لمياء ابن احساين بعد الإطاحة بنظام حسني مبارك كان هناك انطباع قوي بان ما حدث في 11 فبراير بتنحي الرئيس هو نصف ثورة ونصف انقلاب، لكن رغم ذلك كانت الفرحة العارمة تغطي على كل الانطباعات، فصور الشباب الذين خرجوا ينظفون الشوارع والميدان ومظاهر التلاحم بين المتظاهرين والجيش أبهرت الجميع وأقنعتهم بان الروح التي نفختها الثورة في الناس تغطي عادة على المراحل الانتقالية. لكن بعد مرور الشهور بدت الصورة مختلفة تماما، الإحباط حل محل التفاؤل، وبدأ المصريون يشعرون بالقلق عندما فوجئوا بأحداث ماسبيروا، والتي راح ضحيتها مجموعة من المصريين وكانت المفاجأة الأكبر في تلك اللقطات التي بثتها القنوات الفضائية لتعامل رجال الأمن مع المتظاهرين بطريقة ذكرتهم بزمن حسني مبارك. والحال أن طريقة تعامل رجال الأمن مع المتظاهرين كشفت جملة من الحقائق. أولى هذه الحقائق أن هناك في الداخل والخارج جماعات ودول تحرص دائما على إعاقة التنقل الديمقراطي في مصر. وثانيها أن الطاقة التي اكتشفها الشعب منذ أن نزل بالملايين إلى الشوارع خلال ثورة 25 يناير ووقفت في وجه مبارك ونظامه لا تزال قادرة على تجديد الثورة والوعي بقيمة تلك الطاقة ومعناها أيضا وتوظيفها. لأنهم تأكدوا أن ما حدث في 25 يناير وحتى تنحي مبارك هو عملية مدروسة نفذها العسكريون بمهارة لنقل السلطة إليهم، وبالتالي فان الثورة لم تحمل تغييرا للأفضل وإنما المزيد من المحافظة على النظام القديم الفاسد بإعمال القبضة الحديدية، وإحساس المصريين بذلك لم يكن خيالا أو نظرة سوداوية، بل حقيقة ظاهرة منذ الأيام الأولى للثورة فتباطؤ المجلس العسكري الحاكم في التسريع بمجموعة من الخطوات المطمئنة كتحديد الانتخابات الرئاسية وإصدار قانون العزل السياسي، ومهزلة محاكمة الفرعون المخلوع وأبنائه وتمثيلية السرير الفضي الذي يحمل عليه وتلك المحاكمات السلحفائية الصورية كان المسالة تضييع مقصود للزمن الغرض منه الخروج بنتيجة التعادل السلبي أي لا غالب ولا مغلوب، وفبركة مواد دستور مثيرة للجدل وتواطؤ قضائي لإعادة محترفي السلب والنهب من نواب الحزب الوطني المنحل مرة أخرى إلى مقاعد مجلس الشعب. ودخول الإخوان المسلمون على خط التجاذب السياسي وإصرارهم على عدم التأخير في موعد الانتخابات، لأنهم يعتقدون أنهم الرابح الأكبر فيها الأن، فهذا التلاقي في الموقف وإن اختلفت أسبابه ودوافعه غذّى بعض المقولات التي تقول أن هناك صفقة بينهما على طريقة النموذج التركي الذي يقوم على الاعتراف بدور للعسكر، خصوصا وأن الموقف الأخير لأمريكا التي لا ترى مانعا من وصول الحركات الإسلامية إلى السلطة في أعقاب ما يسمى بالربيع العربي. كل هذه الحقائق برهنت للمصريين أن ثورتهم لم تكتمل بل سرقها الإسلاميون والمجلس العسكري الذي يريد إطالة أمد إمساكه بخيوط القرار السياسي، لهذا سارع المشير طنطاوي إلى إعلان تمسكه بإجراء الانتخابات البرلمانية في موعدها المقرر في 28 نوفمبر وبكونه على استعداد للتنحي عن السلطة وتسلميها إذا أراد الشعب من خلال استفتاء شعبي في إشارة إلى أن المتظاهرين بميدان التحرير لا يمثلون الشعب المصري، وان الضحايا الذين سقطوا خلال المظاهرات الأخيرة لم يكن للجيش أي مسؤولية في سقوطهم، وتكليفه لكمال الجنزوري رئيس الوزراء الأسبق أحد رموز الحزب الوطني المنحل بتشكيل حكومة جديدة. كلمة المشير لم تصدم المصريين فقط بل أسقطت القناع الذي كان يلبسه المجلس العسكري وكشفت لهم عن وجه مؤلم، بان هذه الجيوش هي انقلابية في تكوينها رادعة في تركيبتها ومستبدة في مبادئها لا تؤمن بالديمقراطية ولا تعرف حكم المؤسسات ولا تقر بتبادل السلطة، فنزلوا إلى الشوارع لإكمال ثورتهم رافضين للجنزوري ومطالبين برحيل العسكر وكل يوم يمر في مصر يدخلها في مسار قد تكون فاتورته قاسية. فالرغبة في الحرية ونيلها لا يعني بالضرورة إنجازا ديمقراطيا، فثمة فرق كبير بين تحقيق الحرية بمفهومها العام وبين البناء الديمقراطي.