نشر موقع "دوتش فيله" الالماني حوارا مع محمد لويزي، أحد مريدي حزب العدالة والتنمية وذراعه الدعوية "التوحيد والاصلاح"، تحدث فيه عن كتابه الاخير "لهذه الأسباب غادرت الإخوان المسلمين" والذي يتحدث فيه عن تجربته مع التنظيم في المغرب وفرنسا ويكشف فيه استراتيجية الإخوان المسلمين ورغبتهم في الانتشار في أوروبا.. في حوار مع "DW" كشف لويزي عن استراتيجية الاخوان من خلال "خطة التمكين" - السرية - الهادفة إلى الوصول إلى سدة الحكم عبر آليات الفعل الاجتماعي والثقافي والمشاركة السياسية ورغبتهم في الانتشار في أوروبا من خلال "التوطين" الذي يسعى إلى تحويل "الدار الغربية" من مستوى لآخر وتكريس الإسلام، كما يفهمونه، وبلورته في مؤسسات مرئية على المجال المادي حتى تتم صناعة "الكتلة المسلمة"، وتوحيدها خلف مطالب الإخوان ومشروعهم.
وبالنظر إلى اهمية مضامين الحوار، الذي يكشف عن جوانب معروفة لدى المتتبعين إلا انها تظل خفية بالنسبة للقارئ العادي والمواطن غير المطلع على خبايا الحركات الاسلامية وضمنها حركة التوحيد والاصلاح، الذراع الدعوية لحزب البيجيدي، أحد فروع التنظيم العالمي للإخوان المسلمين رغم ان رموزه لا تتوانى في انكار ذلك، (بانظر إلى كل هذا) فإننا ارتاينا نشره بتصرف..
يعيش الكاتب والباحث المغربي، محمد لويزي في فرنسا، وهو عضو سابق في حركة التوحيد والإصلاح المغربية، وحزب العدالة والتنمية، واتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا، ورئيس الطلاب المسلمين في فرنسا سابقا. أصدر لويزي العديد من الأبحاث حول الحركات الاسلامية تستند إلى تجاربه الشخصية. مؤخراً أصدر كتاب بعنوان "لهذه الأسباب غادرت الإخوان المسلمين"، يروي فيه تجربته.
هل لك أن تحدثنا في البداية عن ظروف التحاقك بالحركات الإسلامية في المغرب؟
لما التحقت بصفوف ما يسمى ب"الحركة الإسلامية" كان عمري 13 سنة. ساهم في ذلك ظروف عائلية واجتماعية بشكل كبير. فالوالد كان متأثراً في تلك الفترة بالفكر الإخواني السلفي الذي وجد في مساجد مدينة الدارالبيضاء، التي كانت فضاء للأدلجة والتسييس منذ ستينيات القرن الماضي. كان الصراع في أوجه بين التيارات المحافظة والتقليد من جهة، والتيارات الحداثية والاشتراكية التقدمية من جهة أخرى. هذه الأخيرة كانت جد نشطة في الفضاء الجامعي بينما كانت المساجد تحت سيطرة التيارات السلفية الوهابية والإخوانية. في تلك الفترة كنت أقرأ بعض المجلات التي كانت تفد على المغرب من دول الشرق وخصوصا من قطر والإمارات العربية المتحدة والكويت، يكتب فيها مجموعة من أقطاب الإخوان المسلمين.
بعدها التحقت بحركة الاصلاح والتجديد، التي غيرت اسمها سنة 1996 إلى حركة التوحيد والإصلاح. في تلك السنة أيضا أصبحت عضوا فاعلا، وأعطيت بيعتي لممثلي الإخوان المسلمين بالمغرب. في سنة 1997 التحقت بالذراع السياسي للإخوان من جملة من التحقوا بالحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية للدكتور عبد الكريم الخطيب، ذلك الحزب السياسي الذي غير اسمه بعد سنتين ليحمل لاحقا اسم حزب العدالة والتنمية.
بعد سفرك إلى فرنسا واصلت أنشطتك داخل حركة الإخوان المسلمين. ما هو الاختلاف هنا؟ فهل تختلف أهدافهم في فرنسا عن المغرب مثلاً ؟
في العالم العربي عموما (دار الإسلام في عرف فقهاء الإخوان)، يتبع الإخوان المسلمون مخططا استراتيجيا يسمى "خطة التمكين" - السرية - الهادفة إلى الوصول إلى سدة الحكم عبر آليات الفعل الاجتماعي والثقافي والمشاركة السياسية، خطوة خطوة، من أجل فرض ما يسمونه "أحكام الشريعة" في الحكم والقضاء والتشريع والتعليم والاقتصاد والعلاقات الدولية. تلك الخطة كان قد رسمها حسن البنا في رسائله و لخصها في ثلاث مراحل: مرحلة التعريف بالإسلام والدعوة إليه، ثم مرحلة الإصطفاء والتكوين ثم مرحلة التنفيذ والوصول إلى أفق التمكين. لكن الأمر مختلف في الدول الغربية.
فإن كان هدف "التمكين" هدف مشترك مع باقي أطراف الأخطبوط الإخواني العالمي، لكن يسبقه هدف آخر وهو "التوطين". لأن العالم الغربي في عرف الإخوان ليس "دار إسلام" وليس "دار استجابة". فهو "دار حرب" بالنسبة لبعض فصائلهم. وهو "دار عهد" و"دار دعوة" بالنسبة لآخرين. وهدف "التوطين" يسعى لتحويل "الدار الغربية" من مستوى لآخر وتكريس الإسلام، كما يفهمونه، وبلورته في مؤسسات مرئية على المجال المادي حتى تتم صناعة "الكتلة المسلمة"، وتوحيدها خلف مطالب الإخوان ومشروعهم.
ما حجم انتشار الإخوان في فرنسا وأوروبا ؟ وكيف ينتظمون هناك؟
نظريا، وبالمقارنة مع هدفهم وما يتطلبه ذلك من طاقات بشرية جمة، يبقى عدد الإخوان المسلمين الذي أدوا قسم البيعة الشرعية للجماعة ضئيلا جدا. ففي فرنسا، لا يتجاوز عددهم ألف عضو. وفي سويسرا هم أقل من ذاك. وفي بلجيكا كذلك، فعدد قليل. لكن عمليا، قلة عددهم لا تعني محدودية تأثيرهم.
يعلم الإخوان المسلمين أن أعينا عدة تراقبهم. فهم يحاولون التنكر لانتمائهم، ما يساعدهم على اختراق تنظيمات سياسية واجتماعية أكثر قدرة على التأثير. إذا أضفنا إلى ذلك الأموال الطائلة والملايين التي تأتيهم من أموال زكاة أغنياء الخليج وكذا من طرف مؤسسات رسمية خيرية - "قطر الخيرية" نموذجا - فإن تأثيرهم على المسلمين أولا يكاد يكون كبيراً وخطيراً في الآن ذاته. إنهم يحاولون ، والنجاح يحالفهم في وضع أيديهم على أكبر المساجد والمنابر التي توفرها. ومن يملك المسجد والمنبر يملك صياغة الخطاب ونشره والتأثير على المسلمين وأبنائهم.
يؤكد حسن البنا مؤسس حركة الإخوان المسلمين على شمولية الإسلام لمظاهر الحياة اعتمادا على مرجعية القرآن والسنة. فكيف يريد الإخوان المسلمون في فرنسا ذات النظام العلماني تحقيق ذلك ؟
مقولة وصدى الشمولية يترددان في كل خطبة جمعة، في المساجد التي يحتلها الإخوان، ويجعلون منها مراكزهم السياسية للأسف الشديد. الإخوان المسلمون كالماء الجاري تماما. لما تعترض صخرة مجرى الماء لا يقف الماء دونها بل يسعى للمرور بجانبها وربما من فوقها. مرور الماء، عبر تعاقب السنين، بمحاداة الصخرة لا يغير من الماء شيئا لكنه يغير من شكل الصخرة، حيث يعريها من جوانبها شيئا فشيئا، حتى تتآكل الصخرة وتنهار تماماً.
يتبع الإخوان المسلمون في فرنسا نفس أسلوب الماء. فهم في بداياتهم يتحاشون الاصطدام بالنظام العلماني، لكنهم يستغلون قضية الحجاب، من بين قضايا أخرى، لإضعاف العلمانية وتصويرها في صورة عدوة الإسلام والمسلمين. وإقناع المسلمين خصوصا الشباب منهم بكونهم ضحاياها.
يُتهم الإسلاميون بشكل عام في أوروبا باستغلالهم لحرية التعبير والقيم الديمقراطية لنشر أفكارهم، لكنهم يرفضون جعل الإسلام منسجماً مع نمط الحياة الغربية. أليس هناك تناقض؟
في مايو من عام 2001، اجتمعت قيادات الإخوان المسلمين الأوربيين في جنيفبسويسرا لتدارس موضوع : "كيف نربي أبناءنا في أوربا؟"، وكان من بين الحاضرين القيادي الإخواني أحمد جاء بالله، وهو رئيس سابق للتنظيم الإخواني بفرنسا.
وقال: "إن حرية التعبير مكفولة في أوربا في حدود واسعة، ولو أن هذا الأمر يستخذم كذلك لترويج الأفكار الإباحية، لكنه يتيح فرصا للتعبير عن الرأي، وهذا يمنح الفرد مجالا للإفصاح عن آرائه، فيخلصه من عقدة الكبت والخوف".
هذا مثال واحد فقط للتدليل على استغلال فضاء الديموقراطية والحرية للدعوة والتوسع والانتشار مع الحرص الدائم على سلوك "التقية" والالتواء وعدم الافصاح عن حقيقة تصوراتهم ونواياهم لكل ما يعتبرونه مخالفاً للدين كما يتصورونه. هم لا يعتبرون ذلك تناقضا بل تكتيكا ذكيا يقع في شباكه بعض "السذج" من أنصارهم من غير المسلمين.
هل يشكل الإخوان المسلمون خطراً على أمن فرنسا وأوروبا؟
لما يلتحق الفرد بجماعة الإخوان المسلمين في فرنسا مثلا، فإن تكوينه يتم عبر دراسة أركان البيعة العشرة. حيث إن الركن الرابع من أركان البيعة هو ركن الجهاد. لا أعتقد أن إخوان فرنسا سيحملون سيوفا وخناجر ومسدسات وغيرها لحمل الناس على نهج أيديولوجيتهم. لكن الإخوان المسلمين الفرنسيين يمارسون ما هو أكبر من ذلك وأخطر، في نظري، حينما يزرعون بذور الفرقة وكراهية الآخرين في الرؤوس. ويستدلون على ذلك بنصوص دينية ويوضفون العديد من القضايا في إحداث القطيعة بين المسلمين وواقعهم وأوطانهم. كما يستغلون القضية الفلسطينية والصراع السوري وغيرهما من القضايا.
في كتابك "لهذه الأسباب غادرت الإخوان المسلمين"، كشفت عن العديد من التفاصيل الداخلية لتنظيم الإخوان في فرنسا. هل جاءتك ردود فعل منهم؟ كيف يتجاوب الشباب المسلم في فرنسا والمغرب مع ما جاء في كتابك؟
طبيعي أن لا يتقبل الإخوان المسلمون نقدا من الخارج وهم يرفضون النقد الذاتي، ويسعون للتضييق على الكتاب و مؤلفه بكل وسائل الضغط الاجتماعي والقضائي، والتشهير والاتهام بالعمالة والخيانة والردة عن الدين. لكن في خضم تلك الضغوط بدأت جهات رسمية تتجاوب إيجابيا مع محتويات الكتاب. فلقد تمت دعوتي مؤخراً لتقديم الكتاب بمجلس المستشارين بفرنسا. وقد تم تقديمه ب "مركز العالم العربي بباريس". كما ذكر الكتات في وثيقة رسمية، في مقدمة مشروع قانون فرنسي حول التعليم الخاص، سيناقشه مجلس النواب الفرنسي قريبا. كما إن جهات وطنية وأوربية عدة تهتم به ومن بينها على سبيل الذكر لا الحصر "المنظمة الأوربية للديمقراطية". أما على مستوى الشباب المسلم، فهناك تجاوب وظهور وعي داخل العديد من المساجد والجمعيات الدينية.