في زمن الظلم والاستبداد، لا بد من كلمة وضاءة وبليغة تظهر في الواجهة وتسابق الكلمات وتدافع العبارات لكي تغير واقع الحال، وتحقق مصالح العباد، وتضمن سلامة الاستمرار والاستقرار للبلاد، "إنها كلمة الحق" لا خير فينا إن لم نقلها وخير فيهم إن لم يسمعوها. الكلمة تصنع الحياة أو تمدرها الكلمة هي أصل حركة الوجود، عليها يقوم أمر الدنيا والآخرة، وعليها قامت السموات والأرض، فكم من كلمة رفعت أصحابها في أعلى عليين، وكم من كلمة هوت بأصحابها أسفل سافلين، فأثر الكلمة سار في الوجود على امتداد الزمن، فكم كلمة خرجت من فم أو قلم إنسان في لحظة صفاء روحاني خلدته في حركة التاريخ، وقد أشار فريد الأنصاري رحمه الله في أحد مقالاته قائلا:"إن الكلام مؤثر جدا في إنتاج الفعل الإنساني، بل هو عين الفعل الإنساني" وأضاف قائلا: "ولا يكون –الكلام- إلا فعلا جاريا في الواقع وحدثا جالبا لأثر في التاريخ".
كلمة الحق فريضة وضرورة ومن هنا نقول إن كلمة الحق في زمن الظلم والفساد واجب شرعي وضرورة مجتمعية، لأنه من الواجب شرعا جلب المصالح ودرئ المفاسد عن الناس، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ومن هنا قال تعالى: "كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله" فكل الأنبياء والمرسلين أمروا بالبلاغ المبين، والبيان البليغ، من أجل إفهام الناس مراد الله تعالى من خلقهم وانبعاثهم في الحياة، وكذا رسم معالم واضحة بين الهدى والظلال والحق والباطل.
كلمة الحق سبيل الفلاح قال تعالى: " ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وألئك هم المفلحون" فإن من سبل الفلاح والنجاة الفردي والجماعي الدعوة إلى الخير والمعروف والنهي عن الشر والمنكر، والإسهام في بناء مجتمع التزكية والصلاح، بل إن مهمة الأمر والنهي من خصائص هذه الأمة، ومعلمة من معالم منهجها في تحقيق والاستقرار والأمن الروحي والاجتماعي والسياسي أيضا، فإذا تحقق شرط الصلاح ومحاربة الفساد، ضمن المجتمع مصير الفلاح النجاح، وإن لم يتحقق هذا الشرط هلك الناس جميعا، فالمسؤولية هنا مشتركة بين أهل الصلاح وأهل الفساد.
السكوت من ذهب ورد في ثقافتنا الشعبية أنه "إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب" وهي كلمة حق أريد بها باطل، فالسكوت من ذهب إذا كان في محل السكوت والتزام الصمت، ولكن قد يكون الكلام أغلى من بعض الأحجار الكريمة، ويكون الصمت أحيانا خيانة عظمى، لأنه – السكوت – قد يتسبب في شيوع فتنة عريضة في المجتمع.فالخروج من دائرة الصمت إلى دائرة الكلام ليست شجاعة، وإنما هي مسؤولية وحاجة ماسة وجب القيام بها. إن شيوع ثقافة "السكوت" في جيل ما بسب الخوف من وازع ضاغط، قد تورث إلى الجيل الذي يأتي من بعده على أساس أنها عقيدة، ويصير عنده قناعة جازمة أن السكوت عن الحق هو الأصل وأن الجهر بالحق استثناء حركة التاريخ يؤدي إلى الهلاك، فيصير من الصعب انتزاع هذه الفكرة من خريطته الثقافية، مما يؤخر عملية التغيير في المجتمع.
الحق و الخيارات الثلاث إن أصناف الناس في علاقتها مع الفساد تنقسم إلى ثلاث خيارت، خيار التطبيع والتبعية والمهانة والانزلاق مع قيم الفساد والرذيلة، وخيار الانزواء والانهزامية والتخندق، وخيار الممانعة المقاومة، أما الأول هو خيار الجبناء، والثاني هو خيار الضعفاء، وأما الثالث فهو خيار الشرفاء، وأختم مقالتي هذه بحديث من أعطاه الله جوامع الكلم فيما روته أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إنه سيستعمل عليكم أمراء، فتعرفون وتنكرون، فمن كره فقد برئ، ومن أنكر فقد سلم،ولكن من رضي وتابع.. قالوا يا رسول الله ألا نقاتلهم؟ قال: لا .. ما أقاموا فيكم الصلاة" رواه مسلم. وعلق على الحديث الإمام النووي في رياض الصالحين فقال: معناه، من كره بقلبه ولم يستطع إنكارا بيد أو لسان فقد برئ من الإثم وأدى وظيفته، ومن أنكر بحسب طاقته فقد سلم من هذه المعصية، ومن رضي بفعلهم وتابعهم فهو العاصي".