما لا يعلمه الكثيرون انّه لا توجد سلطة أو جهة محددة في المغرب يمكنها وحدها التقرير في ملف الصحراء أو اتخاذ أي مبادرة تصدر في هذا الإطار بعيدا عن دور اللجان الكثيرة والقيادات المتعددة مجتمعة في تقرير مصير السياسات المعتمدة رسميا تجاه الصحراء... لذلك فلا يهمّ هنا الحديث عن تأثيرات محتملة للصعود الإسلامي أو هوية مستشاري الملك الجدد في مقاربة النزاع من الطرف المغربي... حتى أن الملك نفسه لن يحسم في يوم من الأيام أي خطوة لوحده في ملف الصحراء دون عودته إلى لجان تعمل على الأرض والى إدارات معنية بالأمر... وأنا أتحدّى أن يكون الواقع عكس هذا الحال. قد يحسم الملك محمد السادس اسم وزير أو صلاحية رئيس حكومة وقد يتدّخل مستشارو الملك لحسم قضية سياسية متنازع عليها، لكن أحدا لن يستطيع أن يحسم في ملف الصحراء دون قرار سياسي "جماعي" من "الأعلى" في المغرب و"الأعلى" تعني برلمان وتوافقات حزبية ووزير خارجية وديوان ملكي وصولا إلى راس الهرم "الملك"...
وبالعودة إلى مقال الزميل أنوزلا والذي جعلنا نشعر خلال قراءتنا أن مشكلة الصحراويين كلها تتلخص في تلك "العقدة النفسية" الخفيّة حيال أخطاء المغرب القديمة في تدبير الملف وكأنّ أنوزلا اكتشف الجديد هنا... في حين لم أر في كلمات أنوزلا أي إدانة صريحة وجريئة تجاه سيطرة الجبهة لمدة 36 عاما على حرية الرأي والتعبير والتنقل والمشاركة السياسية داخل مخيمات تندوف، ولم اقرأ كلمة إدانة لدور الجزائر المستضيفة للجبهة على أرضها في قمع أصوات الصحراويين المعارضين ومنع وصول الأممالمتحدة لتعدادهم، والوقوف على أوضاعهم عن قرب... ولم اسمع منه وهو القادم حديثا من المخيمات أي رصد لثورة الشباب الصحراوي القائمة منذ 9 مارس 2011 حتى يومنا هذا والتي وجدنا لها بيانات كثيرة إعلاميا إضافة إلى صفحة فايسبوكية توّثق لها...
مقال أنوزلا قد يكون صالحا للنشر قبل الربيع العربي وليس اليوم!... فكيف يمكن لأنوزلا وفريق عمل موقعه المعروفين بدعمهم لحركة 20 فبراير منذ انطلاقتها، أن يساندوا مطالب الشباب المغربي في الشارع رغم تعديل الدستور وإجراء انتخابات نيابية مبكرة نزيهة (بشهادة المراقبين الدوليين والإعلام الدولي) وينسى أن يدعم مطالب الشباب الصحراوي الثائر داخل المخيمات؟...هل من جواب يقنعنا من طرف أنوزلا!...
عذرا أنوزلا لكنك لم تخبرنا في المقال عن تورّط الجبهة باختطاف الناشطين الأوروبيين في أكتوبر الماضي من داخل مخيم الرابوني، حيث الإدارات الرسمية للجبهة داخل مخيمات تندوف، ونسيت كل الوثائق والتصريحات الرسمية الصادرة عن حكومات اسبانيا وايطاليا ومالي وموريتانيا حول ثبوت تورط قيادات من البوليساريو في عملية الاختطاف المذكورة وبيع الرهائن إلى جماعات متعاونة مع القاعدة في منطقة الساحل... عذرا لماذا لم تجر بعض الحوارات الميدانية من داخل المخيمات أثناء تواجدك مع سكان المخيمات الثائرين ومع الفنان الصحراوي المعارض الناجم علال، والذي فرضت الجبهة عليه حصارا قويا بسبب أغانية المعارضة؟ ولماذا لم ترصد لنا وللرأي العام المغربي والعربي والدولي على موقعك، الذي له انتشار كبير، عن حقيقة شكل الانتخابات الصورية التي جرت في مؤتمر الجبهة الأخير... ولماذا لم تخبرنا كيف يتم انتخاب رئيس في مؤتمر بعد أن يقوم هو بنفسه باختيار حوالي ألفي عضو ليشاركوا في المؤتمر ومن ثمّ يقومون بانتخابه؟.... لماذا نسيت أن تخبر الرأي العام أن البشير مصطفى السيد الذي تحدثت في مقالك عن هاجس الخوف النفسي لديه من المغرب هو نفسه من انتقد الجبهة قبل انعقاد مؤتمرها بشهرين، وهو نفسه من انسحب من المؤتمر أثناء انعقاده اعتراضا على الفساد المالي والقمع والتسلّط من قبل عبد العزيز وجماعته؟ ولعلي أذكرّك هنا بما قاله البشير في حوار معه قبل شهرين "أصبحنا لا نعرف ما نفاوض عليه أو ما نراهن عليه غير المواظبة على صلاة الجماعة خلف الممثل الشخصي و التضرع أن يرضى عنا محمد عبد العزيز و المجتمع الدولي..."
لقد أصاب أنوزلا عندما تحدّث عن ضرورة إعادة هيكلة المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية، لان هذا المجلس فعلا لم يقدّم سوى خطاب شبيه بالخطاب الرسمي حول قضية الصحراء في المحافل الدولية، مع احترامنا للأشخاص الأعضاء فيه ولمكانتهم العلمية والاجتماعية الكبيرة داخل القبائل الصحراوية... ولكن لماذا دائما ننتقد الواقع ولا نقوم بتغييره؟ لماذا لا ينتفض المغاربة على إدارة الملف كما فعلوا مع ملفات الفساد والبطالة؟...أليست الصحراء قضية المغاربة "الوطنية" الأولى؟ أم هي قضية النظام دون الشعب؟... إشكالية كبيرة أخرى تحتاج إلى نقاش... لماذا الكل يصمت عن نصرة القضية الوطنية المنسية عربيا ودوليا؟...
ليس هذا منبرا للترويج لنفسي والخروج بمظهر "البطل" ولكن اسمح لي يا سيدي الكريم أن أخبرك عن عشرات الرسائل الالكترونية التي تعرّضت فيها لأفظع أنواع الشتائم فقط لأنني أصرّح حول قضية الصحراء بكلام يدين انتهاكات الجبهة لحقوق الصحراويين في المخيمات... اسمح لي أن أرسل إليك رسائل الفايسبوك التي تصفني بمن يستغل فوسفاط المغرب ليروّج لصورة النظام المغربي في ملف الصحراء... واسمح لي أن أقول لك أنني سعيدة جدا وفخورة بتلك الشتائم لأّنها تأتي لتؤكد لي أن أيادي الجبهة تؤلمها من الضربات التي يوّجهها إليها الإعلام والمجتمع المدني العربي والدولي حين يكشف حقيقتها، واسمح لي أيضا أن انتقد نفسي قبل نقد الآخرين على ضعف مساندتنا، كعرب عامة ومسلمين خاصة، للصحراويين وحقوقهم المهدورة داخل المخيمات... ولنكّف جميعا عن انتقاد السياسات المغربية تجاه الملف ولنبادر للضغط الحقيقي لإحراج الجبهة دوليا... وانأ وأنت وأصحاب الضمير الحيّ معنيين جميعا "شاء من شاء وأبى من أبى"...
ربما أجد من يوافقني الرأي وربما ستنزل الشتائم على رأسي كالعادة بسبب هذا المقال... ولكن فلنتحاور يوما كعرب حول قضايا مصيرية ولنبتعد لمرة واحدة عن لغة الهجوم والهجوم المضادّ... واسمح لي في الختام أن أعبر عن "حسد" ايجابي تجاهك لأنك نلت فرصة زيارة المخيمات ولقاء الأطفال والنساء هناك وفرصة أن تسلّم بيدك على سكان المخيمات الشرفاء الذين يدفعون ثمن غطرسة وطمع البوليساريو وكل من يتشبث برأيه في ملف الصحراء... علّ الزمن يأخذني يوما إلى هناك ولا يكون مصيري كمصير الناشطة الايطالية التي اختفت منذ شهرين ولا احد يعرف مصيرها وذنبها الوحيد كان رغبتها في تقديم مساعدات إنسانية للصحراويين المحتجزين هناك... عن ميدل ايست أونلاين *صحافية وناشطة، المديرة التنفيذية للمركز الدولي للتنمية والتدريب وحلّ النزاعات