شهدت الدورة ال18 لمجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة في جنيف، سويسرا "مواجهة" أكاديمية "لافتة" وأخرى دبلوماسية "حامية" بين المملكة المغربية من جهة والجزائر وجبهة البوليساريو من جهة آخرى حول كل من وضعية الصحراويين في مخيمات تندوف جنوب غرب الجزائر والحل "الأفضل" لانهاء النزاع على الصحراء. شهدت الندوات والمؤتمرات الجانبية التي نظمتها عدد من الجمعيات ومراكز الدراسات غير الحكومية المعتمدة لدى المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة على هامش فعاليات الدورة المذكورة في قصر الأمم في جنيف نقاشات وحوارات بين مؤيدي مقترح الحكم الذاتي لانهاء النزاع على الصحراء ومؤيدي أطروحة الانفصال للصحراء. وعرفت جلسة النقاش العامة لمجلس حقوق الانسان يوم الجمعة انتقادات "علنية" أثناء جلسات الاستماع لممثلي البعثات الدائمة للدول بين ممثل المملكة المغربية وممثل الجزائر حول أوضاع حقوق الانسان في كلا البلدين. وكانت قضية الصحراء الورقة "الحسّاسة" التي حاولت الجزائر من خلالها تصفية "الحسابات" القديمة مع جارتها "المتجدّدة" سياسيا وحقوقيا والقادمة الى المجلس حاملة "ورقة" الدستور الجديد لعام 2011 وو"ورقة" المجلس الوطني لحقوق الانسان الذي تأسس حديثا، حيث تعتبر المملكة هاتين الورقتين رصيد "وافر" في زمن "الربيع العربي" للنهوض بواقع المواطن المغربي وحقوقه استكمالا لمسيرة هيئة "الانصاف والمصالحة" التي تجرأ فيها النظام المغربي على الاعتراف بأخطاء الماضي التي ارتكبها في مجال حقوق الانسان في حين بقيت "الجارة" الجزائر عاجزة عن "السير" خطوة واحدة للأمام منذ عقود في الاطار الحقوقي. ووجه عدد من الناشطين المغاربة والعرب والاوروبيين والأفارقة الذين شاركوا بمداخلات أمام أعضاء مجلس حقوق الانسان في جنيف كما شاركوا ايضا منذ بداية الدورة القائمة والتي تستمر حتى 28 ايلول/ سبتمبر في ندوتين كبيرتين على هامش اجتماعات مجلس حقوق الانسان حيث كانت الأولى بعنوان "البعد الانساني في حلّ النزاعات" والثانية حملت عنوان "حماية حقوق الانسان في أماكن النزعات"، نداءات عاجلة للأمين العام للأمم المتحدة وأعضاء مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة حول ضرورة النظر الى وضعية حقوق الانسان في العالم العربي على أنّها "مسار" متّصل ومترابط بحيث انّه لا يمكن المطالبة باحترام حقوق الانسان من قبل الأنظمة العربية التي تشهد بلدانهم "حراك شعبي" أو"ثورات شبابية سلمية" بينما يغيب صوت الأممالمتحدة عن مطالبة الجزائر وجبهة البوليساريو، المدعومة اصلا ماديا ومعنويا وعسكريا من النظام الجزائري، باطلاق سراح الصحراويين المحتجزين في مخيمات تندوف جنوب غرب الجزائر منذ العام 1975 وسط معاناة يومية متزايدة في مأكلهم ومشربهم وفرص عملهم وتحصيلهم العلمي فضلا عن منعهم من الانتقال الداخلي والخارجي وقمع أصوات كل من يعترض على أداء قيادة جبهة البوليساريو. وأبرز الناشطون في هذا الاطار ايضا وضعية الناشط السياسي الصحراوي مصطفى سلمى ولد سيدي مولود الذي قامت الجبهة باعتقاله وتعذيبه واتهامه "بالخيانة" ونفته الى موريتانيا فقط لأنه عبرّ عن تأييده لمقترح الحكم الذاتي كحلّ نهائي للنزاع على الصحراء، اضافة الى قصة الفنان الصحراوي المعروف الناجم هلال الذي قامت شرطة البوليساريو بمضايقته في مخيمات تندوف بعد الشريط الغنائي الأخير الذي أصدره وتضمّن مجموعة أغنيات تشّجع الشباب لصحراوي على الانتفاضة والثورة ضدّ قيادة الجبهة الحالية متأثرين باخوانهم العرب في الدول العربية الأخرى لنيل حقهم في التعبير عن أرائهم بحرّية. وفي الندوة الأولى التي حملت عنوان "البعد الانساني في حلّ النزعات" والتي نظمتها الوكالة الدولية للتنمية وشارك فيها كل من الأكاديمي الجامعي والمحلّل السياسي المغربي لحسن حداد، والصحافية والناشطة الحقوية اللبنانية رويدا مروّه والناشط الحقوقي موريس كاتالا رئيس الحركة العالمية من أجل السلام والتنمية بمنطقة البحيرات الكبرى في افريقيا الى جانب أحمد مغيزلات عضو المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية (كوركاس) وحمدي الشريفي رئيس المنظمة غير الحكومية "الانتماء من أجل التنمية لحقوق الانسان والتعايش" في مدينة العيون الصحراوية. وقدّم المتحدثون عرضا مفصّلا لأحد أقدم النزاعات "المجمّدة" في العالم وهو النزاع على الصحراء والذي ناهز عمره ال36 عاما والذي يترّبع على قيادة جبهة البوليساريو التي تطالب بانفصال الصحراء عن المغرب، الديكتاتور الأطول حكما (36 عاما) بعد معمر القذافي (42 عاما) وهو محمد عبد العزيز. واشار المتحدثون الى ان سلسلة المفاوضات الرسمية وغير الرسمية بشأن الصحراء والتي تتّم بين الحين والآخر برعاية المبعوث الخاص للامين العام للامم المتحدة الى الصجراء كريستوفر روس لم تفض الى اي نتيجة ملموسة بسبب تعنّت الجبهة في رفض مقترح الحكم الذاتي الذي حظي بتأييد شعبي واسع لدى الصحراويين وعواصم القرار في العالم... كما ندّد المشاركون بالصمت الاعلامي العربي والدولي حول أوضاع حقوق الانسان في مخيمات تندوف حيث ان كل ما يعرفه ويسمعه الرأي العام حول اوضاع الصحراويين في مخيمات تندوف لا تزيد عن تقارير لمنظمات غير حكومة دولية مثل هيومان رايتس ووتش والعفو الدولية دون وجود رصد ميداني حقيقي للأوضاع المعيشية والاقتصادية والتعليمية لا سيّما وضعية الاطفال والنساء في المخيمات والتي بات معروفا مدى سوئها. واستذكر المتحدثون في معرض ردّهم على ممثلي جبهة البوليساريو الذين حضروا الندوة المذكورة وحاواوا تحريف الوقائع والحقائق حيث عمدوا الى تذكير الحضور بأن محكمة العدل الدولية في لاهاي لم تثبت مغربية الصحراء قبل 36 عاما وانه بالتالي يحق للجبهة رفض مقترح الحكم الذاتي الذي تقدّم به المغرب في العام 2007 وانّه لا يحق للمغرب استغلال موارد الصحراء وادارة الحكم فيها بالشكل الذي هو حاصل حاليا، لكن المتحدثون اسقطوا ادّعاءات ممثلي الجبهة في الندوة حين قدموا بالارقام كيف انّ أعلى نسبة تصويت على الاستفتاء الشعبي الاخير على الدستور المغربي جاءت من الاقاليم الصحراوية المغربية وكيف أنّ اعلى نسب اقتراع في الانتخابات النيابية في كل دورة تاتي من الصحراويين داخل المغرب. ومن ثمّ عرض المتحدثون حجم التنمية والحداثة والتطور الاقتصادي والثقافي والتعليمي والتنموي الذي شهدته الألقاليم الجنوبية الصحراوية داخل المغرب منذ استراجع المغرب لهذه الأاقليم في العام 1976 مشيرين الى ان تنمية الصحراء تكلّف الدولة ميزانيات طائلة وليس كما يدّعى الانفصاليون بأنّ المغرب يستفيد من ثروات الصحراء ويحتكرها. ولم يغب عن بال المتحدثين التذكير بالوثائق التاريخية التي تثبت ولاء القبائل الصحراوية ويوخ القبائل منذ عقود الى السلطان في المملكة. واشارت اللبنانية رويدا مروّه الى انّ بقاء النزاع لا يبرّر مطلقا لجبهة البوليساريو انتهاك حقوق الصحراويين في المخيمات ولا يبرّر للجزائر سكوتها عن هدر حقوق اللاجئين الصحراويين في مخيمات تندوف كون المخيمات تقع على اراضيها وبالتالي فعليها مسؤولية قانونية نصّ عليها القانون الدولي. وذكرّت رويدا مروه، والتي قامت مؤخرا باطلاق فيلم وثائقي بعنوان "المخلوع" تضمن شهادات للعائدين من مخيمات تندوف حول طرق التعذيب النفسي والجسدي التي تعرض لها فهؤلاء على ايدي جبهة البوليساريو، في رّدها على اداعاءات البوليساريو ان المبعوث الدائم للامم المتحدة للصحراء السابق قال ان مقترح الاستقلال الذي تنادي به الجبهة والاستفتاء على تقرير مصير الصحراويين هو حل "غير ممكن". واعتبرت مروّه ان الجبهة كعادتها تهرب من مواجهة كل التهم التي تثبت تورطها في انتهاكات جسيمة لحقوق الانسان في الصحراء في الوقت الذي تختار ما يحلو لها من بين قرارات وتصريحات الاممالمتحدة حول ملف الصحراء وتتتناسى ما يفضح حقيقتها. ونددّ كاتالا من جهته بالظروف الاجتماعية السيئة وكذا تدهور حقوق الإنسان في مخيمات تندوف حيث يعاني السكان الحرمان من الحقوق الأساسية ولاسيما النساء والأطفال الذين يعانون من الفراق والانفصال عن أهاليهم بسبب ممارسات البوليساريو. وأضاف المشاركون أن هؤلاء السكان محرومون أيضا من حرية التعبير منددين في هذا الإطار بتكميم الافواه والاحباط الذي يعاني منه الشباب الصحراوي الامر الذي يجعله عاجزا عن التعبير عن أفكاره السياسية المستلهمة من "الربيع العربي". وأشار الدكتور حداد في هذا السياق إلى تعذيب وقهر البوليساريو لمصطفى سلمى ولد سيدي مولود بسبب تأييده لمقترح الحكم الذاتي بالصحراء واعتقاله وتعذيبه ونفيه الى موريتانيا بعيدا عن زوجته واولاده وعائلته. وأنحى باللائمة على الجزائر جرّاء هذه الوضعية التي لايمكن لها، اعتبارا لموقعها كبلد يستقبل السكان المحتجزين، أن تتهرب من واجبها لحمايتهم. واعتبر قيام الجزائر بتفويض تلك المسؤولية إلى حركة انفصالية تنشط فوق أراضيها بالعمل غير القانوني مؤكدا أن الجزائر تتحمل المسؤولية الكاملة عن المأساة في مخيمات تندوف ، وبالتالي يقع عليها واجب ومسؤولية ضمان احترام حقوق الإنسان. وناقش حمدي الشريفي بعد ذلك مشروع الحكم الذاتي المقترح من قبل المغرب من أجل التسوية النهائية لنزاع الصحراء والذي اعتبره الشريفي، بصفته شاب صحراوي ناشط لخدمة قضية أهله، المقترح الوحيد المطروح حاليا مقابل تعنت البوليساريو التي تتمسك بأطروحات غيرواقعية. وأشار إلى أن الحكم الذاتي يعتبر حلا لقضية الصحراء المغربية، وضمانة لتوطيد مغرب ديمقراطي وحداثي يتيح لسكانه العيش في كرامة والتمتع بحقوقهم السياسية والاجتماعية. وأجمع المتدخلون على أن البعد الإنساني في مبادرة الحكم الذاتي في الاقاليم الجنوبية يظهر جليا إضافة إلى كونه سيضع حدا لمأساة إنسانية في مخيمات البوليساريو في المبادرة التشاركية التي تبنتها الدولة المغربية في إعداد المشروع. وعرضت مروّه في نهاية الندوة مجموعة من الارقام والوثائق الصادرة عن منظمات حقوقية دولية معروفة تؤكد تحويل المساعدات المخصصة لسكان تلك المخيمات ملاحظة أنها بدلا من أن تساهم في تخفيف معاناتهم فانّ ميليشيات البوليساريو تقوم بتسويقها في بلدان مثل الجزائر وموريتانيا. وعلى الصعيد الرسمي شهد مجلس حقوق الانسان يوم الجمعة 23 سبتمبر/ايلول 2011 نقاشا حادا بين ممثل البعثة الدائمة للملكة المغربية والجزائر لدى الاممالمتحدة في جنيف خلال جلسة النقاش الصباحية المفتوحة والتي بثتها الكاميرا الحيّة للمجلس على شبكة الانترنت حيث سجل الوفد المغربي، في معرض رده على ادعاءات السفير الجزائري حول انتهاكات مزعومة لحقوق الإنسان في الأقاليم الجنوبية المغربية (الصحراوية)، أن الجزائر تتمادى في هروبها إلى الأمام بإثارتها من جديد لوضعية حقوق الإنسان في الصحراء المغربية، في سعي منها إلى تحويل انتباه مجلس الأمن عن عجزها على المستوى الوطني في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان. وذّكر الوفد المغربي نظيره الجزائري بأن الجزائر ليست في موقع يؤهلها للحديث عن حقوق الإنسان عموما وعن وضعية حقوق الإنسان بالمغرب بالخصوص، مؤكدا أن التخلف الذي تسجله الجزائر في مجال الديمقراطية والانفتاح السياسي والإصلاحات، بالمقارنة مع التقدم الذي أحرزه جيرانها المغاربيون، لا يؤهلها للحديث عن حقوق الإنسان. وأضاف الوفد المغربي أن تخلف الجزائر عن مواكبة التحولات الديمقراطية الجارية في شمال إفريقيا يؤكد الطابع الماضوي والإيديولوجي لخطابها الذي يعود لستينيات القرن الماضي. وأشار الوفد المغربي إلى أنه كان يتعين على الجزائر، قبل توجيه النقد لجيرانها، القيام بتقييم ذاتي من أجل التحرر من عقلية الحرب الباردة والتكفير عن ماضيها الأليم في مجال حقوق الإنسان وتجاوز تعثرها في مجال العدالة الانتقالية. ودعا الجزائر إلى التخلي عن إصرارها العبثي على استغلال حقوق الإنسان وعن عدم تصور تنميتها إلا من خلال زعزعة الوحدة الترابية للمغرب، مضيفا أنه كان يتعين على الجزائر، قبل الحديث عن حقوق الإنسان في الأقاليم الجنوبية للمغرب، البدء بالاعتراف بواجباتها الدولية في حماية سكان مخيمات تندوف والالتزام بها. وأكد أنه كان يتعين على الجزائر كذلك، قبل انتقاد وضعية حقوق الإنسان لدى جيرانها، أن تعيد قراءة خلاصات وتوصيات التقارير السنوية والخاصة العديدة التي أنجزتها مختلف المنظمات غير الحكومية والآليات الأممية لحقوق الإنسان وترّد عليها. وخلص الوفد إلى القول بأن تلك هي التحديات الموضوعية وجوانب الخلل الهيكلية التي يتعين أن تنشغل بها الجزائر بدل التركيز على المغرب وصحرائه. أصوات العائدين من تندوف النقاش الحاد على المستوى الرسمي بين المغرب والجزائر في مجلس حقوق الانسان حسّمه ولو "سطحيا" تدخلات العائدين من مخيمات تندوف والذين تدخلوا امام مجلس حقوق الانسان ليسردوا قصص الانتهاكات الحاصلة في مخيمات تندوف منذ سنوات في حين دعمت الصحافية والحقوقية اللبنانية رويدة هذه الشهادات حيث اشارت الى ضرورة اهتمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بشكل مستعجل بوضعية الصحراويين المحتجزين ضدّ إرادتهم بتندوف على الأراضي الجزائرية وتنتهك حقوقهم من قبل ميليشيات البوليساريو بدعم من الجيش الجزائري. وأثارت مروّه في تدخلها خلال جلسة عامة للمجلس الذي يجتمع في إطار دورته ال 18 بجنيف انتباه الهيئة الأممية بشأن الأسلوب الذي يتم بموجبه انتهاك حقوق الإنسان واللاجئين بطريقة منهجية من قبل البوليساريو في مخيمات تندوف، وبدعم من الأمن العسكري الجزائري. وطالبت مروّه بإحصاء هؤلاء السكان، مشيرة إلى أنه على الرغم من دعوات الأممالمتحدة، والأمين العام الأممي والطلبات الرسمية المتكررة للمفوضية السامية للاجئين فإن الجزائر والبوليساريو تعارضان أي عملية لإحصاء الصحراويين المحتجزين في مخيمات تندوف. وشدّدت مروّه على الحاجة لمثل هذا الإحصاء مشيرة إلى تقارير تكشف عن تحويل المساعدات الإنسانية الموجهة إلى سكان تندوف لبيعها في السوق السوداء. واعتبرت أن رفض الجزائر والبوليساريو لمثل ذلك الإحصاء يعزى إلى خوفهما من أن تكون الأرقام التي قد يتم التوصل إليها أقل بكثير مما يتم تقديمه للجهات المانحة. ولاحظت مروّه ايضا في مداخلتها امام مجلس حقوق الانسان أيضا غياب حرية التعبير في مخيمات تندوف بشكل يمنع الشباب الصحراوي من الاحتجاج سلميا حيث يتم قمعهم بعنف من البوليساريو مشيرة في هذا الصدد إلى حالة المصطفى سلمة ولد سيدي مولود، الذي تم إبعاده حاليا عن أسرته في المخيمات بعد أن أعرب عن رأي سياسي يخالف البوليساريو. وأضافت أنه "يجب إحصاءهم وتحديد هويتهم والترخيص لهم بالتنقل بكل حرية للاستقرار بالبلد الذي يختارونه، يجب تمتيعهم بحرية التعبير عن آراءهم السياسية وخاصة مايهم وضعيتهم ومستقبلهم".