شهدت الدورة الثامنة عشر لمجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة في جنيف، والتي تستمر حتى 28 من الشهر الجاري مواجهة أكاديمية وأخرى دبلوماسية بين المملكة المغربية من جهة والجزائر وجبهة البوليساريو من جهة أخرى حول كل من وضعية الصحراويين في مخيمات تندوف جنوب غرب الجزائر والحل "الأفضل" لإنهاء النزاع على الصحراء. فقد شهدت الندوات والمؤتمرات الجانبية التي نظمتها عدد من الجمعيات ومراكز الدراسات غير الحكومية المعتمدة لدى المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة على هامش فعاليات الدورة المذكورة في قصر الأمم في جنيف نقاشات وحوارات حادة وأخرى ساخنة بين مؤيدي مقترح الحكم الذاتي لانهاء النزاع على الصحراء ومؤيدي أطروحة الانفصال للصحراء. ومن جهة أخرى عرفت جلسة النقاش العامة لمجلس حقوق الإنسان يوم الجمعة 23 ستمبر 2011 انتقادات "علنية" أثناء جلسات الاستماع لممثلي البعثات الدائمة للدول بين ممثل المملكة المغربية وممثل الجزائر حول أوضاع حقوق الانسان في كلا البلدين... وكالعادة كانت قضية الصحراء الورقة "الحسّاسة" التي حاولت الجزائر من خلالها تصفية "الحسابات" القديمة مع جارتها "المتجدّدة" سياسيا وحقوقيا والقادمة الى المجلس حاملة "ورقة" الدستور الجديد لعام 2011 (الذي تمّ الاستفتاء عليه في الأول من يوليوز 2011) و"ورقة" المجلس الوطني لحقوق الانسان الذي تأسس حديثا، حيث تعتبر المملكة هاتين الورقتين رصيد "وافر" في زمن "الربيع العربي" للنهوض بواقع المواطن المغربي وحقوقه استكمالا لمسيرة هيئة "الانصاف والمصالحة" التي تجرأ فيها النظام المغربي على الاعتراف بأخطاء الماضي التي ارتكبها في مجال حقوق الانسان في حين بقيت "الجارة" الجزائر عاجزة عن "السير" خطوة واحدة للأمام منذ عقود في الاطار الحقوقي... وشارك عدد من الناشطين المغاربة والعرب والاوروبيين والأفارقة الذين بمداخلات أمام أعضاء مجلس حقوق الانسان في جنيف كما شاركوا ايضا منذ بداية الدورة في ندوتين كبيرتين على هامش اجتماعات مجلس حقوق الانسان حيث كانت الأولى بعنوان "البعد الانساني في حلّ النزاعات" والثانية حملت عنوان "حماية حقوق الانسان في أماكن النزعات". أزمة مصطفى سلمى.. المشاركون وجهوا نداءات عاجلة للأمين العام للأمم المتحدة وأعضاء مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة حول ضرورة النظر الى وضعية حقوق الانسان في العالم العربي على أنّها "مسار" متّصل ومترابط بحيث انّه لا يمكن المطالبة باحترام حقوق الانسان من قبل الأنظمة العربية التي تشهد بلدانهم "حراك شعبي" أو"ثورات شبابية سلمية" بينما يغيب صوت الأممالمتحدة عن مطالبة الجزائر وجبهة البوليساريو، المدعومة اصلا ماديا ومعنويا وعسكريا من النظام الجزائري، باطلاق سراح الصحراويين المحتجزين في مخيمات تندوف جنوب غرب الجزائر منذ العام 1975 وسط معاناة يومية متزايدة في مأكلهم ومشربهم وفرص عملهم وتحصيلهم العلمي فضلا عن منعهم من الانتقال الداخلي والخارجي وقمع أصوات كل من يعترض على أداء قيادة جبهة البوليساريو. وأبرز هؤلاء الناشطون في هذا الاطار ايضا وضعية الناشط السياسي الصحراوي مصطفى سلمى ولد سيدي مولود الذي قامت الجبهة باعتقاله وتعذيبه واتهامه "بالخيانة" ونفته الى موريتانيا فقط لأنه عبرّ عن تأييده لمقترح الحكم الذاتي كحلّ نهائي للنزاع على الصحراء اضافة الى قصة الفنان الصحراوي المعروف الناجم هلال الذي قامت شرطة البوليساريو بمضايقته في مخيمات تندوف بعد الشريط الغنائي الأخير الذي أصدره وتضمّن مجموعة أغنيات تشّجع الشباب لصحراوي على الانتفاضة والثورة ضدّ قيادة الجبهة الحالية متأثرين باخوانهم العرب في الدول العربية الأخرى لنيل حقهم في التعبير عن أرائهم بحرّية... وفي الندوة الأولى التي حملت عنوان "البعد الانساني في حلّ النزعات" والتي نظمتها الوكالة الدولية للتنمية وشارك فيها كل من الأكاديمي الجامعي والمحلّل السياسي المغربي لحسن حداد، والصحافية والناشطة الحقوية اللبنانية رويدا مروّه والناشط الحقوقي موريس كاتالا رئيس الحركة العالمية من أجل السلام والتنمية بمنطقة البحيرات الكبرى في افريقيا الى جانب أحمد مغيزلات عضو المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية (كوركاس) وحمدي الشريفي رئيس المنظمة غير الحكومية "الانتماء من أجل التنمية لحقوق الانسان والتعايش" في مدينة العيون الصحراوية. أقدم نزاع في العالم.. وقدّم المتحدثون عرضا مفصّلا لأحد أقدم النزاعات "المجمّدة" في العالم وهو النزاع على الصحراء والذي ناهز عمره ال36 عاما والذي يترّبع على قيادة جبهة البوليساريو التي تطالب بانفصال الصحراء عن المغرب الديكتاتور الأطول حكما (36 عاما) بعد معمر القذافي (42 عاما) وهو محمد عبد العزيز... واشار المتحدثون الى ان سلسلة المفاوضات الرسمية وغير الرسمية بشأن الصحراء والتي تتّم بين الحين والآخر برعاية المبعوث الخاص للامين العام للامم المتحدة الى الصجراء كريستوفر روس لم تفض الى اي نتيجة ملموسة بسبب تعنّت الجبهة في رفض مقترح الحكم الذاتي الذي حظي بتأييد شعبي واسع لدى الصحراويين وعواصم القرار في العالم... كما ندّد المشاركون بالصمت الاعلامي العربي والدولي حول أوضاع حقوق الانسان في مخيمات تندوف حيث ان كل ما يعرفه ويسمعه الرأي العام حول اوضاع الصحراويين في مخيمات تندوف لا تزيد عن تقارير لمنظمات غير حكومة دولية مثل هيومان رايتس ووتش والعفو الدولية دون وجود رصد ميداني حقيقي للأوضاع المعيشية والاقتصادية والتعليمية لا سيّما وضعية الاطفال والنساء في المخيمات والتي بات معروفا مدى سوئها. وذكرّت رويدا مروه، مديرة المركز الدولي للتنمية والتدريب وحلّ النزاعات، والتي قامت مؤخرا باطلاق فيلم وثائقي بعنوان "المخلوع" تضمن شهادات للعائدين من مخيمات تندوف حول طرق التعذيب النفسي والجسدي التي تعرض لها فهؤلاء على ايدي جبهة البوليساريو، في رّدها على اداعاءات البوليساريو ان المبعوث الدائم للامم المتحدة للصحراء السابق قال ان مقترح الاستقلال الذي تنادي به الجبهة والاستفتاء على تقرير مصير الصحراويين هو حل "غير ممكن"... واعتبرت مروّه ان الجبهة كعادتها تهرب من مواجهة كل التهم التي تثبت تورطها في انتهاكات جسيمة لحقوق الانسان في الصحراء في الوقت الذي تختار ما يحلو لها من بين قرارات وتصريحات الاممالمتحدة حول ملف الصحراء وتتتناسى ما يفضح حقيقتها... وعرضت رويدا مروّه في نهاية الندوة مجموعة من الارقام والوثائق الصادرة عن منظمات حقوقية دولية معروفة تؤكد تحويل المساعدات المخصصة لسكان تلك المخيمات ملاحظة أنها بدلا من أن تساهم في تخفيف معاناتهم فانّ ميليشيات البوليساريو تقوم بتسويقها في بلدان مثل الجزائر وموريتانيا. وعلى الصعيد الرسمي شهد مجلس حقوق الانسان يوم الجمعة 23 سبتمبر 2011 نقاشا حادا بين ممثل البعثة الدائمة للملكة المغربية والجزائر لدى الاممالمتحدة في جنيف خلال جلسة النقاش الصباحية المفتوحة والتي بثتها الكاميرا الحيّة للمجلس على شبكة الانترنت حيث سجل الوفد المغربي،في معرض رده على ادعاءات السفير الجزائري حول انتهاكات مزعومة لحقوق الإنسان في الأقاليم الجنوبية المغربية (الصحراوية)،أن الجزائر تتمادى في هروبها إلى الأمام بإثارتها من جديد لوضعية حقوق الإنسان في الصحراء المغربية ،في سعي منها إلى تحويل انتباه مجلس الأمن عن عجزها على المستوى الوطني في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان. وأثارت رويدا مروّه في تدخلها خلال جلسة عامة للمجلس الذي يجتمع في إطار دورته ال 18 بجنيف انتباه الهيئة الأممية بشأن الأسلوب الذي يتم بموجبه انتهاك حقوق الإنسان واللاجئين بطريقة منهجية من قبل البوليساريو في مخيمات تندوف، وبدعم من الأمن العسكري الجزائري. وطالبت مروّه بإحصاء هؤلاء السكان، مشيرة إلى أنه على الرغم من دعوات الأممالمتحدة، والأمين العام الأممي والطلبات الرسمية المتكررة للمفوضية السامية للاجئين فإن الجزائر والبوليساريو تعارضان أي عملية لإحصاء الصحراويين المحتجزين في مخيمات تندوف. ولاحظت مروّه ايضا في مداخلتها امام مجلس حقوق الانسان أيضا غياب حرية التعبير في مخيمات تندوف بشكل يمنع الشباب الصحراوي من الاحتجاج سلميا حيث يتم قمعهم بعنف من البوليساريو مشيرة في هذا الصدد إلى حالة السيد المصطفى سلمة ولد سيدي مولود ، الذي تم إبعاده حاليا عن أسرته في المخيمات بعد أن أعرب عن رأي سياسي يخالف البوليساريو، وأضافت أنه " يجب إحصاءهم وتحديد هويتهم والترخيص لهم بالتنقل بكل حرية للاستقرار بالبلد الذي يختارونه، يجب تمتيعهم بحرية التعبير عن آراءهم السياسية وخاصة مايهم وضعيتهم ومستقبلهم".