بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أكرم المرسلين وعلى آله وصحبه الطيبين
سادتي العلماء ورثة الأنبياء، السلام عليكم ورحمة الله؛
تعلمون أن الله يسر في هذه الأيام المباركة، من نفحاته لتفريج كرب الأمة وتخليصها من ظلم دين الفساد. وأي فساد أعظم من تعطيل شريعة القرآن في مجال المعاملات والسياسة والاقتصاد؟ فسخر الله شباب الأمة لتجديد دينه، بعد قرن من تسلط شرعة الأيديولوجية اللادينية على كل مجالات حياتنا. فلربما تعينت قومتكم لترشيد مسار الخلاص، حتى يكون الدين لله... كله لله... لكي لا تكون فتنة... وفساد في الأرض... وتتذكرون سادتي الفقهاء، خاصة من توجهم الله منكم بتاج وقار الشيب، أن ملوك المغرب في القرن الماضي، كانوا قد طلبوا من الفقهاء، دسترة الشريعة الإسلامية، لطرح بديل للقوانين التي وضعها فقهاء اللاييكية الفرنسية. ورغم أن الحركة الوطنية التي قاومت الاستعمار كان لها علماء أجلاء من أمثال المختار السوسي وأبي شعيب الدكالي ومحمد بن العربي العلوي وعلال الفاسي، لم يكتب التوفيق لدسترة أحكام الشريعة، إلا في مجال الأحوال الشخصية، لأسباب مختلفة لم تعد قائمة اليوم. وقبل ذلك، كان علماؤنا الأجلاء، على وعي كبير من المسألة التشريعية، وأثرها في حاضر، ومستقبل البلد. فلقد كان الظهير البربري محاولة أراد بها الفرنسيون: تفكيك أسس الوحدة الوطنية والتماسك الديني والاجتماعي، عبر إخضاع الأمازيغ إلى قانون المحاكم العرفية، والفرنسية إن اقتضى الحال، والعرب، للمحاكم الشرعية. وقد كان رد الفعل المغربي قويا على هذا الظهير، رغم زخرفته بالخاتم السلطاني. فبدأت الاجتماعات في المساجد، وتعممت قراءة دعاء اللطيف بشكل جماعي، وخرج المصلون في مظاهرات شعبية إلى الشوارع، وكثرت الاحتجاجات والتظاهرات في جل المدن. وعلى إثرها بدأت الاصطدامات الأولى مع الاحتلال الفرنسي، تلتها سلسلة اعتقالات واسعة، و تكونت على إثرها حركة تزعمت جمع التوقيعات والعرائض المنددة. بعد ذلك، تم بناء تنظيم رافض للظهير البربري ومحتوياته، من رجال الحركة الوطنية في المنطقة الشمالية الاسبانية والجنوبية الفرنسية في انسجام وتوافق تام . حدث ذلك، ولم يكن وجود للفايسبوك، ولا لتويتر، ولا يوتوب، فدل على عظمة المجهود الذي بذله أسلافكنا الأوفياء. فهي البذور الإسلامية الطيبة التي سقاها دم الشهداء، خاصة في جبال المغرب الشامخة، بشموخ رجالها المجاهدين. فأنتجت ثمرة توحيد المغاربة، ثم استقلال االبلد. لكن سادتي الفضلاء، أنتم على علم أن الاستقلال الشامل قد تم الالتفاف عليه. كيف؟ باختيار أناس بعينهم، دون غيرهم، ضمن الوفد المفاوض في بلدة إيكس ليبان الفرنسية. تعجلوا وقبلوا استقلالا منقوص السيادة، على المجال الأرضي وفي المجال التشريعي: · على المجال الجغرافي، رضوا بالحدود المفروضة، بتقليص مساحة المغرب. وترون، سادتي، ما يعانيه البلد من جراء تلك البداية التي لم يتفق عليه العلماء؛ · وفي المجال التشريعي، قبلوا حكم اللاييكية. وكان من أهم إفرازاتها: أول حكومة علمانية، وأسمى قانون للمغرب، وهو دستور موريس دوفيرجي. وهو أكبر مرجعية للفساد والاستبداد وتخلف البلاد. ولا غرو في ذلك: فلقد كان من أهم أهدافه: o أولا : تحنيط الشريعة / المعاملات والقيم، لتحييد الدين الإسلامي عن سدة الحكم: سياسيا، واقتصاديا، واجتماعيا، وقضائيا، وأخلاقيا... o ثانيا : تأويل بعض النصوص الدينية ودَسْتَرَتِها بشكل مغرض، يروم خدمة قداسة مزعومة، ما أنزل الله بها من سلطان، حتى وقع السجود لغير الله، وفرضت العصمة لغير رسول الله، للحيلولة دون محاسبة من بيده السلطة. وعاش المغاربة تحت هذا الوضع المذل منذ أن وضع أول دستور سنة 1962 إلى يومنا هذا. واليوم والحمد لله، أجمع المغاربة قاطبة: حكاما ومحكومين، خاصة الشباب الذي لم يهرم في حضن المسخ والإذلال، أجمعوا على تغيير الدستور الذي أشرف عليه الأبناء الروحيون لموريس دوفيرجي. فوعدنا حكامنا بتعديلات هامة، من إبداع "الخبرة المغربية"، سوف ترى النور في فصل الصيف المقبل. ولقد هرع سدنة هيكل اللاييكية، فبعثوا خبراءهم لتوجيه ورشة تعديل الدستور، وأكبر همهم اختيار مهندسي الترميم، من بين المريدين النجباء، الذين امتحنوا في الولاء للقديسة اللاييكية، فنالوا أوسمة التقدير، من سدنة هيكلها السري والعلني. وأغدقت عليهم الهبات من حكوماتهم، ومن بعثاتهم الثقافية، ومراكزهم البحثية، على ما أنتجوه من مساهمات سقيمة، مقلدة لفقههم الدستوري المستخف بالشريعة. وبما أن التاريخ يعيد نفسه، كان ذلك الاختيار مكرِّرا لمكيدة تعيين وفد مفاوضات "إيكس ليبان". فحقَّ على المغاربة الحذر، من لدغة الأفعى مرة ثانية... وتعيَّن على العلماء تكرار ما فعله الأسلاف: الدعوة إلى الاجتماعات في المساجد، وتعميم قراءة دعاء اللطيف بشكل جماعي، وخروج المصلين في مظاهرات شعبية إلى الشوارع، للمطالبة بدستور إسلامي، يُدَستِرُ أحكام الشريعة في المعاملات: السياسية والاقتصادية والقضائية ... عوض تحنيطها وتعطيلها ليستمر الظلم، والفساد والاستثناء من المحاسبة. وموازاة لذلك العمل الجهادي السلمي، لا يليق بعلمائنا الأجلاء، أن يفروا من ساحة الجهاد التشريعي، فينقض عليها فقهاء التلمود، ينفثون فيها تحريفاتهم للدين، كما فعلوه في بداية الاستقلال المنقوص، وهم أهل التخصص في تزوير شرائع الرسل. نطالبكم يا علماءنا العاملين، أن تنظموا وظيفة الجهاد التشريعي السلمي، لكي تنتجوا لنا دستورا إسلاميا، يكون جاهزا قبل ظهور دستور الفريق العلماني. فإن تقاعستم، أو تكاسلتم، فسوف يسد الفراغ علماء الزور والأجور، مرتزقة اللاييكية، تؤدي لهم ثمنا قليلا، فيسارعون في الإفتاء، لتقديس الأشخاص، وإلغاء الشريعة. ولربما بالغوا في استرضاء أسيادهم، بالترخيص بأكل رمضان ، والزنا، واللواط، والخمر، والربا، والسرقة، والرشوة، والاستئثار بالامتيازات والاحتكارات، والترامي على الثروات الطبيعية، وعلى الملك العام في البر والجو والبحر، والأراضي الموقوفة لأعمال البر، وسائر عوامل الفساد والاستبداد والجور... واللائحة تعرفونها أكثر مني، سادتي ورثة الأنبياء. حتى إذا جاء موعد الاستفتاء، قلنا للعلمانيين: لن تتكرر علينا خديعة الاستفتاءات المحبوكة رهاناتها مكرا، المعلومة نتائجها سلفا، والمخدومة صناديقها خيانة، لكي تضم أوراق الموتى... يبعثونهم من القبور، لملء الصناديق التي يقاطعها الأحياء السائمون من الكذب والزور. الشعب المسلم يريد أن تتاح له حقيقة فرصة الاختيار، وبين أمرين واضحين، وضوح الشمس في النهار: · مشروع الدستور اللاييكي من جهة، ولتكن لأصحاب التجمع اللاييكي الصراحة في تسميته باسمه، غير متنكرين ولا مراوغين لتمرير حيلة تحنيط الشريعة، أو توظيف دين مزور من أجل إسدال قداسة على أحد من العباد، أو تنزيهه عن الخطأ، أو استثنائه من المحاسبة. · مشروع الدستور القرآني من جهة أخرى، ولتكن لأصحاب الميثاق الإسلامي، الشجاعة في عرضه بتلك الكاريزماتية المتيقنة من نصر الله، لمن لا يشرك به أحدا، ولو كان من عيار كل الممانعين. ذلك خير لهم عند الله وعند الشعب الذكي، وأولى من سلوك موقف مداهنة أعداء الدين، أو استجداء المشروعية عندهم ، للحصول على موقع بئيس في مسرحهم السياسي العلماني. وكما تم لخبراء اللاييكية، مصادرة حق المغاربة في اختيار اللجنة التأسيسية لمراجعة الدستور، جاز لكم يا علماءنا الأذكياء، ويا زعماء الحركة الإسلامية الذين لا تغريهم المناصب الخادمة لحكم العلمانية الفاسد، جاز لكم أن تعينوا أعضاء ورشة مشروع الدستور الإسلامي. فأنتم في حل من مسار انتخاب اللجنة التأسيسية، الذي من الراجح أن تُحْبَكَ نتائجه ككل انتخابات العهد القديم، خاصة إن أشرف عليه سدنةالهيكل... أحبائي العلماء... لا شك أن غبار الغفلة، أو الاستغفال، قد نفضتموه لما طلعت عليكم أسماء بعينها، في لجنة مراجعة الدستور. ولربما استفهمتم: لم أغفلت أسماء أخرى، لا تشكون في أهليتها، وأحقيتها، في الاستئمان على إقامة الدين كله؟ أكيد، ما كان لكم لترضوا أن يتم التعيين، لمراجعة أسمى وأخطر قانون للبلد، لأسماء بعينها عوض أخرى: · وكيف يُرْضيكم أن تُخْتَار أغلبية اللجنة المؤسِّسة، من التيار العلماني الذي يحتقر الشريعة، وتُغْمَطَ الأحزاب الأخرى حقها في المساهمة ؟؟؟ · أو أن يُتَجاهل ذلك الفقيه الأمازيغي ... ، الذي سوف يجدد لنا الأحكام العمرية في خراجية الأراضي، وكذلك أحكام الثروات الطبيعية الكفيلة برد المظالم لإخواننا الأمازيغ. فلربما وازنا به رأي ذلك المناضل العِرقي، اللاييكي، المترامي على القضية الأمازيغية، يريد حلها حلا انفصاليا، لادينيا، فلكلوريا؟. · أليس من الغريب، أن لا يكون لرجل الاقتصاد المسلم، أي رأي، يوازن رأي خبراء الربا والريع والاحتكار والامتيازات المتوارثة والفساد المالي؟ · أليس من المرجف أن نُشَرّف بالمساهمة في الورشة فقيها في التلمود، ونُغْمط الحق نفسه، لفقيه في الشريعة ؟؟؟ · أويُختار المحامي فلان، ونتناسى أهل القانون الشرفاء من أمثال المنافحين عن سجناء التيار الإسلامي مثلا....؟ · وهل من الرأي السديد أن نثق في الباحثين المبعوث من المراكز الثقافية الأجنبية، ونهمل أساتذتنا الجامعيين المعروفين بيقظتهم تجاه الاستعمار الفكري العلماني؟ · أو أن تُكَرَّمَ فلانة بعينها، ونتجاهل أسماء سيدات عالمات عاملات معروفات على المستوى الدولي؟... ومعذرة عن عدم ذكر أسماء، بعينها كما ذكرت أسماء الفريق العلماني، ذلك من قلة اطلاعي على قدر الرجال. وعند الحاجة، سوف يقترح تيار الصحوة أولئك الخبراء الأتقياء، للمساهمة في البناء القوي الأمين. خلاصة القول: نطالب علماءنا العاملين بعلمهم، أن يقوموا قومة سلمية، مؤازرة ومرشدة لهبة الشباب، لتخليص البلد من تسلط دستور دين اللاييكية الذي هو أصل الفساد والاستبداد والفتن التابعة لها، عبر الخطوات التالية: 1. تنظيم وظيفة الجهاد التشريعي، لمواكبة إرادة المغاربة كلهم، في الإصلاح الدستوري العميق؛ 2. اختيار فريق من الخبراء الأمناء، لاقتراح مشروع لدسترة قوانين الشريعة: في السياسة، والاقتصاد، والقضاء، والتنمية، وكل مجالات الحياة؛ 3. المطالبة بتسهيل مهمة وضع مشروع الدستور الإسلامي، وحمايته من تنكيل رجال القمع المنفذين لأوامر الإدارة الأوفقيرية الحامية للفساد وأهله، وإطلاق الحريات لكل مكونات التيار الإسلامي، وخاصة من قاسوا من ظلم التيار العلماني، للمشاركة في المجهود؛ 4. إعداد مشروع الدستور الإسلامي، قبل بداية فصل الصيف المقبل، بخبرة مغربية حقيقية، لا تتردد من الاستفادة من دساتير العالم المتطور، بما فيها دساتير الغرب وإيران وماليزيا وتركيا، تُراجَعُ مقتضياتها، لتوافق مقتضيات المذهب المالكي... 5. الدعوة إلى الاجتماعات في المساجد، وتعميم قراءة دعاء اللطيف بشكل جماعي، وخروج المصلين في مظاهرات شعبية إلى الشوارع، لإنهاء الفساد والاستبداد وسياسة تحنيط الشريعة الإسلامية. 6. العمل على تحصين الدين، من أسباب الزيغ العيسوي الذي يروم إلى إسدال القداسة على الأشخاص، ومن أسباب الزيغ الموسوي الذي يزور الكتب السماوية بالحذف أو الزيادة، أوالسكوت عن الحق. وفي هذا المجال يصدر سادتنا العلماء، فتوى تجرم كل من حاول النيل من قداسة القرآن، بالدعوة إلى حذف، أو تحقير، أو استخفاف بآيات الحكم بما أنزل الله، أو دعوة إلى التفريق بين الله ورسله، أو معاداة الله ورسله. "اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون. اهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم" . والسلام عليكم ورحمة الله. الرباط ، بتاريخ 18 مارس 2011 [email protected]