عبد الاله بن كيران وعبد العالي حامي الدين: وجهان لعملة واحدة
شعب بريس- محمد.ب يحار المتتبع للمشهد السياسي في المغرب، والحزبي منه على الخصوص، في فهم وتفسير بعض الظواهر التي تنفلت للمحلل السياسي والباحث الاجتماعي ولكل من له علاقة بالفعل السياسي والشأن الحزبي في المملكة. الحديث هنا يجرنا إلى احد الأحزاب التي "تعرف من أين تأكل الكتف" حسب القول المأثور عند عامة الناس، و ممارسة السياسة ببراغماتية بمفهوم الباحثين في السياسة وشؤونها. إنه حزب العدالة والتنمية الذي مافتئ يتسلق الدرجات تلو الأخرى، في ميدان السياسة وتدبير الشأن العام بالمغرب. إذ لا يتوانى قياديو الحزب في سلوك "جميع الطرق والسبل التي تؤدي إلى روما"، كما أنهم يتقنون فن التمثيل والتناوب في لعب الأدوار على المواطن و الأحزاب و أصحاب القرار على حد سواء. فهم تارة ضد النظام، وتارة أخرى معه حتى النخاع، ومرات أخرى في منزلة بين المنزلتين وفي العديد من الأوقات يكون موقفهم ضبابيا يستعصي على الفهم. مثال ذلك، ما وقع بالقنيطرة بمناسبة انعقاد الملتقى الوطني السابع لشبيبة العدالة والتنمية.
ففي إطار فعاليات هذا الملتقى، أكد عبد العلي حامي الدين أستاذ القانون الدستوري وعضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، أثناء المحاضرة التي ألقاها مساء الاثنين 18 يوليوز الجاري، أن الملكية في المغرب تغامر بمستقبلها في حالة عدم انخراطها، في إصلاحات سياسية عميقة تستجيب لمطلب محاربة الفساد وإبعاد رموزه عن مواقع المسؤولية.
وأبرز المحاضر، أن المرحلة التي يعيشها المغرب تتطلب انخراط الجميع لتوفير شروط نجاحها، سواء تعلق الأمر بالأحزاب السياسية أو الدولة أو الملكية نفسها.
وأكد المحاضر، أن الحديث عن الاستثناء المغربي، قد ولى وانتهى، بنزول الآلاف من شباب 20 فبراير إلى الشارع، ومحذرا من الاستهانة بقوة الشارع وضغطه، وأوضح القيادي الإسلامي، أن ما يجري في الدول العربية من ثورات متنقلة، على حد قوله، ، تؤشر على أن العالم العربي يعرف مرحلة تاريخية جديدة تختلف عن كل المراحل التي عرفها العرب، أهم ما يميزها هو دخول فاعل جديد إلى المشهد السياسي، وهو الشعب الذي ظل مهمشا ومقهورا طوال سنوات.
وأكد القيادي أن الشعب المغربي، رغم خصوصية احتجاجاته، فإنه يتوفر على مخزون عميق من القهر، يمكن أن يعبر عن نفسه في أية لحظة وبوسائل لا يمكن التكهن بها، على غرار ما وقع في تونس ومصر.
وشرح حامي الدين في المحاضرة المذكورة، أن أمام المغرب سيناريوهان اثنان أحدهما تفاؤلي والآخر تشاؤمي، وفي هذا السياق قال المحاضر إن السيناريو التفاؤلي له عناوين بارزة أهمها إجراء انتخابات حرة ونزيهة تنبثق عنها حكومة مسؤولة أمام الشعب، تنفذ برنامج انتخابي واضح وليس الاختباء وراء الملك كلما تعلق الأمر بالمحاسبة، وكذا ظهور أحزاب وأقطاب سياسية قوية قادرة على ترجمة هموم المواطنين.
أما السيناريو التشاؤمي والذي قال حامي الدين إن مرجحاته موجودة، فعنوانه الأبرز هو إجراء انتخابات لا جديد فيها ومحكومة بنفس أدوات المرحلة السابقة، ستولد إحباطات لدى المواطنين.
وفي الجانب الآخر، شدد عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية المغربي، خلال افتتاح الملتقى السابع لشبيبة حزبه بالقنيطرة، يوم الأحد 17 يوليو الجاري، وانسجاما مع ثلاثية الشعار الوطني المغربي (الله، الوطن، الملك)، على ثلاثة ركائز اعتبرها ضرورية لتجديد الثقة في الفعل السياسي وضمان استقرار المغرب وهي: الحفاظ على المرجعية والهوية الإسلامية (الله)، والوحدة الوطنية مع الشرفاء (الوطن) من دون المفسدين و"الباندية"، والتمسك بالملكية اختيارا سياسيا وقائدا للثورة البيضاء.
و اغتنم الأمين العام للعدالة والتنمية فرصة اللقاء السياسي بشبيبة حزبه، ليوجه رسائل سياسية تخص الوضع السياسي لمرحلة ما بعد التصويت على الدستور، مؤكدا أن طريقة حكم الملك، قبل تاريخ الاستفتاء على الدستور قد انتهت، كما أن محاربة المفسدين أصبحت واجبا.
وقال بنكيران إن حزبه قال "نعم للملكية والدستور"، ولكن لابد من التغيير والقيام بإصلاحات حقيقية، ولم يوقع شيكا على بياض ولم يأخذ درهما من أجل هذا التصويت، بل هدفه "تدعيم استقرار البلاد"، مشيرا إلى أن حزبه يتحفظ على تسريع موعد الانتخابات دون مراجعة إجراءاتها القديمة، لأنها ستكون فاشلة وتفرز نخبا مفسدة.
وفي موضوع حركة 20 فبراير، أوضح بن كيران، أن حزبه ليس ضد نزول الشباب للشارع للاحتجاج لنيل مطالبهم في الشغل والتعليم والصحة، ولكن المرحلة لم تعد من أجل إسقاط النظام، بل من أجل تصحيح المسار ومقاومة الفساد والاستبداد وتوضيح المواقف والقطع مع "قطاع الطرق".
وأبرز بنكيران أن التلاعب في الانتخابات والتحكم فيها والإبقاء على المعتقلين ظلما في السجون، سيعيد إشعال الشارع المغربي ويدخل البلاد في مرحلة لا لون لها ولا رائحة.
واعتبر بنكيران المرحلة المقبلة لما بعد الدستور "صعبة"، لأن محاربة المفسدين والمستفيدين من الريع والمغتنين من "صداقة الملك" تبقى "واجبة".
وحدد بنكيران ثلاثة شروط لإنجاح الثورة الهادئة وتعزيز الثقة بين الفرقاء السياسيين بالمغرب، وهي: التأكيد على المرجعية الإسلامية للدولة، وهي ليست تدخلا في الحرية الشخصية، وإنما هي عدم إشاعة الفاحشة والشذوذ والمعصية في الشعب المغربي، داعيا الشباب إلى عدم الانجرار إلى نقاش حول هوية الدولة المغربية: مدنية أو دينية، بل التأكيد أنها إسلامية وفقط. الحفاظ على الملكية: بعمقها التاريخي، الذي يمتد ل 12 قرنا، وخاطب بنكيران،بالمناسبة، العاهل المغربي قائلا: "بكل محبة وصدق، أقول لك يا جلالة الملك إن طريقة حكم ما قبل فاتح يوليو قد انتهت، وشعبك صوت بنعم لتستمر في حكمه من خلال نخبة نزيهة تدافع عن مصلحة الوطن، فكفى النخبة المحيطة بك ما جمعته من أموال وامتيازات طيلة خمسين سنة، فالشعب يريد حقه وكرامته، وأنت قائده في هذه الثورة ونحن معك." محذرا من الاستمرار في التدبير الحالي من دون القيام بإجراءات سياسية وقانونية تجعل الدولة تتصالح مع الشعب وفي خدمته، وليس هو في خدمتها. الحفاظ على الوحدة: مع النزيهين والشرفاء، وليس مع "الباندية" والمتآمرين على البلاد.
إن المقارنة بين أقوال القياديين، لن تجدي في توصيف الحزب وتفسير الخط السياسي الذي يسير على هداه، على اعتبار انتفاء أي ترابط وانسجام مطلوب بين أفكارهما، والتي من الضروري توفر حد أدنى منها، بين من ينتمي إلى نفس التنظيم، اللهم إذا كان هذا الأخير مجرد حركة تستقطب مختلف الآراء والتوجهات المتباينة والتي لا يربطها إلا شعار ومطلب مرحلي محدد في الزمان والمكان، وعندها سنسميها رفعا لأي التباس: الحركة من أجل العدالة والتنمية.