بسم الله الرحمن الرحيم إلى ورثة النبي الأكرم والمصلح الأعظم؛ سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم .. إلى حملة علم الدين الذي أخرج البشرية من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ظلم الأديان إلى سماحة الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة .. إلى حماة الملة وحراس الفضيلة وأمناء الوحي .. إلى السادة العلماء الذين أخذ الله عليهم الميثاق، وأوجب عليهم النصح والبيان، وحمّلهم أمانة التوجيه والإرشاد .. إلى حفدة شيخ الإسلام أبي شعيب الدكالي، وحفدة العلامة المجاهد محمد بن العربي العلوي، وحفدة العلامة المصلح عبد الله كنون ..، رحمهم الله. اقبلوا مني هذه النصيحة، وأنا العبد الضعيف، المجل لقدركم، المشفق على نفسي وعليكم، من سؤال يوم الحساب، والموقف العسير بين يدي رب الأرباب .. أيها السادة العلماء؛ إن بلدنا يهتز تحت وطأة قدم التغيير، وإن الشباب التواق للإصلاح ينتفض للمطالبة بالتغيير، وإن أيادي المؤامرة تعبث بالعقول، وتسعى سعيا حثيثا لاستغلال موجة التغيير لصالحها، وتوجيه رياح الثورة لتلقح سحبها كي تمطر البشرية بالدمار والخراب. وإن هذا الحراك العظيم الذي يتفاعل معه الحكام والمحكومون والصغار والكبار، ويستغله الصالح والطالح؛ لا ينبغي أبدا أن يكون بمعزل عن توجيهاتكم، ولا بمنأى عن تسديدكم وإرشادكم؛ بما حباكم الله به من علم جليل، الأمة اليوم أحوج ما تكون إليه: الشباب الثائر في حاجة إلى توجيهكم، والسياسي الحائر في حاجة إلى إرشادكم، والفاسد الجائر في حاجة إلى إصلاحكم، والملحد الخاسر في حاجة إلى إنقاذكم. أيها السادة العلماء؛ إن الفكر العلماني المتغول بسط أطرافه الأخطبوطية على عقول أكثر السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، الذين لم يجدوا من يعرض لهم هذا الدين بجماله وجلاله، ورحمته وعدالته، وسموه وشموليته، كما عرض الغرب علمانيته، وكما عرضت المذاهب المادية إلحادها؛ حتى صارت محط إعجاب وانبهار، ونسي الكثيرون أن لهم دينا وشريعة تشفي وتكفي.. شريعة تقطع دابر الفساد بكل أنواعه؛ الأخلاقي والسياسي والمالي .. شريعة تقيم الإصلاح على أسس راسخة ومتينة، لا نحتاج معها لنظم أخرى؛ كثيرا ما تكون مطية للانتهازيين و(البراغماتيين) .. أيها السادة العلماء؛ تتعالى أصوات الإصلاح وتُغيّب شريعة الإصلاح. وترفع رايات التغيير، وتهجر سنة الله في التغيير. أين صوت الدين بين هذه الأصوات كلها؟ من يرفع راية الشريعة في هذا الخضم كله؟؟ سمعنا كل الأصوات؛ صوت الخبز وصوت الثورة وصوت الديمقراطية وصوت الشغل وصوت الحرية وصوت الدستور، ولم نسمع صوت الشريعة وصوت القرآن والسنة! الدين والشريعة مهجوران؛ لا نسمع لهما ذكرا عند الأحزاب السياسية، ولا نسمع لهما حسا في التجمعات الشبابية، ولا نسمع لهما همسا في النضالات الحقوقية والتصريحات الصحافية ..! هل هان علينا ديننا إلى هذا الحد؟ هل عجزنا أن نفهم الشباب والسياسيين أنه الأولى بقيادة سفينة التغيير والوصول بها إلى بر الصلاح والعدل والخير والرحمة؟ هل عجز العلماء عن تأطير الشباب وترشيدهم وإقناعهم بالحجة والبرهان؛ فتركوهم ضحية سهلة لمتغولي الإلحاد والعلمانية؟ ما بال الإسلام يمشي متعثرا في ثوب الحياء والخجل، والعلمانية تصول وتجول؟ ما بال الإسلام يتنفس من ثقب الإبرة، والعلمانية تنفخ في الأبواق وتقرع الطبول؟ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}[الأحزاب 7071] إن الظرفية لم تعد تسمح بالمشي على استحياء، ولا بالاقتصار على الدعاء، ولا بكثرة الجدال والمراء، ولكنه وقت الصدع بالحق، والجهر بدعوة الخلق؛ بكلمة جهورية، ومواقف مفصلية، ونزول قوي إلى الإعلام، وحضور مكثف في منتديات الحوار والنقاش؛ لرفع راية الدين خافقة لتكون منار هدى للحائر، وحجة إقناع للجائر: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ}[البقرة/251] أخرجوا ما عندكم أيها السادة العلماء، في شجاعة الهصور، ونشاط الغيور، وعزة تملأ الصدور، أرشدوا الموالف وناقشوا المخالف، وادعوا إلى رد الاعتبار للشريعة في الإعلام والقانون وكل المجالات .. تقدموا إلى الشعب المغربي عبر الصحف الوطنية، وما أكثرها. تقدموا إلى الشعب المغربي عبر قنواته الوطنية، واطلبوا الكلمة في منتديات الحوار. تقدموا إلى الشعب المغربي عبر الندوات والمحاضرات المكثفة. تقدموا إلى الشعب المغربي عبر التلفزات التي ملأ بها وزير الأوقاف المساجد! تقدموا إلى الشعب المغربي عبر الخطب الجادة الواقعية التي تؤصل للمفاهيم الصحيحة، وتلامس هموم المواطن اليومية. ناقشوا الأفكار واكشفوا الشبهات ودافعوا عن الثوابت التي يستهدفها من يريد الركوب على المظالم السياسية والاجتماعية لهدمها. دافعوا عنها أمام هؤلاء، وأمام من يريد أن تبقى ألفاظا دون معان، ورسوما دون تطبيق، لحساب ما يناقضها من المواثيق الدولية .. أيها السادة العلماء؛ لقد كان الملك محمد السادس وفقه الله وفيا لمقتضيات بيعته؛ حين أكد بأن الإسلام من ثوابت الدستور؛ إلا أن جهات تعمل -بشكل غير مباشر- على تفريغ هذا المعطى من معناه وحقيقته ومستلزماته، في الوقت الذي تجهر جهات أخرى برفضها لهذا الثابت، وأنهم لا يرضون بالإسلام حكما، وإنما يريدون أن يتحاكموا للمواثيق الدولية. فهؤلاء يصرحون، وأولئك يكنون؛ عملا بنصيحة أحد الفلاسفة الذي أرشد العلمانيين إلى عدم استعمال لفظ العلمانية في البيئة العربية، واستبداله بلفظ الديموقراطية الذي يحتمل وجوها في تفسيره. والجميع يشترك في مقصد إبقاء الشريعة الإسلامية بعيدة عن تأطير الحياة العامة والمشهد السياسي، وتفادي جعلها مصدرا للقوانين .. وهو ما كان يعد إلى عهد قريب؛ مطلبا استعماريا انتفض ضده المغاربة ملكا وشعبا. فهل نجح المستعمر في قلب الحقائق؟ وهل استطاع أن يروض ويدجن أحفاد الوطنيين الأحرار؟ وهل تمكن من تغيير المفاهيم وقتل الولاء لله ولدينه في القلوب؟ وأين هو دور العلماء في مواجهة هذا الكيد الخطير؟ كيف يعقل أن يخلي العلماء هذه الساحة التي يستهدف فيها الإسلام؟ ويشغلون أنفسهم بحرب إقصائية ضد من يرفض نمطا معينا من التدين؟! والله لو أحسن العلماء عرض الشريعة على الناس، واجتهدوا في ذلك بالبيان والحوار والتفاعل؛ لعلم الجميع أنه لا حل لمشاكلهم إلا في أحكامها العادلة وآدابها السامية .. إن للشريعة كلمتها في كل مجالات الإصلاح: الأخلاقي والفكري والسياسي والقانوني والاقتصادي، وإن لها دورها في مغرب العدالة والحق والقانون، ولا يحق لأحد أن يفرض على المغاربة علمانية (فولتير أو ديدرو أو مونتسكيو أو روسو)، أو إلحاد (لينين أو ستالين)، ويزعم بأنه مشكاة التنوير والتطوير، وأن غيره ظلامية وتطرف .. لقد ولى زمان هذا الفكر الإقصائي الاحتقاري مع (بن علي) ورفاقه، وبدأنا نخرج من منطق: (البقاء للأقوى) إلى منطق (البقاء للأصلح)، والأصلح هو ما جاءت به الشريعة .. لكن من يبين ذلك؟ من يبرهن عليه؟ من يقنع به بالحجة والدليل؟ من يرد الاعتبار إلى هذه الشريعة في مجالي (التقنين) و(الدسترة) .. أنتم ..؛ أيها السادة العلماء .. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآَخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ(38) إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39) إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ 40 انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[التوبة 3841]