هناك الكثير من رموز المغرب العتيق يمكنك ملاحظتها بدون أدنى جهد، و تعبر عن مدى الإكراهات التي لازالت تنتظر هذا البلد الأمين من أجل التقدم و الرقي.. رموز تصادفك في الشارع و المقهى و الإدارة وفي أي مكان تذهب إليه.. و سنرصد من خلال هذا الموضوع مجموعة من الظواهر و الملاحظات عن وجود رموز للمغرب التقليدي القروسطوي البطيء في تحوله...
ومن هذه الظواهر و الرموز نجد:
- النقود؛ و هي تفضح مدى دمقراطية هذه الدولة أو مدى دكتاتوريتها أو سيطرة الحاكم المطلق فيها.. فتجد نقود الدول العربية يتربع داخلها وجوه حكامها وملوكها، بينما تجد في الدول المتقدمة، وجوها لسياسيين وزعماء وطنيين وعلماء كبار ورسامين مشهورين وغيرهم ممن جادت بهم تلك الدولة، في رمزية تدل على اتحاد الكل في بناء صرح الدولة والرقي بها دون احتكار ذلك على شخص واحد. - الشرطة؛ هي في خدمة إفزاع و إرهاب الشعب في البلدان المتخلفة، بينما مصدر أمان و حماية في البلدان المتقدمة. - الإجماع؛ دولة لازالت تؤمن بثقافة الإجماع، هي دولة لازالت قروسطوية وتقليدية، بينما السياسة الحقيقية لابد وأن تتماشى مع معطيات التسيير والتدبير السياسي الحديث والمتماشي مع العصر. - الخطب المقدسة؛ و التي ينتظرها كل الفاعلون السياسيين في الدول المتخلفة لكي يقتطعوا منها الجمل والعبارات، لكي يدعموا بها أقوالهم فيضمنوا بذلك عدم المعارضة وعدم المناقشة الحرة من باقي الأطراف.. إلى جانب تغييب العقل التام، فبدل مناقشة هذه الأفكار المطروحة والتفاعل معها، تأخذها الفعاليات السياسية كمقاطع مقدسة و كبرامج سياسية لا تقبل النقاش أو التعديل... - ظاهرة تقبيل الأيادي؛ هذه الظاهرة التي تعبر عن علاقات قروسطوية تنتمي لعالم البلاطات العتيقة التي تؤكد على عناصر الطاعة العمياء و التعبير عن الرضوخ و العبودية التامة لأولي الأمر.. مقبلوا الأيادي في المغرب لا يعني أنهم يكنون الاحترام الحقيقي لعاهل البلاد، يمارسونه تقليدا و ضرورة و ليس تقديرا حقيقيا، قوم منافقون في أغلبيتهم.. - التحكيم؛ وهو دليل على ضعف المشهد السياسي بالمغرب، و دليل على اللا رشد الذي تعيشه الفعاليات السياسية والحزبية في تدبير شؤونها الداخلية.. - الهبات الملكية؛ هي منح وعطايا، وهي طريقة عفا عليها الزمن، ففي ظل التعاقد السياسي الضعيف الذي يعرفه المغرب بين الملك والحكومة والبرلمان وبين الملك والشعب، تصبح الأشياء التي هي من المفروض من حق الشعب، أشياء يمن بها عليه.. يكرس ذلك مظاهر "السعاية" و "قلة النفس" التي أصبح يعيش فيها مع الأسف الكثير من المغاربة.. فالأغلبية تتمنى أن تصادف الملك في إحدى المناسبات من أجل وظيفة أو "كريمة"، أو مصلحة شخصية.. ليس هناك من يتمنى أن يلتقيه ليهنئه على مجهوداته من أجل الوطن، أو يطلب منه أن يعتني بمدينته الفلانية لأنها تحتاج إلى ذلك، أو لا يطلب منه أي شيء... فالمصلحة الشخصية الأنانية سيدة الموقف. - الحملة بالجملة؛ هذه الثقافة عجيبة من نوعها، فمن جهة ينادي المغرب بالتنمية المستديمة، وهو يقوم بالحملات المتفرقة بين الفينة والأخرى على المخدرات ومرة على الرشوة و مرة على البائعين المتجولين... ولا يقف هذا الكر و الفر في "سيبة" عارمة لا تسمن و لا تغني من جوع... - العفو الملكي؛ معايير يحددها مدراء السجون و هي مبنية على من له معارف أكثر، أو من يدفع أكثر، فيستفيد منه ذوو النفوذ والجاه، بينما يقبع في السجن من لا حول و لا قوة له.. - الجهل بالدستور والقوانين؛ كم من مغربي يعيش و يحكم داخل هذا المغرب الحبيب بدستور لا يعرف فيه ولا بندا واحدا.. - سياسة الدولة الاقتصادية؛ إسأل أي مغربي عن سياسة المغرب الاقتصادية، فسيصعب عليه الجواب.. إذ لا هي رأسمالية و لا هي اشتراكية.. إنها هجينة، غير مصنفة..! - فوضى إدارية؛ و تسيب لا حد له، ووثائق غريبة تطلب من المواطن المسكين كأن يطلب منه "شهادة الحياة" وهو واقف أمام الموظف حي يرزق!! - التعليم؛ يعيش "بلقنة" حقيقية، إذ يتراوح بين "المسيد" و المدارس الخصوصية، و الدروس الإضافية، والمدارس العمومية، و التعليم الديني التقليدي، و التعليم على الطريقة الغربية، و دراسة تبدأ بالعربية و تنتهي بالفرنسية... أين المدرسة الوطنية الموحدة؟ - السيبة؛ "سيبة" معاصرة لازالت مستمرة في المغرب المعاصر، فلا تستطيع متابعة أي مسئول أو نافذ في البلد إذا احتقرك أو هضم حقك، لأنك ستضيع في دوامة ستفضل بعدها أن تكظم غيظك و"تكمدها و تسكت" بدل محاولة أخذ حقك الذي يكفله لك القانون المغربي على الورق. - المحاسبة و المراقبة؛ إذ يعتبر المغرب أجمل وأعظم بلد في العالم، لماذا؟ إذ يمكن لأي أحد أن يسرق مليارا و يخرج بكفالة أو يثبت أنه مريض عقليا.. فلا عقوبة للمجرمين الحقيقيين، إنما العقوبة، أشد عقوبة لسارق خبزة أو بيضة من أجل سد رمق الجوع.. - العقار؛ مدن تتسع كالوحوش، أصبح المغرب دولة العمارات و التجزئات بامتياز، أحياء و شوارع وتجزءات سكنية بشعة. إنه يتجه لأن يكون مجرد تجزئة كبيرة تمتد من طنجة إلى الكويرة! - دولة الأغنياء جدا و الفقراء جدا؛ لا وجود لطبقة وسطى، بل هناك دولة للخدم و الحمالين و دولة لأصحاب الملايير الأرصدة في البنوك العالمية.. ففي المغرب 10% عايشين ديال بصح، و 90 % غير حيين فقط، غير باش يمتلوا الدور ديال الشعب مع 10 %. - الزمن الضائع؛ المزيد من الزمن الضائع يتشبث به أعداء الوطن و أعداء التقدم والحداثة.. - العصا لمن عصى؛ لغة الحوار الاجتماعي السائدة هي طي الضلوع و شج الرؤوس، وتنزيل القرارات من فوق (مدونة الأسرة، مدونة السير، مدونة الشغل...) - الرشوة؛ هي في المغرب مجرد قهوة (أحد العباقرة المغاربة تدخل لحل هذه المعضلة قائلا: شحال تعطوني نحيدليكم هاد الرشوة من البلاد!). - المعادلة السياسية الصعبة؛ فالمغرب يمارس الديموقراطية ب 70% بالمائة من الأمية و أزيد من 30 حزبا !! مع الأسف الديموقراطية لا تمارس إلا بالعلم و الوعي و المعرفة. - السادية؛ نتعرض لوابل من العصا و التعنيف لندرس منذ السنوات الأولى للدراسة، و كناكلوا شبعة ديال العصا قدام البرلمان حيث قرينا بزاف !! العصا فيك فيك. - البصاصين؛ من شدة التخمة التي يعيشها المغرب من قلة الشغل و "البركاكة"، فإن النص في المغاربة خدام، و النص الثاني حاضي النص اللي خدام !! تلك بعض من مفاتيح مغرب القرن الحادي و العشرين.. فيروسات تنخر البلد و تشده إلى بركة التخلف الآسنة.. هشام عابد- باحث في الفكر الإصلاحي