أكرا/غانا: اختيار فوزي لقجع نائبا أول لرئيس الاتحاد الإفريقي لكرة القدم    بنعبد الله: حكومة أخنوش ضعيفة سياسياً وأطفأت النقاش العمومي... وطال صبرنا لرحيلها    سفيان البقالي يحل ثانيا في سباق 3000 متر موانع بملتقى شيامن    الكرفطي ينتقد مكتب اتحاد طنجة: بدل تصحيح الأخطاء.. لاحقوني بالشكايات!    بنكيران: "العدالة والتنمية" يجمع مساهمات بقيمة مليون درهم في يومين    بنكيران: وفد حماس لم يحصل على التأشيرة لدخول المغرب وجمعنا أزيد من مليون درهم حتى الآن    المباراة الوطنية الخامسة عشر لجودة زيت الزيتون البكر الممتازة للموسم الفلاحي 2024/2025    الكلية متعددة التخصصات بالناظورتحتضن يوما دراسيا حول الذكاء الاصطناعي    أدوار جزيئات "المسلات" تبقى مجهولة في جسم الإنسان    أخنوش يمثل أمير المؤمنين جلالة الملك في مراسم جنازة البابا فرانسوا    مناظرة جهوية بأكادير لتشجيع رياضي حضاري    تتويج 9 صحفيين بالجائزة الوطنية الكبرى للصحافة في المجال الفلاحي والقروي    العثور على جثة بشاطئ العرائش يُرجح أنها للتلميذ المختفي    الجامعي: إننا أمام مفترق الطرق بل نسير إلى الوراء ومن الخطير أن يتضمن تغيير النصوص القانونية تراجعات    جديد نصر مكري يكشف عن مرحلة إبداعية جديدة في مسيرته الفنية    بواشنطن.. فتاح تبرز جاذبية المغرب كقطب يربط بين إفريقيا وأوروبا والولايات المتحدة    إطلاق مشروعي المجزرة النموذجية وسوق الجملة الإقليمي بإقليم العرائش    جيدو المغرب ينال ميداليات بأبيدجان    المغرب يرفع الرهان في "كان U20"    برهوم: الشعب المغربي أكد أنه لا يباع ولا يشترى وأن ضميره حي ومواقفه ثابتة من القضية الفلسطينية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    بدء مراسم جنازة البابا في الفاتيكان    مؤتمر "البيجيدي" ببوزنيقة .. قياديان فلسطينيان يشكران المغرب على الدعم    الملك محمد السادس يهنئ رئيسة تنزانيا    المغرب يرسّخ مكانته كمركز صناعي إفريقي ويستعد لبناء أكبر حوض لبناء السفن في القارة    البشر يواظبون على مضغ العلكة منذ قرابة 10 آلاف سنة    من تندرارة إلى الناظور.. الجهة الشرقية في قلب خارطة طريق الغاز بالمغرب    هولندا.. تحقيقات حكومية تثير استياء المسلمين بسبب جمع بيانات سرية    شبكات إجرامية تستغل قاصرين مغاربة في بلجيكا عبر تطبيقات مشفرة    هولندا تقرر تمديد مراقبة حدودها مع بلجيكا وألمانيا للتصدي للهجرة    تصفية حسابات للسيطرة على "موانئ المخدرات" ببني شيكر.. والدرك يفتح تحقيقات معمقة    تتويج الفائزين في مباريات أحسن رؤوس الماشية ضمن فعاليات المعرض الدولي للفلاحة بالمغرب 2025    كرانس مونتانا: كونفدرالية دول الساحل تشيد بالدعم الثابت للمغرب تحت قيادة الملك محمد السادس    ماذا يحدث في بن أحمد؟ جريمة جديدة تثير الرعب وسط الساكنة    بدء مراسم تشييع البابا فرنسيس في الفاتيكان    ولاية أمن الدار البيضاء توضح حقيقة فيديو أربعة تلاميذ مصحوب بتعليقات غير صحيحة    لقاء يتأمل أشعار الراحل السكتاوي .. التشبث بالأمل يزين الالتزام الجمالي    الشافعي: الافتتان بالأسماء الكبرى إشكالٌ بحثيّ.. والعربية مفتاح التجديد    المرتبة 123 عالميا.. الرباط تتعثر في سباق المدن الذكية تحت وطأة أزمة السكن    المعرض الدولي للنشر والكتاب يستعرض تجربة محمد بنطلحة الشعرية    مصدر أمني ينفي اعتقال شرطيين بمراكش على خلفية تسريب فيديو تدخل أمني    فعاليات ترصد انتشار "البوفا" والمخدرات المذابة في مدن سوس (فيديو)    الصين تخصص 6,54 مليار دولار لدعم مشاريع الحفاظ على المياه    الهلال السعودي يبلغ نصف نهائي نخبة آسيا    وثائق سرية تكشف تورط البوليساريو في حرب سوريا بتنسيق إيراني جزائري    الجهات تبصِم "سيام 2025" .. منتجات مجالية تعكس تنوّع الفلاحة المغربية    من فرانكفورت إلى عكاشة .. نهاية مفاجئة لمحمد بودريقة    جريمة مكتملة الأركان قرب واد مرتيل أبطالها منتخبون    العالم والخبير في علم المناعة منصف السلاوي يقدم بالرباط سيرته الذاتية "الأفق المفتوح.. مسار حياة"    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    متدخلون: الفن والإبداع آخر حصن أمام انهيار الإنسانية في زمن الذكاء الاصطناعي والحروب    الرباط …توقيع ديوان مدن الأحلام للشاعر بوشعيب خلدون بالمعرض الدولي النشر والكتاب    كردية أشجع من دول عربية 3من3    دراسة: النوم المبكر يعزز القدرات العقلية والإدراكية للمراهقين    إصابة الحوامل بفقر الدم قد ترفع خطر إصابة الأجنة بأمراض القلب    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حركة 20 فبراير؟ قراءة هادئة
نشر في شعب بريس يوم 10 - 10 - 2011


حركة 20 فبراير؟
قراءة هادئة

هشام عابد*
كيف تشكلت هذه الحركة؟ وما هي ظروف ظهورها على الساحة المغربية؟ ومن هم روادها الأوائل؟ وما هي الإكراهات التي لاقتها من طرف المخزن؟ وهل هي حركة منسجمة أم خليط غير متجانس؟ هل لها مطالب واضحة؟ وما الثغرات التي تعاني منها الحركة؟ ما الإضافة التي بصمتها الحركة داخل الحراك النضالي والاجتماعي الذي عرفه تاريخ المغرب المعاصر؟ وما طبيعة الشعارات، بل أهم الشعارات التي رفعتها الحركة؟ وهل يمثل شباب فبراير الشعب المغربي أم يمثلون شباب جيل 20 فبراير؟
العديد من هذه الأسئلة وغيرها تم تداوله وتحليله ومحاولة الإجابة عنه في العديد من المقالات والتغطيات والتقارير المواكبة لهذه الحركة منذ ظهورها منذ 20 من فبراير من السنة الجارية.
الأمر الذي سيجعلنا نركز على نقاط عامة مجملة تقرأ هذه الحركة في خطوطها العامة.

ظروف التنزيل؟
فبخصوص ظروف التنزيل وحيثيات الظهور على الساحة المغربية؛ فالحركة جاءت في سياق ظروف عرفها العالم العربي... فلم تكن ظاهرة مغربية خالصة مكتفية بذاتها بل كان لها حافز ومحرك خارجي، الأمر الذي تختلف فيه مع انتفاضات سابقة مثل انتفاضة صفرو وانتفاضة سيدي إيفني وغيرهما... الأمر الذي سيطرح على الحركة مستقبلا تحديا حقيقيا للبرهنة على أصالتها وتجدرها مع مطالب الشعب المغربي وهل ستستطيع مواصلة قوتها في الفضح والوقوف في وجه الحكومة والنظام وتحديه ومراقبته ومحاسبته والوقوف في وجه الفساد والمفسدين و تبني معارك الشعب مع النظام الفاسد...

كتلة غير متجانسة؟
وهي كتلة غير منسجمة؛ بدليل انعدام القيادة والناطق الرسمي لحد الآن، والانشقاقات المدوية بين الفينة والأخرى، والاتهامات المتواصلة بين الأطراف. وكان اختفاء المدون "بن جبلي" تطرح أكثر من سؤال عميق على الحركة والتي نريدها أن تجيب عن هذا السؤال البنيوي والأساسي. وقبله انسحاب المدعو "رشيد سبيريت زاطا" الذي كنا أصبحنا نراه انتقل إلى خطابات من فنادق خمس نجوم ضد الحركة. الأمر الذي يجعلنا نطرح سؤالا من قبيل؛ هل الحركة مخترقة من طرف قوى النظام؟
والحركة في جوهرها التكويني هي خليط من كل الأطياف حيث تجمع بين الجناح الديني المتطرف (العدل والإحسان) وأقصى اليسار (النهج الديمقراطي)، وعناصر من الشعب المغربي الساخط على ظروف معيشته المزرية.
ويظهر هذا الأمر في تقاطعهم في الكثير من المطالب والبرامج والتوجهات النضالية، وحتى في عدم ضبط الشعارات وتركيزها في مختلف المدن على عناصر وأهداف موحدة مشتركة بل ترك الأمر للاجتهادات المحلية والإيديولوجية والفكرية...
كما يظهر عدم التجانس أيضا من خلال الصراعات الداخلية التي عرفتها الحركة منذ تأسيسها. والمشاكل التي واكبتها والمتمثلة في ركوب بعض الهيئات والجمعيات عليها حيث وجدت في الحركة فرصة لخروجها إلى الشارع(حركة "باركا" نموذجا)، نعم الحركة تعاني من اختلالات رافقتها منذ بدايتها باستقالة البعض منهم، ولم تستطع كما أوضحت أن تضمن للشعب المغربي استقلاليتها الحقيقية، ويظهر ذلك جليا من خلال محاولة ركوب شباب مسيّس ومحزّب على الحركة وعدم الاكتفاء بالتأطير والهيكلة والتوجيه.. وهذا ما يدلل على أنه بالمغرب مازالت العقلية متخلفة ومحدودة وانتهازية أكثر منها وطنية ومنفتحة ومتقدمة، وركوب طرفين من أقصى اليسار وأقصى فصيل الإسلاميين عليها من أجل أجندات قديمة. ورغم ذلك ففئات عريضة تخرج مع الحركة تنتمي إلى حزب المهمشين والمظلومين والمسحوقين، لا تهمها المشاكل الإيديولوجية أو السياسية بقدر إرادتها ورغبتها في الصراخ والتظلم من الفساد واغتنام فرصة حقيقية للبوح والانعتاق والتحرر...
احتواء الحركة لهذه المتناقضات؛ هو ما أثار حفيظة المواطن البسيط الذي يكره بطبعه الواضح والأصيل أن يدخل تحت إطار أي إيديولوجيات بعيدة عن الكرامة والعدالة الاجتماعية والحقوق المدنية والسياسية بدل الخليط الذي لا يمكن استيعابه ويولد الشك أكثر من أي شيء أخر.
فهل استطاعت الحركة لحد اليوم أن تنتج خطابا واضحا وأن تلتحم مكوناتها ويصبح لها التجربة الكافية لتذويب الخلافات الإيديولوجية وتوحيد الشعار-الهدف؟

الحركة والشعب؟
درجة تمثيلية الحركة للشعب؟ كل ما ذكرناه في أمر التجانس أثر سلبا في التجييش للشعب لاحتضان الحركة وتموينها بالموجات الشعبية الكفيلة بشد عضد الحركة وتقويتها، خصوصا وإنها لم تستطع إقناع شريحة كبيرة من الشباب باستقلاليتها، فالملاحظ أن العدد الكبير من المشاركين في مسيراتها ينتمون إلى تنظيمات لا تتمتع بإجماع أغلب الشباب المغربي رغم محاولة أعضاء الحركة توحيد الشعارات وتذويب الخلافات الفكرية إلا أن ذلك لم يمنع من تراجع عدد المتظاهرين...

التواصل والخطاب؟
التواصل فرض ضرورة وحتمية وليس فرض حرية واختيار... وهو خطأ مشترك لدى جل الحركات النضالية بالمغرب. لا تلتفت لأهم شيء وهو توضيح الأمور للرأي العام المحلي والدولي بشكل كامل الوضوح لإنجاح عملية الوصول إلى الأهداف وإحراج أكبر لدولة المخزن.
أما الأهداف فهي مشوشة ومن تم ينتج "سوء الفهم الكبير" لمعالمها وأهدافها من طرف مجتمع مغربي أزيد من نصفه أمي، وأزيد من نصف قرن من التدجين والغسل الجماعي للعقل الجمعي المغربي...

الشعب يريد..؟
الشعب يريد.. ماذا يريد الشعب المغربي صراحة؟ وهل وصل لدرجة الوعي الكافية للمطالبة بالحرية والعدل والديمقراطية والكرامة؟ أم كان ترديد تلك الشعارات من باب التقليد ومسايرة الموضة لا غير؟
هل شعب أزيد من نصفه أمي ومدجن ومشحون بخوف وقمع تراكم لأزيد من نصف قرن، يستطيع اليوم تقديم ثورته على الظلم بنظرة واعية ورصينة وثابتة ومتماسكة كالشعوب العربية التي ثارت. أم أن الأمر يتطلب ثورته على نفسه والقطع مع أنانيته وانتهازيته والقضاء على خوفه والتفكير بصوت جماعي تحت لواء أهداف واحدة ومشتركة أولا، ليستطيع تحصيل حقوقه من الحكومة الفاسدة والنظام القمعي ثانيا...
على الشعب أن يقول: الشعب يريد أن يقرأ ويتعلم ويتغير... إذ لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم... فالكثير ممن يسير في التظاهرات يتسم بالجهل بالأمور والثقافة الضحلة؛ رغم أني متأكد بأن الكثيرين منهم حتى من المتحدثين منهم باسم الحركة لا يفهم معنى الملكية الدستورية أو البرلمانية.. ونحن بهذا لا نريد الانتقاء في أن يكون شرط المشاركة في التظاهرات الشعبية المعرفة بدواليب الحكم والمعرفة التامة بالأمور، لكن النضال بالمعرفة والاجتهاد من أجل التنوير حول ما يجري ويدور يؤهل الحركات النضالية والشعبية لأن تكون أكثر فعالية وقوة، وأكثر قدرة على الصمود والاستمرارية...
ولما الشعب يريد.. لماذا لا يخرج كله أو على الأقل نصفه عن بكرة أبيه ليطالب بصوت مدو وواحد الشعب يريد..؟
لازال بيننا وبين الإرادة الموحدة المزلزلة مسافة نضال طويل مرير مع الجهل والخوف ونحو الإرادة الصادقة ونكران الذات...

مسألة المبادئ والصدق في تمثيل الشعب؟
مسألة المبادئ والمصالح الشخصية؛ إذ سيوضح لنا القادم من الأيام مدى صدقية الحركة وأفرادها القياديين، ومدى تشبثهم بمطالب الشعب المغربي أو بالكراسي والمصالح الشخصية. فكاميرات وجرائد وروبورتاجات اليوم تسجل شرفاء أو خونة الغد... حذار..! فالشعب المغربي لن يرحمكم ولن يرحم حركتكم فالتاريخ يسجل ولا ينسى... أين "بنجبلي"، وأين "رشيد سيريت زاطا" وأين "أسامة الخليفي" الذي بدأ رويدا رويدا يظهر في برامج الإعلام التلفزي المخزني ويخفف من لهجته النقدية والمعارضة التي ظهر بها في البداية... فلا تجعلوا هوة اللاثقة التي بين الشعب وبين من يدعي التعبير عنه وعن مطالبه تزداد، فالهوة أصلا كارثية...

ماذا حققت حركة 20 فبراير حتى الآن؟
مسيرات أبت السلطات القمعية في المغرب إلا أن تجعل منها مرة أخرى مجزرة للحرية ومذبحة للكرامة الإنسانية، وتدليلا على أن لا حقوق للإنسان بالمغرب.
فرغم كل ما قلناه فمسيرات 20 من فبراير على الأقل، حركت مياها راكدة لأزيد من نصف قرن، وتقدمت بالمغرب سنوات إلى الأمام على مستويات عدة:

- على المستوى التكتيكي والمرونة والتمرس؛ فالحركة راكمت مجموعة من المكاسب في ميادين مختلفة بدون شك، لعل أكبر هذه الانجازات نجاحها في إفشال رهانات المخزن المختلفة وأسقطتها وفضحتها وهي التي كانت مهيمنة لمدة عقود من الزمن. و هذا ما نعتبره مكسبا سيظل حافزا حقيقيا للحصول على مكاسب أخرى أكثر وترسيخها كأعراف نضالية لا تراجع عنها في مستقبل المغرب المعاصر.
- استطاعت الحركة رغم كل أساليب القمع الممارسة عليها الحفاظ على سلمية الاحتجاج، والتمرس على الصراخ والمطالبة بالحقوق وكسر حاجز الخوف التاريخي للشعب من آلة المخزن.
- أظهرت الحركة قدرة مميزة على الاستمرار في تحريك الشارع المغربي وصمودها رغم التحديات الكبيرة، فالحركة حركة فتية ولا تملك تجربة المخزن في المناورة ولا حجم وسائله الشيطانية.
- التمسك بالوحدة كخيار استراتيجي رغم محاولات الاختراق المتكررة.
- مقاومة الانشقاقات؛ حيث راهن النظام المخزني على التناقضات الإيديولوجية بين مكونات حركة 20 فبراير من أجل إحداث شروخ قوية وانشقاقات لخلخلة تماسكها.
- نجاح الحركة في تطوير أساليب الاحتجاج وشن حملات تواصل ناجحة ولو نسبيا لتوضيح المواقف، والتخلص من أي شبهة من شبه الارتباط الخارجي، مع التحلي باليقظة التامة والتصدي لمحاولات الاختراق الأمني والمالي.
- التشكيك في دوافع الحركة؛ بحيث شن المخزن حملة شخصية على مناضلي الحركة وقذفهم عبر الأقلام المحسوبة عليه بشتى الصفات والنعوت فمنهم الشواذ و"وكالين رمضان" وأنصار البوليساريو ومرتبطين بجهات خارجية... لكن الأيام أثبتت عكس المقولات الرائجة.
- قصر النفس؛ حيث راهن النظام المغربي على الزمان كعادته للتخفيف من الزخم الشعبي من خلال جرجرة مواعيد التعديلات والإصلاحات، وراهن على إدخال الحركة في دوامة الروتين والتآكل الذاتي (نفس الأشكال النضالية، نفس الوقفات، نفس المطالب). لكنه تفاجأ بأشكال الإبداع الشبابي والواجهات غير المتوقعة التي نجحت الحركة في فتحها.
- القمع والإرهاب؛ من خلال التدخل العنيف والاعتقالات والتضييق والمحاكمات والمتابعات وتوظيف أصحاب السوابق... كلها وسائل انتهجها المخزن ضد الحركة وجربها في جل المدن المغربية، ورغم ما خلفه القمع المخزني من خسائر فأرباح الحركة السياسية والإعلامية كانت أكبر لأنها نجحت في إسقاط وتعرية مقولة "الاستثناء المغربي".
- عزل الحركة عن روافدها النقابية والاجتماعية؛ فالنظام بقراره المفاجئ الزيادة في الأجور وتوظيفه لمجموعات من المعطلين والاستجابة لبعض المطالب القطاعية في التعليم والسكك الحديدية والفوسفاط حاول فصل الحركة عن روافد الاحتجاج التي يمكن ان تدعمها وتقويها وتنضم إليها...
- محاولة الاختراق الأمني والمالي من لوبيات وشخصيات محسوبة على "البنية المخزنية" وإفساد الحركة ماليا من خلال التمويلات المشبوهة والدعم اللوجيستيكي المقدم.(يكفي تصفح بسيط في الفايسبوك وفي اليوتوب لمعرفة عدد الصفحات المضادة للحركة، وعدد الفيديوهات المنتجة من طرف النظام لضرب الحركة وتشويه نقاءها وأصالتها ونبل أهدافها)...
- خلط الأوراق؛ حيث حاول النظام من خلال حادثة أركانة، أو اعتقال الصحافي رشيد نيني تشتيت الرأي العام، وإحداث حالة من البلبلة والتشويش على حركات الاحتجاج الشعبي، وتصويرها كمثيرة للفوضى والشغب والفتنة...
- الدعم الخارجي؛ حيث دشن المخزن حملة دبلوماسية روج من خلالها لروزنامة إصلاحاته وتمكن من الحصول على الدعم الفرنسي والدولي، كما حاز شهادات حسن السيرة والسلوك والإشادة الأمريكية. لكن هل تصمد حملة العلاقات العامة هذه أمام ارتفاع وثيرة الحراك الاجتماعي والشعبي بعد تكشير المخزن عن أنيابه التي يحاول إخفاءها؟ وهل تصمد أمام الفضائح الإعلامية المتوالية للمخزن، وأمام مشاهد القمع التي تسربها حركة 20 فبراير على مواقع التواصل الاجتماعي، وعلى الفضائيات الدولية، وفي تقارير المنظمات الحقوقية الدولية؟
- كما عملت على كشف أساليب المخزن؛ بصدد القمع الموجه ضد حركتها المطلبية العادلة، والذي يحاول الخطاب الرسمي تقديمه كدفاع مشروع عن مصالح مشروعة، فخصوم الحركة حسب هذا الخطاب هم "تجار" تضررت تجارتهم، و"سكان أحياء شعبية" يرفضون المس بالطمأنينة في أحيائهم، و"مستقلون" غيورون على الديمقراطية داخل الحركة، و"مؤيدون للدستور".. لكن الجزء الحقيقي والأكبر من الصورة والذي يتم تغييبه في أحايين كثيرة هو أن هؤلاء لم يكونوا محتاجين إلى حافلات و"هوندات" وهراوات من الحجم الكبير، وسكاكين وشواقير، ومنصات تقام في مواعيد وأمكنة المظاهرات، للتعبير عن مواقفهم أمام بل وبمباركة الأمن "الوطني"!

وبعد؛
مهما كانت انتقاداتنا ومؤاخذاتنا عن الحركة، فمن دون أدنى شك أن حركة 20 فبراير حركت بركة المغرب الآسنة على جميع المستويات، وأنقذت بظهورها وبروزها على سطح المشهد السياسي والنضالي بالمغرب ماء وجه الشعب المغربي كشعب حي وناهض وواع، وإلا فإننا كنا سنصنف في قائمة أجبن وأخنع الشعوب العربية والمسلمة، وهي وصمة عار لا يريد أي شعب، بل وأي نظام! أن يتصف بها...
لقد ساهم الحراك الشعبي العربي في إكساب المغاربة لعدة منجزات حقوقية وسياسية لعل أهمها إسقاط القدسية عن بعض الشخصيات والرموز والطابوهات كالفصل 19، وإمارة المومنين، والملكية المطلقة، والمربع المحيط بالقصر وحاشيته كمساعدي الملك وأصدقاؤه.
كما استطاعت الحركة تجييش مئات الآلاف من المواطنين كل شهر، وفي أغلب المدن المغربية الكبرى، حيث تراوحت نقط نزول الحركة إلى الشارع ما بين 40 إلى 100 نقطة جغرافية، وشهدت الحركة توافد فئات جديدة. ومجرد استمرار حركة ووُجهت بأشكال قاسية للاضطهاد هو في حد ذاته معجزة ببلاد تنعت ببلاد "المخزن". كما أنها حررت طبقات الشعب من الخوف، وجعلت من الاحتجاج والمطالبة بالحقوق سلوك يومي عادي لدى كافة طبقات الشعب. كما أكدت الحركة أن المغرب لا يشكل استثناءا كما يزعم البعض وخصوصا منهم المفسدون وحماة الفساد.
ورغم ذلك كله لم تستطع الحركة خلق هوية وبصمة خاصة بها لحد الآن؛ إلى حد بدت معه هذه الأخيرة وكأنها مجرد واجهة لتصريف الخطابات السياسية والإيديولوجية لبعض الأطراف الوافدة على الحركة. وذلك ما سجلته تقارير المتتبعين للمسيرات التي نظمت مؤخرا في بعض المدن. الأمر الذي سيفرض عليها معالجة هذه الثغرة بأسرع وقت ممكن.
كما لا نعرف هل توقع الحماسة والإسراع من وثيرة الوقفات والمسيرات الحركة في أزمة مع ذاتها ومع الدولة ويفرغ نضالها من محتواه العميق! أم أن الأمر يسير باتجاه التظاهر اليومي، إلى حدود الاعتصام الدائم؟ إذ على الحركة الانتباه والتحكم في سرعة سير ومسار الحركة بالشكل الذي يتماشى مع طاقتها الحقيقية والظروف الموضوعية.
ثم ما هي خيارات المستقبل المطروحة على الحركة والتي عليها التعامل معها بجدية وحكمة؛ فإما الشروع في خلق حزب يكون امتدادا للحركة، أو الإبقاء على الحركة في حالتها الطبيعية أي كحركة تمثل الشعب وتسهر على الوقوف إلى جانب مطالبه وحقوقه... ونحن مع الخيار الثاني، لكن مع الحيطة أن تصير الحركة مجرد حركة افتراضية مبهمة وملغومة.
فهل نحن بصدد مشروع نهضة مغربية حقيقية؟
برأيي الشخصي المتواضع أرى أن الشعب المغربي لم يثر بعد ثورته الشخصية الحقيقية والأصيلة. لكن لا يمنعنا هذا من القول أن من ما وقع ويقع من ال 20 من فبراير إلى حدود اليوم، هو بمثابة تمرين جماعي وحقيقي للشعب المغربي على ممارسة الديموقراطية كما يراها وليس كما تفصل له من طرف المفسدين... وهي خطوة ستكون لبنة أساسية من لبنات بناء تاريخ المغرب المعاصر في الأمد القريب...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.