عرفت المشاورات حول تشكيل الحكومة المقبلة برئاسة عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية الفائز بالرتبة الأولى في الانتخابات، منعطفات حاسمة، فرضت التوافق أولا على طبيعة المشروع الذي ستحمله الحكومة قبل الاتفاق على مكوناتها ومن تم وزرائها. ولأن رئيس الحكومة المعين كان يعتقد أن الرتبة الأولى هي بمثابة "دار الأمان" التي ينبغي أن تدخلها الأحزاب دون شروط فقد اصطدم بانتخاب عزيز أخنوش، رئيسا للتجمع الوطني للأحرار، برؤية حداثية جديدة تسعى للقطع مع كل أنواع المحافظة التي تخلق تصورا اتكاليا في المجتمع. التصور الذي يحمله أخنوش يرتكز على المشروع الحداثي الذي يراعي خصوصيات المغرب، لكن يطمح إلى التقدم الاجتماعي والاقتصادي، فرض عليه اشتراط مشاركة أحزاب تلتقي بصيغة أو أخرى حول هذا المشروع أي الاتحاد الدستوري والحركة الشعبية، في الحكومة المقبلة، وهو الشيء الذي فهمه بنكيران على أنه ابتزاز من التجمع الوطني للأحرار.
وكي يواجه هذا التوجه شرع بنكيران، ومن خلال إعلام الطبالة والغياطة والكتائب، في نشر تسريبات الحوار الذي دار بين الطرفين، لكن مع تحويرات خطيرة تحاول أن تظهر أن التجمع الوطني للأحرار يقف على النقيض من المطالب الاجتماعية ويقف ضد مطامح الطبقات الفقيرة، بينما يتوفر الحزب على تصور سياسي واقتصادي واجتماعي واضح يتبنى الليبرالية الاجتماعية، التي تشجع المبادرة الفردية بموازاة الاهتمام بنظام الرعاية الاجتماعية لكن بعيدا عن التوظيف السياسي.
ما زال بنكيران مصرا على خلط الأوراق، حيث لا يتوفر حزب العدالة والتنمية على مشروع مجتمعي واضح المعالم، فقد اتجه بنكيران إلى ضم أحزاب سياسية لا رابط بينها إلى حكومته، وذلك حتى لا يمكن محاسبتها، ولم يفهم بعد أن التحالفات تعني التوافقات ومن حق حزب التجمع الوطني للأحرار أن يرفض المشاركة في الحكومة جنبا إلى جنب مع حزب يراه محافظا ولا يلتقي معه في المشروع المجتمعي.
ولا تناقض في قبول المشاركة في الحكومة مع حزب يعاني الكثير من الالتواءات في مشروعه السياسي، لكن شرط المشاركة كقطب ليبرالي هو الضامن الأساسي كي لا يهيمن تيار المحافظة على الحكومة في وقت يحتاج المغرب إلى حكومة مبدعة من حيث توفير الاستثمارات ركيزة أي رعاية اجتماعية قوية لا تعتمد على الريع ولكن تعتمد على المساهمة.
ولا يجد التجمع الوطني للأحرار نفسه إلا من خلال المشاركة رفقة الاتحاد الدستوري والحركة الشعبية باعتبارهم ثلاثة أحزاب تلتقي في الكثير من النقط التي يمكن أن تشكل عنصرا داعما للحكومة على عكس لو شار ضمن مجموعة أحزاب مهلهلة الهوية السياسية والمشروع المجتمعي.
ويتساءل متتبعون عن السر وراء انقلاب بنكيران ضد حلفائه بالأمس وعلى رأسهم حزب الحركة الشعبية، حيث يشن اليوم الهجومات العنيفة ضد حلفائه بينما من كان يشن ضدهم الحروب مثل شباط ولشكر أصبح يمدحهم. أليس في ذلك رغبة جامحة للتصدي لمن يحمل المشروع الحداثي؟